ثانياً:حكم البرمجة اللغوية العصبية
ـ ثانياً:حكم البرمجة اللغوية العصبية:
ـ إن ما يهمنا هو الحكم الشرعي للبرمجة, ولكن ذلك لا يمنع من الإشارة إلى التقييم العلمي للبرمجة, وبيان فائدتها الواقعية والعلمية.
وفي هذا الأمر سوف أعرض لبيان نقد علماء الغرب الذين نشأت من عندهم أصلا, وهم الأقدر ولا شك على بيان سلبياتها وإيجابياتها وفقاً لما أرادوه منها, بغض النظر عن فقدهم للمعايير الأخرى للنقد التي تميزنا كمسلمين.
وهنا لابد من التطرق للتقرير المقدم للجيش الأمريكي من الأكاديميات القومية, وحول هذا التقرير يقول الدكتور عبد الغني مليباري ـ رئيس قسم الهندسة النووية بجامعة الملك عبد العزيز ـ: في عام 1987م بعد انتشار دورات تطوير القدرات رغب الجيش الأمريكي في تحري الأمر فقام معهد بحوث الجيش الأمريكي بتشكيل فريق علمي لدراستها، وقدم الفريق ثلاثة تقارير: كان آخرها في عام 1994م وقد خلصت تلك التقارير إلى ما نصه: "إن اللجنة وجدت أنه ليس هناك شواهد علمية لدعم الادعاء بأن الـ Nlp استراتيجية فعالة للتأثير على الآخرين، وليس هناك تقويم للـ Nlp كنموذج لأداء الخبير". وقد نتج عن ذلك اتخاذ الجيش الأمريكي لعد من القرارات بخصوص عدد من التقنيات السلبية ومنها الـ Nlp حيث أوصى بإيقاف بعضها، وتهميش بعضها، ومنع انتشار البعض الآخر.
وفيها قال.د. "روبرت كارول" أستاذ الفلسفة والتفكير الناقد بكلية ساكرمنتوا" الذي قال: "رغم أني لا أشك أن أعداداً من الناس قد استفادوا من جلسات الـ Nlp إلا أن هناك العديد من الافتراضات الخاطئة أو الافتراضات التي عليها تساؤلات حول القاعدة التي بنيت عليها الـ Nlp فقناعاتهم عن اللاوعي والتنويم والتأثير على الناس بمخاطبة عقولهم شبه الواعية لا أساس لها, كل الأدلة العلمية الموجودة عن هذه الأشياء تُظهر أن ادعاءات الـ Nlp غير صحيحة.وعلى الرغم تراجع الجيش الأمريكي عنها بعد تجربتها، وعدم إيمان كثير من الشركات بها، وعدم الاعتراف بها كعلم في الجامعات ولا كعلاج في المستشفيات يقبل عليها جماهير المفتونين من المسلمين. (مقالة منشورة في مجلة النيويورك تايمز في عددها الصادر 29 سبتمبر 1986م في مقالة بعنوان "المبادئ الروحية تجتذب سلالة جديدة من الملتزمين".
وكذلك الدكتور "رشلي كرابو"- أستاذ علم النفس بجامعة يوتا بأمريكا-: " لقد وجهنا لذلك الوليد "البرمجة اللغوية العصبية " غاية الاهتمام حتى سنة 1986م عندما حوكم مؤسس هذا العلم باندلر "أبو الوليد" في قضايا القتل وترويج المخدرات والقوادة، عندها ألقينا بالوليد مع المغطس ".
كما أن الكثير من المختصين والأساتذة قد بيّنوا أن البرمجة اللغوية العصبية ليست علماً قائماً بذاته ولا تدرس في الجامعات كتخصص أكاديمي أي (قسم البرمجة اللغوية العصبية), كما أنه لم تقم على المنهج التجريبي, بل هي مجرد فرضيات ونظريات...
ـ أما عن الحكم الشرعي لها:
فإنه للحكم على الشيء, لابد ـ كقاعدة أصولية ـ من تصوره في الحقيقة والواقع, والظاهر من خلال ما تم عرضه: أن البرمجة تهدف في كثير من تطبيقاتها وملحقاتها إلى تعظيم شأن الإنسان وقدراته بصورة مبالغ فيها قد تصل أنه وحده يملك أمر صحته ومرضه، وسعادته وشقائه, وهو ما يتضح جلياً فيما ذكر أعلاه في (قانون الجذب), ولاشك أن هذا الجانب منها أمر محرم, لا يجوز تعلمه أو تعليمه أو اعتقاده, وهو في واقع الحال تطبيق معاصر لمذهب المعتزلة في القدر, والثابت أن مذهب أهل السنة في باب القدر أن القدر له مراتب أربع:أولها: علم الله، ثانيها: كتابته عز وجلّ، ثالثها: إرادته جلّ شأنه، ورابعها:خلقه. فهم يثبتون أن كلّ ما يقع في الكون من الأقدار –خيرها وشرها- قد علمه الله، وكتبه، وأراده، وخلقه. بخلاف المعتزلة الذين أثبتوا علم الله وكتابته ونفوا خلقه لأفعال العباد، وزعموا أن العبد هو الذي يخلق فعل نفسه.
وكما هو معلوم أن الممارسين والمدربين لتطبيقات قانون الجذب, يؤكدون أن الإنسان يجتذب إليه الأحداث سواء كانت هذه الأحداث إيجابية أو سلبية.. كل الأحداث.. المال، والغنى، والفقر، والزواج، والطلاق. وهذا أمر مخالفة للعقيدة الصحيحة, وأمر خطير جداً يجب الحذر منه أشد الحذر...
كما أن للبرمجة جانباً آخر يعتقد أنه فيه بعض الإيجابيات, ولكن الثابت أن هذه الإيجابيات ليس لها سند علمي ـ كما تقدم بيانه ـ وفي ذلك تفضيل ذكره الشيخ/خالد بن عبد الرحمن الشايع, وأن البرمجة لا تخلو من إحدى محصلتين كبريين:
الأولى: نتائج إيجابية من جهة تكوين الشخصية السوية والنفسية الصحيحة، والتي تمكن الإنسان من حسن التعامل مع الآخرين.
الثانية: نتائج سلبية بسبب معارضتها لأصول شرعية قطعية، ومصادمتها لدلالات نصوص واضحة.
وفي ضوء ذلك فإن من الواضح أن الآثار والنتائج لما يسمى بـ (البرمجة اللغوية العصبية) مما يجب تحذير أهل الإسلام من الاغترار بما فيه من الإيجابيات المغمورة بكثير من السلبيات.
ويكفي المسلم أن يقف على بعض تلك السلبيات، حتى يعلم كم في هذا العلم من معارضة كتاب الله تعالى وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك:
1ـ التساهل بتحكيم الكتاب والسنة في مناهج الحياة ومسالك التعامل الإنساني.
2ـ ما تضمنته البرمجة اللغوية العصبية (nlp) من المعتقدات المعظمة لذوات البشر وخلع صفات القدرة المطلقة عليها، وتجاهل ضعف المخلوق ومسكنته.
وهذا ليس من قبيل التوكل على الله، بل التوكل على الذات، إلى غير ذلك من تعظيم قدرات البشر إلى الحد الذي تتمكن معه من تحقيق ما يريده صاحبها، مما يزعمون معه القدرة على تغيير الواقع وتبديل الحقائق.
3ـ ما تتضمنه (nlp) من مجانبة الإيمان المستقر بالقضاء والقدر، والتجافي عن الإقرار بجوانب من حكمة الرب سبحانه في تقديره، ففي هذه البرمجة من التركيز على إرادة الشخص التي تفرض عليه مضادة الأقدار ما جعل سليم العقيدة يتحاشى كثيراً من مفرداتها، فمفردات هذه البرمجة ما جعل سليم العقيدة يتحاشى كثيرا من مفرداتها، فمفردات هذه البرمجة تبالغ من إرادة الإنسان وتجعل الخيار الأوحد أمامه تحقيق مراده، ولهذا يتم التركيز على مفردات محددة مثل: (صناعة النجاح، صناعة المستقبل) ونحوهما، وفي هذا إغفال لما جاءت الشريعة بتقريره من تعرض الإنسان للابتلاء في نفسه وأهله وماله ووجوب تسليمه لقضاء الله مع سعيه في الحياة كما أمر.
4ـ ما تتضمنه (nlp) من أنواع الضلال من مثل دعوى خرق العادات والسنن الكونية تحت مسمى تفجير الطاقات الكامنة واللامحدودة، وما قد يجره هذا من الشعوذة والدجل، علاوة على ما هنالك من أنواع التجاوزات لمبادئ وأسس شرعية معلومة من دين الإسلام بالضرورة، وخاصة فيما يتعلق بمسائل (الخيالات، مخاطبة الأجزاء، الخط الزمني، الحوافز، الاتحاد والانفصال، وبناء التوافق وتحوير الألفاظ، ودعوى التنويم المغناطيسي). مما يؤدي إلى تصوير الباطل كأنه حق مقرر، حتى يقع الانحراف وتشتد الغربة في عقائد المسلمين والمقام لا يتسع للتفصيل.
والحاصل: أن هذا المسلك الذي يعده المنتسبين له علماً ما هو إلا قولبة جديدة لما كان عليه الفلاسفة والمناطقة الذين صاح بهم أئمة السلف وبدّعوهم وحذروا منهم، حتى انطفأت بفضل الله جذوتهم، وهذا ظاهر في فترة اشتداد هذا التيار ما بين القرن الخامس والسابع، وكما هو بين في سيرة الشيخين ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله.
وليعلم أن دخول من دخل في هذه الدورات من فضلاء طلبة العلم وتدريبهم فيها إنما هو بدافع ما أرادوا من (أسلمة) هذه الدورات، ولكن ذلك لا يغني عن نقدها وبيان خطورتها كما أن هذا النقد لها لا يعني إساءة الظن بهم أو اتهامهم فذلك ما قادهم إليه اجتهادهم، والبيان واجب، والسلامة لا يعدلها شيء. ا.هـ.
وحيث إن المعيار المعول عليه في الحكم الشرعي هو كلام العلماء عن هذه البرمجة, لذلك أجمع لكم أقوال أهل العلم في هذا المجال:
ـ فضيلة الشيخ/ سفر الحوالي: (أعجب كيف بعد كل هذه الحجج يتشبث المدربون بتدريبات أقل ما يقال عنها أنها تافهة ، فكيف وهي ذات جذور فلسفية عقدية ثيوصوفية خطيرة ؟! أنتم على ثغرة وأرجو أن أجد وقتاً للمساهمة ببيان خطرها للناس...).
ـ فضيلة الدكتور/ يوسف القرضاوي: (البرمجة اللغوية العصبية تغسل دماغ المسلم وتلقنه أفكاراً في اللاواعي ثم في عقله الواعي من بعد ذلك مفاد هذه الأفكار أن هذا الوجود وجود واحد، ليس هناك رب ومربوب، وخالق ومخلوق، هناك وحدة وجود .إنها الأفكار القديمة التي قال بها دعاة وحدة الوجود، يقول بها هؤلاء عن طريق هذه البرمجة التي تقوم علي الإيحاء والتكرار، وغرس الأفكار في النفوس. إن برامجهم التي يعلمون بها الناس تقف وراءها أهداف خبيثة ، ومقاصد بعيدة ، وكل هذه ألوان من الغزو ويقصدون بها غزو العقل المسلم ، وهو ما ينبغي أن نحرص على أن يظل بعيدا عن هذا الغزو).
ـ ذكر الدكتور/ وهبة الزحيلي في جوابه حول بعض البرامج ومنها: البرمجة اللغوية العصبية: (... هذه وسائل وهمية وإن ترتب عليها أحياناً بعض النتائج الصحيحة، ويحرم الاعتماد عليها وممارستها سواء بالخيال أو الفعل، فإن مصدر العلم الغيبي هو الله وحده، ومن اعتمد على هذه الشعوذات كفر بالله وبالوحي، كما ثبت في صحاح الأحاديث النبوية الواردة في العَّراف والكاهن ونحوهما).
ـ فضيلة الشيخ/ محمد المنجد: (أي راحة هذه التي يريد بعض أتباع البرمجة اللغوية العصبية وغيرها أن يدخلوا المسلمين في متاهاتها؟؟!! استرخي..احلم.. وتخيل..! ثم إذا أوقظت للعمل ثاني يوم، وإذا واجهت الواقع راحت الأحلام والخيالات!! أتضحك على نفسك؟!! ماهذا الهراء الذي يقولونه...فعلا إنها مأساة عقل...)
وكذلك حذر منها الشيخ/ عبدالرحمن المحمود, والشيخ/عبدالعزيز مصطفى أستاذ التفسير وعلومه والكاتب المعروف, بينما ذكر الدكتور عبدالعزيز النغيمشي الأستاذ المشارك بقسم علم النفس بجامعة الإمام محمد بن سعود: " أن أكثر المتخصصين في علم النفس والطب النفسي وعلماء الشرع لم يدخلوا فيها ولم ينساقوا إليها برغم كثرة ما قيل عن منافعها، فانسياق النخبة أمر مهم جداً، ونلاحظ أن معظم من انساق وراء البرمجة هم العوام".
كما حذر منها أيضاً عدد من المختصين في العلوم النفسية والطب النفسي التحذير من البرمجة اللغوية العصبية ومنهم الاستشاريين النفسيين: د.يوسف عبدالغني, د. طارق الحبيب, د. عبد الرحمن ذاكر, د. خالد بازيد. وكذلك: د. انتصار الصبان, د. عزة حجازي، الأستاذة هدى سيف الدين, الأستاذة وفاء طيبة, الأستاذة/ سحر كردي, والتي اجتهدت في بيان حقيقة البرمجة وخطورتها.
كما أن بعض من تمرس في البرمجة قد تركها, وبين خطورتها, ومنهم الأستاذة/نجاة محمد بن هويدي الشريف, وهي التي حصلت على لقب ممارس معتمد في البرمجة سابقاً, ولكنها لا تود وضع هذا اللقب.
كما لا يفوت أن أبين أن عدداً من المؤسسات والجهات الحكومية في بعض الدول قد منعت عقد دورات البرمجة اللغوية العصبية؛ لفقدها للتأصيل العلمي لها, ومن تلك الجهات وزارة الصحة السعودية..
التعديل الأخير تم بواسطة الوليد ; 22-01-2007 الساعة 08:23 PM