الفقه الميسر ثم فتاوى العثيمين - الصفحة 8 - منتدى عالم الأسرة والمجتمع
logo

الملاحظات

الثقافة الاسلامية صوتيات ومرئيات إسلامية ،حملات دعوية ، أنشطة دينية.

إضافة رد
قديم 01-10-2017, 08:48 AM
  #71
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر

سادساً: كتاب الجهاد
ويشتمل على ثلاثة أبواب:

الباب الأول: تعريف الجهاد وفضله وحكمه وشروطه ومسقطاته، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: تعريفه، وفضله، والحكمة منه، وحكمه، ومتى يتعين؟
أ- تعريفه:
الجهاد لغة: بذل الجهد والطاقة والوسع.
وفي الاصطلاح: بذل الجهد والوسع في قتال الأعداء من الكفار ومدافعتهم.
ب- فضله والحكمة منه:
الجهاد ذروة سنام الإسلام، كما سماه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (صححه الألباني)، أي: أعلاه، وسمي بذلك؛ لأنه يعلو به الإسلام ويرتفع ويظهر، وقد فضّل الله المجاهدين في سبيله بأموالهم وأنفسهم، ووعدهم الجنة، كما سيأتي في آية سورة النساء بعد قليل، والآيات والأحاديث في فضل الجهاد والمجاهدين كثيرة.
أما الحكمة من مشروعية الجهاد: فقد شرعه الله سبحانه لأهداف سامية وغايات نبيلة، من ذلك:
1 - شرع الجهاد لتخليص الناس من عبادة الأوثان والطواغيت وإخراجهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، قال تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) [الأنفال: 39].
2 - كما شرع لإزالة الظلم وإعادة الحقوق إلى أهلها، قال تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) [الحج: 39].
3 - كما شرع الجهاد؛ لإذلال الكفار، وإرغام أنوفهم، والانتقام منهم، قال سبحانه: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) [التوبة: 14].
ج- حكمه ودليل ذلك:
الجهاد بمعناه الخاص -وهو جهاد الكفار فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين وصار في حقهم سنة؛ لقوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 95]. فقد دلت هذه الآية على أن الجهاد فرض كفاية، لا فرض عين؛ لأن الله فاضل بين المجاهدين والقاعدين عن الجهاد بدون عذر، وكلاً وعد الحسنى وهي الجنة. ولو كان الجهاد فرض عين لاستحق القاعدون الوعيد لا الوعد.
ولقوله تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) [التوبة: 122]. وهذا مشروط بما إذا كان للمسلمين قوة وقدرة على قتال أعدائهم، فإن لم يكن لديهم قوة ولا قدرة سقط عنهم كسائر الواجبات، وأصبح قتالهم لعدوهم -والحالة هذه- إلقاءً بأنفسهم إلى التهلكة.
د- متى يتعين؟
لكن هناك حالات يتعين فيها الجهاد فيصير فرض عين على المسلم وهي:
الحالة الأولى: إذا هاجم الأعداء بلاد المسلمين، ونزلوا بها، أو حصروها، تعين قتالهم، ودفع ضررهم، على جميع أفراد المسلمين.
الحالة الثانية: إذا حضر القتال، وذلك إذا التقى الزحفان، وتقابل الصفَّان، تعين الجهاد، وحرم على من حضر القتال الانصراف، والتولي من أمام العدو؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ)
[الأنفال: 15]، ولعدِّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التولي يوم الزحف من الكبائر الموبقات (البخاري). ولكن يستثنى من التولي المتوعد عليه حالتان: الأولى: إذا كان المتولي متحرفاً لقتال، أي: يذهب لكي يأتي بقوة أكثر. والثانية: أن يكون متحيزاً إلى فئة من المسلمين تقوية ونصرة لها.
الحالة الثالثة: إذا عينهم الإمام واستنفرهم للجهاد؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) [التوبة: 38 - 39]، وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وإذا استنفرتم فانفروا) (متفق عليه).
الحالة الرابعة: إذا احتيج إليه، فإنه يتعيَّن عليه الجهاد.

المسألة الثانية: شروط الجهاد:
يشترط لوجوب الجهاد سبعة شروط، وهي: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والذكورية، والحرية، والاستطاعة المالية والبدنية، والسلامة من الأمراض والأضرار.
- فلا يجب الجهاد على الكافر؛ لأنه عبادة والعبادة لا تجب عليه، ولا تصح منه، ولأنه لا يتوافر فيه الإخلاص والأمانة والطاعة، فلا يؤذن له بالخروج مع جيش المسلمين؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للرجل المشرك الذي تبعه في بدر: (تؤمن بالله ورسوله؟) قال: لا، قال: (فارجع فلن أستعين بمشرك) (مسلم).
- وكذلك لا يجب على الصبي غير البالغ؛ لأنه غير مكلف، ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أنه عرض نفسه على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم أحد، وهو ابن أربع عشرة سنة، فلم يجزه في المقاتلة (متفق عليه).
- وكذلك المجنون لا يجب عليه الجهاد؛ لأنه مرفوع عنه القلم، وليس من أهل التكليف.
- ولا يجب على العبد؛ لأنه مملوك لسيده، ولا المرأة لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله هل على النساء جهاد؟ فقال: (جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة) (صححه الألباني). وفي لفظ: نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ فقال: (لكن أفضل الجهاد حج مبرور) (البخاري).
- وغير المستطيع، وهو الذي لا يستطيع حمل السلاح لضعف أو كبر، وكذلك الفقير الذي لا يجد ما ينفق في طريقه فاضلاً عن نفقة عياله لا يجب عليهم الجهاد؛ لقوله تعالى: (وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ) [التوبة: 91].
وكذلك من به ضرر أو مرض أو غير ذلك من الأعذار لا يجب عليه الجهاد؛ لأن العجز ينفي الوجوب، ولقوله تعالى: (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) [الفتح: 17]. وقؤله تعالى: (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) [التوبة: 91].

__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 02-10-2017, 10:58 AM
  #72
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر

المسألة الثالثة: مسقطات الجهاد:
هناك أعذار تسقط عن صاحبها الجهاد إذا كان فرض عين أو فرض كفاية وهي:
1 - 2 - الجنون والصِّبا: لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم) (صححه الألباني).
3 - الأنوثة: فلا يجب الجهاد على الأنثى. وقد سبق ذكره.
4 - الرق: لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (للعبد المملوك الصالح أجران. والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبرّ أمي، لأحببت أن أموت وأنا مملوك) (رواه البخاري برقم (2548)، وقوله: (والذي نفسي بيده) الصحيح أنه مدرج من كلام أبي هريرة).
5 - 6 - الضعف البدني، والعجز المالي، والمرض، وعدم سلامة بعض الأعضاء كالعمى والعرج الشديد، وقد سبق ذكرها.
7 - عدم إذن الأبوين أو أحدهما، إذا كان الجهاد تطوعاً؛ لحديث ابن عمرو رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاستأذنه في الجهاد، فقال: (أحيُّ والداك؟) قال: نعم، قال: (ففيهما فجاهد) (البخاري ومسلم)، فبر الوالدين فرض عين، والجهاد فرض كفاية في هذه الحالة، فيقدَّم فرض العين. فإذا تعيَّن الجهاد فليس لهما منعه، ولا إذن لهما.

8 - الدَّيْن الذي لا يجد له وفاءً إذا لم يأذن صاحبه، وكان الجهاد تطوعاً، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (القتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الدين) (مسلم)، فإذا تعيَّن الجهاد فلا إذن لغريمه.
9 - العَالِم الذي لا يوجد غيره في البلد؛ لأنه لو قتل لافتقر الناس إليه؛ إذ لا يمكن لأحد أن يحل محله، فإذا كان لا يوجد من هو أفقه منه يسقط عنه الخروج للجهاد نظراً لحاجة المسلمين له.
الباب الثاني: في الأسرى والغنائم، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: حكم أسرى الكفار:
ذهب أكثر أهل العلم -وهو الصحيح-: أن أسرى الكفار من الرجال أمرهم إلى الإمام، فَيُخَيَّرُ فيهم بما فيه مصلحة الإسلام والمسلمين بين: القتل، والاسترقاق، والمنّ بغير عوض، والفداء إما بمال أو منفعة أو أسير مسلم، أما النساء والصبيان فإنهم يسترقون بمجرد السبي، ويصيرون كجملة المال يضمون إلى الغنيمة، ولا يخير فيهم الإمام، ولا يجوز قتلهم، لنهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ذلك.
- والدليل على القتل: قوله تعالى: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة: 5]. وقوله تعالى: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) [الأنفال: 67]. فأخبر الله سبحانه أن قتل المشركين يوم بدر كان أولى من أسرهم وفدائهم.
ولحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دخل عام الفتح وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاء رجل فقال: إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال: (اقتلوه) (البخاري ومسلم)، وقتل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجال بني قريظة.
- والدليل على الاسترقاق: حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - في قصة بني قريظة لما نزلوا على حكم سعد بن معاذ - رضي الله عنه -، فحكم أن تقتل المقاتلة، وتسبى الذرية (البخاري).
- والدليل على المنّ والفداء قوله تعالى: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) [محمد: 4]. وينبغي للإمام أن يفعل الأصلح للمسلمين من هذه الخصال؛ لأن تصرفه لغيره، فلزم أن يكون تخييره للمصلحة.
المسألة الثانية: تقسيم الغنيمة بين الغانمين:
الغنيمة: اسم لما يؤخذ من أموال الكفرة قهراً بقتال، على وجه يكون فيه إعلاء كلمة الله تعالى، وتسمى أيضاً: الأنفال -جمع نفل- لأنها زيادة في أموال المسلمين.
والأصل في مشروعيتها قوله تعالى: (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الأنفال: 69]. وقد أحل الله الغنائم لأمة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دون الأمم السابقة، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وأحلت لي الغنائم، ولم تحلَّ لأحد قبلي) (مسلم).
وتشمل الغنائم: الأموال المنقولة، والأسرى، والأرض.
وذهب جمهور العلماء إلى أن الغنيمة تقسم على خمسة أسهم:
السهم الأول: سهم الإمام، وهو خمس الغنيمة يخرجه الإمام أو نائبه.
ويقسم هذا الخمس على ما بيَّن الله في قوله: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) [الأنفال: 41] فيقسم هذا الخمس خمسة أقسام:
1 - الله ورسوله: ويكون هذا القسم فيئاً يدخل في بيت المال وينفق في مصالح المسلمين، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (والذي نفسي بيده، مالي مما أفاء الله إلا الخمس، والخمس مردود عليكم) (صححه الألباني). فجعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لجميع المسلمين.
2 - ذوي القربى: وهم قرابة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وهم: بنو هاشم وبنو المطلب، ويقسم هذا الخمس بينهم حسب الحاجة.
3 - اليتامى: وهو من مات أبوه قبل أن يبلغ، ذكراً كان أم أنثى، ويعم ذلك الغني منهم والفقير.
4 - المساكين: ويدخل فيهم الفقراء هنا.
5 - ابن السبيل: وهو المسافر الذي انقطعت به السبيل، فيعطى ما يبلغه إلى مقصده.
وأما باقي السهام الأربعة -أربعة أخماس- فتكون لكل من شهد الوقعة: من الرجال البالغين، الأحرار، العقلاء، ممن استعد للقتال سواء باشر القتال أو لم يباشر، قوياً كان أو ضعيفاً، لقول عمر - رضي الله عنه -: (الغنيمة لمن شهد الوقعة) (رواه البيهقي بإسناد صحيح).
وكيفية التقسيم: أن يعطى الراجل -الذي يقاتل على رجله- سهماً واحداً، ويعطى الفارس -الذي يقاتل على فرسه- ثلاثة أسهم، سهم له وسهمان لفرسه؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قسم في النفل: للفرس سهمين، وللراجل سهماً (البخاري ومسلم)، ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعل ذلك في خيبر (جعل للراجل سهماً واحداً، وللفارس ثلاثة أسهم) (البخاري)؛ وذلك لأن غناء الفارس ونفعه أكثر من غناء الراجل.
وأما النساء والعبيد والصبيان إذا حضروا الوقعة، فالصحيح أنه يُرْضَخ (الرَّضْخ: إعطاء الشيء ليس بالكثير) لهم ولا يقسم لهم؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما لمن سأله: إنك كتبت تسألني عن المرأة والعبد يحضران المغنم، هل يقسم لهما شيء؟ وإنه ليس لهما شيء إلا أن يُحْذَيا (رواه مسلم برقم (1812). ويُحذيا: يعني يُعطيا).
وفي لفظ: وأما المملوك فكان يُحذى (رواه أبو داود).
وإذا كانت الغنيمة أرضاً خُيِّر الإمام بين قسمتها بين الغانمين، ووقفها لمصالح المسلمين ويضرب عليها خراجاً مستمراً يؤخذ ممن هي بيده، سواء أكان مسلماً أم ذميّاً، فيؤخذ منه ذلك كل عام، وهذا التخيير يكون تخيير مصلحة.

__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 03-10-2017, 10:25 AM
  #73
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر

المسألة الثالثة: مصرف الفيء:
الفيء: ما أخذ من أموال أهل الحرب بحق من غير قتال، كالأموال التي يهرب الكفار ويتركونها فزعاً عند علمهم بقدوم المسلمين.
أما مصرفه: فهو في مصالح المسلمين بحسب ما يراه الإمام كرزق القضاة، والمؤذنين، والأئمة، والفقهاء، والمعلمين وغير ذلك من مصالح المسلمين؛ لما ثبت عن عمر - رضي الله عنه - قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مما لم يُوجِف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب ( الإيجاف: الإسراع، أي: لم يعدوا في تحصيله خيلاً ولا إبلاً، وانما حصل بغير قتال)، فكانت لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خاصة، وكان ينفق على أهله نفقة سنته، ثم يجعل ما بقي في الكُرَاع والسلاح عدة في سبيل الله عز وجل. (رواه البخاري ومسلم . و الكُرَاع : الخيل)
ولهذا ذكر الله تعالى كل فئات المسلمين في معرض بيان مصارف الفيء فقال سبحانه وتعالى: (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ) [الحشر: 7]، فيأخذ منه الإمام من غير تقدير، ويعطي القرابة باجتهاد، ويصرف الباقي في مصالح المسلمين.
الباب الثالث: في الهدنة والذمة والأمان، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: عقد الهدنة مع الكفار:
1 - تعريفها: الهدنة لغة: السكون. وشرعاً: عقد الإمام أو نائبه لأهل الحرب على ترك القتال مدة معلومة بقدر الحاجة وإن طالت، وتسمى: مهادنة، وموادعة، ومعاهدة.
2 - مشروعيتها ودليل ذلك: يجوز لإمام السلمين عقد الهدنة مع الكفار على ترك القتال مدة معلومة بقدر الحاجة، إذا كان في عقدها مصلحة للمسلمين، كضعفهم أو عدم استعدادهم، أو غير ذلك من المصالح، كطمع في إسلام الكفار ونحوه، لقوله تعالى: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا) [الأنفال: 61]. وقد عقد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الهدنة مع الكفار في صلح الحديبية عشر سنين، وصالح اليهود في المدينة.
3 - لزوم الهدنة:
- تكون الهدنة التي عقدها الإمام أو نائبه لازمة، لا يجوز نقضها ولا إبطالها، ما استقاموا لنا، ولم يخونوا، ولم نخش منهم خيانة؛ لقوله تعالى: (فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ) [التوبة: 7] وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [المائدة: 1].
- فإن نقضوا العهد: بقتال، أو مظاهرة عدونا علينا، أو قتل مسلم، أو أخذ مال، انتقض العهد الذي بيننا وبينهم وجاز قتالهم؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ) [التوبة: 12].
- وإن خيف منهم نقض العهد بأمارة تدل على ذلك، جاز أن ننبذ إليهم عهدهم ولا يلزم البقاء على عهدهم، قال تعالى: (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ) [الأنفال: 58]. أي: أعلمهم بنقض عهدهم، حتى تكون أنت وهم سواء في العلم، ولا يجوز قتالهم قبل إعلامهم بنقض العهد.
المسألة الثانية: عقد الذمة، ودفع الجزية:
1 - تعريفه: الذمة لغة: العهد، وهو الأمان والضمان.
وعقد الذمة اصطلاحاً: هو إقرار بعض الكفار على كفرهم، بشرط بذل الجزية، والتزام أحكام الملة التي حكمت بها الشريعة الإسلامية عليهم.
2 - مشروعيته: الأصل في مشروعية عقد الذمة قوله تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) [التوبة: 29] وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في حديث بريدة: (ثم ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ... فإن هم أبوا فسلهم الجزية) (مسلم).
3 - من تؤخذ منه الجزية؟ تؤخذ الجزية من الرجال، المكلفين، الأحرار، الأغنياء القادرين على الأداء، فلا تؤخذ من العبد؛ لأنه لا يملك فكان بمنزلة الفقير، ولا تؤخذ من المرأة والصبي والمجنون؛ لأنهم ليسوا من أهل القتال، ولا تؤخذ من المريض المزمن، والشيخ الكبير؛ لأن دماءهم محقونة، فأشبهوا النساء.
4 - موجب عقد الذمة: يوجب هذا العقد مع الكفار: حرمة قتالهم، والحفاظ على أموالهم، وصيانة أعراضهم، وكفالة حريتهم، وعدم إيذائهم، ومعاقبة من قصدهم بأذى، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم) (مسلم).

المسألة الثالثة: عقد الأمان:
1 - تعريفه:
الأمان لغة: ضد الخوف.
واصطلاحاً: هو عبارة عن تأمين الكافر على ماله ودمه مدة محدودة.
2 - مشروعيته وأدلة ذلك:
الأصل في مشروعية عقد الأمان قوله تعالى: (إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) [التوبة: 6].
3 - ممن يصح وشروطه: يصح عقد الأمان من كل أحد من المسلمين، بشرط أن يكون:
- عاقلاً بالغاً: فلا يصح من المجنون والطفل.
- مختاراً: فلا يصحُّ من المكره، ولا السكران، ولا المغمى عليه.
فيصح من المرأة لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (قد أجرنا من أجرتِ يا أم هانئ) (مسلم). ويصح من العبد؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم) (البخاري ومسلم).
ويكون الأمان عاماً: من الإمام لجميع المشركين، أو من الأمير لأهل بلده، وخاصاً: من آحاد الرعية المسلمين لواحد من الأعداء. والأمان العام من تصرفات إمام المسلمين؛ لأن ولايته عامة، وليس لأحد أن يفعل ذلك إلا بموافقته.
ويقع الأمان بكل ما يدل عليه من قول مثل: (أنت آمن)، أو: (أجرتك)، أو (لا بأس عليك)، أو إشارة مفهمة.
والمستأمن: هو الذي يطلب الأمان ليسمع كلام الله ويعرف شرائع الإسلام، فتلزم إجابته للآية السابقة، ثم يرد إلى مأمنه.
4 - حكم الأمان وما يلزم به: يلزم الوفاء بعقد الأمان، فيحرم قتل المستأمن أو أسره أو استرقاقه، وكذا الالتزام بسائر الأمور المتفق عليها في عقد الأمان.
ويجوز نبذ الأمان إلى الأعداء، إن خيف شرهم وخيانتهم.
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 03-10-2017, 10:27 AM
  #74
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر

إنتهينا بحمد الله عز وجل من العبادات ونبدأ اللقاء القادم مع المعاملات
نسأل الله التوفيق
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 04-10-2017, 10:22 AM
  #75
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر

سابعاً: كتاب المعاملات
ويشتمل على ثلاثة وعشرين باباً:

الباب الأول: في البيوع، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: تعريف البيع وحكمه:
أ- تعريفه:
البيع في اللغة: أخذ شيء، وإعطاء شيء.
وفي الشرع: مبادلة مال بمال ولو في الذمة، أو منفعة مباحة على التأبيد، غير ربا وقرض.
ب- حكمه:
البيع جائز. لقوله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) [البقرة: 275].
ولما روى ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إذا تبايع الرجلان فكل واحدٍ منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعاً) (متفق عليه).
وأجمع المسلمون على جواز البيع في الجملة.
وحاجة الناس داعية إلى وجوده؛ لأن الإنسان يحتاج إلى ما في يد غيره، وتتعلق به مصلحته، ولا وسيلة له إلى الوصول إليه وتحصيله بطريق صحيح، إلا بالبيع، فاقتضت الحكمة جوازه، ومشروعيته؛ للوصول إلى الغرض المطلوب.

المسألة الثانية: أركان البيع:
أركانه ثلاثة: عاقد، ومعقود عليه، وصيغة.
فالعاقد يشمل البائع والمشتري، والمعقود عليه المبيع، والصيغة هي الإيجاب والقبول.
والإيجاب: اللفظ الصادر من البائع، كأن يقول: بعتُ.
والقبول: اللفظ الصادر من المشتري، كأن يقول: اشتريتُ.
وهذه هي الصيغة القولية.
أما الصيغة الفعلية فهي المعاطاة، وهي الأخذ والإعطاء، كأن يدفع المشتري ثمن السلعة إلى البائع، فيعطيه إياها بدون قول.

المسألة الثالثة: الإشهاد على البيع:
الإشهاد على البيع مستحب وليس بواجب، لقوله تعالى: (وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ) [البقرة: 282]، فأمر الله تعالى بالإشهاد عند البيع، غير أن هذا الأمر للاستحباب،
بدليل قوله تعالى: (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ) [البقرة: 283]، فدلَّ على أن الأمر إنما هو أمر إرشادٍ؛ للتوثيق والمصلحة.
وعن عمارة بن خزيمة، أن عمّه حدَّثه -وهو من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه عليه الصلاة والسلام ابتاع فرساً من أعرابي، واستتبعه ليقبض ثمن فرسِه، فأسرع النبيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبطأ الأعرابي، وطفق الرجال يتعرضون للأعرابي فَيَسُومُونَه بالفرس، وهم لا يشعرون أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابتاعه. (صححه الشيخ الألباني) ومعنى "يسومونه": يطلبون شراءه منه.
ووجه الدلالة: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشترى الفرس من الأعرابي، ولم يكن بينهما بَيِّنة، ولو كانت واجبة في البيع لم يشتر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا بعد الإشهاد.
وكان الصحابة رضي الله عنهم يتبايعون في عصره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الأسواق، ولم يُنقل عنه أنه أمرهم بالإشهاد، ولا نُقِل عنهم فعله.
ولأن الشراء والبيع من الأمور التي تكثر بين الناس في الأسواق في حياتهم اليومية، فلو أشهدوا على كل شيء، لأدَّى إلى الحرج والمشقة.
لكن إن كان المعقود عليه من الصفقات الكبيرة المؤجلة الثمن، مما يحتاج إلى توثيق، فينبغي كتابة ذلك، والإشهاد عليه؛ للرجوع إلى الوثيقة إذا وقع خلاف بين الطرفين.
المسألة الرابعة: الخيار في البيع:
الخيار: أن يكون لكل من البائع والمشتري الحقُّ في إمضاء عقد البيع، أو فسخه.
فالأصل في عقد البيع أن يكون لازماً، متى انعقد مستوفياً أركانه وشروطه، ولا يحق لأي من المتعاقدين الرجوع عنه.
إلا أنَّ الدين الإسلامي دينُ السماحة واليسر، يراعي المصالح والظروفَ لجميع أفراده. ومن ذلك أنَّ المسلم إذا اشترى سلعة أو باعها لسبب ما، ثم ندم على ذلك، فقد أباح له الشرع الخيار حتى يفكر في أمره، وينظر في مصلحته، فيقدم على البيع أو يتراجع عنه، على ما يراه مناسباً له.
أقسام الخيار:
للخيار أقسام، أهمها:
أولاً: خيار المجلس: وهو المكان الذي يجري فيه التبايع، فيكون لكل واحدٍ من العاقدين الخيار ما داما في مجلس العقد ولم يتفرقا منه؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا) (متفق عليه).
ثانياً: خيار الشرط: وهو أن يشترط المتعاقدان، أو أحدهما الخيار إلى مدة معلومة، لإمضاء العقد أو فسخه، فإذا انتهت المدة المحددة بينهما من بداية العقد، ولم يُفسخ صار لازماً.
مثاله: أن يشتري رجل من آخر سيارة، ويقول المشتري: لي الخيار مدة شهر كامل، فإن تراجع عن الشراء خلال الشهر فله ذلك، وإلا لزمه شراء السيارة بمجرد انتهاء الشهر.
ثالثاً: خيار العيب، وهو الذي يَثْبُت للمشتري إذا وجد عيباً في السلعة، لم يخبره به البائع، أو لم يَعْلم البائعُ به، وتنقص بسبب هذا العيب قيمة السلعة، ويُرجع في معرفة ذلك إلى أهل الخبرة من التجار المعتبرين، فما عدّوه عيباً ثبت به الخيار، وإلا فلا.
ويثبت هذا الخيار للمشتري، فإن شاء أمضى البيع، وأخذ عِوض العيب، وهو الفرق بين قيمة السلعة صحيحة وقيمتها وهي معيبة، وإن شاء ردَّ السلعة، واسترد الثمن الذي دفعه إلى البائع.
رابعاً: خيار التدليس، وهو: أن يدلس البائع على المشتري ما يزيد به الثمن، وهذا الفعل محرم؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من غَشَّنا فليس منَّا) (رواه مسلم).
مثاله: أن يكون عنده سيارة، فيها عيوبٌ كثيرة في داخلها، فيعمد إلى إظهارها بلون جميل، ويجعل مظهرها الخارجي براقاً حتى يخدع المشتري بأنها سليمة فيشتريها. ففي هذه الحالة يكون للمشتري الحق في رد السلعة على البائع واسترجاع الثمن.

__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 05-10-2017, 11:11 AM
  #76
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر

المسألة الخامسة: شروط البيع:
يشترط لصحة البيع الشروط الآتية:
أولاً: التراضي بين البائع والمشتري. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) [النساء: 29].
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إنما البيع عن تراض) (صححه الألباني).
فلا يصح البيع إذا أكره أحدهما بغير حق، فإن كان الإكراه بحق، كأن يكره الحاكم شخصاً على بيع شيء لسداد دينه، صح.
ثانيا: كون العاقد جائز التصرف، بأن يكون بالغاً عاقلاً حراً رشيداً.
ثالثاً: أن يكون البائع مالكاً للمبيع، أو قائماً مقام مالكه، كالوكيل والوصيّ والولي والناظر. فلا يصح أن يبيع شخصٌ شيئاً لا يملكه؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لحكيم بن حزام - رضي الله عنه -: (لا تبع ما ليس عندك) (صححه الألباني).
رابعاً: أن يكون المباع مما يباح الانتفاع به من غير حاجة، كالمأكول، والمشروب، والملبوس، والمركوب، والعقار، ونحو ذلك، فلا يصح بيع ما يحرم الانتفاع به، كالخمر، والخنزير، والميتة، وآلات اللهو، والمعازف.
لحديث جابر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن الله حرَّم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام) (متفق عليه).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إن الله إذا حَرَّم على قوم أكل شيء حرَّم ثمنه) (صححه الأرناؤوط).
ولا يجوز بيع الكلب، لحديث أبي مسعود - رضي الله عنه -، قال: (نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ثمن الكلب ... ) (متفق عليه).
خامساً: أن يكون المعقود عليه مقدوراً على تسليمه؛ لأنَّ غير المقدور عليه كالمعدوم، فلا يصح بيعه؛ إذ هو داخل في بيع الغَرَرِ (بيع الغرر: ما كان له ظاهر يَغُرُّ المشتري، وباطن مجهول)، فإن المشتري قد يدفع الثمن ولا يحصل على المبيع، فلا يجوز بيع السمك في الماء، ولا النوى في التمر، ولا الطير في الهواء، ولا اللبن في الضرع، ولا الحمل الذي في بطن أمه، ولا الحيوان الشارد.
لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الغرر) (رواه مسلم).
سادساً: أن يكون المعقود عليه معلوماً لكل منهما برؤيته ومشاهدته عند العقد، أو وصفه وصفاً يميزه عن غيره؛ لأن الجهالة غرر، والغرر منهي عنه، فلا يصح أن يشتري شيئاً لم يره، أو رآه وجهله، وهو غائب عن مجلس العقد.
سابعاً: أن يكون الثمن معلوماً، بتحديد سعر السلعة المبيعة، ومعرفة قيمتها.
المسألة السادسة: البيوع المنهي عنها:
نهى الشارع الحكيم عن بعض البيوع إذا ترتب عليها تضييع لما هو أهم؛ كأن تشغل عن أداء عبادة واجبة، أو يترتب عليها إضرار بالآخرين. ومن هذه البيوع المنهيِّ عنها:
1 - البيع والشراء بعد الأذان الثاني يوم الجمعة.
لا يصح البيع ولا الشراء ممن تلزمه صلاة الجمعة بعد الأذان الثاني؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) [الجمعة: 9].
فقد نهى الله تعالى عن البيع في هذا الوقت، والنهي يقتضي التحريم، وعدم صحة البيع.
2 - بيع الأشياء لمن يستعين بها على معصية الله، أويستخدمها في المحرمات. فلا يصح بيع العصير لمن يتخذه خمراً، ولا الأواني لمن يشرب بها الخمر، ولا بيع السلاح في وقت الفتنة بين المسلمين. قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2].
3 - بيع المسلم على بيع أخيه.
مثاله أن يقول لمن اشترى شيئاً بعشرة: أنا أبيعك مثله بأرخص منه، أو أبيعك أحسن منه بنفس الثمن؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (ولا يبع بعضكم على بيع بعض) (البخاري ومسلم).
4 - الشراء على الشراء.
مثاله: أن يقول لمن باع شيئاً: اِفْسَخ البيع، وأنا أشتريه منك بأكثر، بعد أن اتفق البائع والمشتري على الثمن. وهذه الصورة داخلة في النهي الوارد في الحديث السابق.
5- بيع العِينَة.
وصورته: أن يبيع شخصٌ سلعةً لآخر بثمن معلوم إلى أجل، ثم يشتريها منه البائع بثمن حاضرٍ أقل، وفي نهاية الأجل يدفع المشتري الثمن الأول. كأن يبيع أرضاً بخمسين ألفاً يدفعها بعد سنة، ثم يشتريها البائع منه بأربعين ألفاً نقدا، ويبقى في ذمته الخمسون ألفاً يدفعها المشتري على رأس السنة. وسُميت عِينَة: لأن المشتري يأخذ مكان السلعة عيناً، أي: نقداً حاضراً.
وحُرِّم هذا البيع، لأنه حيلةٌ يتوصل بها إلى الربا، فعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد، سَلَّط الله عليكم ذلاً لا يرفعه حتى ترجعوا إلى دينكم) (صححه الشيخ الألباني).
6 - بيع المبيع قبل قبضه.
مثاله: أن يشتري سلعة من شخص، ثم يبيعها قبل أن يقبضها ويحوزها.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يقبضه) (متفق عليه)، وعن زيد بن ثابت - رضي الله عنه -: (أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى أن تباع السلع حيث تبتاع، حتى يحوزها التجار إلى رحالهم) (صحح الإمام النووي إسناده).
فلا يجوز لمن اشترى شيئاً أن يبيعه حتى يقبضه قبضاً تاماً.
7 - بيع الثمار قبل بدوّ صلاحها.
لا يجوز بيع الثمرة قبل أن يبدو صلاحها؛ خوفاً من تلفها أو حدوثِ عيب بها قبل أخذها، فعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أرأيتَ إن منع الله الثمرة، بم يأخذ أحدكم مال أخيه؟) (متفق عليه).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: (نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمبتاع) (متفق عليه).
ويعرف بدو صلاحها: باحمرار ثمار النخيل أو اصفرارها، وفي العنب أن يَسْوَدَّ وتبدو الحلاوة فيه، وفي الحب أن ييبس ويشتد، ونحو ذلك في بقية الثمار.
8 - النَّجْشُ.
وهو أن يزيد شخصٌ في ثمن السلعة المعروضة للبيع، ولا يريد شراءها، وإنما لِيغرَّ غيره بها، ويرغبه فيها، ويرفع سعرها.
عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن النجش) (متفق عليه).

__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 08-10-2017, 09:06 AM
  #77
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر

المسألة السابعة: الإقالة في البيع:
الإقالة: رفع العقد الذي وقع بين المتعاقدين وفسخه برضاهما. وتحصل بسبب ندم أحد العاقدين على العقد، أو يتبيَّن للمشتري أنه ليس محتاجاً للسلعة، أو لم يستطع دفع ثمنها، فيرجع كلٌّ من البائع والمشتري بما كان له من غير زيادة ولا نقص.
والإقالة مشروعة، وحثَّ عليها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بقوله: (من أقال مسلماً بيعته أقال الله عثرته يوم القيامة) (صححه الألباني).

المسألة الثامنة: عقد المرابحة:
المرابحة: بيع السلعة بثمنها المعلوم بين المتعاقدين، بربح معلوم بينهما.
مثالها: يقول صاحب السلعة: رأسُ مالي فيها مائة ريال، أبيعك إياها بالمائة، وربح عشرة ريالات.
فالبيع على هذه الصورة صحيح، إذا علم البائع والمشتري مقدار الثمن، ومقدار الربح.
قال تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) [البقرة: 275]، وقال جلَّ شأنه: (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) [النساء: 29].
والمرابحة بيعٌ تحقَّق فيه رضا المتعاقدين، والحاجة ماسّةٌ إلى جوازه؛ لأن بعض الناس لا يحسن الشراء ابتداءً، فيعتمد على غيره في الشراء، ويزيده ربحاً محدداً معلوماً بينهما.

المسألة التاسعة: البيع بالتقسيط:
هو بيع السلعة إلى أجل محدد، يُقَسَّط فيه الثمن أقساطاً متعددة، كلُّ قسط له أجل معلوم يدفعه المشتري.
مثاله: أن تكون عند البائع سيارة، قيمتها نقداً أربعون ألف ريال، ومؤجلة ستون ألف ريال، فيتفق مع المشتري على أن يسدده المبلغ على اثني عشر قسطاً، يدفع في نهاية كل شهر خمسة آلاف ريال.
حكمه: الجواز، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (اشترى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من يهودي طعاماً بنسيئة -أي بالأجل- ورهنه درعاً له من حديد) (متفق عليه).
والبيع بهذه الطريقة فيه فائدة لكلٍ من البائع والمشتري، فإنَّ البائع يزيد في مبيعاته، ويعدد من أساليبه في تسويق بضاعته، فيبيع نقداً وتقسيطاً، ويستفيد في حال التقسيط من زيادة الثمن مقابل الأجل. كما أنَّ المشتري يحصل على السلعة وإن لم تكن عنده قيمتها، ويسدد ثمنها فيما بعدُ أقساطاً.
شروط صحة بيع التقسيط:
يشترط لصحة بيع التقسيط إضافة إلى شروط البيع المتقدمة ما يلي:
1 - أن تكون السلعة بحوزة البائع وتحت تصرفه عند العقد، فلا يجوز لهما الاتفاق على ثمنها، وتحديد مواعيد السداد والأقساط، ثم بعد ذلك يشتريها البائع ويسلمها للمشتري، فإن هذا محرم؛ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (لا تبع ما ليس عندك) (صححه الألباني).
2- لا يجوز إلزام المشتري -عند العقد أو فيما بعد- بدفع مبلغ زائدٍ على ما اتفقا عليه عند العقد في حال تأخره عن دفع الأقساط؛ لأن ذلك رباً محرم.
3 - يحرم على المشتري المليء المماطلة في سداد ما حَلَّ من الأقساط.
4 - لا حقَّ للبائع في الاحتفاظ بملكية المبيع بعد البيع، ولكن يجوز له أن يشترط على المشتري رهنَ المبيع عنده؛ لضمان حقه في استيفاء الأقساط المؤجلة.
الباب الثاني: في الربا،
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: تعريف الربا وحكمه:
1 - تعريفه: الربا في اللغة: الزيادة.
وشرعاً: زيادة أحد البدلين المتجانسين من غير أن يقابل هذه الزيادة عوض.
2 - حكمه: الربا محرم في كتاب الله تعالى، قال جلّ شأنُه: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) [البقرة: 275]. وقال عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [البقرة: 278].
وتوعَّد سبحانه وتعالى المتعامل بالربا بأشد الوعيد، فقال تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) [البقرة: 275]، أي: لا يقومون من قبورهم عند البعث، إلا كقيام المصروع حالة صرعه؛ وذلك لتضخم بطونهم بسبب أكلهم الربا في الدنيا.
وعدَّه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الكبائر، ولعن كلَّ المتعاملين بالربا، على أيِّ حالٍ كانوا، فعن جابر - رضي الله عنه - قال: لعن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: (هم سواء) (رواه مسلم). وقد أجمعت الأمة على تحريمه.

المسألة الثانية: الحكمة في تحريمه:
التعامل بالربا يحمل على حبِّ الذات، والتكالب على جمع الأموال وتحصيلها من غير الطرق المشروعة، وتحريمه رحمة بالعباد، فإن فيه أخذاً لأموال الآخرين بغير عوض؛ إذ المرابي يأكل أموال الناس دون أن يستفيدوا شيئاً في مقابله، كما أنه يؤدي إلى تضخم الأموال وزيادتها على حساب سلب أموال الفقراء، ويعوّد المرابي الكسل والخمول، والابتعاد عن الاشتغال بالمكاسب المباحة النافعة.
كما أنَّ فيه قطعاً للمعروف بين الناس، وسداً لباب القرض الحسن، وتحكم طبقةٍ من المرابين بأموال الأمة واقتصاد البلاد، وهو معصية عظيمة لله تعالى، وهو وإن زاد مال المرابي فإن الله تعالى يمحق بركته، ولا يبارك فيه. قال تعالى: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) [البقرة: 276].

__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!



التعديل الأخير تم بواسطة صاحب فكرة ; 08-10-2017 الساعة 09:08 AM
رد مع اقتباس
قديم 09-10-2017, 10:40 AM
  #78
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر

المسألة الثالثة: أنواع الربا:
أولاً: ربا الفضل:
هو الزيادة في أحد البدلين الربويين المتفقين جنساً.
مثاله: أن يشتري شخص من آخر ألف صاع من القمح بألفٍ ومائتي صاعٍ من القمح، ويتقابض المتعاقدان العوضين في مجلس العقد. فهذه الزيادة، وهي مائتا صاع من القمح، لا مقابل لها، وإنما هي فضل.
حكمه: حرَّمت الشريعة الإسلامية ربا الفضل في ستة أشياء: الذهب، والفضة، والبر، والشعير، والتمر، والملح. فإذا بيع واحدٌ من هذه الأشياء الستة بجنسه حرمت الزيادة والتفاضل بينهما؛ لحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبُرُّ بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي سواء) (متفق عليه). ويقاس على هذه الأشياء الستة ما شاركها في العلة، فيحرم فيه التفاضل.
فَعِلَّة الربا في هذه الأشياء: الكيل والوزن، فيحرم التفاضل في كل مكيل وموزون.
ثانياً: ربا النسيئة:
هو الزيادةُ في أحد العوضين مقابل تأخير الدفع، أو تأخير القبض في بيع كل جنسين اتفقا في علة ربا الفضل، ليس أحدهما نقداً.
مثاله: أن يبيع شخصٌ ألف صاع من القمح، بألف ومائتي صاع من القمح لمدة سنة، فتكون الزيادة مقابل امتداد الأجل، أو يبيع كيلو شعير بكيلو بر ولا يتقابضان.
حكمه: التحريم، فإن النصوص الواردة في القرآن والسنة المحرمة للربا والمحذرة من التعامل به، يدخل فيها هذا النوع من الربا دخولاً أولياً، وهذا هو الذي كان معروفاً في الجاهلية، وهو الذي تتعامل به البنوك الربوية في هذا العصر.
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -بعد أن ذكر الذهب والفضة-: (ولا تبيعوا منها غائباً بناجز) والناجز: الحاضر. وفي لفظٍ: (ما كان يداً بيد فلا بأس به، وما كان نسيئة فهو ربا) (رواه مسلم).

المسألة الرابعة: صور لبعض المسائل الربوية:
يتبين لنا من خلال تطبيق القاعدة الآتية وما اشتملت عليه، معرفة إن كانت المسألة من مسائل الربا، أو هي من الصور المباحة. وهذه القاعدة هي: إذا بيع الربوي (المراد به: إن كان واحداً من الأصناف الستة المتقدم ذكرها ، أو ما في معناها.) بجنسه، اشترط فيه شرطان:
1 - التقابض من الطرفين في مجلس العقد قبل أن يفترقا.
2 - التساوي بينهما بالمعيار الشرعي، المكيل بالمكيل، والموزون بالموزون.
أما إذا بيع الربوي بربوي من غير جنسه فليس بشرط، وإذا بيع الربوي بغير ربوي جاز التفاضل والتفرق قبل القبض.
وفيما يلي بعض الصور وأحكامها:
1) باع مائة جرام من الذهب، بمائة جرام من الذهب بعد شهر. هذا محرَّم، وهو من الربا؛ لأنهما لم يتقابضا في المجلس.
) اشترى كيلو جراماً من الشعير بكيلو جرام من البر، جاز لاختلاف الجنس، ويشترط التقابض في المجلس.
3) إذا باع خمسين كيلو جراماً من البر بشاة جاز مطلقاً، سواء تقابضا في المجلس أو لا.
4) باع مائة دولار، بمائة وعشرة دولارات. لا يجوز.
5) اقترض ألف دولار على أن يعيدها بعد شهر أو أكثر بألف ومائتي دولار.
لا يجوز.
6) باع مائة درهم من الفضة بعشرة جنيهات من الذهب، يدفعها بعد سنة.
لا يجوز؛ إذ لابد من التقابض يداً بيد.
7) لا يجوز بيع أو شراء أسهم البنوك الربوية، لأنها من باب بيع النقد بالنقد بغير تساوٍ ولا تقابض.
الباب الثالث: في القرض،
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: في تعريفه، وأدلة مشروعيته:
القرض: دفع مال لمن ينتفع به ويَرُدًّ بدله.
وهو مشروع، ويدل عليه عموم الآيات القرآنية والأحاديث الدالة على فضل المعاونة، وقضاء حاجة المسلم، وتفريج كربته، وسد فاقته، وأجمع المسلمون على جوازه.
روى أبو هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - استلف من رجلٍ بَكْراً (البَكْر: الفتيُّ من الإبل)، فقدمت عليه إبل الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بَكْرَه، فرجع إليه أبو رافع، فقال: لم أجد فيها إلا خياراً رباعياً (هو ما استكمل ست سنوات ودخل في السابعة)، فقال: (أعطه إياه، إنَّ خيار الناس أحسنهم قضاء) (رواه البخاري ومسلم واللفط لمسلم).
ومن الأدلة على فضله: حديث ابن مسعود أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (ما من مسلم يقرض مسلماً قرضاً مرتين إلا كان كصدقتها مرة) (حديث حسن. انظر إرواء الغليل).

المسألة الثانية: في شروطه وبعض الأحكام المتعلقة به:
1 - لا يجوز للمسلم أن يقرض أخاه بشرط أن يقرضه بعد ذلك إذا ردَّ عليه قرضه؛ لأن المقرض اشترط نفعاً، وكل قرض جرّ منفعة فهو ربا، كأن يسكنه داره مجاناً أو رخيصة، أو يعيره دابته، أو أي شيء آخر، أو غير ذلك من المنافع. فإنَّ جماعةً من أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أفتوا بما يدل على عدم جواز ذلك، وأجمع الفقهاء على منعه.
2 - أن يكون المقرِض جائز التصرف، بالغاً عاقلاً رشيداً، يصح تبرعه.
3 - ليس للمقرضِ أن يشترط زيادةً في ماله الذي أقرضه؛ لأن ذلك من الربا، فلا يجوز له أخذها، بل يقتصر على المبلغ الذي دفعه للمقترض أولاً.
4 - إذا ردَّ المقترض على المقرِضِ أحسن مما أخذ منه، أو أعطاه زيادةً دون شرطٍ أو قصد، صحّ ذلك؛ لأنه تبرع من المقترض وحسن قضاء، ويدل عليه حديث أبي رافع السابق.
5 - أن يكون المقرض مالكاً لما يقرضه، ولا يجوز له أن يقرض ما لا يملك.
6 - من المعاملات الربوية المحرمة: ما تقوم به البنوك في وقتنا الحاضر من عقد قروض بينها وبين ذوي الحاجات، فتدفع لهم مبالغ من المال نظير فائدة محددة تأخذها زيادة على مبلغ القرض، أو يتفق البنك مع المقترض على قيمة القرض، ثم يدفع له البنك أقل من القيمة المتفق عليها، على أن يردها المقترض كاملة، فمثلاً: يطلب المقترض من البنك مبلغ مائة ألف، فيعطي له البنك ثمانين ألفاً، ويشترط عليه أن يردها مائة. وهذا من الربا المحرم أيضاً.

__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 11-10-2017, 01:37 PM
  #79
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر

الباب الرابع: في الرهن،
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: معناه وأدلة مشروعيته:
الرهن: جَعْلُ عينٍ مالية، وثيقة بدين؛ ليُسْتَوفى منها أو من ثمنها، إذا تعذَّر الوفاء.
والأصل في مشروعية الرهن، قوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) [البقرة: 283]. والتقييد بالسفر في الآية خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له؛ لدلالة السنة على مشروعيته في الحضر. فعن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اشترى طعاماً من يهودي إلى أجل، ورهنه درعاً من حديد). (متفق عليه)

المسألة الثانية: الأحكام المتعلقة به:
1 - لا يصح رهن ما لا يجوز بيعه كالوقف والكلب؛ لأنه لا يمكن إيفاء الدين منه، ولا رهن مالا يملك.
2 - ويشترط معرفة قدر الرهن وجنسه وصفته.
3 - أن يكون الراهن جائز التصرف، مالكاً للمرهون أو مأذوناً له فيه.
4 - ليس للراهن التصرف في الرهن بغير رضى المرتهن، ولا يملك المرتهن ذلك بغير رضى الراهن.
5 - لا يجوز للمرتهن الانتفاع بالرهن، إلا أن يكون الرهن مركوباً أو محلوباً فيجوز له أن يركب المركوب أو يحلب المحلوب إذا أنفق عليه.
6 - المرهون أمانةٌ في يد المرتهن، لا يضمنه إلا بالتعدي، فإذا حلَّ الدين الذي به رهن، وجب على المدين سداده، فإن امتنع أجبره الحاكم، فإن امتنع حبسه، وعزَّره، حتى يوفي ما عليه من الدين، أو يبيع الرهن، ويسدد من قيمته.
الباب الخامس: في السلم،
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: في معناه وأدلة مشروعيته والحكمة من ذلك:
تعريفه: السَّلَمُ والسلفُ بمعنى واحد، وهو: بيعُ سلعةٍ آجلة موصوفة في الذمة بثمن مُقَدَّم.
دليل مشروعيته: وهو مشروع، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة، وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين، فقال: (من أسلف، فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) (متفق عليه).
الحكمة من مشروعيته: وأجازته الشريعة الإسلامية توسيعاً على أفرادها، فالمزارع مثلاً قد لا يملك نقداً ينفقه في إصلاح أرضه وزراعته، ولا يجد من يقرضه، فأبيح له السَّلَم حتى لا تفوته مصلحة استثمار أرضه.

المسألة الثانية: في شروطه:
السلم نوعٌ من أنواع البيع؛ ولذلك يشترط لصحته الشروط المتقدمة في عقد البيع، ويضاف عليها الآتي:
1) أن يكون المسلَم فيه مما يمكن انضباط صفاته بكيلٍ أو وزنٍ أو ذرع، حتى لا يؤدي إلى التنازع.
2) معرفةُ قدرِ المسلَم فيه بمعياره الشرعي، فلا يصح في مكيلٍ وزناً، ولا في موزون كيلاً.
3) أن يذكر جنس المسلم فيه، ونوعه، بصفاته المميزة له.
4) أن يكون ديناً في الذمة.
5) أن يكون مؤجلاً.
6) أن يكون الأجل معلوماً ومحدداً من الطرفين.
_7) أن يقبض الثمن كاملاً معلوماً في مجلس العقد قبل تفرقهما.
8) كون المسلَم فيه مما يغلب وجوده عند حلول الأجل، حتى يُسَلِّمه له في وقته، فإن لم يكن موجوداً -كالرطب في الشتاء- لم يصح؛ لأنه غرر.
الباب السادس: في الحوالة،
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: معناها وأدلة مشروعيتها:
الحوالة: نقل الدين من ذمةِ المُحِيلِ إلى ذمةِ المُحَالِ عليه.
وهي مشروعة لما فيها من الإرفاق، وتبادل المصالح بين أفراد الأمة، والتسامح وتسهيل المعاملات.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إذا أتْبعِ أحدكم على مليءٍ فليتبع) (متفق عليه).
ومعناه: إذا أحيل بالدين الذي له، على موسر فليحتل، وليقبل الحوالة. فإذا أحال المَدين دائنه على مفلس رجع بحقه على مَنْ أحاله؛ لأنَّ الفَلَس عيب ولم يرض به، فله حق الرجوع.

المسألة الثانية: في شروط صحتها:
يشترط لصحتها الآتي:
1 - رضا المُحيل؛ لأنه مُخَيَّر في جهات قضاء الدين، فلا تتعيَّن عليه جهةٌ قهراً.
2 - كون المالين المحال به وعليه، متفقين قدراً وجنساً وصفة.
3 - أن يكون المحال به ديناً مستقراً في ذمة المحال عليه.
ويترتب على انعقاد الحوالة الصحيحة حسب ما ذكر انتقال الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه.
ومن الصور المعاصرة للحوالة:
- الحوالة المصرفية: وهي وسيلة لسداد مبالغ نقدية مقابل تسديد مقابلها في جهة أخرى. وصورتها: أن يقوم الشخص بدفع مبلغ نقدي إلى بنك من البنوك، طالباً منه سداد قيمة هذا المبلغ لشخص آخر في بلد آخر نظير عمولة يتقاضاها البنك.
- السُّفْتَجَة: وهي مما يلحق بالحوالة أيضاً، وهي عبارة عن كتاب أو رقعة يكتبها المستقرضُ للمقرض أو نائِبه إلى نائبه في بلد آخر ليوفيه المقرضَ، أو أن يقرض إنسانٌ آخر قرضاً في بلد؛ ليوفيه المقترض أو نائبه إلى المقرضِ أو نائبهِ في بلد آخر. فالورقة التي يكتبها المقترض بذلك تسمى سفتجة -وهي كلمة فارسية معربة-. وقد منعها قوم، والصحيح جوازها؛ إذ فيها مصلحة للطرفين، من غير ضرر على واحد منهما، ولا محظور شرعي.

__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 12-10-2017, 01:57 PM
  #80
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: يوميا مع ... الفقه الميسر

الباب السابع: في الوكالة،
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: تعريفها، وحكمها، وأدلة مشروعيتها:
1 - تعريفها: الوكالة تفويض شخصٍ غيرَه؛ ليقوم مقامه فيما تدخله النيابة.
2 - حكمها وأدلة مشروعيتها: وهي مشروعة، قال تعالى: (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ) [الكهف: 19]، وقال جل شأنه: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا) [التوبة: 60]. فجوَّز سبحانه العمل عليها، وذلك بحكم النيابة عن المستحقين.
وعن جابر - رضي الله عنه - قال: أردت الخروج إلى خيبر، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقاً …) (رواه أبو داود برقم (3632)، والدارقطني (4/ 155). وعن عروة بن الجعد قال: عرض للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جلَبٌ، فأعطاني ديناراً فقال: (يا عروة، ائت الجلب فاشتر لنا شاة …) الحديث (أخرجه البخاري برقم (3642).
وأجمع المسلمون على جواز الوكالة في الجملة؛ لأنَّ الحاجة داعية إليها، فإنه لما كان لا يمكن لكل واحدٍ فِعْلُ كل ما يحتاج إليه بنفسه، دعت الحاجة إلى مشروعيتها.

المسألة الثانية: شروطها، والأحكام المتعلقة بها:
1 - يشترط في كل من الوكيل والموكل أن يكون جائز التصرف، بالغاً، عاقلاً، رشيداً.
2 - تصح الوكالة في كل ما تدخله النيابة، كالبيع والشراء وسائر العقود، والفسوخ كالطلاق والخلع، وكذلك تصح في كل ما تدخله النيابة من العبادات، كإخراج الزكاة، والكفارة، والنذر، والحج، ونحو ذلك.
3 - لا تصح الوكالة فيما لا تدخله النيابة من حقوق الله تعالى، كالطهارة والصلاة.
4 - يملك الوكيل من التصرف ما يقتضيه إذن الموكِّل، أو ما تعارف عليه
الناس، بشرط ألَّا يترتب على هذا الإذن ضررٌ بالموكل.
5 - لا يصح للوكيل أن يوكل غيره، إلا إذا أجاز له الموكِّلُ ذلك، أو عجز الوكيل عن العمل، أو كان لا يحسنه، فيوكل أميناً يقوم مقامه فيما وكل فيه.
6 - الوكيل أمين فيما وكل فيه، لا يضمن، إلا إذا فرَّط أو تعدى.
7 - الوكالة عقد جائز، لكلٍ من الطرفين فسخه.
8 - تبطل الوكالة بموت أحد الطرفين، أو جنونه، أو فسخه لها، أو عزله مِنْ قِبَل المِوكل، أو الحجر عليه لسفهه.
الباب الثامن: في الكفالة والضمان،
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في معنى الكفالة وأدلة مشروعيتها:
1 - تعريفها: الكفالة هي التزام إحضار مَنْ عليه حق مالي لربه، إلى مجلس الحكم.
2 - أدلة مشروعيتها: وهي مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع.
فمن الكتاب قوله تعالى: (قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) [يوسف: 72] أي كفيل ضامن، وقوله تعالى: (سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ) [القلم: 40] أي كفيل.
ومن السنة قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (العارية مؤداة، والزعيم غارم، والدين مقضي) (صححه الألباني).
فالزعيم هو الكفيل، والزعامة الكفالة (معالم السنن (3/ 177)).
وقد أجمع العلماء على جواز الكفالة لحاجة الناس إليها ودفع الضرر عن المدين.

المسألة الثانية: أركان الكفالة وشروطها:
أركان الكفالة خمسة: الصيغة، والكفيل، والمكفول له، والمكفول عنه، والمكفول به.
وصيغتها تتم بإيجاب الكفيل وحده، ولا تتوقف على قبول المكفول له.
أما الكفيل: فيشترط فيه أن يكون أهلاً للتبرع سواء كان رجلاً أو امرأة؛ لأن الكفالة من التبرعات.
وعلى ذلك لا تصح الكفالة من المجنون أو المعتوه أو الصبي، وكذلك المحجور عليه لسفه، فلا تصح كفالته، ولا ضمانه.
وأما المكفول عنه: فلا يشترط رضاه لصحة الكفالة، بخلاف الكفيل فإن
رضاه شرط لصحة الكفالة.
أما محل الكفالة: فقد تكون الكفالة بالمال، ويطلق عليها الضمان، وقد تكون بالنفس، ويطلق عليها كفالة البدن والوجه.

المسألة الثالثة: في بعض أحكام الكفالة:
1 - تصح الكفالة ببدن كل إنسان عليه حق مالي.
2 - لا تصح الكفالة ببدن من عليه حد.
3 - لا تصح الكفالة ببدن من عليه قصاص.
4 - يبرأ الكفيل بموت المكفول المتعذر إحضاره.
5 - الكفيل الغارم ضامن إذا ماطل الأصيل، ولم يسدد، أو أفلس.
6 - الكفيل غير الغارم -الحضوري- لا يضمن؛ لأن كفالته كفالة تعريف وإحضار للمكفول أو للكفيل الغارم.
7 - تصح الكفالة بالنفس، وهي التزام الكفيل بإحضار المكفول إلى المكفول له، أو إلى مجلس الحكم، أو نحو ذلك.

المسألة الرابعة: في الضمان:
الضمان: هو التزام ما وجب على غيره، وهو جائز؛ لقوله تعالى: (وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ) [يوسف: 72] أي ضامن.
وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الزعيم غارم) (تقدم تخريجه).
وقد أجمع العلماء على جوازه؛ لأن الحاجة تدعو إليه، وهو من باب قضاء الحاجات والتعاون المأمور به شرعاً.
أحكام الضمان وشروطه:
1 - لا يجوز أخذ العوض عليه.
2 - يجوز تعدد الضامنين، فيجوز أن يضمن الحق اثنان فأكثر.
3 - لا يشترط في صحته معرفة الضامن للمضمون عنه.
4 - يصح ضمان المعلوم والمجهول إذا كان يؤول إلى العلم، وكذلك يصح ضمان عهدة المبيع.
5 - يصح الضمان بكل لفظ يؤدي معناه: كأنا ضامن، أو ضمين، أو زعيم أو نحو ذلك.
6 - لا تبرأ ذمة الضامن، إلا إذا برئت ذمة المضمون عنه من الدين، بإبراء أو قضاء.
7 - يشترط لصحته: رضا الضامن، فإن أكره على الضمان لم يصح، ولا يشترط رضا المضمون عنه، ولا رضا المضمون له.
كما يشترط لصحته: أن يكون الضامن جائز التصرف، بأن يكون: بالغاً عاقلاً رشيداً.

__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:48 PM.


images