قلما يتعرض خصوم الإسلام لموضوع تعدد الزوجات فيه دون أن يتناولوا موضوع تعدد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليتخذوا منه مادة انتقاد وغمز لنبي الإسلام وإظهاره لأتباعهم بصورة لا تناسب شرف النبوة ومقامها.
وقد ناقش كثير من علماء المسلمين هذا الموضوع، وردوا على هؤلاء بردود وجيهة منها:
أنه كان من وراء ذلك الأغراض التشريعية والإنسانية والتعليمية وغير ذلك مما يتعلق بمصلحة الدعوة وتبليغ الرسالة، توخى في بعضها عليه الصلاة والسلم توثيق الرابطة بين الإسلام وبعض القبائل، واستطاع عن طريق ذلك أن يصل إلى قلوب زعماء الشرك وأن يصاهرهم فيصهر ما في قلوبهم من حقد على الإسلام، كما حدث عندما تزوج بجويرية بنت الحارث سيد بني المصطلق التي كان من آثاره إسلام جميع قبيلتها، وكزواجه صلى الله عليه وسلم من أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان وصفية بنت حيي بن أخطب.. وتوخى في بعضها الآخر تكريم أرامل الشهداء الذين ماتوا في الحبشة، أو استشهدوا من أجل الدعوة في سبيل الله. وتركوا أرامل لا يقدرون على تحمل أثقال الحياة وأعبائها الجمة مثل هند أم سلمة المخزومية، وزينب بنت خزيمة، وسودة بنت زمعة.
وكان في بعضها الآخر زواجا تشريعيا كزواجه صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش لهدم نظام التبني عند العرب، والذي كان يحرم على الرجل أن يتزوج امرأة ابنه المتبنى ولذلك كان وقع ذلك الزواج شديدا على نفس النبي صلى الله عليه وسلم لأنه سوف يطيل عليه الألسنة، ويفتح أفواه المنافقين بالقيل والقال.. ولمثل هذه الأمور التي كانت تجول في نفس النبي عليه الصلاة والسلام نزل القرآن الكريم يعاتبه {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} (سورة الأحزاب)..
وفي الخطاب بزوجناكها بيان أن التزويـج من الله، وليس للنبي أي دخل فيه، ومنها توثيق أواصر الترابط بينه وبين صاحبيه الجليلين أبى بكر وعمر وتكريمهما بشرف المصاهرة به عليه الصلاة والسلام لجهادهما الصادق، وإخلاصهما العميق في سبيل الدعوة، وذلك ظاهر في زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بعائشة بنت أبي بكر وحفصة بنت عمر رضي الله عنهم.
وأمر آخر يصح أن يزاد.. وهو أن الدعوة كانت بحاجة إلى من يبلغ أحكامها الشرعية الخاصة بالنساء وهي كثيرة، وإذا كنا في موضوع الشهادة العادية في الديون والأقضية مثلا تقبل شهادة امرأتين مع رجل إذا لم يوجد رجلان، فما بالنا بالأحكام الأخرى المتنوعة التي تتعلق بالنسـاء خـاصة وما أكثرها، إن زوجة واحدة لا تستطيع القيام بهذا العبء وحدها، فالأمر أكبر بكثير من ذلك إن أمهات المؤمنين التسع اللائي توفي عنهن رسول الله صلى الله عليه وسلم كن كلهن معلمات ومفتيات لنسـاء أمته ولرجـالها في مـا لم يعلمه غيرهن من أحكـام شرعية وآداب زوجية، وحكم نبوية..
أجل لقد ساهمت أمهات المؤمنين رضوان الله عليهن مساهمة فعالة في نقل السنة النبوية - وهي المصدر الثاني للتشريع بعد كتاب الله - بأمانة وضبط إلى الأمة الإسلامية وناهيك بهؤلاء النسوة اللاتي ما خفيت عنهن صغيرة ولا كبيرة من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكن جميعا في إذن عام بأن يخبرن الناس ما دار في ظلام الليل قولا سمعنه، أو فعلا رأينه من صاحب الرسالة عليه الصلاة والسلام، ولقد ذكر رواة السنة أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم روين عنه عليه الصلاة والسلام أكثر من ثلاثة آلاف حديث..
ومن تظهر حكمة التعدد فهو علاج يقدمه الإسلام لما قد يطرأ على حياة الأسرة من علل وأدواء.. ، ، فمن خرج به عن هذه الملابسات فقد ظلم نفسه، وجاوز حدود الله، والإسلام في تشريعه هذا قائم على أساس أنه دين البشرية العام بمختلف أجناسها وبيئاتها وقد ضمنه الله عز وجل من الشرائع والأحكام ما يجعله صالحا وافيا بحاجات البشرية إلى قيام الساعة، وقد رخص في موضوع التعدد لمواجهة حالات واقعة في الحياة البشرية لا يمكن أن يقف حيالها مكتوف الأيدي، وإلا كان قاصرا عن مواجهة ظروف الحياة، وحاشا لشرع الله الكامل أن يكون كذلك.. ومن الحالات التي راعاها الإسلام، ورخص في التعدد إزاءها ما يلي:
1- إذا عقمت المرأة، أو ثبت أنها عاقر لا تلد، ووجدت لدى الزوج الرغبة الفطرية في النسل والإنجاب، أو إذا مرضت الزوجة مرضا مزمنا يطول برؤه أو يستعصي على العلاج، ، وقد لا تستطيع هي الأخرى بإزائه أن تقوم بواجباتها كزوجة.. إن المرأة في هاتين الحـالتين تكون أمام أحد أمرين.. إما أن يطلقها الزوج ويتزوج بأخرى تستطيع القيام بحقوق الزوجية وتحملها، وقد لا يكون هذا من الوفاء مع زوجة أعطته خدمتها وإخلاصها، وإما أن يبقي عليها مع زواجه بأخرى، وهذا حل قد ترتاح له المرأة العاقلة وتفضله على الطلاق
2- وهناك بعض الرجال لا تكفى المرأة الواحدة لإحصانهم إما لعزوف المرأة عن ذلك الشيء لضعفها العام، أو لكبر سنها، أو أنها ذات طبع لا ينشط لتلبية رغبات الزوج كثيرا، -.
3- هناك حالات يزيد فيها عدد النساء على عدد الرجال، ويظهر ذلك واضحا في أعقاب الحروب التي تأتي على كثير من الشباب، فماذا يكون الوضع والحـالة هذه… إننا إذا منعنا التعدد، وقلنا لا بد من الاقتصار على نظام الزوجة الواحدة كنا أمام إحتمال واحد :
أن تظل البنت حبيسة في بيت أبيها بدون زواج، ، وهذا حل لا ترضاه المرأة لنفسها لأنه يناقض فطرتها وطبيعة تكوينها مهما كابر المكابرون وادعوا أنه من الممكن أن تستغني المرأة عن الرجل بالكسب والعمل فتلك مثالية صعبة التطبيق والتحقيق وجهل بنفسية المرأة وطبيعة تكوينها الجسدي وحاجتها إلى السكن والأُنس بالعشير.
الدكتور /جمعه الخولي أستاذ جامعي