
^^ أخطار الرصاص الصحية والحماية الربانية..موضوع مهم وخطير^^
بسم الله الرحمن الرحيم
يعاني بعض الأطفال خاصة من ضعف الذاكرة والتبلد، وسرعة الغضب والإثارة، والحركة المفرطة، واعتلالات صحية أخرى، ويعتقد كثير منا أن هذه الأعراض قد تعود إلى فطرتهم التي خُلِقوا عليها، في حين أننا لو بحثنا في هذا الأمر لوجدنا معظم هؤلاء قد ولدوا أصحاء، جسمهم معافى من الأمراض، ومخهم سليم من الاعتلالات والأذى، ولكن هناك أشياء متنوعة ربما صاحبتهم في حياتهم اليومية، أخذت تقذف في أجسامهم مواد وعناصر ضارة سامة بكميات ضئيلة تراكمت فيها مع مرور الأيام والسنين، وبدأت تأثيراتها في الظهور تدريجيٌّا. وهذه المواد والعناصر الضارة كثيرة، لكن الرصاص يُعَدّ من أهم العناصر التي تسهم في التأثير على مخ الأطفال خاصة والكبار عامة، فهو يدخل في الجسم من مصادر عديدة ومتنوعة، ولذلك فإن هذا المعدن يعد من أكثر المعادن التي لاقت اهتمامًا بالغًا من قبل المختصين والعامة، وشملت الدراسات والأبحاث حوله مواضيع تلويثه للهواء والماء والتربة والغذاء، وتأثيره على معظم الكائنات الحية، وذلك بسبب تأثيراته الواضحة على عقول البشر وصحتهم، فهو في مختلف بلاد العالم ربما يكون أحد المصادر التي تعمل على نشوء أجيال متخلفة عقليٌّا وصحيٌّا إذا تعرضت إلى تركيزات عالية من الرصاص، لذلك ذهبت جميع الجهات المسؤولة عن الصحة عالميٌّا ومحليٌّا إلى تشريع القوانين والتشريعات المختلفة لإبعاد معدن الرصاص من معظم المصادر التي تصاحب الإنسان في حياته اليومية، وتوعيته بأخطاره الصحية التي لا تنحصر فحسب في التأثيرات على المخ وإصابته بأضرار صحية متنوعة، وإنما قد يسبب له فقر الدم والتأثير في خصوبة الرجل والمرأة، والإصابة بآلام في البطن ومغص شديد، والتأثير على الجهاز العصبي المركزي، وتلف الكل
إن المصادر التي تعرضنا إلى الرصاص كثيرة ومتنوعة وهي تشمل: المصاهر، والمصانع، ووقود السيارات (البنزين)، والأصباغ، والأطعمة المحفوظة في العلب المعدنية، والتربة الملونة، وغبار المنازل.
ويُعدّ حتى الآن اللعب في التربة الملوثة واستنشاق غبار المنازل من المصادر المهمة التي تعمل على دخول الرصاص في أجسام أطفالنا على وجه الخصوص.
ولقد تنبه العلماء إلى خطورة الرصاص على صحة الكبار والأطفال خاصة من خلال دراساتهم وأبحاثهم، وخرجوا بتوصيات عديدة لمختلف الجهات المسؤولة المحلية والعالمية؛ للحيلولة دون التعرض إلى مصادر الرصاص، وكان من بين هذه التوصيات: نزع الرصاص من البنزين، وهذا مطلب لا بد منه؛ كي تجنب البشرية مصدرًا من مصادر تلوث البيئة بالرصاص، حتى وإن كان هذا المصدر غالبًا ما يكون حبيسًا في بيئات الطرق، غير أنه كان ينبغي علينا أن نتنبه ونحذر من مشكلات البديل، ونسأل أنفسنا:
هل بديل الرصاص سينفث في البيئة ملوثات أخرى أم لا؟ وإذا كان البديل له ملوثات، فهل أضرار هذه الملوثات أقل أو متساوية، أو أكثر من تلك التي تنتج عن الرصاص؟.
إذا كانت التأثيرات الصحية التي تنتج عن البديل أقل من تلك التي تنتج عن الرصاص فلا بد إذًا من تعميم البديل حتى نتخلص من مصدر واحد من الملوثات بالرصاص على الأقل.
ومن المعروف أن معدن الرصاص يضاف إلى وقود السيارات كي يرفع العدد الأكتيني للبنزين، ويكون عاملاً ضد الخبط (تخبيط محرك السيارة)، ولعل إضافة هذا المعدن في وقود السيارات (البنزين) كمادة مانعة للخبط قد وجه الأنظار إلى هذا المصدر؛ إذ تنطلق من عوادم السيارات جزيئات الرصاص بمختلف أشكالها وتركيباتها وأحجامها.
وهذا ما أقلق العلماء وعامة الناس؛ خوفًا من دخول الرصاص في الأجسام عن طريق هذا المصدر.
وبالرغم من أن وجود الرصاص في الهواء هو مصدر لدخول هذا المعدن في جسم الإنسان، إلا أن الخوف من هذا المصدر مبالغ فيه للغاية مقارنة بالمصادر الأخرى التي غالبًا ما تؤدي إلى دخول الرصاص في جسم الإنسان بكميات كبيرة جدٌّا تفوق آلاف المرات ما يدخل عن طريق هواء التنفس، وخاصة بالنسبة للأطفال الصغار الذين يلجأون غالبًا إلى مضغ التربة وكسرات الدهانات الساقطة من الجدران، فكسرة من طلاء ـ أزيل من الجدار أو موجودة على قطعة من الخشب ـ في حجم قُلامة الظفر تحتوي على كمية رصاص تتراوح بين 50 إلى 100 مجم، في حين أن أعلى تركيز للرصاص يمكن أن يوجد في هواء المدن يتراوح بين 30، إلى 5,83 .
على أية حال فمن المواد التي بدأت تستخدم حاليٌّا كبديل للرصاص المضاف لوقود السيارات (البنزين) مركب الأيثر ميثيل ثالث البوتايل (MTBE) الذي يضاف للوقود بنسبة 7 إلى 12 في المائة.
وموضوع هذا المقال لا يتعلق بهذا المركب وأخطاره الصحية التي بدأت تتكشف لنا والتي جعلت ولاية فلوريدا الأمريكية تقوم بوقف استخدامه مع نهاية العام الحالي، وإنما يتعلق بإلقاء الضوء على العوامل الطبيعية التي أودعها الله ـ سبحانه وتعالى ـ لحمايتنا من أخطار الرصاص الذي يقذف في البيئة من المصادر المختلفة أو من عوادم السيارات التي تستخدم الوقود المرصص (المضاف له رصاص).
فما هي هذه العوامل؟ وكيف يحمينا الله بها من أخطار الرصاص؟
قبل أن نلقي الضوء على هذه العوامل، يجدر بنا أن نتعرف على حقيقة إتاحة العناصر والمواد وتقييدها.
إذ ربما يتعجب أحدنا إذا قلنا له إن وجود العناصر والمواد الضارة السامة بكميات كبيرة جدٌّا في البيئة قد لا يكون له ذلك الأثر الضار المتوقع منه، فوجود هذه العناصر والمواد بصورة مقيدة غير متاحة للامتصاص يماثل تقريبًا عدم وجودها، ونتعرف فيما يلي على مزيد من هذه الحقيقة.
إتاحة وإمساك العناصر:
كل من يدرس علم التسمم البيئي Environmental Toxicology أو علم التلوث البيئي ـ لا بد له أن يتعرف على حقيقة إتاحة وإمساك العناصر للكائنات الحية، هذه الحقيقة لا تختص بالعناصر والمواد الضرورية للحياة فقط؛ وإنما تشمل المواد والعناصر غير الضرورية للحياة، أي العناصر والمواد السامة والمهلكة، ولا بد للدارس أن يعرف متى تستفيد أجسام الكائنات الحية من المواد النافعة، ومتى تتضرر من المواد الضارة.
وقد ألقينا الضوء على هذه الحقيقة في الجزء الأول من كتاب (وجوه متنوعة من الإعجاز العلمي في القرآن والسنة) (زللي، 1418هـ)، متتبعين الإتاحة والإمساك في النباتات كمثال يوضح هذه الحقيقة.
فعلى سبيل المثال، إن وجود المواد الضرورية لحياة النباتات وتوفرها بقدر عظيم في البيئة التي تنمو عليها قد لا يعني شيئًا لنموها وازدهارها، فهناك آليات وعمليات وتفاعلات تتم في البيئة قد تمسك بالعناصر والمواد النافعة، وتجعلها في صورة مقيدة غير متاحة للامتصاص، فإذا لم تدخل هذه المواد بواسطة الماء في داخل أجزاء النباتات وتختلط بخلاياها وأنسجتها، فإن النباتات لا تستفيد من وجود ووفرة هذه المواد النافعة في البيئة التي تعيش فيها؛ لذا فقد نلاحظ أنه على الرغم من توفر المواد الضرورية لحياة النباتات بكميات كبيرة في البيئة؛ إلا أنها تفتقر إليها، ويرجع ذلك لوجود هذه المواد في صورة غير متاحة للامتصاص بالقدر المناسب، ومثل النباتات في ذلك كمثل الإنسان الذي يظل في حجرة ممتلئة بالمال ولكنه لا يملكه، فهو لا يستفيد منه بشيء، إلا إذا أتيح له قدر منه وتزداد الاستفادة من المال بزيادة القدر المتاح منه له. وهذا المثل يتشابه تمامًا مع وجود ووفرة العناصر والمواد المختلفة وإتاحتها أو عدم إتاحتها للكائنات الحية.
فالنباتات ـ مثلاً ـ تنمو جذورها في الأرض، وتمتد فروعها وأوراقها في الهواء، وفي الأرض والهواء تتوفر معظم العناصر والمواد التي يحتاج إليها النبات، فإذا أتيحت له هذه المواد ودخلت في النبات واختلطت بخلاياه وأنسجته، عندها يستفيد النبات ويزداد نموه ويترعرع وينتج الثمار والخضار، أما إذا لم تتح له هذه المواد فلا نفع عندئذ ولا استفادة منها بالشكل المناسب.
وعلى النقيض من ذلك فإن المواد الضارة أو المؤذية، إذا أمسكت وقيدت في الخارج (أي في التربة والبيئة التي تعيش عليها النباتات) ولم تدخل في داخل النباتات وتختلط بخلاياها وأنسجتها فإن النباتات لا تتضرر أو تتأذى منها.
والحقيقة التي نود أن نلفت إليها الانتباه هو أن استفادة النباتات من المواد المفيدة أو تضررها من المواد المؤذية أو المهلكة لا يتم إلا بعد أن تدخل المواد داخل النباتات وتختلط بخلاياها وأنسجتها.
يتبع --- >