الزواج في حقيقته نوع من الاتصال والاتحاد بين عالمين مختلفين وحياتين لهما خصائص مختلفة . والزواج لا يعني إلغاء خصائص الزوجين ، بل يعني التمتع بالحياة سوية والشعور بالاستقرار والطمأنينة في ظلال من الحياة المشتركة .
ولذا فإن مثل هكذا حياة ينبغي أن تنهض على أساس من الحب المتبادل والصفاء والتفاؤل وإلا فلا يمكن لها الاستمرار بسلام .
من المشاكل التي تعترض الحياة المشتركة هو التشاؤم وسوء الظن الذي يهدد السلام العائلي بالخطر ؛ ذلك أنه ينسف في بدايته عرى التفاهم ، وبالتالي يفجر الصراع .
صور من سوء الظن :
ينجم عن سوء الظن بروز حالة النزاع الزوجي في الأسرة من خلال بعض العلل والأسباب ؛ فمرة يظهر سوء الظن في الجانب الاقتصادي ، حيث يشعر أحد الطرفين بأن الآخر يخفي هذا الجانب دونه ، فقد تظن المرأة ـ مثلاً ـ بأن زوجها يتقاضى مرتباً أكثر بكثير مما يعلن عنه وأنه ربما يدخره أو يصرفه في موارد لا علم لها بها .
ومرة يظهر الشك في جانب آخر يرتبط بالعفة وطهارة الثوب ، في حين ليس هناك سوى الشك فقط الذي ينجم عادة عن الغيرة .
ومرة يبرز سوء الظن عن الإحساس بالتآمر حيث يشكّك أحد الطرفين ويظن بأن الآخر يتآمر عليه ، وأنه قد يستهدف القضاء عليه . وعندما نتعمق في داخلها لا نجد سوى الحب الذي يضيع خلف ركام من عدم التفاهم وعدم إبراز هذه العواطف المتبادلة والود المشترك .
الآثار المدمرّة :
للتشاؤم في جميع صوره آثاره المدمرة في الحياة الزوجية ، وقد يجرّ في بعض الأحيان إلى الطلاق وانهيار الأسرة أو قد يعصف بسمعة أحد الطرفين الذي يجد نفسه في موقف صعب لا يمكنه فيه من رد الاعتبار إلى كرامته المهدورة .
إن سوء الظن ينسف أول ما ينسف أساس الاتحاد بين الزوجين ويفقدهما القابلية على الاستمرار ، إذ يتجلى ذلك من خلال الأحاديث الخاملة والتعبير عن الاحتقار ورؤية الحياة من خلال منظار مظلم وأنها مليئة بالآلام التي لا يمكن علاجها .
من الأخطار الأخرى التي قد تنجم عن سوء الظن هو زوال الإحساس بالعزة والكرامة مما يجعل حياة الزوجين في معرض خطر داهم ، إذ أن الحياة الزوجية تتطلب من كلا الطرفين حماية الطرف الآخر ، وحالة سوء الظن تعني زوال هذا الجانب وانكشاف الواقع إذا صح التعبير .
بواعث الشك :
من الضروري الإشارة إلى الأسباب والبواعث التي تمكن وراء الشكوك وإساءة الظن ؛ وعلى أساس البحث ـ من خلال رسائل الشباب وبعض وجهات النظر يمكن الإشارة إلى ما يلي .
1 ـ التسيّب :
قد يبدو الزوجان من خلال المعاشرة مع الآخرين في حالة من التحلل وعدم الالتزام ، خاصة لدى حضورهما معاً في المحافل العامة ، وخاصة في أحاديثهما أو إطلاق الضحكات التي تجعلهم محلاً للإنتقاد ، وقد يبدو أنهما متساهلان في ذلك ، ولكن التراكمات تتجمع في الأعماق مما تولّد الحقد الذي يظهر في أول فرصة مناسبة .
2 ـ الغيرة :
وهي أحد عوامل سوء الظن والشك ، إذ أنها تضخم الرؤية لدى أحد الطرفين وتجعله يرى الأشياء في غير ما هي عليه مما تدفعه إلى تعنيف الطرف الآخر بشدة متّهماً إياه بالعمل على تدمير الحياة الزوجية .
3 ـ الأنانية والمغامرة :
يعاني بعض الشباب من استمرار حالة الطفولة ، ولذا فإنهم يتصرفون كما لو كانوا أولاداً طائشين ، فبمجرد ما تصور لهم أوهامهم شيئاً تتأجّج في أعماقهم روح المغامرة ، ومن ثم يبدأ النزاع الذي يحاول البعض ـ ومع الأسف ـ تصعيده إطلاقاً من لؤمهم وانحطاط نفوسهم .
4 ـ السرية في العمل :
قد يشعر الرجل أو المرأة بوجود أعمال في الخفاء ، الأمر الذي يثير الشكوك لديهما . وعندما تتجذر حالة الشك في النفس تتحول إلى سوء ظن مزمن يفسر الأمور على غير حقيقتها ، وبالتالي يفجّر حالة الصراع .
5 ـ الأمراض :
المراد من الأمراض هنا الأمراض النفسية بصورها المتعددة ، فهناك حالة الوسوسة التي قد يعاني منها الرجل أو المرأة فيجرّ حياتهما المشتركة إلى الشقاء ، وهناك الضعف العصبي ، أو بعض العقد القديمة التي تعود إلى أيام الطفولة ، وكل ما يجعل الروح تعيش في حالة من الضيق بالآخرين والتشكيك بهم .
6 ـ الحرمان :
قد ينشأ سوء الظن كنتيجة لحرمان تعرض له أحد الزوجين في فترة سابقة وتولّد لديه إحساس بالمرارة ، وهزّ جميع الثوابت في أعماقه ، فإذا به يشكك في كل شيء ، وإذا به يحاسب زوجه حساباً عسيراً من أجل شيء تافه .
7 ـ وضع القيود :
يحاول البعض وضع القيود في أيادي أزواجهم ، بحيث يشلّهم عن الحركة ، بل وحتى التنفس في جو صحي ، مما يدفع بالطرف المقابل إلى الشعور باستحالة استمرار الحياة الزوجية بهذه الوتيرة ، ومن ثم التمرد ومحاولة التخلص من الوضع المهين والمذلّ .
وأخيراً وليس آخراً ، ينشأ سوء الظن بسبب تدخل بعض العوامل الخارجية من قبيل تحريض بعض الأعداء المتلبسين بثوب الصداقة ، ومع الأسف فإن مجتمعنا يعج ببعض الأفراد الذين لا يمكنهم تحمل رؤية سعادة واستقرار الآخرين ، فيحاولون توجيه ضرباتهم المسمومة للإطاحة بالأسر السعيدة . ولو كان هناك أقل يقظة من جانب الزوجين لما أمكن لهؤلاء المنحطّين أن ينجحوا في تآمرهم الدنيء هذا .
وهناك أسباب أخرى تنشأ عن رتابة الحياة ، التدخل في الشؤون الخاصة ، المراقبة المستمرة ، الإهمال ، الإهانة ، والتعنيف الدائم ، وغير ذلك .
نشوب النزاع :
يبدأ النزاع بسبب بعض التفاصيل الصغيرة ، وسرعان ما تتجذر هذه الحالة لتتخذ شكلاً أوسع في المستقبل ، يصعب علاجها حينئذ . فالشقاء يبدأ مع المحاسبة المستمرة حتى لو كانت حول بعض التفاصيل ، ولكنها في النهاية تعكر من صفاء الأجواء في الأسرة ، في حين يمكن حل الكثير من المسائل في جو من التفاهم وفي ظلال من الاحترام .
هناك بعض المسائل التي تواجه صمتاً من جانب وإهمالاً من جانب آخر ، غير أنها تتجذر في الأعماق وتنمو لتشكل فيما بعد تهديداً خطيراً للكيان الأسري . ولذا ينبغي أن يتمتع كل طرف بقدر من ضبط النفس تجاه تجاوزات الطرف الآخر ، وأن يقابل الإساءة بالإحسان وإلا فإن التصادم سوف يحطم الاثنين معاً ويقودهما إلى هاوية الطلاق .
انتظرونا في الجزء الثاني
..**.. ضرورة التخلص من سوء الظن ..**..
__________________
يا باقيا والكل يفنى يا مجيبا داعيا..ادعوك يا ربي فلا تمنع جواب ندائيَ..
أسأل الله العظيم..رب العرش العظيم..الذي جمعنا في دنيا فانية..