مجاناً دورة في تطوير الذات: أدومها وإن قل (هل سجلت؟؟)
مجاناً دورة في تطوير الذات: أدومها وإن قل (هل سجلت؟؟)
3/شوال/1431 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم,
الحمد لله رب العلمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه ومن أتبعه بإحسان إلى يوم الدين, ثم أما بعد.
يتميز الإنسان الناجح باقتناصه للفرص التي تأتي له من أي جهة أو مصدر كان, بالإضافة إلى قدرته المتجددة على تطوير نفسه مع المراجعة المتواصلة للخطوات السابقة والسعي إلى تحسين حياته بشكل عام.
أقص لكم اليوم عن أحد الموظفين الذي تحصل على دورة في التنمية والتطوير (في نفس مجال عمله وهدف حياته) لمدة ثلاثين يوما, وكانت الدورة على أعلى مستوى ممكن, وتوفرت له فيها كل التسهيلات من تفرغ تام, وبعد عن المنغصات, وكانت تحت إشراف أعظم المدربين العالميين, بل وكان من التسهيل عليه فيها أن النقاط التي يتحصل عليها تتضاعف عن بقية الدورات وتسجل في شهادة معتمدة عالميا.
وبعد كل هذا, ما أن أتم صاحبنا الدورة وتحصل على الشهادة وعاد إلى وظيفته (بعد انقطاع مؤقت وإجازة مدفوعة لغرض هذه الدورة) عاد دون أن يستفيد أي شيء من هذه الدورة وعاد من جديد إلى تأدية عمله بنفس الأداء السابق وبدون أي تطوير ولم يقم بتطبيق أيا مما تعلمه على وظيفته, فما تعتقدون أن تكون ردة فعل مديره في العمل والذي تكفل بدفع النفقات وخسارة الجهد والعمل لأجل هذا الموظف؟؟
لابد أن الكثير تفطن للغرض من هذه القصة الافتراضية وفهم المغزى من ورائها, لكن ليس المفترض من هذه القصة وهذا المقال أن يعود ويكرر المواضيع المعتادة والمنتشرة عن الثبات بعد رمضان ومواصلة الطاعات بنفس الأداء والكفاءة التي كانت عليه في رمضان, بل الغرض من هذا المقال أن نتعامل مع رمضان (فعليا) كدورة تدريبية عالية المستوى غالية التكاليف.
إن من يتعب لمدة ثلاثين يوما وليلة ويقوم بتغيير أسلوب حياته من أجل هدف سامٍ لابد أن يستفيد فعلا من هذا الجهد ويكون هذا التدريب مؤثرا على حياته الاعتيادية بالزيادة في الطاعات والتقليل من الذنوب.
ينبغي لكل فرد مسلم منَّا أن يجلس مع نفسه لعدة دقائق ويراجع جدول حياته في رمضان ويفكر بعدها بطريقة وقوانين إدارة الموارد البشرية وتطوير الذات ويرى كيف تغير خلال رمضان وماذا كان الفارق بين يوم رمضان وليلته وبين اليوم الاعتيادي وما هي الأعمال التي يمكن أن يضيفها على يومه الاعتيادي ليزيد من غلة حسناته أو على الأقل أن يقلل من تراكم سيئاته.
إن الزيادة البسيطة المستمرة أفضل بكثير من زيادة لحظية منتهية, فإن أغلب الموظفين لو خُيروا بين زيادة بسيطة في الراتب الأساسي أو بين علاوة عالية لمرة واحدة لاختاروا زيادة الراتب ولسان حالهم يكرر المثل الشهير (( قليل دائم خير من كثير منقطع)) فكيف يا أخوتاه نسينا هذا الحديث العظيم الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((سددوا وقاربوا واعلموا أنه لن يدخل أحدكم عمله الجنة وإن أحب الأعمال إلى اللهأدومها وإن قل))[1].
إن البعض منا يتعامل مع رمضان كموسم اعتيادي يأتي مع تقاليد وطقوس مترافقة تزول وتنتهي ببداية شهر شوال, وينسى أن رمضان عبارة عن محطة لتجديد الإيمان والتزود من الطاعات وتقوية النفس وتصبيرها لبقية العام ,مثله مثل عشر ذو الحجة. فمثل هؤلاء ينطبق عليهم قول يحي بن معاذ : ((من استغفر بلسانه وقلبه على المعصية معقود, وعزمه أن يرجع إلىالمعصية بعد الشهر ويعود, فصومه عليه مردود, وباب القبول في وجهه مسدود)). وينسى هؤلاء ما اتفق عليه العلماء من أن علامةقبولالطاعة أن يوفق العبد لطاعة بعدها،وإن منعلاماتقبولالحسنة: فعل الحسنة بعدها.
أخوتاه يقول ربنا السميع العليم في كتابه الحكيم: ((وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ))[2]. إن مولانا يأمرنا نحن العبيد أن نشكره على إكمال العدة فكيف يكون الشكر؟؟
إن من البديهي أن يكون الشكر باللسان ذكرا, وبالعمل فعلا, والبعد عما نهانا عنه سيدنا وخالقنا حياءً منه قبل أن يكون خوفاً ووجلاً, وغير هذا يكون تمردا وعصيانا حتى لو كان لبشر مثلك أنعم عليك نعمة كبرى, فما بالك برب البرية وخالقك ورازقك وهاديك. إن الكثير منَّا يقول أنه من الشاكرين وينسى أن الله جل في علاه قال: ((وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ))[3].
يتبع.....