سامحيني يا أختي...
بعد فراغي من صلاة العشاء في مسجد الحي،،،
و لما هممت بالخروج من المسجد بعد خروج أغلب المصلين
شاهدت طفلة في عمر السابعة أو الثامنة، جميلة الشكل، بيضاء اللون ذات
شعر مرتب وناعم
ترتدي بلوزة حمراء بنطالاً كحلي اللون....
جالسة عند باب المسجد الداخلي،،،
ظننت في بادئ الأمر أنها ابنة أحد المصلين تنتظر حتى يفرغ أبيها،،،
لكن أحد يديها الجمليتين، كانت تمدها بتردد واضح، وترجع تضمها إلى صـدرها، وتلتف
إلى خـارج المسـجد،،،
لترى أمها الجالسة على الباب، بحجابها الكامل، وقفازها الذي يغطي يديها، بل يغطي ما
خلفه،،،يغطي يد مترددة، عفت عن السؤال،،،
أعادت البنت نظرها ووجهها الجميل إلى داخل المسجد، فإذا أنا قادم للخروج
ونظري لا يفارق نظرها،،،
مددت يدي إلى جيبي بحثاً عن محفظتي، فعادتي أني لا أعطي لكل سائل، فكثير أعرف
عنهم وألحظ من أشكالهم وطريقة طلبهم، أنهم مجرد متسولون،،،
أما المشهد الذي رأيته فبين لي أنهم أهل حاجة وأهل استعفاف عن السؤال،،،
لكن شدة الحال، وتقلب الأيام قادهم إلى حال لا تسر،،،وهذا ما أشعل شرارة الألم،،،
وهذا شجعني لأخرج ما تجود به نفسي، لكن تفأجأت أن المحفظة ليست معي، فتذكرت
أنها في ثوبي الآخر وهو بالتالي في المنزل، فخرجت مسرعاً.
في الطريق وأنا أمشي للبيت، تلكأت وأخذت وأعطيت مع نفسي، هل أرجع أم أترك ذلك،،،
وبين الترداد والأخذ والرد، قررت أخيراً أن أتي بالمال، وألحق على المسجد قبل إغلاقه،،،
ذهبت إلى المنزل الذي يبعد قرابة 300 متر، وبخطى متسارعة عدت أدراجي للمسجد، لعلي
أدرك الطفلة وأمها، ومعي ما يسدي به حزني ونيران آلمي؟!!،،،
لكن بعد فوات الأوان، وبعد أن أطفئت أنوار المسجد، وأغلقت أبوابه، وفرغ كل من فيه، بمن فيهم
الطفلة وأمها،،،
ثارت أحزاني، و ضاق صدري، وانتابني الهم، واختنقت العبرات بعيني، لأفجرها مع كل مشهد يعود لمخليتي،،،
طفلة صغيرة، جميلة الشكل، بريئة المنظر، أخذتها عواصف الأيام وتقلبات الدهر، لتضعها في
موضع ،،،تمد يداً وترجعها لصدرها، بابتسامة تكتنز حيرة الزمان والمكان وغربته،،،
سامحيني يا أخيتي .... على نظرة الرجاء والأمل، التي أرسلتها نحوي، فيما رجوت ورأيت فيه
أخيك الكبير،،،وخذلك ولم يكن على أهبة الاستعداد، فالدنيا قد أعمت بصيرته عنك،،،
سامحيني يا أخيتي.... فقد كشفت لي قدر صلاتي عندما لا تأمرني بمعروف ولا تسرع بي إلى
خير ،،،ولم ابحث عنك وعن أمثالك،،،
سامحيني يا أخيتي....فقد أقفلنا أبوابنا، وتحصنا في عالمنا، وتجاهلنا من دارت به الأيام وقلت
يده فاستعف عن السؤال، ولزم الصمت، لعل أن نسعى إلى قضاء حاجته، أخوة وديناً لله
لكن نحن من أخرجناك من بيتك، وضعناك في هذه الموضع، ثم صددنا بظهورنا،،،
سامحيني يا أخيتي...فهمي الأول أن أضع مالاً عند باب جمعية خيرية، أو مبرة، ثم ألوذ فاراً
بنفسي وكأني أديت أمراً عظيماً،،، مفاخراً به نفسي وأزهو أيما إعجاب،،،
سامحيني يا أخيتي...فلم أطرق لك باباً، ولم أجهد النفس عناءاً وسؤالاً، فنفسي عزيزة على
ذلك، أما أنتِ أيتها الكريمة الطاهرة، فقد أجبرناك على حال لا نرضى أن نكون فيه،،،
سامحيني يا أخيتي... فأنت فلا تقدرين قيمة ما تمدين يديك إليه، لأنك ترقبين يداً حانية تمتد
على رأسك الطاهر، ابتسامة دافئة، وضمة ً وسؤالاً من أخ أو أب، فكل الناس في عينيك أبائك
وإخوانك،،،
سامحيني يا أخيتي ... فأنت ترقبين من يطل عليك الليلة في بيتك، معززة النفس، مكرمة الحال،
ليواسيك بعطف وحنان ويمد يد المساعدة فهذا ما تفهمينه، لكننا ظللنا الدرب وأخطأنا العنوان،،،
سامحيني يا أخيتي...حملت قلباً بريئاً رحيماً، وحملت صدورنا قلوبً جدباء، بجدب الحياة الفانية،
وبهمومٍ تسوى التراب، ولمتاع جمعناه لدار الخراب،،،
سامحيني يا أخيتي....فاليوم عرفت منك، لما غلت الأسعار، واجتاحنا وباء الطيور، ومنع عن
القطر،،،
سامحيني يا أخيتي....فدموعي التي تهطل هذه اللحظات، لن تجدي نفعاً، فهي لم تهطل
على جنة أرضك، بل هطلت على أرض جدباء صماء،،،
سامحيني يا أخيتي ،،،، فما من جدوى لتنميق العبارات والأقوال، إن لم تعضدها الأفعال،،،
أخوك
عزوبي بس رجل
=========
ليست خاطرة أو قصة قصيرة ،،
فأنا ليست من أصحاب هذه الأقلام
إنما هذا موقف عشته ليلة البارحة...
دمتم في حفظ الرحمن