^- ما رأيتُ أشدّ ما يغيظني مِن الحرباء -^
بسم الله الرحمن الرحيم
جلس ثلاثة صقور مجلسهم الأسبوعيَ المعتاد، يتواردون فيه أخبار الريف
والغابة، و لا تخلو جلساتُهم عادة من الأنس و الدعابة، لكن تلك الجلسة
اختلفت تماما عن سابقاتها في جديتها و خطورة الأخبار التي تناقلوها فيها.
قال أحدهم: كنت فوق شجرة عالية في الغابة أسترق السمع
فسمعت عجبا يا إخوتي .
كان النمر الزاهد العابد يقول للملك الأسد : كنت جالسا أذكر الله
( وإن من شيء إلا يسبح بحمده و لكن لا تفقهون تسبيحهم ) تحت الشجرة الطيبة العتيقة التي
تعرفونها جميعا و تحبونها،
فإذا بنمرِ شاب لا أعرفه يأتي إلي شاكيا باكيا وقال:
يا شيخ : أريدك على انفراد.
أرجعت ما في يدي من كتب كنت أقرأها إلى مكانها و جلست بقربه، ثم أذنت له بالحديث، تفضل .
قال لي : يا شيخي النمر ، قتلت أبي و أختي بيدي .
و أخذ يجهش بالبكاء و أنا أهدئ من روعه حتى قلت :
لا حول و لا قوة إلا بالله
كيف يا صغيري النمر كان هذا منك؟ ، منظرك ليس قتالا .
قال لي : يا شيخي النمر ، كان لي نمور أصدقاء أماشيهم على الخير
و نجتهد في أن نكون من خدام الدين و الغابة و أن نرضي ربنا و نعمل صالحا،
و أبي النمر كان معنا في تلك الزمرة المتحابة في الله.
رأى بعض أصحابنا النمور أختي تتمشى في الغابة و قد قصرت في بعض
لباسها فأخبروني و قالوا لأبي : مُرها كي تصلح الخطأ .
ذهب إليها أبي و أمرها و لكنها بقيت على تقصيرها، فاجتمعت اللجنة
الخاصة بالفتوى ( مجموعة نمور صائعة )عندنا و حكموا
على أختي ( بالردة ) و أمروا أبي أن يقتلها بيده.
رحمة أبي النمر بابنته و شفقته عليها منعته من أن يقدم على ما أمروه
به، فأتوا إلي و قالوا: أختك حدها القتل لأنها مرتدة، و أبوك مرتد معها
لتقاعسه في تنفيذ شرع الله فيها، جاء الدور عليك أن تنفذ حكم الله
فيهما، هاه؟ ، فقلت لهم: أنا لها، و نحرتهما يا شيخ بيدي ، فما العمل؟
النمر الزاهد و غيره من علماء الغابة ( الربانيين ) بينوا للحاضرين عند الأسد الملك
أن هذا منهج من ( يكفرون المخلوقين إذا فعلوا المعاصي التي هي دون الكفر حتى و إن كانت من الكبائر) و
منهج من ( لا تقوم لهم قائمة ) و منهج ( كلاب النار ) ثم أمر الأسد بأن يُحاربوا و يُقتلوا إن لم يستمعوا إلى
النصائح لأنهم ( شرّ قتلى تحت أديم السماء).
قال الصقر ناقل الخبر : ما رأيت أشد ما يغيظني من الحرباء.
منافقة ضللت العباد في الغابة، لا في العير و لا في النفير، مرة تبرر
ما يفعله المجرمون و مرة تنكر عليهم و مرة تدعو لهم و مرة تدعو عليهم،
كلامها الحلو و سعة ثقافتها جعل منها ( عالمة ) عند بعض المغفلين الذين
لا يفرقون بين العالم و المتعالم ، و الله ما هي إلا كمن قال الله فيهم
( و إذا رايتهم تعجبك أجسامهم ) من حسن صورتها ( و إن يقولوا
تسمع لقولهم ) من لباقة ألسنتهم و حسن حديثهم ( كأنهم خشب مسندة )
من شدة إنصاتهم ( هم العدو فاحذرهم )
إي و الله ، هم العدو فاحذروهم ! ! ! .
في أمان الله.