تكمله
وتفترضُ واحدةٌ من أحدث النظريات المعرفية أن الخبرات النفسية المعرفية القديمة والأحداث الحرجة في حياة الشخص إبان بداية أعراض الوسواس القهري تدفعه إلى مجموعةٍ من الاعتقادات أو الافتراضات مثل:
-1- أن عدم منع الكارثة سيئٌ بقدر التسبب في وقوعها وهوَ ما يضخمُ الإحساس بالمسؤولية.
-2- من الأفضل أن تكونَ آمنًا عن أن تكونَ آسفًا، وهو ما يمهد لاجتناب الفعل من أجل اجتناب الخطر.
وعندما تحدثُ لمثل هذا الشخص فكرةٌ اقتحاميةٌ فإنه يخطئُ في تفسير أو تقدير أهميتها من خلال اعتقاده أن الفكرةَ ما هيَ إلا إرهاصٌ للسلوك أي أنها تتنبَّأُ بالسلوك" مثلاً: ما دمتُ فكرتُ في أن أذبحَ بنتي الصغيرة إذن فمن الممكنِ أن يحدثَ ذلك بالفعل أو ما دمتُ تخيلتُ نفسي في موقفٍ جنسي مع زوجة عمي إذن من الممكنِ أن أفعلَ ذلك في يوم ما"، إضافةً إلى اعتقاده أنهُ مسئول عن منع نتيجة هذه الفكرة" مثلاً: لابدَّ من وجودِ جارتي أو زوجي معي عند استخدامي للسكين، أو لن أزورَ عمي مرةً أخرى مهما حدثَ لكي لا يقعَ المحظور" وتتداخلُ بعد ذلك مجموعةٌ من أساليب التفكير الغير سوية الناتجة عن ارتفاع حساسية الفرد بسبب القلق وربما الاكتئاب الناتج عن هذه الطريقة في التفكير كما يتداخلُ نزوع هؤلاء الأشخاص إلى التفكير السحري أو الخيالي Magical Thinking الذي يعطى الأفكارَ قوةً كقوةِ الفعل إضافةً إلى تحيزهم الانتباهي والاستنتاجيَّ الذي يجعلهم منشغلينَ بالفكرة التسلطية وكل ما يتعلق بها من منبهات بيئية، كذلك فإن محاولات المرضى المستميتة لكبت الفكرة التسلطية التي تؤدي على العكس إلى زيادة إلحاحها على الوعي مما يوقعُ المريض في حلقةٍ مفرغةٍ من الأفكار التسلطية والأفعال القهرية الناتجةِ عنها وتتفاعلُ كلُّ هذه العواملُ لإبقائه في هذه الحلقة المفرغة، إلا أن هذا التصورَ المعرفي رغم شرحه لكيفية حدوث الاضطراب لا يجيبُ أيضًا على سؤال لماذا يحدثُ اضطراب الوسواس القهري لشخص معينٍ دونَ الآخر.
ما أراه متماشيا مع خبرتي الشخصية مع مرضى الوسواس القهري من أن "تلك الأفكار الطفيلية أو المتطفلةَ المرسخةَ لدى مريض الوسواس القهري لتكونَ هيَ الأفكار الأساسية (أي المقتحمة ثم التسلطية)، فيما بعد عندما تظهرُ أعراضُ اضطراب الوسواس القهري فتملأ وعيهُ وتتسلطُ عليه، هذه الأفكار القبل تسلطية (إن جازت لنا التسمية) إنما تكونُ في أغلب الأحيان من نفس جنس أو موضوع الأفكار التي تحتلُّ التيار الرئيسيَّ لدى المريض ولكنها معارضةٌ لها في الاتجاه، بمعنى أن المريض المحافظ جنسيا والذي يشغلُ هذا الأمرُ جزءًا كبيرًا من تفكيره يكونُ مرشحًا للمعاناة من فكرة تسلطيةٍ جنسيةٍ وكذلك المريضُ الذي يكونُ مفرطًا في اهتمامه بالموضوع الديني يكونُ مرشحًا أكثرَ من غيره للمعاناة من أفكارٍ تسلطيةٍ دينية أو عقائدية وقد رأينا في الممارسة الإكلينيكية حالاتٍ كثيرةً يختلطُ فيها هذا بذاك"، لكنَّ كل ذلكَ لا يقولُ لنا ما هو المصدرُ الأولي للفكرة التطفلية أو الاقتحامية.