اعتكفت علي قراءة كتاب جديد للدكتور / يوسف القرضاوي ـ يتحدث فيه عن الشيخ محمد الغزالي خلال نصف قرن من الدعوة ، ولقد لفتت نظري فقرة في الكتاب عندما رزق والده الشيخ أحمد السقا بمولود فأسماه محمد الغزالي تيمناً بحجة الإسلام أبو حامد الغزالي وكان أمله منذ رزق بطفله ...
أن يكون وارثاً للغزالي ، فأسماه هذا الاسم المركب محمد الغزالي فالغزالي جزء من اسمه وليس لقباً للعائلة كما يتوهم البعض ،ثم قال الدكتور القرضاوي معلقاً علي هذه الحادثة :
( ولم تخيب الأقدار ظن الوالد الطيب ، فإذا غزالي القرن الرابع عشر يحمل روح غزالي القرن الخامس في إحياء الدين وتجديده ، وبعث الحياة في جسد الأمة الهامد ، علي أساس من تعاليمه ، وإن كان في كل من الغزاليين ما ليس في الآخر ،وقد يوجد في المفضول ما لا يوجد في الفاضل، والله يهب من فضله ما يشاء لمن يشاء ( والله ذو الفضل العظيم ) .
نحن نتساءل بعد هذه المقدمة ماذا نتمني عندما نرزق بمولود جديد ؟
إن ما يهم أكثر الآباء والامهات هو تأمين الحياة المستقبلية لأبنائهم ، وهذه قد تكفل بها الله تعالي ولكنهم لا يفكرون عادة بأن يكون ابنهم نجماً من نجوم الخير والدعوة وخدمة الإسلام وتجديد الدين لهذه الامة ، وهذا أهم من تأمين الطعام والشراب والمسكن للأبناء ، إن بناء الروح والاهتمام بعقل الطفل وفكره وصرف الأموال من أجل ذلك أهم شيء لتحقيق نجومية هذا الطفل في المستقبل ،ولو تتبعنا سيرة الناجحين والعظماء والعلماء لوجدنا أن لأبائهم وأمهاتهم الدور الأكبر في تهيئة الأجواء لهم ليكونوا قادة الأمة .
إن الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله – لم يخيب ظن والده به عندما سماه ، فقد كان لديه حس إيماني مرهف فيقول عن نفسه : قلت يوماً لرجل تعود السكر : ألا تتوب إلي الله ؟ فنظر إلي بانكسار ، ودمعت عيناه ، وقال :أدع الله لي ؟
تأملت في حال الرجل ،ورق قلبي : إن بكاؤه شعور بمدي تفريطه في جنب الله وحزنه علي مخالفته ، ورغبته في العودة إليه .
( إنه مؤمن يقيناً ، ولكنه مبتلي ! وهو ينشد العافية ويستعين بي علي تقريبها ،قلت لنفسي :
قد تكون حالي مثل حال هذا الرجل أو أسوأ ، صحيح أنني لم أذق الخمر قط ، فإن البيئة التي عشت فيها لا تعرفها ، لكني ربما تعاطيت من خمر الغفلة ما جعلني اذهل عن ربي كثيراً، وأنسي حقوقه .
إنه يبكي لتقصيره ،وأنا وأمثالي لا نبكي علي تقصيرنا ، قد نكون بأنفسنا مخدوعين ! واقبلت علي الرجل الذي يطلب مني الدعاء ليترك الخمر ، قلت له تعال ندع لأنفسنا معاً : ( ربنا ظلمنا أنفسنا وأن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ) الأعراف : 23
بمثل هذه المواقف ومواقف كثيرة للشيخ رحمه الله ليتأمل كل واحد منا كيف حقق الله أمنية والده عندما أسماه باسم كان يأمل منه أن يكون حقيقة ، بل أنه اعتني بتصحيح المفاهيم وتوجيه الطاقات لخدمة الدين والإسلام بطريقة صحيحة ، حتي أن الدكتور القرضاوي ذكر موقفين له ، وهما كما يذكرهما الغزالي فيقول : ( وقد رأيت صيدلياً مشغولاً يبحث قضية صلاة تحية المسجد في أثناء خطبة الجمعة ، ومهتماً بترجيح مذهب علي مذهب ، فقلت له : لماذا لا تنصر الإسلام في ميدانك ، وتدع هذا الموضوع لأهله ؟
إن الإسلام في ميدان الدواء مهزوم ! ولو أراد أعداء الاسلام أن يسمموا أمته في هذا الميدان لفعلوا ، ولعجزتم عن مقاومتهم ! أفما كان الأولي بك وبإخوانك أن تصنعوا شيئاً لدينكم في ميدان خلا منه ، بدل الدخول في موازنة بين الشافعي ومالك ؟! وسألني طالب بأحد أقسام الكمياء عن موضوع شائك في علم الكلام ! فقلت في نفسي : إن جائزة نوبل لهذا العام قسمت بين نفر من علماء الكمياء ليس فيهم عربي واحد وحاجة المسلمين إلي الاستنجار في علوم الكمياء ماسة ، وقد أوردت في بعض كتبي كيف اباد الروس قرية أفغانية عندما شنوا عليها حرباً كيماوية ، وذهب الضحايا في صمت ، وتسامح جمهور المسلمين بالنبأ ، وهو لا يدري شيئاً عما كان أو يكون ، نلاحظ من حواره مع الدعاة أنه يريد أن يوجههم إلي الاتجاه الصحيح لخدمة الدين ونكررها مرة أخري بأن الله لم يخيب ظن والده به وندعو كل أب أو أم يرزقان بمولود أن يتمنيا لمولودهما خيراً في خدمة الدين ويحسنا الظن بالله ، فإن الله لايخيب ظن عبده ،كما أن للغزالي ـ رحمه الله ـ بعض الهفوات وقد ذكرها الدكتور / القرضاوي في ذات الكتاب ، فلمن يريد التعرف عليه من قرب فليقرأ كتاب الشيخ محمد الغزالي ـ نصف قرن من الدعوة كما عرفته .