قصة رائعة وصلتني عبر البريد الاليكتروني ..
أهديها لجميع أخواتي الحبيبات في هذا القسم ..
حليمة.. امرأة افريقية شديدة السواد.. من جزيرة صغيرة ذات اغلبية مسلمة اسمها زنجبار.. متزوجة ولديها عدة اطفال.. التقيتُها قبل اكثر من عشرين عاما
(وكنتُ في المرحلة الابتدائية وقتها) عندما كانت جارة لبيت خالتي.
كان المجلس مجلس قرآن، وكانت امي وخالتي تتدارسان القرآن عندما رن جرس الباب واقبلت حليمة لتعرّفها خالتي علينا، كانت تتحدث باللغة العربية الفصحى،
ثم جلست وبدأ صوتها يصدح بالقرآن.
لازلتُ اذكر ذلك الصوت العذب الندي، ولا يزال يتردد في اذني وكأنه ألقي على مسامعي بالامس، وهي تقرأ سورة من القرآن بصوت اشبه بصوت القاريء الشيخ عبد الباسط عبد الصمد (رحمه الله )!
انه صوت يرجف له القلب.. ويُسري القشعريرة في الجسد.. و لا يمكن لاذنك ان تنساه ما حييتِ!
انتهينا من قراءة القرآن، ثم اخذت تسرد علي وعلى والدتي حكايتها..
والد حليمة حلم ذات ليلة انه رأى احدى طفلتيه حافظة للقرآن الكريم، فاستيقظ واخبر رؤياه لهما وقال: من منكما تريد حفظ القرآن؟؟ فاجابت الطفلة حليمة بلا تردد: انا يا ابتِ! وكانت لا تفقه أي كلمة عربية آنذاك..
متنقلة بين الكتاب والمحفظين في زنجبار، حفظت الطفلة حليمة القرآن عن ظهر غيب ، وهي لا تقرأ ولا تكتب ولا تفهم حرفا عربيا واحدا!
كم استغرقها الامر؟ لا ادري. اترك لكِ الخيال لذلك!
تزوجت بعد ذلك وانتقلت هي وزوجها الى دولة الامارات العربية المتحدة بحكم عمله.. حيث التقيتُها هناك.
مرت الايام والسنوات، ولم تكن الحياة الزوجية لحليمة كاملة، فقد وصلت هي وزوجها الى مفترق طرق: طريق الدنيا وطريق الاخرة، وانفصلا، ليترك لها الاطفال تربيهم بمفردها رغم ضيق ذات اليد.
ضاقت الدنيا بحليمة، فهي أميّة لا تعرف القراءة او الكتابة، تتحدث الانجليزية (اللغة الثانية في زنجبار) لكنها لا تعرف من العربية الا النزر اليسير،
وكانت تعمل في المجال الديني وتحفيظ القرآن الكريم .
كانت احلامها كبيرة، وطموحها عارما، رغم اغترابها وطلاقها وعدم وجود اية خلفية تعليمية لها. الا انها كانت تحمل القرآن في صدرها،
وعاهدت نفسها ان تنقله لابنائها وبناتها الواحد تلو الاخر.
لا ادري كم لديها من الابناء والبنات ، لكن ما اعلمه انهم ما شاء الله تبارك الله كلهم من حفظة القرآن الكريم، او انهم في طريقهم الى ذلك
بعد تردد طويل قررت حليمة ذات يوم قرارا مصيريا كان نقطة تحول في حياتها.. لقد قررت ان تتعلم مع ابنتها الصغرى بالصف الاول الابتدائي القراءة والكتابة.
فانتسبت لمدرسة مسائية، وبدأت السلم من الصفر… لتتعلم كتابة الحروف وتهجئة الكلمات وكتابة الجمل، وتعود لتراجع مع ابنتها الدروس بكل حبور طفل يخطو خطواته التعليمية لاول مرة!
كانت جذلة سعيدة وهي تتأمل حروف القرآن وتفهمها لاول مرة، تستطيع ان تنظر الى الايات، تستطيع ان تهجئ الكلمات، شعور لا يوصف لا يعرفه الا أمّي محروم من العلم سنوات طويلة!
كان حلم حليمة ان تقرأ وتكتب، بداية….. ولكن الحلم ما لبث ان تحول الى هدف صعود السلم درجة درجة..
لكنها كانت بين حين واخر تنبش جيوبها… لتنفضها من الاعذار… ويممت وجهها شطر ما تريد وما تحلم.. وحثت الخطى دون توقف.
كم كان عمرها؟ ربما ثلاثين او يزيد.. حقيقة لا اعرف.. لكن ما اعرفه انها ام.. مطلقة.. مغتربة.. معها دستة اطفال.. والتزامات مالية.. واجتماعية.. ووظيفية… ومجتمع يبخر الهمم والعزائم ويشدك الى القاع .. واعذار لا تنتهي (بالنسبة للكثيرات منا!)..
تابعت حليمة مشوارها حتى انتهت من المرحلة الابتدائية.. ولم تكتفِ..
ثم تابعت المرحلة الاعدادية.. واردفتها بالمرحلة الثانوية… وانهتهما بنجاح… لكنها لم تكتفِ..
كانت عيناها على التعليم الجامعي..
يا الهي.. هل تتشجع؟؟
نعم تشجعت.. هي استطاعت ان تبدأ من الصفر.. فما المانع ان تتابع العد حتى نهاية الاعداد؟؟؟؟
هو أمر عسير على الفهم.. امرأة انهت تعليمها المدرسي بنجاح.. اصبحت تقرأ وتكتب… واصبحت في عداد المتعلمات بمتوسط حدود الثقافة في مجتمعاتنا اليوم.. ما الذي يدفعها لتكمل؟؟ هو امر لا يفهمه.. الا من تذوق حلاوة صعوده.. درجة درجة…
ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما.. سهل الله له طريقا الى الجنة… وحليمة كانت تشم رائحة الجنة في اعلى ذاك السلم!!
وقفت حليمة هنيهة.. تسترد انفاسها … وتقلب كفيها في حيرة… من اين لها ان تدخل الجامعة وليس لديها ما يكفي من مال للدراسة؟ كانت انفقت ما انفقت على اولادها..
تُرى هل ستدرس حليمة المرحلة الجامعية ؟؟
تابعوا معي الجزء الثاني من قصة الصمود والإرادة ..