[
SIZE=4]منذ تفتحت عيناي على الحياة وانا أشعر بالفارق بيني وبين شقيقاتي، فجميعهن يفقنني جمالا.. شعر كستنائي اللون، ناعم وطويل وكثيف.. وعيون واسعة عسلية تشع ذكاء وحيوية، وقوام ممشوق فارع.
اما مواصفاتي فعلى عكسهن تماما.. شعري خشن أسود اللون، وعيناي سوداوان وضيقتان.. كما أنني قصيرة القامة مقارنة بشقيقاتي. لكن على الرغم من شكلي المتواضع جدا فإنني كنت متفوقة في دراستي وهذا ما كان يميزني عن شقيقاتي الجميلات جدا..
ربما تعمدت التفوق في الدراسة وبذلت الجهد والوقت في تحصيل العلم لكي أكون مختلفة عن شقيقاتي اللائي ينحصر اهتمامهن في جمالهن والسعي وراء كل جديد في عالم الازياء والجمال.. حتى والدتي سامحها الله أهملتني منذ طفولتي ولم تسع لتحسين صورتي أمام نفسي. ومن دون قصد غرست داخلي احساسا بالنقص مازال يرافقني حتى اليوم. ولكن أقسم انني لم أشعر بالغيرة من شقيقاتي أو أُظهر لهن أي مشاعر تعني هذا المضمون لذلك مرت الحياة بنا هادئة، كل منا لها اهتماماتها التي تفضلها.
تفوقت في دراستي وحصلت على الثانوية العامة بمجموع عال جدا، أهلني لدخول كلية الهندسة. كانت فرحة شقيقاتي ووالدي كبيرة جدا، أما فرحتي فكانت لا توصف، وشعرت بالفخر لأنني الوحيدة بين شقيقاتي التي اجتازت الثانوية العامة بمجموع كبير وأُهلت لدخول الجامعة، أما باقي شقيقاتي فبالكاد أنهين المرحلة المتوسطة وتزوجن في سن مبكرة اعتمادا على جمالهن الباهر. لكنني بجمالي المتواضع استطعت ان اثبت للجميع أنني متميزة بعلمي ونلت شهادتي الجامعية بتفوق، فابتعثتني الجامعة كي أدرس الماجستير في بلد أجنبي. وافقت على الفور استزادة في العلم والتحصيل. وبعد ثلاث سنوات عدت ادراجي الى الوطن وأنا أحمل الماجستير.
لن احكي عن مدى احساسي بالزهو والفخر بنجاحي، وليس هذا فقط بل سيطر عليّ شعور آخر أثلج صدري، هو احساسي بالثقة عندما تهافت عليّ الخطاب بعد عودتي من رحلة التعليم وحصولي على الماجستير وجميعهم شخصيات مرموقة ويشغلون مراكز كبيرة.. لكنني فضلت التأني والصبر حتى أنال أفضل مكافأة على صبري واصراري..
انشغلت في وظيفتي التدريسية بالجامعة وبأبحاثي وتحضيري لرسالة الدكتوراه متناسية أن الزمن يمر والسنوات تمضي بسرعة البرق. لكن شغف العلم وتحدي نفسي نجحا في جعلي عانسا، فقد تجاوز عمري الثلاثين بعدة سنوات لكنني لم أتزوج.. حاصلة على الدكتوراة ومتميزة في عملي لكنني مفتقدة لشريك يقاسمني حياتي ونجاحاتي ومستقبلي، ومفتقدة ان أكون أما أعيش جمال أحاسيس الأمومة ومتاعبها.
أخواتي يحسدنني على مركزي العلمي والاجتماعي وأنا أحسدهن على استقرارهن مع ازواجهن وكونهن أمهات وربات بيوت لا يشغلهن أي شيء في الحياة سوى الطعام والأولاد والملبس وخلافه من أمور الحياة.
انني اعيش الوحدة والألم والفراغ العاطفي. أشعر بالتعب من اللهث وراء العلم والتحصيل، لكنني في الوقت نفسه لم أجد الزواج المناسب الذي يتلاءم مع مكانتي الاجتماعية والوظيفية.
في الآونة الأخيرة كان المستوى العلمي لكل من يتقدم للزواج بي أقل من مستواي، أو يكون أرملا أو مطلقا أو يريد الزواج في السر خوفا على مكانته الاجتماعية ووضعه الوظيفي.
انني اقترب من مرحلة اليأس، فهل كنت على صواب أم على خطأ عندما ركزت كل اهتماماتي في العلم والتحصيل؟
هل أخطأت عندما رغبت في ان أكون متميزة عن شقيقاتي الجميلات؟
وأقسم أنني لم أفعل ذلك عن كُره أو حسد لذا أتمنى أن تمدوا لي يد العون كي أشعر بالراحة.
[/SIZE]