علماء الدين: تأخير الإنجاب حرام
تحقيق - السيد عبدالسلام: قضية الانجاب قضية حيوية في المجتمع العربي، حيث ان عدمه يشكل واحداً من اعمق وجوه المعاناة الانسانية واصعبها علي الاطلاق فالانجاب هو استمرار لحياة الوالدين بعد وفاتهما.
والحقيقة ان هناك اسبابا أخري تعود لعدم الانجاب منها عدم المقدرة علي الزواج ويعني هذا ارتفاع معدل العمر الامر الذي يشكل خطورة كبيرة علي المجتمع المسلم ومنها بالطبع الانشغال بقضايا بحتة منها الانشغال بأمور الحياة وكذلك عدم الاقرار بوجوب الجواز أو تأخير الانجاب من جانب المرأة التي تريد ان تتربع علي عرش الانوثة من خلال النحافة وعدم الترهل وممارسة الرياضة بقصد الرشاقة الامر الذي يؤدي في النهاية الي ضمور المجتمع وتنشأ عنه مشكلات.
صورتان
يذكر د.عبدالله فقيه المشرف علي مركز الفتوي بالشبكة الاسلامية ان تأخير الانجاب له صورتان الاولي ان يكون ذلك ناتجا عن قطع الانجاب نهائيا ولاشك ان هذا محرم تحريما غليظا لما فيه من تغيير خلق الله ولما فيه من المصادمة لمقاصد الشريعة ولا يستثني من التحريم في هذه الصورة الا حالة واحدة هي إذا ثبت عن طريق الاطباء الثقات ان حياة الأم في خطر ان هي انجبت ويكون ذلك عن يقين جازم أو ظن غالب وشرط ان يتعين قطع الانجاب وسيلة لتفادي هذا الخطر الداهم.
والصور الثانية ان يكون ذلك وسيلة تمنع الانجاب منعا مؤقتا والاصل في تأخير الانجاب بهذه الوسيلة ان يكون جائزا وقد يعتريه ما يحمله راجحا وما يحمله مرجوحا وذلك بحسب ما يتحقق من المصالح وما يدفع من المضار.
العزل
ويتناول د.فقيه قضية العزل باعتباره من وسائل تأخير الانجاب يقول نص العلماء علي بعض الصور التي يترجح فيها العزل ومنها ما إذا كانت الموطوءة وزوجها في دار الحرب وخشيا علي الولد ان ينشأ علي الكفر وما إذا كانت مرضعا وخشيت علي رضيعها ان هي حملت وما إذا كانت ممن ينهكهن الحمل المكرر المتقارب.
ويذكر د.فقيه اذا كان تأخير الانجاب بسبب المحافظة علي الرشاقة والصحة فلا نري انه مسوغ ويقول ان الامة بحاجة الي ابنائها وتأخير الانجاب بسبب الرشاقة تفوح منها رائحة التأثر بالافكار التي لا تقيم وزنا إلا للمادة اضافة الي انها مما يروج له أعداء الأمة.
المهاوي
ويري د.فقيه ان القوم بعد ان اعرضوا عن الانجاب لتلاشي الروابط العائلية وجنحوا الي المهاوي التي هي أسفل الدركات التي تعزف عنها اكثر البهائم بعد ان وصلوا الي هذا المنحدر السخيف افاق بعضهم الي انهم في سبيلهم الي الانقراض وان الامم حولهم في تكاثر مستمر وهم في انحسار دائم فاطلقوا مثل هذه الافكار.
اما ما يختص بتأخير الزواج بتأخير مسبباته فيري د.عبدالله فقيه ان الشرع رغب في النكاح اشد الترغيب لما فيه من المقاصد الشرعية العظيمة لتكثير النسل وطلب العفاف قال تعالي وأنكحوا الايامي منكم والصالحين من عبادكم وامائكم ان يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم.
وروي البخاري ومسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه ان رسول الله صلي الله عليه وسلم قال يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه اغض البصر واحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فانه له وجاء وقد نص الفقهاء علي ان الزواج يكون واجبا فيما إذا خشي المرء علي نفسه الفتنة.
تحديد النسل
أما تأخير الزواج لاجل تأخير الانجاب فلا ينبغي لان تكثير النسل في نفسه مقصود للشرع وتأخير الانجاب خوفا من الفقر فإن الله تعالي جعل الزواج وسيلة للغني كما في الآية الكريمة السابقة ثم ان الله تعالي تكفل لخلقه برزقهم فقال تعالي وما من دابة في الارض إلا علي الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين.
اما الدعوة الي تحديد النسل فيري د.فقيه انها من افكار اعداء الاسلام وهدفها الكيد للمسلمين ويعتبر ان اجابة هذه الدعوة خطر كبير علي المجتمع المسلم وتترتب عليها اثار سيئة منها اضعاف الكيان الاسلامي باضعاف قوته البشرية والعودة بهذا المجتمع الي اخلاق الجاهلية والتسهيل لاعداء الاسلام لاستعمار بلاد المسلمين واستعمار اهلها اضافة الي طمس الفطرة المستقيمة التي فطر عليها الخلق في حب كثرة الولد.
منهج الله
ويري الشيخ عبدالعظيم عبدالحق امام وخطيب جامع آل عبدالغني بمنطقة النجمة واحد المفتين بادارة الدعوة ان الله اراد وجود الانسان علي الارض ليقيم العبودية لله سبحانه وتعالي فيها ويعمرها بمقتضي منهج الله الذي اراد بعلمه المحيط بكل شيء وحكمته البالغة ورحمته الواسعة فاستخلف الناس في الارض أي جعلهم خلائف يخلف بعضهم بعضا جيلا بعد جيل وهذه الاجيال انما تتعاقب بالزواج الذي جعله الله تعالي وسيلة لتناسل الذرية.
ويقول الشيخ عبدالحق لذلك كان من اهم مقاصد الزواج انجاب الذرية التي تعمر الارض بعبادة الله تعالي وتعبده بعمارة الارض وقد امر سبحانه بالزواج فقال تعالي وأنكحوا الايامي منكم والصالحين من عبادكم وامائكم ان يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم وربط سبحانه بين الزواج والذرية باعتبارها ثمرة مرادة فقال تعالي ولقد ارسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم ازواجا وذرية.
العفاف
ويقول ان الله يمن علي عباده بان جعل لهم ذرية فقال والله جعل لكم من انفسكم ازواجا وجعل لكم من ازواجكم بنين وحفدة ورسول الله صلي الله عليه وسلم يحث علي الزواج من العفاف والذرية فيقول يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه اغض للبصر واحصن للفرج وجاءه صلي الله عليه وسلم رجل فقال يا رسول الله اني اصبت امرأة ذات حسب ومنصب ومال الا انها لا تلد أفاتزوج بها فنهاه رسول الله صلي الله عليه وسلم ثم اتاه الثانية فقال مثل ذلك ثم اتاه الثالثة فقال مثل ذلك فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم تزوجوا الولود الودود فإني مكاثر بكم الامم .
الاعتداء
وقال الشيخ عبدالعظيم عبدالحق كما ضمن الاسلام اسباب وجود الذرية فإنه قد ضمن سلامتها وحرم الاعتداء علي حياتها فقال تعالي ولا تقتلوا اولادكم خشية املاق نحن نرزقهم واياكم ان قتلهم كان خطئا كبيرا، وحين سئل رسول الله صلي الله عليه وسلم عن اعظم ذنب قال ان تجعل الله ندا وهو خلقك وان تقتل ولدك خشية ان يطعم معك وان تزاني حليلة جارك .
ويقول ان الاسلام ضمن للذرية حقوقها من الرعاية البدنية والنفسية والمادية والتوجيهية وغيرها دل علي ذلك قوله تعالي والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين لمن اراد ان يتم الرضاعة وعلي المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس الا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلي الوارث مثل ذلك وان كن اولات حمل فانفقوا عليهن حتي يضعن حملهن وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديداً .
الفطرة
وبناء علي ما سبق فإن أي عمل يقصد من ورائه قطع النوع البشري أو تحديده هو مضاد للإسلام واعتداء علي الإنسانية وتصادم مع إرادة الله تعالي ولا يجوز الإقدام عليه لأنه مضاد للفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها ومخالف للشريعة التي ارتضاها الله لعبادها ووسيلة إلي إيذاء المسلمين والكيد لهم بتقليل عدوهم مما يسهل علي غير المسلمين القدرة علي استعمار بلاد المسلمين واستعباد أهلها والتمتع بثرواتها وقطع النوع البشري أو تحديده إنما ضرب من أعمال الجاهلية وسوء الظن بالله تعالي وإضعاف للكيان الإسلامي بصفة عامة.
الغاية
ويقول إن النساء اللائي يرغبن في تحديد الأسرة من أجل التوظيف أو العمل ابتغاء الأموال الكثيرة وينسين الغاية التي خلقن لها وفرضها الله عليهن كأمومة النوع البشري فإن هذا التصور لا صلة له بالإسلام قطعاً وقد قرر الفقهاء بخصوص منع الحمل أو تحديده أو تنظيمه ما يلي:
لا يجوز للرجل استخدام الأدوية المانعة للحمل مؤبداً في أي حال كما لا يجوز ذلك للنساء أيضاً إلا في صورة استثنائية للمرأة وهي أن تكون المرأة بحالة يري الأطباء الحذاق الموثوق بهم إنها إذا حملت لجديد يغلب الظن أنها تهلك أو يتلف عضو منها فيجوز لهذه المرأة إجراء عملية جراحية لكي لا يستقر الحمل.
كما لا يجوز في عامة الأحوال استخدام الأدوية أو التدابير المانعة للحمل مؤقتاً إلا أن بعض صور استثنائية يجوز فيها استخدام الأدوية أو التدابير المانعة للحمل مؤقتاً وهي أن تكون المرأة ضعيفة جداً ويري الأطباء الحذاق أنه لا تتحمل الحمل وإذا حملت فالخوف قوي أن يصيبها ضرر شديد أو مشاكل لا تطاق.
حالات فردية
كذلك إن خشيت المرأة علي طفلها الموجود في رضاعته وترعرعه وتربيته إذا حملت فإنه لا يجوز استخدام الأدوية والحبوب التي تمنع الحمل مؤقتاً بقصد المباعدة بين فترات الحمل أو إيقافه لمدة معينة لحاجة معتبرة شرعاً أيضاً يري الشيخ عبدالعزيز عبدالحق أنه لا يجوز تحديد النسل مطلقاً ولا يجوز منع الحل إذا كان القصد من ذلك خشية الإملاق لأن الله تعالي هو الرزاق ذو القوة المتين وما من دابة في الأرض إلا علي الله رزقها كما لا يجوز إذا كان لأسباب أخري غير معتبرة شرعاً.
أو تعاطي أسباب منع الحمل، تأخيره في حالات فردية لضرر محقق ككون المرأة لا تلد ولادة عادية وتضطر إلي إجراء عملية جراحية لإخراج الجنين فإنه لا مانع من ذلك شرعاً وكذلك إذا كان تأخيره لأسباب شرعية أو صحية يقرها طبيب مسلم ثقة بل قد يتعين منع الحمل في حالات ثبوت الضرر المحقق علي الأم بتقرير من يوثق به من الأطباء المسلمين.
الاجهاض
ويقول الشيخ عبدالحق إن الحاجة المعتبرة شرعاً التي تتطلب تأجيل الحمل تكون بحسب تقدير الزوجين عن تشاور بينهما وتراض بشرط ألا يترتب علي ذلك ضرر وأن تكون الوسيلة مشروعه وألا يكون فيها عدوان علي حمل قائم وكذلك لا تجوز ممارسة الاجهاض بقصد تحديد النسل أو تنظيمه وبدلاً من تعطيل الانجاب وقتل الأجنة يجب تقديم المعونة المادية والمعنوية والإيمانية للحفاظ علي بقاء الجنس البشري الذي سخر الله له كل شيء وجعله سيداً وفي هذا الكون ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم علي كثير ممن خلقنا تفضيلاً وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه أن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ويري أنه لا يجوز اصدار قانون عام يحد من حرية الزوجين في الانجاب أو يجبر الناس علي تحديد النسل بأي وجه من الوجوه.