عزيزتي أمة البديع أشكرك من صميم قلبي على طرحك القيم والمهم بل هو بالغ الأهمية
رأيته أول ما طرح ولضيق الوقت لم أستطع المشاركة فالسؤال عميق ويحتاج الرد للتفصيل لكني سأحاول الإختصار قدر الإمكان
إجابةً على سؤالك المطروح لماذا نفتقد الإبداع الإسلامي ؟؟
سؤالك قد طرحه علماء قبلك وألفوا كتبا ومجلدات في الإجابه عليه لكن أين من يقرأ وأين من يطبق ما يقرأ!!!
سبب إفتقادنا للإبداع الإسلامي هو بعدنا عن إسلامنا الصحيح ذلك الإسلام الذي أخرج لنا أعظم حضارة على مر التاريخ
ألم تتساءلي لماذا أبدع المسلمون في العصور الأولى وأخفقوا في العصور المتأخرة؟؟
السبب هو تبدل المفاهيم الإسلامية الصحيحة بمفاهيم أخرى خاطئة
أبعد ماتكون عن الفهم الصحيح للإسلام نعم لقد بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما أخبرنا بذلك رسولنا الكريم
فكانت تلك الإنحرافات في الفهم سببا في جهلنا وتخلفا وفقرنا وتأخرنا وكل الذل والهوان الذي نعيشه الآن
سببا في أننا غثاء كغثاء السيل لأننا أصبحنا كثرة من غير كيف
كل ما يحدث في حياة البشر حسب سنن الله وهي ثابته لا تتبدل و لا تحابي أحدا
قال تعالى " فلن تجد لسنتة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا "
ومن سنن الله أن لا يغير ما بقوم حتى يغيرو ما بأنفسهم فإن أردنا العزة فعلينا العودة إلى مفاهيم الإسلام الصحيحة
عندما أصبحت لا إلة إلا الله مجرد كلمة ننطقها باللسان لكن من غير أن يكون لها حضور في واقنا
مجرد إقرار بلاعمل فلا نتحاكم إلى شرع الله إلا حسب أهوائنا
مع أن تعريف شهادة إن لا إلة إلا الله قول باللسان وإقرار في القلب وعمل بالجوارح
لكننا جعلناها كلمة بلا روح بلا دلاله ولا مقتضيات مفرغة خاوية
كما نادى بذلك الفكر الإرجائي القائل أن الإيمان هو مجرد الإقرار والتصديق أما العمل فهو زائد على الإيمان وحصرو الإيمان بالقلب فقط
ولا أعلم مافائدة الأقوال والإعتقادات إن لم تترجم إلى أعمال و واقع ملموس
يتحاكم فيه البشر إلى شريعة الله بكل أحكامه وأوامره ونواهيه فالإيمان ليس بالأماني الأيمان بالعمل
لذلك قال تعالى" ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل من سؤ يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا
ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقير"
ومادام العمل مطلوب فلابد أن يخضع لحكم الله لا يوجد وسط هو إما حكم جاهلي أو حكم الله
قال تعالى "أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون "
وقال تعالى "وما إختلفتم في شيء فحكمه إلى الله " في شي معناها جنس الشيء وعمومه أي كل شي على الإطلاق حكمه إلى الله
وهو من يحدد إن كان حراما أو حلال أو مباحا أمكروها أو مندوبا
أفتقدنا الإبداع عندما قصرنا مفهوم العبادة على الشعائر التعبدية من صلاة وصيام وزكاة وذكر ،،، الخ
وتركنا مفهوم العبادة الشامل التي حددها قوله تعالى "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"
وفسرها قوله تعالى" قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومما تي لله رب العالمين "
عندما أستشعر أن كل ما أقوم به عبادة وأن حياتي كلها عبادة وأن العبادة ليست مقتصرة على الشعائر
عند إذن سأتقن كل عمل أقوم به وسأخلص فيه لأنني أبتغي به وجه الله
وسأعبد الله بالعمل المناط بي في اللحظة القائمة الآن بأكبر قدر من الجودة الممكنة
عندها فقط سأبدع وأنجز إنجازات عظيمة وكبيرة لأن عملي لن يكون مجرد عمل بلا هدف بل سيكون عملا هادفا ذا قيمة
وسيكون إهتمامنا بالشعائر قائم لأنها محطات وقود أتزود منها
فتعينني على الطريق فالشعائر ليست مجرد أعمال مقصودة بذاتها بل لها مقتضيات أيضا
فالصلاة زاد يومي ينهاني عن الفحشاء والمنكر
والصيام يعلمني الصبرو التقوى وزكاة البذل والعطاء وهكذا أحقق الهدف من خلقي وإجادي فتكون حياتي كلها عبادة وكلها لله
أما قصر العبادة في الشعائر وإخراج العمل بكل أشكاله وصوره السياسية والأقتصادية والإجتماعية والفكرية وحتى الترويحية
عن مفهوم العبادة الشامل فهذا من مخلفات الفكر الإرجائي
عندما كان العمل السياسي عبادة في العصور الأولى استطاعو ا تحقيق قوله تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة )
ولم يكون هناك من يجرؤ على إحتلال أراضي المسلمين
عندما كان العمل الفكري عبادة (من سلك طريقا يلتمس فيه علما ....)) الحديث تفوقوا فكريا
عندما كان الإقتصاد عبادة ( فامشوا في مناكبها وكلو من رزقه )) تفوقوا أقتصاديا حتى لم يجدو من يعطوه حق زكاتهم
عندما تكون العبادة شاملة لنشاط العقل كله ونشاط الروح كله ونشاط الجسد كله
سأبدع عندما لا أفصل الدنيا عن الآخرة وأجعلهما ضدين وعلي الإختيار بينهما إما دنيا وإما أخرة لأنني أن فعلت ذلك فسأختار الآخرة
وأزهد في الدنيا وزهدي في الدنيا سينتج عنه إهمال للعمل ولعمارة الآرض
التي هي من مقتضيات لا إله إلا الله ومن مفهوم العبادة الشامل على المنهج الرباني
كما فعلت الصوفية وأعتزلت الدنيا إعتقادا منها أن عليها الإختيار بين الدنيا والآخرة وأن هذ هو مفهوم الزهد
لكن لننظر لمقولة للإمام علي رضي الله عنه: “إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً ، و أعمل لآخرتك كأنك تموت غداً
ونحن نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام كانوا من أزهد الناس ولكن زهدهم لم يقعدهم عن العمل
فالزهد في المتاع لا يعطل الإنتاج أنتج ثم إزهد كما تشاء فالزهد لا يعني تحريم المتاع ولكن يعني الترفع فوقه
ينتج بأعلى طاقته ثم لا يستهلك لنفسه إلا أقل قدر من المتاع
ليس الإنجاز أن تكف عن السير مخافة الإنزلاق كالصوفيه ولكن الإنجاز أن تسير وتحذر الإنزلاق
سأبدع عندما أفهم معنى الإيمان بالقضاء والقدر وأنه لا يتعارض مع العمل بالأسباب فنحن عندما نعمل نفر من قدر الله إلى قدرالله
فلا نتعلق بالأسباب بل نتوكل على الله لكننا أيضا لا نترك الأسباب ونتواكل في إنتظار ماقدره الله ونتنصل من مسؤليتنا بدعوى القضاء والقدر
فواجب التسليم لقضاء الله وقدرته لم يتعارض مع محاولة التغيير تطلعا لقدر جديد من عند الله
ولا نكون كالغرب تأؤمن بالسببية ولكن نكون عقلية غيبية عمليه في ذات الوقت فعندما تقوم بالأسباب ثم لا يقدر الله النتيجة وفق سننه الجارية
ندرك أن هناك سنن الله الخارقة الطليقةالتي لا يحدها شيء فيسلم ولا يحدث له ما حدث لهتلر عندما إتحذ الأسباب ولم يوفق مسعاه فنتحر
قد يقول البعض هاهي الغرب لديها كل أسباب القوة والإبداع والحضارة وهي كافرة غافلين أن مايحدث لهم هو من سنن الله الجارية
قال تعالى " من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون "
قال تعالى " فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ "
وهي مرحلة زمنية محدد يقدرها الله ثم تكتمل السنة الإلهية
قال تعالى"حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد الله رب العالمين"
فحضارتهم أيلة لسقوط والإنهيار لا محالة
ومن سنن الله أن تمكين المسلمين لا يكون بنفس السنن التي تجري على الكفار ولكن سنته في ذلك هي العودة إلى الإستقامة
قال تعالى : { وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم
وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون"
وقال تعالى :"ولو ان اهل القرى امنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض ))
أعتذر على الإطالة
موفقة
__________________
[استغفرالله وأتوب اليه.]
التعديل الأخير تم بواسطة أطياف المجد ; 15-12-2010 الساعة 02:15 PM