حقا يا أبا قتيبة؟! والموت حق!
حقا ً لن أراك مرة أخرى؟!
حقا ً لن أشاهدك أبدا ً على شاشات الفضائيات؟!
حقا ً لن أسمع "أبا الطوارق! حُييّت من رجل" التي كنتَ تقولها عندما أهاتفك على الجوال؟!
حقا ً سوف أقرأ "الشرق الأوسط" كل صباح، ولن أجد فيها مقالك ولن أرى صورتك؟!
حقا ً لن أقرأ "أربعائياتٍ" جديدة أطرب بروعتها كما كنتُ أطرب بشقيقاتها من قبل؟!
حقا ً استطاع السرطان أن يقضي على مخك الذي خرجت منه أذكى الأفكار؟!
حقا ً فارقتنا الفرقة الأبدية منذ أكثر من عشرة أيام؟!
حقا ً أنا حضرتُ صلاة الجنازة عليك وشهدتُ دفنك؟!
والله إني عندما أتخيل هذا كله!
لا أكاد أصدق! لا أكاد!
فأهرعُ إلى الماضي الذي غالبا ما يكون جميلا
إذا أردتُ أن أهرب من قسوة الحاضر
فأتذكر إفحامك لخصومك على قناة الجزيرة
لقاءك الشهير مع تركي الدخيل في "إضاءات"
إبداعك في ندوة "التعليم ودوره في ثقافة الإصلاح" مع الدكتور عبدالله الغذامي والدكتورة هند الخثيلة
لقاءك الرائع مع يوسف الجاسم عندما عدتَ من رحلتك الأولى للعلاج
فتطوف أحداثا ً كبيرة في خيالي، كنتَ أنت بطلها:
اشتراكك في تأسيس منظمة فتح في الكويت
جهادك ضد الصهاينة في لبنان والأردن
مناصرتك للثوار في اليمن الجنوبي ضد الاستعمار البريطاني
سجنك في إقليم "ظفار" بعُمَان
انضمامك لصفوف المعارضة في الكويت
حصولك على الدكتوراه من جامعة هارفارد العالمية
بعدها
أصبحتَ أكثر عقلانية وحكمة
وعرفتَ أن نهضة الأمة وعزتها لا تعود بحمل السلاح وحسب
وإنما تعود بمحاربة التخلف في شتى المجالات
فتحولتَ من ثائر إلى مسالم
ومن معارض إلى محايد
لم تكن قضيتك طوال حياتك سوى النهوض بهذه الأمة
ورفع الحزن واليأس عن أفرادها
كنتَ صادقا ومخلصا
كنتَ متفائلا بعنف
ترى النور في نهاية النفق
كنتَ إيجابيا بشدة
ترى الظلام ضياءً وتذوق المُرَّ سُـكّر
كنتَ رقيق المشاعر
تؤثر فيك دمعة الطفل الصغير
تساعد الفقراء وترأف بالمحتاجين
تدافع عن المظلومين في كل مكان
يسحرك الجمال أيا كان شكله:
لوحة، قصيدة، وردة، ناطحة سحاب
تعشق مهنة التدريس
حتى كنتَ تقول: "ارتاح إذا شميت ريحة الطباشير"!!
دافعتَ عن آرائك بشراسة
واحترمتَ كل من خالفك الرأي
ركبتَ القلم حصانا في ميادين الثقافة
فملأتَ الدنيا وأشغلتَ الناس بأدبياتك الخالدة
تربعتَ على عرش وزارة التربية والتعليم العالي
ووضعتَ نظريتك الشهيرة: "التعليم مهنة لا تقبل التسييس"
نجحتَ في الفوز بمقعد في مجلس الأمة لثلاث مرات
وكنتَ أكثر الأعضاء صخبا ً وإثارة
دخلتَ عالم المال والأعمال فنجحتَ نجاحا كبيرا
كنتَ شخصا واحدا ولكن مواهبك (المجاهد، الأستاذ الجامعي، الوزير، البرلماني، الكاتب، الشاعر، الفيلسوف، التاجر) ربما لا تتوفر في آلاف الأشخاص! وربما الملايين!!
كنتَ أمة كاملة في رجل واحد!
ثم تعيدني اليقظة من خيالي فأقول:
حقا ً لن أراك مرة أخرى؟!
لا! لا! لا! لا! لا!
اللهم لا اعتراض على قضائك وقدرك
والحمدلك على كل حال
أبا قتيبة!
أيها الرجل العظيم!
رحمك الله رحمة واسعة
التعديل الأخير تم بواسطة الوفية لوالديها ; 27-03-2008 الساعة 12:34 AM