أخي الكريم ( البليغ ) :
أشكرك على ردك البليغ , أوفيت وأجزلت , وحاشاك أخي أن أظن بك سوءا , أو
أن أسئ فهم مرادك , بل كان لكلماتك وقعها في نفسي فجزاك الرحمن خيرا
أتعلم أنني تقصيت مراثي المتقدمين والمتأخرين يا أخي , وجمعتها عندي حتى
أصبحت أحفظ معظمها عن ظهر قلب وأتمثل بها ؟
أو تعلم أيضا _ وهذا مما ينفطر له وجداني _ أن قصيدة ابن زريق البغدادي
(لاتعذليه فإن العذل يولعه ) , سمعتها للمرة الأولى أو بالأحرى سمعت عنها
من زوجتي رحمها الله _ وتأثرت كثيرا آنذاك حين أخبرتني بمناسبتها , ولم
أعلم أنني سأقف ذات يوم موقف ابن زريق بيد أنه توفي قبل زوجته , انما
مثلي مثل الوزير ابن الزيات حين رثى زوجته التي خلفت وراءها طفلها
الصغير فقال :
ألا من رأى الطفل المفارق أمه ***بعيد الكرى عيناه تبتدران
رأى كل أم وابنها غير أمه ***يبيتان تحت الليل ينتجيان
وبات وحيداً في الفراش تحثه***بلابل قلب دائم الخفقان
فلا تلحياني إن بكيت فإنما ***أداوي بهذا الدمع ما تريان
وإن مكاناً في الثرى حظ لحده ***لمن كان في قلبي بكل مكان
أحق مكان بالزيارة والهوى ***فهل أنتما إن عجت منتظران
أو الطغراني حين قال :
وإن نظرت من الدنيا إلى حسن
منذ غبت عني فلا متعت بالنظر
فاكتب أخي ماشئت ولا تبالي , وسأظل أستعذب كل بيت كتب في الرثاء
وسيظل لسان حالي دوما : ودعته وبودي لو يودعني صفو الحياة وأني لا أودعه
أسأل الرحمن أن يكلؤك بحفظه , وأن يشملك برعايته .
احبتي وددت لو كتبت أشكركم فردا فردا , ولا أجد ما اكافئكم به سوى ان اقول
سلم الله يمينا نثرتم بها درركم وبارك فيكم , وجزاكم خيرا على ماقدمتم
ولكم بمثل مادعوتم وزيادة
وعذرا الاف المرات إن كدرت صفوكم وأوجعت قلوبكم , لا أراكم الله مكروها في
عزيز لديكم , وجعلكم من السعداء في الدارين
وردا على طلبكم لي أن أتزوج بأخرى ترعى طفلي وتلهيني عن حزني أجيبكم :
مالم أذكره أحبتي _ وأرجو ألا تظنوا أنني أحرم ما أحله الله على نفسي _
هو أنني قطعت عهدا على نفسي وأقسمت ألا أتزوج سواها من النساء ماحييت
وهذا الأمر لم يكن بعد وفاتها فحسب , بل أنني عاهدتها ذات العهد وهي
على قيد الحياة ألا أتزوج سواها , سواء كانت على ظهر هذه الأرض أم باطنها
وهذا الأمر لا يتعلق بالوفاء لها فقط , فقد تزوج المصطفى صلى الله عليه وسلم
عقب وفاة خديجة_ رضي الله عنها _ ومع ذلك قال ( لا والله ما أبدلني الله خيرا
منها ) وظل وفيا لها ولذكراها , ولي فيه خير اسوة .
وانما لأنني فعلا لا أرى ولا أريد ولا أحسن أن أعاشر في النساء سواها ,
ومثلي لايحتاج الى الزواج ليبرأ جرحه , بل سيكون ذلك أدعى لنزف الجراح
فضلا عن أنني لن ولم أخن عهدا قط , وأفضل الموت على أن أفعل ذلك .
أما عن طفلي فأطمئنكم أنني عهدت بتربيته الى أصهاري , ورجوتهم أن يصنعوا
منه صورة أخرى من زوجتي _رحمها الله _ في حسن الأدب ودماثة الخلق
والنشأة الدينية , وأحمد الله ان عوضه بحنان جدته وجده , وعوضني بهم
كما أنني أتواجد معه بصفة يومية وأعتني به فلا يفصلنا سوى وقت العمل .
ويحتل مكان حبيبتي الراحلة في حضني وقت النوم , فلا يغفو الا متوسدا
ذراعي .
أنا مؤمن بقضاء الله راض به , وأحمده تعالى عليه , سبحانه من لايحمد
على مكروه سواه
ولكنني أجاهد لألملم أشلائي المبعثرة , وأعاني الأمرين حتى أستطيع أن
أواصل رحلتي , ليس من أجلي بل من أجل صغيري .
يعلم الله أني أحسست بالراحة بين أسطركم , ومن خلال عباراتكم التي بددت أحزاني
فنعم الأخوة والاخوات أنتم , لاحرمني الله منكم ولكم مني أجزل الشكر وأوفاه ,
ولازلت عند وعدي أن أكتب لكم بعض الأمور المعينة على نجاح الحياة
الزوجية والتي تعد في ذات الوقت صورا من حياتي , الا انني فضلت
أن أجيب عليكم أولا
بوركتم جميعا وعين الله ترعاكم