عندما أسقط في يدي واحترت في أمري
فتحت الباب ونظرت إلى الداخل فإذا المكان كأن عاصفة هوجاء مرت به وقلبته رأسا على عقب!! .. كراسي ملقاة .. أوراق متناثرة .. بعض الصناديق .. جهاز هاتف بدون سماعة يقبع عند ركن أحد الأبواب .. المكاتب خالية على عروشها اللهم من بعض الأثاث البسيط .. بعض الأدوات المكتبية المتفرقة .. بعض الصحف السعودية .. أعقاب سجائر وفوق هذا لا يوجد أحد على الإطلاق!! ..
صعدت إلى الطابق الثاني .. ووجدت الأمر قد تكرر .. المكان لا يوحي بالأمان إطلاقا .. أمر ما قد حدث لسفارتنا في بون ولابد من إبلاغ الجهات المختصة فورا وبدون تأخير !! .. قد أكون أنا أول قادم للمكان بعد الاقتحام وقد تشاهدون صورتي في عناوين الأخبار العالمية ويسألني الصحفي : هل تتهم جهة معينة تقف وراء الحادث ؟ ! .. كم عدد القتلى والمصابين ؟! .. ماهي ردود الأفعال المتوقعة من الحكومة ؟! .. وتبدأ فلاشات كاميرات التصوير تجهر عيني وأجيب على أسئلة الصحفيين بكل لطف وكياسة : والله ما أدري وش اللي صار أنا كنت جاي أتابع معاملة أمي !! .. وين معاملة أمي ؟! .. جيبوا لي معاملة أمي !!
نزلت من السلم وأخي يتبعني وقد تملكته الدهشة مثلي ويسألني : الموظفين فين راحوا ؟! .. أخذتني الدعابة مع أن هذا ليس بوقتها وقلت : راحوا يجيبوا عيالهم من المدارس !! .. ثم تذكرت الموقف الذي أنا فيه وأنني وأخي قد نكون معرضان للخطر .. فمن يدريني أن العصابة التي اقتحمت السفارة ما زالت موجودة في المبنى وأننا قد نتعرض للقتل !! .. جال هذا الخاطر برأسي فتوقفت عند السلم وأخذت أتلفت وأرهف السمع .. وأطلب من أخي أن يسكت .. ونزلنا بحذر على السلم وتوجهنا إلى باب الخروج ونحن نتلفت وراءنا ثم عبرنا الحديقة وعندما وصلنا إلى الباب الخارجي للفيلا سمعت صوتا يناديني من فوقي وباللهجة لعامية الخالصة : إنت وش تبغى ؟!
أجفلت ثم نظرت إلى الأعلى فوجدت رجل بملابس النوم ووجهه يدل على أنه قد استيقظ قريبا يخاطبني من نافذة أحد نوافذ الدور الثاني من المبنى وأظنها كانت غرفته .. قلت : أدور الموظفين .. عندي مراجعة وأريد أن أسأل عن معاملة تخص والدتي .. لم أجد أي أحد بالداخل !! .. فقال : لقد انتقلت السفارة إلى برلين !!!!
قلت مشدوها : نعم !! .. إنتقلت إلى برلين ؟! .. حسبي الله ونعم الوكيل . ماذا أفعل الآن ؟! .. هل أجد عندك رقمهم هناك ؟! .. قال لا !! .. قلت وما الحل ؟!
قال : اتصل بالاستعلامات أو بوزارة الخارجية ببلدك وخذ منهم الرقم ..
قلت : وأين أجد هاتفا قريبا ؟!
فوصف لي مكان قال إنه يوجد فيه كبائن للهاتف يمكنني أن أتصل من هناك وكان المكان الذي وصفه هو المكان الذي كان مقر سكننا فيما بعد ..
أعتقد أن الرجل الذي دارت بني وبينه هذه المحادثة أحد رجال الأمن بالسفارة ورجال الأمن في الغالب فيهم نوع من الجفاء يقتضيه عملهم .. فلم يحاول أن يساعدني بالحصول على رقم السفارة الجديد باستخدام الهاتف الموجود في المبنى .. ولم يبلغني بمعلومة كانت هامة جدا وكان من الممكن أن توفر علي العناء وهو وجود مكان في بون اسمه الملحقية الصحية ببون التابعة لسفارتنا والمسئولة عن متابعة علاج المواطنين في أوروبا كلها .. وهي المعلومة التي عرفتها أنا بعد ذلك بالصدفة المحضة وسوف آتي على سرد قصتها فيما بعد ..
أمر أخر استغربته وهو : كيف يتم ترك المبنى بدون حراسة وتترك الأوراق التي قد تكون مهمة ملقاة بإهمال على الأرض ؟! .. ألم يكن من الواجب أن يتم غلق المبنى بالكامل إلى أن تتم عملية تنظيف المكان من الأثاث المبعثر والأوراق الملقاة هنا وهناك بإهمال ؟! .. أليس للمبنى حساسيته ؟! .. من يضمن عدم دخول زوار آخرين يعبثون بالمكان وقد تكون لهم أغراض أخرى ؟! .. على العموم كانت هذه الحادثة من الحوادث التي انطبعت في ذاكرتي لغرابتها وعندما أتذكرها أشعر بالقشعريرة من ذلك الموقف الذي كنا فيه أنا وأخي ..
خرجت من باب السفارة والأفكار تتصارع في عقلي .. ماذا أفعل الآن ؟! وأتصل بمن ؟! .. كان الرقم الذي معي رقم سفارتنا ببون ولكن المبنى الآن خال على عروشه .. كيف أتصل بسفارتنا في مبناها الجديد ؟! ..
قطعت الشارع وأنا أسير إلى المكان الذي وصفه لي الحارس .. كان الجوال الذي أحضرناه معنا غير معمم ( لا أذكر هل كانت تلك الخدمة موجودة في ذلك الوقت أم لا !! ) .. سرنا مسافة غير قليلة وشاهدت أثناء سيري كيف تمر القطارات على السكك الحديدية بين البيوت ولا يفصلها سوى شبك في بعض المناطق غير المخصصة للعبور ..
الصور تحت التعديل
وصلت إلى المكان الذي وصفه لي الحارس وهو عبارة عن حي أحسست فيه بالالفة والراحة لا أدري لماذا قد يكون هذا عائد إلى محل البقالة التي مرت به والذي يبيع الأطعمة العربية .. عرفت ذلك من خلال النظر إلى المعروضات خلف الحاجز الزجاجي !! .. كان حي لا يختلف عن الأحياء الألمانية في شيئ .. نفس البيوت والمحلات ولكني أحسست بأن هذا الحي يبعث على الشعور بالارتياح ...
الصور تحت التعديل
ودخلت إلى محل للاتصالات ( يشبه كبائن الاتصالات الموجودة عندنا ) وخاطبت البائعة باللغة الانجليزية وسألتها قائلا : كيف أستطيع الاتصال بالسفارة في برلين ؟! ..
هل تستطيعين أن تساعديني في الحصول على الرقم ؟! .. كانت الموظفة سمراء ولا أدري لماذا تبادر إلى ذهني أنها صومالية هاجرت من بلدها .. لم تعيرني أي انتباه وأعتقد لولا أنني أكبر من الصرصور لوطئتني بقدمها احتقارا !! .. أنا ما أدري ليش كل واحد يشوفني في ألمانيا يحتقرني ؟! .. موظفة الاستقبال في الفندق .. والآن هذه الموظفة في الكبينة ؟! وقبل ذلك موظف الجوازات في المطار ما ناظر فيني لما وصلت !! .. مع إن وجهي حسب ما أعتقد ليس بذلك السوء وإلا لما تزوجتني أم سلطان !! .. كما أن لون بشرتي أبيض وخدودي يصير لونها وردي عندما أتعب .. وخشمي يصير لونه أحمر لو حكيته بقوة !! .. وعيوني عسلية .. ولحيتي يصير لونها أشقر لما ينعكس عليها شعاع الشمس !! .. وشكلي ينفع يركب على أي جنسية لكن ما أدري ليش الألمان ما يطالعون فيني ؟! ... حتى أنا شكلي أحسن من محمد الشرقاوى .. أسألوه وهو يقول لكم !! ( يظهر إني طولت وأنا أتغزل في نفسي !! ) ..
عندما أشاحت عني تلك الموظفة الصومالية اعتقدت أنها لم تفهم ما قلته وأنها لا تتحدث الانجليزية فقلت في نفسي إذا كانت صومالية فعلى الأقل تعرف العربية !! .. فلما حدثتها بالعربية أشاحت عني بأشد من إشاحتها عني في المرة الأولى !! .. فأشحت أنا بوجهي عنها وبدأت بيننا حرب الاشاحة !! وطلبت من أخي أن يشيح بوجهه عنها هو الآخر .. وصارت هي تشيح ونحن نشيح ( المسألة صارت تحدي !! ) .. وكان بجانبي رجل يتابع ما يجري بيننا .. فلما سمعني أتحدث بالعربي واسأل الموظفة عن رقم السفارة تدخل في الحديث وقال : ماذا تريد من السفارة ؟! .. قلت أريد أن أسأل على معاملة علاج للوالدة لأن موعدها مع الطبيب غدا وأخاف أن يفوت الموعد ولقد ذهبت إلى السفارة فأخبرني الحارس أنها انتقلت إلى برلين .. فقال لي جزاه الله عني كل خير : ولماذا تتعب نفسك وتتصل وعندك الملحق الصحي الذي يشرف على علاج المرضى في أوروبا كلها ومقره لا يبعد كثيرا عن المكان الذي أقف أنا وأنت فيه ؟! .. إركب معي في السيارة وأنا أوصلك إلى المكتب .. ركبت معه وعرفت أنه طبيب يتابع دراسته في ألمانيا ولكن مع الأسف الشديد فقدت ( الكرت ) الذي فيه اسمه وعنوانه جزاه الله عني خير الجزاء على مساعدته لي وهو لا يعرفني ولا أعرفه !! ..
وصلنا إلى المبنى الذي كان مكونا من دورين في أحد الأحياء الراقية في بون ودخلنا المبنى .. دخل هو إلى أحد المكاتب لقضاء بعض مصالحه ..أما أنا فسألت السكرتيرة التي كانت عربية عن معاملة والدتي فحولتني إلى أحد الموظفين العرب وأخبرني بان المعاملة جاهزة وسوف ندخل على الطبيب غدا حسب الموعد ..
قابلت بعدها أحد المسئولين في الملحقية الذي سألني عن أحوالي وأحوال والدتي وأين أسكن ؟! .. سميت له الفندق الذي سكنت فيه فقال لي كيف تسكن في تلك المنطقة ؟! .. إنها لا تناسبكم سوف أطلب لكم مترجم يساعدكم في الحصول على سكن مناسب .. فماذا حدث بعد ذلك ؟! ..
أكمل في الحلقة القادمة بإذن الله ...
ملاحظة :
هذا كله ونحن في أول يوم بألمانيا من الرحلة التي امتدت عدة أسابيع فكم سيكون عدد الحلقات يا ترى ؟!! .. الله يعيني عليكم ويعينكم علي !! .. شكلنا ما حنا مخلصين الحلقات إلى أن تأتي العطلة الصيفية .. هذا لو كتبت الحلقات بانتظام !! .. أما لو تكاسلت أو أخذتني المشاغل فأظن أننا سوف ننتهي العام القادم إن أحيانا الله !!!!
ما ألاقي أحد عنده علاج لمرض الاستطراد والمبالغة في طول الوصف والتحدث عن تفاصيل ليس لها علاقة بالموضوع ؟! .. إذا لم يتوفر هذا العلاج فعلى الأقل الدعاء بأن يعينني الله على إكمال هذا الموضوع بأقرب فرصة ممكنة .. شكرا لكم أحبتي وفي سلامة الله وحفظه
أبو سلطان
التعديل الأخير تم بواسطة محمد الشرقاوى ; 29-05-2005 الساعة 09:05 PM