عدت الى ارض الغربة ، بفكر آخر مختلف تماماً عن كل ما سمعت من أبي و أمي
و ما قرأت في كتب الدين و التشريعات و نظام الدولة ..
و مخالف لكل ما بقي في ذاكرتي أيام الطفولة ..!
أعترف أنه فِكر غير جيد عن المجتمع بوطني عامة ، ليس الوطن فحسب بل كل ما له
علاقة به دون استثناء ..
مات الحنين بداخلي ، ومات الفخر بالوطن ، و اهتزت كل القيم المنسوبة له ..!
كان يجب عليّ الرضوخ و الإيمان قسراً بالعدل ، و الا ..
اللعنة و الترهيب و التشكيك ثم يلفظني كلقمة مجرثمة قاتلة ...!
هذا هو مجتمعنا ولا شيئ آخر ..
* شهيه مضطربة ..
لم تعد شهيتي إلى الحياة بستوكهولم منفتحة كسابق عهدها ..
لظروف كثيرة منها زواج ابي و تغيرات جذريه بنظام الأسرة
و عوالق مجتمعية قوية جداً ..!
و بداية نضج فكري و تفتح عقلي كبير في تلك الفترة بالنسبة لي ..
و انشغال أخي بدراسة الطب و قد كنا نقضى اوقاتنا عادة بالتنقل
في مالموا و منها الى جوكموك حيث الإستمتاع بشمس منتصف الليل
التى لا تغرب .. و كثرت السياح العرب و الأتراك و بعض من نازحي البوسنه..
لكن كل تلك الرحلات اصحبت نادرة جدا إذا ان ابي رغم انغماسه بالمجتمع هنا
مازال يحمل روح شبه جزيرة العرب و يمنع تنقلي انا واختي بمفردنا بين المدن ..!
و زاد الأمر سوءً زواج أختي و انتقالها الى الدنمارك عدة سنوات ثم العودة
الى الخليج العربي و استقرارها في دولة الإمارات العربية ..
لم يكن لي هدف واضح لكن كنت شغوفة جدا بالإجناس العرقية و الديانات
و الوضع العام للمناطق ..
ربما كان بسبب شعوري بالنقص في الحرية أو تشتت الهوية أو فقدان الثقة
ببعض التعاليم ..؟! وخاصة فيما يتعلق بالمرأة التى كانت في نظري الأصل
في كل شيء و لها الحضور في كل الميادين لكن ....
شيء ما ناقص ؟!!
* أنا أحب ..
في اثناء تجولاتي وفي أفي اشد أوقات الوحدة التى اعانيها رغم كثرة علاقاتي
الإجتماعية و حضوري الدائم للأنشطة المختلفة .. قابلته ..
شاب عماني يعمل في احد استديوهات التصوير و يدرس بالوقت نفسه ..
كان يحمل ملامحنا العربية و اصولنا الخليجية كان مميزاً بنظري ..!
بكل ذلك و بروحه المنطلقه و فكره المنفتح ..
هو فقط كان يويدني بكل افكاري و يسمح لجنوني ان ينطلق لا يعارض ابدا
اصبحت ازوره بين الوقت والآخر بحجة وبدون حجة ..
تغيرت اوضاعي كثيرا للأفضل و تقلصت وحدتي و زاد عنادي ..؟!
بقي الأمر سراً في ظل انشغال الجميع بظروفه ونفسه ..
حتى لاحظت زوجة ابي هدوئي و بقائي الدائم بالمنزل و خروجي المفاجي احياناً
و نقلت الأمر لأبي ..
احتججت بالدراسة و الخروج للنزهه ..
لكن ابي لم يصدق ؟! لكنه سايرني لأيام عديدة ..
حتى اتيت له ذات مرة لأخبره بأخبار قلبي ..!!
فقلت له أنا أحب ...
توقعت ان القى ما تلقاه فتاة الخليج العربي إن تجرأت يوماً و قالت لوالدها تلك الكلمة ؟!
لكن ردة فعل ابي كانت أهدأ بكثير ..
نظر إلي نظرة أغرقتني ببحر الذنب واذابتني قطعة قطعة , ثم قال ..
الحب أمر جميل ، كلنا نحتاج ان نحب ونُحب ..
لكن ...
الحب يحتاج لدعائم يستند عليها ،، من تكافؤ و صدق و ضوء
كان حديث ابي عن الحب محبط جدا جدا بالنسبة لي ..
ليس لانه خاطي !
بل لان ابي حينما يُفلسف الاشياء فهذا يعني عدم رضاه عنها ..
لكنه طلب رويته ..
جاء هو واخيه لمقابلة ابي ، الذي مد زمن المقابلة لثلاث ايام متفرقة
يقابله فيها نصف ساعة او اكثر ..
أيقنت تماماً انه لن يرضي غرور ابي ، خاصة انه خجول جدا و هذا عيب في نظر
ابي ، الذي لا ينجح في مقابلته احد ..
فعلاً طُرد كالعادة ابي مع كل خاطب لا يناسبه ..
ثم يغدق بعدها علي بالمال و الحنان و يعطيني مطلق الحرية
حتي انسى ...
كان لابد ان انسى فلا خيار آخر ..
* عوداً حميداً ..
نسيت او تناسيت او اجلت قلبي ..
لا يهم السبب القاطع ، المهم أني في تلك الفترة كنت استعد للعودة
للوطن مع العائلة ، لكن هذه المرة عوداً نهائياً و الاستقرار بالوطن ..
عدنا بارواح مختلفة تماماً عن تلك الأرواح التي تركنا بها ارض الوطن يوماً ..
و فكر مختلف و شخصيات مختلفة ...
و عائلة مختلفة ، الشخص الوحيد الذي غادر و عاد معي هو ابي ..
عدت بلا أمي و لا اختي و لا اخي ..
كان معي ام اخري و أخوة آخرون ...!
وأب مختلف ...؟!
لم اعد لمنزلنا بل منزل مستقل بعيدا عن زوجة ابي و إخوتي لاب ..
كان اختياري او اختيار زوجة ابي او اختيار ابي ؟!
الجواب الأكيد لا يهم .. المهم انه أمرا مريح جدا بالنسبة لي ..
* إخوة الاب ..
هم حدث لا يمكن تجاهله أبدا ..
فبقدر قربهم مني ، هم غرباء عني ..
حتي وان عشنا معاً ، و لعبنا معاً ، و كبرنا معاً ، فنحن مختلفون بيننا فرق
شاسع كبُعد المشرقين ..!
الحديث عنهم شائك ، لكن باختصار هم مفخرة من مفاخر العرب الحمقاء
و التي تجر معها الويلات و تُندس القلب ...