والآن نتحدث عن المرحلة الثالثة التي قد لا يصل إليها كل الأشخاص؛
فهناك من يتوقف نموه ونضجه ولا يتجاوز الطفولة والمراهقة،
ويعاني الأشخاص المحيطون عادة من هؤلاء الأشخاص الذين يتوقف نضجهم أكثر من معاناة هؤلاء الأشخاص غير الناضجين أنفسهم!!.
وينطبق على هؤلاء غير الناضجين قول الشاعر:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله *** وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
مرحلة سن الرشد
بينما المراهقة على وشك الاَنتهاء، يصبح الشخص البالغ غير محتاج إلى المجموعةِ التي ينتمي إليها منِ أجل إحساسه بالأمن.
وبدلاً مِن ذلك فإن حياته قَدْ تَتركّزُ حول عدد صغير مِن الناسِ يشتملون على بضعة أصدقاء مقرّبين، صديق أو صديقة من الجنس الآخر. في النهاية،
فعنق الزجاجة تلك والقاعدة الأمنية ترَتكزانِ على شخص واحد معيّن.
وفي هذه النقطةِ، نجد علاقات أكثر ديمومة، وأعمق تطوّراً،
وواحدة من تلك العلاقات قَدْ تُؤدّي إلى الزواج ِ. فالعلاقة الوثيقة مَع الشخصِ الآخرِ تَعملُ كمصدر لإيجاد وإظهار استقلاله الحقيقي.
وفي الحياةِ عُموماً هناك بَعْض المعالجين يَعتبرونَ الوصول إلى هذه المرحلة الذروة في نضج شخصية الفرد المتكامل.
بينما يَعتقدُ بعض المعالجين الآخرين أن تلك المرحلة ما زال ينقصهاْ خطوة تنظيميةً ضرورية أخرى،
ألا وهي تَضْمين تغيير مفهوم الأمنِ المُكتَسب مِن إنسان آخر إلى الأمنِ المستند على احترام النفس ِ،
وهذا لَهُ جذورُه ومقرّه في الشعور،
"أَعْرفُ حاجاتَي وقِيَمَي،
لكن أَنا راغبٌ دائماً في إعادة تَفحص نفسي وتغييّر ذاتي فأنا أُريدُ الشُعُور والإحساس بعمق،
وأن أَتصرّف بقوةٍ، وأن أَتعلّق مباشرةً بالآخرين، الذين أتوسم الخير فيهم،
وإلى الآن فأنا دائماً أجيد تلمس أعماقِ نفسي و معرفة أسرارها."
"
يقول أرسطو طاليس
"أصعب شيء أن يعرف الإنسان نفسه، وأسهل شيء أن ينصح غيره".
وقيل أيضاً
"من يعرف الناس يكون ذكيا ولكن من يعرف نفسه يكون أذكى".
وللوصول إلى حالةِ الشخص الناضجِ المتكاملِ، يَجِبُ عليك أَنْ تُدركَ أنهّ إذا تغيّرَ سلوك واحد لديك،
فإن كلّ سلسلة السلوك ذات العلاقة سوف تتغير.
كما أن عليك أن تَتعلّم مهارات جديدةَ، مع تغييّر سلوَكياتك غير المرغوبة،
أنت يُمْكِنك أَنْ تُغيّرَ مشاعِرَك، وكامل نمطِ منظومتِكَ النفسيةِ.
وبهذه الطريقة، يمكنك أن تدرب نفسك على تأكيد ذاتك؛ وهذا ينشأ عنه أسلوب حياة جديد ككُلّ.
وإذا أردت أن تستمع لقصة حاكم أصر على تأكيد ذاته كسلطان قوي هُمَام صاحب رأي وعزيمة،
والذي فقد سلطانه ثم استرده من الطامعين ثلاث مرات،
ولم يثنه ذلك من أن يكون مجاهداً عملاقاً، وحاكماً يُحسِن قيادة حكومته،
وينشر الرخاء والاستقرار في ربوع سلطنته، ويقمع الفتن، ويكسر شوكة الظالمين والأمراء المشاكسين،
وذلك رغم بعض الهزائم التي لحقت به أحياناً إلا أن تلك الهزائم لم تفت في عضده وعزمه وهمته،
وأصبح عصره الذهبي مضرب المثل لقوة دولة المماليك في العالم الإسلامي بالقرون الوسطى.
السلطان المؤكد لذاته
كطفل
ثم
مراهق
ثم
راشد
ثم
كهل
الناصر محمد بن قلاوون
( العصر الذهبي للمماليك )
لم يكن المماليك يؤمنون بمبدأ وراثة الحكم، وإنما كانت السلطة دائمًا للأمير الأقوى،
الذي يستطيع أن يحسم الصراع على السلطة لصالحه، ويتصدى لأي محاولة للخروج عليه،
ولكن أسرة "قلاوون" استطاعت أن تكسر هذه القاعدة،
وتخرج عن ذلك السياق؛ فقد ظل "قلاوون" وأولاده وأحفاده يحكمون دولة المماليك لأكثر من قرن من الزمان،
برغم كل ما تعرضوا له من مؤامرات وانقلابات، يتبعها اغتصاب للسلطة،
بيد أن هؤلاء المغتصبين لم يستقروا في الحكم طويلاً؛ إذ سرعان ما كان يتم عزلهم لتعود السلطة مرة أخرى إلى أسرة "قلاوون"،
ولعل هذا ما كان يحدث دائمًا عقب وفاة كل سلطان.
فبعد وفاة السلطان "قلاوون" تولى ابنه الأكبر "الخليل قلاوون" أمور السلطة،
ولكنه كان خلاف أبيه؛ فقد اتسم بالحدة والغلظة، وكان قاسيًا متعجرفًا في معاملة مماليكه؛
مما أثار عليه النفوس، وأوغر ضده الصدور، غير أنه استطاع بشجاعته أن يطرد الصليبيين من "عكا"،
وأن يحقق حلم أبيه بوضع خاتمة للحروب الصليبية التي دامت قرنين من الزمان. لكنه لم يستمتع طويلاً بالنصر؛
فما لبث أن تآمر عليه بعض أمراء المماليك، وانتهزوا فرصة خروجه يومًا للصيد، فانقضوا عليه وقتلوه.
وهكذا أصبح الناصر محمد بن قلاوون سلطانًا على مصر بعد مقتل أخيه؛
فجلس على العرش وهو لا يزال في التاسعة من عمره في (16 من المحرم 693هـ = 18 من ديسمبر 1293م).
وتم اختيار الأمير "كتبغا" نائبًا للسلطنة،
فأصبح هو الحاكم الفعلي للبلاد، بينما لا يملك السلطان الصغير من السلطة إلا اللقب الذي لم يدم له أيضًا أكثر من عام؛
فقد استطاع "كتبغا" أن يقنع الخليفة العباسي بعدم أهلية "الناصر" للحكم لصغر سنه،
وأن البلاد في حاجة إلى رجل قوي يهابه الجند وتخشاه الرعية،
فأصدر الخليفة مرسومًا بخلع "الناصر" وتولية "كتبغا" مكانه.
سنوات عجاف
اقترنت مدة سلطنة "كتبغا" بأحداث شتى أثارت ضده الشعب، وجعلته يكرهه؛
فقد اشتد الغلاء، وارتفعت الأسعار، ونقص ماء النيل، وعم الوباء، وكثرت المجاعات،
ولم يستطع السلطان أن يتصدى لكل تلك الكوارث، برغم الجهود التي بذلها.
وقد أغرى ذلك الأمير "لاجين" بانتزاع السلطة والاستيلاء على العرش،
وبعدها استدعى "الناصر محمد" وطلب منه السفر إلى "الكرك".
وسعى السلطان "لاجين" إلى التقرب من الناس عن طريق تخفيف الضرائب،
كما حرص على تحسين صورته بين الرعية من خلال أعمال البر والإحسان التي قام بها،
فحظي بتأييد الشعب له، خاصة بعد أن انخفضت الأسعار وعمّ الرخاء،
وعمد "لاجين" إلى إظهار تقديره للعلماء، ونفوره من اللهو، وأحسن السيرة في الرعية.
ولكن عدداً من الأمراء تآمروا عليه، فقتلوه وهو يصلي العشاء مساء الخميس (10 من ربيع الآخر 698هـ= 16 من يناير 1299م).
استعادته للسلطنه
أصبح الطريق خاليًا أمام السلطان "الناصر محمد" للعودة إلى عرشه من جديد،
واستقر الرأي على استدعاء "الناصر" فذهبت وفود من الأمراء إليه،
وعاد "الناصر" إلى مصر، في موكب حافل، فلما دخل القلعة وجلس على العرش،
جدد الأمراء والأعيان البيعة له، ولم يكن عمره يتجاوز الرابعة عشرة آنذاك.
لم يكد السلطان "الناصر" يتولى مقاليد الحكم حتى جاءت الأخبار بتهديد المغول لبلاد الشام،
فخرج إليهم على رأس جيشه حتى وصل إلى دمشق. ولكن المغول تظاهروا بالانسحاب، وانخدع بذلك السلطان والأمراء؛
فتراخى الجيش، وخمد حماس الجنود، ولم يشعروا إلا وقد انقض عليهم المغول، وألحقوا بهم هزيمة منكرة؛
فرجع السلطان يجر أذيال الهزيمة، ولكنه لم يلبث أن أخذ يعد العدة للقاء المغول، ومحو عار الهزيمة التي لحقت به.
عاد "المغول" مرة أخرى إلى الشام؛ فخرج إليهم السلطان بجنوده،
والتقى الجيشان بطريق "مرج الصفر" بعد عصر السبت (2 من رمضان 702 هـ= 20 من إبريل 1302م)،
وبرغم قوة "المغول" وكثرة عددهم فإن انتصار الجيش المصري في ذلك اليوم كان ساحقًاً،
وأظهر الجنود من الشجاعة والفروسية ما يفوق كل وصف.
عاد السلطان في مواكب النصر، وعمت الفرحة أرجاء البلاد، وقد أدى هذا النصر إلى تحقيق نوع من الأمن والاستقرار الداخلي للبلاد،
وأعاد إلى الدولة هيبتها وقوتها، خاصة أمام الأعراب الذين دأبوا على الإغارة على المدن والقرى والقيام بعمليات السلب والنهب والقتل،
دون أن يجدوا من يتصدى لهم، وقد أرسل إليهم السلطان عدة حملات، حاصرتهم في الطرق والجبال؛
حتى قضوا عليهم وكسروا شوكتهم، وتخلص الناس من شرورهم.
وفي العام نفسه
توج الناصر انتصاراته بهزيمة الصليبيين الذين كانوا قد نجحوا في الاستيلاء على جزيرة "أرواد" أمام ساحل مدينة "طرابلس" وأخذوا يهددون منها سواحل الشام،
فأرسل السلطان حملة بحرية إلى تلك الجزيرة، استطاعت أن تحقق نصرًا عظيمًا على الصليبين؛
فقتلوا منهم نحو ألفين، وأسروا نحو خمسمائة آخرين، كما غنموا مغانم كثيرة.
(( يتبع ))
__________________
اللهم اليك نشكو ضعف قوتنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس ياأرحم الراحمين انت رب المستضعفين وانت ربنا الى من تكلنا..الى بعيد يتجهمنا ام الى عدو ملّكته امرنا ان لم يكن بك غضب علينا فلا نبالي غير ان عافيتك هي اوسع لنا نعوذ بنور وجهك الذي اشرقت له الظلمات وصلح عليه امر الدنيا والاخرة ان يحل علينا غضبك او ينزل بنا سخطك لك العتبى حتى ترضى
ولا حول ولا قوة الا بك
اللهم لا تحرمنا من عفوك وفضلك وجزيل عطائك يا كريم
التعديل الأخير تم بواسطة hazem007 ; 26-06-2007 الساعة 04:12 PM