"هامش الخصوصية بين الزوجين"
قد تبدأ العلاقة الزوجية بوجود حذر مشوب من ناحية الطرفين المؤسّسيْن لها –الزوج والزوجة- فتشاهد التحفّظ، والتجمّل، وإبداء الحسن، وإخفاء القبيح ما أمكن.
مع مرور الأيام وتقادمها ورسوخ الأمر بينهما تبدأ جدران التحفّظ بالتهاوي واحداً تلو الآخر كحجر الشطرنج معلنة الاندماج الكلي بينهما، وبالطبع هذا يكون بتوفيق من مقلّب القلوب سبحانه.
هذه الصورة قد تحدث كما هي موصوفة أعلاه، أو قد تكون مغايرة، لكنها بشكل عام لها وجودها على أرض الواقع ولها شواذها.
من الأشياء التي تسقط بين الطرفين "جدار الخصوصية"؛ بحيث يقوم الزوج بإخبار زوجته بكل شيء بلا تحفّظ، وتخبر الزوجة زوجها بكل شيء بلا تحفظ.
وإن من الخطأ يا أحبّة أن يكون الإنسان كتاباً مفتوحاً في كل شيء، ويصبح عرضة للقراء وأعينهم تتقلب في سطوره، حتى يكاد أن يجزم أحدهم ماذا سيفعل فلان أو ستفعل فلانة في اليوم القادم. هذا لا ينبغي وليس من الحكمة في شيء.
من الأشياء التي يفعلها بعض الرجال القيام بإخبار زوجاتهم عن ما يلي على سبيل المثال لا الحصر:
1) عيوب أهله، أو أحد إخوانه الذكور.
2) إفشاء أسرار معينة لبعض أخواته.
3) أسرار بعض زملائه، مثل: رواتبهم، سفرياتهم، حياتهم الزوجية...الخ.
4) نقل أحاديث الرجال في المجالس لزوجته حرفياً كما يفعل جهاز التسجيل.
5) ...الخ.
هذا النوع من الرجال ينبغي التحفظ معه، وعدم إخباره بما يمكن أن يسبّب الضرر في الحاضر والمستقبل. بل أن البعض منا يسخر منه، ويطلق عليه الطرف والنوادر المضحكة.
أتاني شخص ذات يوم، وتحدث معي في موضوع، ثم قال: أنصحك بالتحفّظ مع زوج أختي فهو يخبرها بكل شيء، وأنا لا أريد الدخول في مشاكل حيث أن الكلام سيصل إلى أهلي لا محالة.
على الضفة الأخرى هناك بعض الأشياء التي يفعلها النساء فتقوم الزوجة بإخبار زوجها عنها على سبيل المثال لا الحصر:
1) وصف بعض البنات للزوج. وهذا منهي عنه شرعاً. يقول صلى الله عليه وسلم (لا تباشر المرأةُ المرأةَ فتصفها لزوجها كأنه ينظر إليها). متفق عليه.
المرأة قد تفعل هذا بحسن نية فتصف قريبتها أو فلانة من الناس، وهنا يلتقط الشيطان دفّة الحديث والوسوسة فيقود إلى أمور لم تكن بالحسبان. وعادة نجد أن المرأة أقدر في الوصف من الرجل بحكم نظرتها التحليلية والتفصيلية والتوسعية.
2) إخبار زوجها بعيوب أهلها، أو بعض أسرار بيتها الذي خرجت منه. وهذا خطأ كبير يحدث غالباً في بداية الزواج بسبب قلة خبرة الفتيات، واسترسالهنّ في الحديث بلا هوادة. والواجب إظهار الوجه الحسن عن أهلها للزوج، وستر القبيح حتى لا تنزل مكانة أهلها في عينه كما تنزل الدمعة من العين. وهذا أمر مشاهد.
3) إخبار زوجها ببعض أسرار صديقاتها مما لا ينبغي قوله، أو بما قالت فلانة عن زوجها في تلك الجلسة.
4) بعض أسرار أهلها مما لا يصح معرفته أبداً.
5) ...الخ.
بالطبع إن من يقوم بهذه التصرفات يجد في نفسه الثقة التامة بالطرف الآخر، إضافة إلى التبسّط، ورفع حاجز الكلفة، وربما لقلة المواضيع بين الزوجين وعدم وجود موضوع للحديث عنه ينجرف أحدهما إلى نبش ملفات الآخرين وإخراج بياناتها. وإنه والله ليس من اللائق بسط أخبار الناس، وانتهاك خصوصياتهم وعرضها للآخرين.
أرجو أن لا يُفهم من قولي هذا أن تكون العلاقة بين الزوجين رسمية يسودها التكلف كبعض علاقات زملاء العمل، لكني أرى أن يكون أحد الطرفين واعياً مستبصراً بهذه الأمور.
ويمكن معرفة قدرة الطرف الآخر على الحفظ أو الإفشاء من بداية مسيرة الحياة الزوجية فيتم التقييم على تلك العلامات الظاهرة. على سبيل المثال: يمكن إخبار أحد الطرفين بأمر ما، فإن وجد ثقة وكتماناً فلا بأس، وإن وجد العكس فالحذر واجب، وعلى ضوئه يتم سنّ أسس التعامل.
علاوة على ذلك أرى أن تكون العلاقة بين الزوجين مؤسسة ومربوطة إلى ركن متين من الودّ، والاحترام، والصدق، والعشرة بالمعروف، والحديث مع بعضهما، والتبسّط مع إبقاء هامش من الخصوصية وإن كان بسيطاً كخيط رفيع.
ربما تكمن بعض الصعوبة في قياس هذا الأمر لكنه يحتاج إلى توازن حيث أن الحياة من مبادئها القيام على لعبة التوازن، ثم معرفة ما يقال وما يُترك من لغو الكلام؛ فليس كل ما يُعلم يقال.
:::
تذكير:
يقول الله تعالى (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدواً مبيناً)
يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم (إذا حدث الرجلُ الرجلَ بالحديث ثم التفت فهي أمانة).
:::
ملاحظة: بالإمكان نسف كل ما تم كتابته أعلاه في حالة الضرورات، والضرورات تقدّر بقدرها، ولها أوضاعها.
:::
قولي صواب يحتمل الخطأ، وقول غيري خطأ يحتمل الصواب.
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم.
أخوكم في الله/ حاتم بن أحمد-الرياض
التعديل الأخير تم بواسطة البليغ ; 10-07-2011 الساعة 02:00 PM