الرسالة ......... الاخيرة - منتدى عالم الأسرة والمجتمع
logo

الملاحظات

مساحة مفتوحة موضوعات ونقاشات علمية، وثقافية، وفكرية، واجتماعية.

موضوع مغلق
قديم 29-09-2007, 12:16 AM
  #1
nadasteel
عضو مميز و مثالي
 الصورة الرمزية nadasteel
تاريخ التسجيل: Mar 2006
المشاركات: 1,204
nadasteel غير متصل  
وهناك وعندما وضع الطبيب السماعة علي صدري أدركت أن هناك مشكلة.. فقد تحول وجه الطبيب إلي التجهم وهو يسألني 'ماذا فعلت بصدرك؟' وعندما لم أرد عاد يسألني 'منذ متي تدخن السجائر.. وكم سيجارة تدخنها في اليوم؟'. وأجبت بأنني أدخن منذ كنت في السابعة عشرة من عمري.. وانني أدخن علبتي سجائر في اليوم. وعندما علم بأنني من طلبة الدراسات العليا في الجامعة الشهيرة التي كنت أدرس بها قال في شبه اتهام 'كيف يمكن لشاب وصل إلي مستواك العلمي أن يدمر جسمه بهذه الصورة؟.. ألم تقرأ علي علب السجائر انها تسبب الموت؟' وطلب مني في عجلة أن أتوجه إلي مركز طبي كبير للأورام لعمل أشعات علي الصدر.. مع عدد من التحاليل والفحوصات وأن أسارع بالذهاب والعودة إليه بالنتائج في اليوم التالي مباشرة وعند خروجنا من حجرة الطبيب تأخر عني صديقي بضع خطوات وسأل الطبيب، هل تشك في وجود ورم في الرئة؟ وسمعت الطبيب يجيب في اقتضاب 'لا أستطيع أن أجيبك قبل أن تصلني الفحوصات'.
وتزاحمت الأفكار السوداء في رأسي.. فما الذي يشك فيه الطبيب.. ولماذا هو متجهم وشبه غاضب مني مع ان الأطباء الأجانب يتميزون عادة بالهدوء مع المرضي؟ ولم يتركني صديقي وذهب معي إلي المركز الطبي.. وهناك خضعت لمجموعة من الفحوص التي كانت تزيد من مخاوفي.. فهناك صور للأشعة.. وهناك تحليل للدم والبصاق.. وهناك جهاز أدخل فيه ويسير متمهلا حتي أجد نفسي داخله مما يجعلني أشعر بأن روحي أزهقت. وفي اليوم التالي عندما عدنا بالنتائج إلي الطبيب الذي ما كاد يتفحصها حتي قال بصوت محايد 'كما قلت تماما.. ورم خبيث بالرئتين.. والحالة متقدمة'.
كنت واقفا ساعتها أمام الطبيب فانهرت جالسا.. وتصبب العرق من وجهي وتصورت انني في كابوس، ان تشخيص الطبيب موجه إلي شخص آخر غيري.. ونزلت دموعي من عيني وكأن الطبيب أراد أن يعانفني علي ما أبديت من ضعف فقال في شبه قسوة 'تدخن علبتين من السجائر يوميا منذ سنوات ثم تبكي من النتيجة التي كان يجب أن تتوقعها؟' ولم أستطع الرد فزاد الطبيب من قسوته متسائلا: 'وهل كنت تدخن الماريجوانا أو الحشيش أو الهيروين؟' وهززت رأسي بالنفي قائلا: 'فقط السجائر.. وأحيانا الشيشة' وهز الطبيب رأسه في شبه أسي وقال: 'كثير من مرضاي الذين يجيئون من الدول العربية كان من أسباب مرضهم بالسرطان والسل والقلب انهم كانوا يدخنون الشيشة.. ولا أعرف من الذي أدخل في عقولهم أنها أخف ضررا من السجائر فحجر الشيشة يساوي أربعين سيجارة.. واعتقد ان الذي أطلق هذه الشائعة غير العلمية هم بعض أصحاب المقاهي التي تنتشر فيها هذه الكارثة المسماة بالشيشة.. انها عملية قتل جماعي علي مقاهي الدول العربية.. وعموما فقد وقع الضرر بالنسبة لك.. والمهم هو أن تسارع بالعلاج'.
نعم.. المهم هو العلاج.. وتمسكت بهذه الجملة التي أعطتني بصيصا من الأمل وسألت يعني.. هل يمكن أن أشفي؟ ورد الطبيب قائلا: لا أريد أن أعطيك آمالا كاذبة.. هذا ليس أسلوبنا في العلاج.. وأصارحك بأنك تأخرت في اكتشاف المرض.. وكان يجب عليك عندما بدأت تشعر بالتعب.. وباستمرار السعال.. وبالضعف والعرق والحرارة أن تحضر إليٌ.. لكنك لم تفعل.. ولذلك يجب دخولك المستشفي فورا'.
حاولت أن أعترض وأقول ولكن موعد مناقشة رسالة الماجستير قد اقترب.. ولكن الطبيب قاطعني قائلا: 'لا تفكر الآن في الماجستير أو غيرها.. ان حياتك في خطر.. ولابد من دخول المستشفي'.
وفي البداية أخفيت عن أمي وخطيبتي وكل الناس هذه الأخبار المزعجة.. وجاء صديقي ووضع بعض ملابسي في حقيبة وذهبنا إلي المستشفي. وكان من حسن حظي انه كان لي الحق في العلاج بنظام التأمين الصحي.. وإلا ما تمكنت ميزانيتي دفع نفقات أسبوع واحد من العلاج.. فعلاج مرض السرطان مكلف للغاية.. ومررت بتجارب علاج الأورام المؤلمة من علاج كيميائي إلي اشعاعي.. إلي محاليل تعلق طوال اليوم في عروقي.. إلي اشعات وتحاليل لا تنتهي.. ولكن للأسف لم تستجب رئتاي اللتان دمرهما الدخان للعلاج
قديم 29-09-2007, 12:20 AM
  #2
nadasteel
عضو مميز و مثالي
 الصورة الرمزية nadasteel
تاريخ التسجيل: Mar 2006
المشاركات: 1,204
nadasteel غير متصل  
وقد شعرت والدتي بقلب الأم وبالاستماع إلي صوتي الذابل في التليفون وبعدم تصديق الحجج الواهية التي أبديتها بعدم مناقشة رسالة الماجستير في موعدها المحدد بأنني أمر بظروف سيئة وغير عادية.. وتصورت انه حدثت لي مشاكل مع أساتذتي في الجامعة.. في حين تصورت خطيبتي أن حبي لها قد فتر. وتحت إلحاح شديد من والدتي وفي لحظة ضعف شديدة لم أستطع إلا أن انفجر في البكاء في التليفون وأنا أقول 'تعالي بسرعة يا أمي.. فأنا مريض جدا ويمكن أن أموت'.
وسمعت صوت السماعة تسقط من يد أمي في الناحية الأخري.. وكنت في هذه الأثناء قد علمت من الأطباء ان حالتي تسوء.. وانه لم يبق لي سوي أشهر معدودة.
واستطاعت أمي بعد أسابيع وبمعجزة أن تحصل علي تأشيرة دخول الولايات المتحدة الأمريكية.. حاولت خطيبتي الحضور لكنها لم تستطع.. فالأمور لم تعد سهلة بالنسبة للعرب بعد أحداث 11 سبتمبر وعندما وصلت أمي إلي المستشفي وجدتني أقرب إلي الشبح.. وضمتني إلي صدرها وهي تشهق في البكاء..
ولا أريد أن أصف لك الحزن الذي عرفناه في الأيام التالية.. فعندما صارح الأطباء والدتي هي الأخري بأن أيامي أو بمعني أدق شهوري معدودة صممت علي أن تسافر إلي فرنسا لأعرض نفسي علي أطبائها المشهود لهم بأنهم من أفضل أطباء الأورام في العالم.. وكنت قد قرأت كثيرا عن اسم البروفيسور شيفالييه الذي أشرف علي علاج الفنان الكبير الراحل أحمد زكي.. فوافقت علي السفر لعل أن يكون علي أيدي أطباء فرنسا بعض الأمل في الشفاء.. وكان عليٌ أن أودع جامعتي.. واملأ حقائبي ليس فقط بملابسي وكتبي وإنما أيضا بأوراق الماجستير التي تعبت كثيرا في جمعها.. وقضيت الليالي ساهرا علي أمل الحصول عليها وبعدها الدكتوراة. وعندما كنت أودع الولايات المتحدة الأمريكية في المطار كان هذا وداعا لحلمي الكبير في الحصول علي الشهادة العلمية التي حلمت بها كثيرا.
وسافرت مع والدتي إلي فرنسا وعرضت نفسي علي شيفالييه.. وغيره وبعد فحوصات جديدة كان القرار هو انني تأخرت كثيرا وضاعت فرصتي في العلاج.
وجمعنا أنا وأمي يأسنا وحقائبنا مرة أخري وعدنا إلي مصر.. وكان في استقبالنا في المطار خطيبتي وكل اخوتي وعدد كبير من الأقارب.. وسرنا في موكب حزين أشبه بموكب جنائزي عائدين إلي بيتنا.. ودخلت حجرتي التي طالما شهدت أحلامي في التفوق وفي أن أصير واحدا من أكبر رجال العلم في مصر.. كما شهدت أحلامي الخاصة وقصة حبي التي كنت أتصور أنها سوف تنتهي بجلوسي في الكوشة بجانب حبيبتي في يوم الزفاف.. وأيقنت ان هذه كلها أحلام تحطمت ولم يعد أمامي ما أفكر فيه سوي الاعداد لجنازتي والقبر الذي سوف يضم جسدي المريض.. وبالفعل صممت علي أن أزور مقبرتنا التي دفن فيها والدي وعمي وأجدادي.. ولم يعجبني أنها قد أصبحت متداعية.. فطلبت ترميمها وطلاءها باللون الأبيض.. وقمت بوضع بعض قصاري الزرع الأخضر في حوش القبر.. وجلست في ذلك اليوم طويلا اقرأ سورا من القرآن الكريم علي روح كل الذين سبقونا في الرحيل.. وقرأت سورا من القرآن الكريم علي روحي أيضا.. فبعد فترة لن تطول سوف أكون في حاجة إلي من يقرأ علي روحي آيات الذكر الحكيم.. ولعلني أكون أولي بأن أقوم بهذه المهمة بدلا من الآخرين
قديم 29-09-2007, 12:22 AM
  #3
nadasteel
عضو مميز و مثالي
 الصورة الرمزية nadasteel
تاريخ التسجيل: Mar 2006
المشاركات: 1,204
nadasteel غير متصل  
ومع انني أصبحت أدرك ان كل دقيقة من عمري لها أهميتها.. وان كل ثانية تمر تنقص من زمني الباقي إلا ان الزمن ويا للعجب أصبح شديد الطول.. فإنني خائف إلي حد ان كل ثانية تمر عليٌ وكأنها عام.. وأنا حزين إلي درجة ان كل يوم يمر عليٌ وكأنه ثانية.. وأصبحت أعيش في عذاب النظر إلي وجه والدتي الملتاع ووجوه اخوتي الحزاني.. ووجه خطيبتي التي لا تصدق انني لن أكون موجودا في القريب لنكبر معا ونشيخ كما وعدتها حتي نبلغ أرذل العمر.. انها بدلا من أن تعد لنفسها فستان الفرح الأبيض.. فإن عليها أن تعد ملابس الحداد السوداء.. وأصبحت تتنازعني رغبتان ان كل منهما ضد الأخري.. ان يتوقف الزمن حتي أعيش.. أو أن يجري حتي أموت واستريح.
وجاء شهر رمضان الكريم بأيامه المفترجة ولياليه العطرة.. فلم أشعر بالراحة إلا عندما علمت بأن والدتي قد قررت أن نسافر أنا وهي وخطيبتي لأداء مناسك عمرة رمضان.. وكانت لحظة شعرت فيها بالهدوء الشديد عندما رأيت نفسي أواجه الكعبة الشريفة.. وان الفندق الذي نسكنه يقع بجانب أقدس بقعة في الأرض.. ومنذ وصلنا إلي مكة وأنا لا أغفو بالليل أو النهار.. فأنا جالس معظم الوقت في جوار الكعبة أصلي واقرأ القرآن.. ورغم ضعف صحتي فإنني كثيرا ما أطوف حول الكعبة أو أهرول بين الصفا والمروة أو أدعو في مقام ابراهيم أو أركع في حجر اسماعيل.. وأنا أكثر من الصلاة والتعبد هذه الأيام حتي لا يطوف برأسي ذلك الخاطر الحزين فأسأل: 'لماذا يارب اخترتني لأعيش هذه التجربة القاسية.. تجربة أن يعرف الانسان انه علي شفا الموت؟ وأستطيع أن أقول لك انني في النهاية شعرت بكثير من الراحة.. وانني أصبحت مستعدا للقاء ربي وأنا راض بما قسم لي من حياة لم أحقق فيها الكثير.
لكنني في النهاية أجد نفسي في مواجهة والدتي وخطيبتي.. فكل منهما ترغب في أن أتم زواجي فور عودتنا إلي مصر.. فوالدتي تريدني أن أعيش أيامي الأخيرة في سعادة كما تتصور وتريدني أيضا أن أترك لها حفيدا من صلبي بحيث يحمل اسمي ويكون من رائحتي.. ويساعدها علي السلوي عن فقدي.. فهي لا تريدني أن أخرج من الدنيا دون أن أترك فيها ذكري أو أثرا.. وهي تبكي أمامي وهي تمسك بأستار الكعبة وتطالبني بأن أحقق لها أمنيتها بأن تراني وأنا أزف علي عروسي.. فهي تريد أن تتذكرني وأنا عريس في الزفة.. ولا تريد أن تتذكرني وأنا مريض موشك علي الهلاك.. وخطيبتي لها نفس الرأي فهي تلح عليٌ الزواج ولها منطقها في ذلك. ولكنني لا أريد أن أتزوج لمجرد انني سوف أموت.. لا أريد أن أشعر وأنا أزف وكأنني أزف إلي ملك الموت.. لا أريد أن ارتبط بانسانة مهما بلغ حبها لي فسوف أتركها أرملة ولابد أن تنساني في يوم من الأيام.. فتندم علي انها تزوجت من هالك.. أيضا لا أريد أن آتي إلي الدنيا بطفل يبدأ حياته يتيما بلا أب يرعاه. انني لا أريد أن أغضب والدتي وغضبها من الكبائر.. ولا أريد أن أدمر رغبة خطيبتي في أن تزف إلي الرجل الوحيد الذي أحبته في حياتها.. لكنني أجد ان هذا التصرف غير انساني.. وغير سليم.. وانني يجب أن أقضي أيامي الباقية في الصلاة والعبادة.. فأنا مقبل علي يوم الحساب.. فهل أغضب أمي وخطيبتي في أيامي الأخيرة وأرفض طلبهما؟.. أم أخضع لرغبتهما وأتزوج في حين انني لم يعد لي رغبة في أي شيء.. وكيف يمكن لمحكوم عليه بالموت أن يرغب في علاقة مفروض أن بها لا تستمر الحياة؟. ساعديني علي التصرف الأقرب إلي الصواب.. فهذه الرسالة التي أكتبها إليك قد تكون هي آخر رسالة أكتبها لانسان.
قديم 29-09-2007, 03:03 AM
  #4
nadasteel
عضو مميز و مثالي
 الصورة الرمزية nadasteel
تاريخ التسجيل: Mar 2006
المشاركات: 1,204
nadasteel غير متصل  
هو النقل ...........لم يعجبكم مع ان القصة عذة للشبابنا بسبب التدخين السجائر والشيشة
موضوع مغلق

مواقع النشر

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:45 PM.


images