أصول الإيمان - الصفحة 4 - منتدى عالم الأسرة والمجتمع
logo

الملاحظات

الثقافة الاسلامية صوتيات ومرئيات إسلامية ،حملات دعوية ، أنشطة دينية.

إضافة رد
قديم 16-07-2018, 11:52 AM
  #31
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: أصول الإيمان

رابعا الإيمان بالرسل
حكم الإيمان بالرسل وأدلته
الإيمان برسل الله تعالى واجب من واجبات هذا الدين وركن عظيم من أركان الإيمان. وقد دلت على ذلك الأدلة من الكتاب والسنة.
قال تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} (البقرة: 285) . فذكر الله تعالى الإيمان بالرسل في جملة ما آمن به الرسول والمؤمنون، من أركان الإيمان. وبين أنهم في إيمانهم بالرسل لا يفرقون بينهم فيؤمنوا ببعضهم دون بعض، بل يصدقون بهم جميعًا.
وقد بين الله في كتابه حكم من ترك الإيمان بالرسل. فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا - أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} (النساء: 150، 151) . فأطلق الكفر على من كذب بالرسل أو فرق بينهم بالإيمان ببعضهم والكفر ببعضهم. ثم قرر أن هؤلاء هم الكافرون حقًّا أي الذين تحقق كفرهم وتقرر صراحة.
كما بين الله في مقابل ذلك في السياق نفسه ما عليه أهل الإيمان من ذلك فقال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (النساء: 152) . فوصفهم بالإيمان بالله ورسله كلهم من غير تفريق بين الرسل في الإيمان ببعضهم دون بعض وإنما يعتقدون أنهم مرسلون من الله تعالى.
وأما السنة فدلت كذلك على ما دل عليه الكتاب من أن الإيمان بالرسل ركن من أركان الإيمان وقد دَلّ على ذلك حديث جبريل المتقدم بنصه في مبحث " الإيمان بالملائكة " وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب لما سأله جبريل عليه السلام عن الإيمان فقال: «أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر» . . .) (رواه مسلم) الحديث. فذكر الإيمان بالرسل مع بقية أركان الإيمان الأخرى الواجب على المسلم تحقيقها واعتقادها.
وفي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في التهجد عند قيام الليل أنه كان يقول: «اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض، ولك الحمد أنت قيم السماوات والأرض، ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن، أنت الحق، ووعدك الحق، وقولك الحق، ولقاؤك الحق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، والساعة حق» . . .) (البخاري) .
فشهادة النبي صلى الله عليه وسلم أن النبيين حق ضمن ما ذكر من أصول الإيمان العظيمة كالإيمان بالله وبوجود الجنة والنار وقيام الساعة وتقديمه ذلك بين يدي دعائه وقيامه دليل على أهمية الإيمان بالرسل والأنبياء ومكانته في الدين.
فتقرر وجوب الإيمان بالرسل وأنه من أعظم دعائم هذا الدين ومن أكبر خصال الإيمان وأن من كذب بالرسل أو بأحد منهم فإنه كافر بالله العظيم كفرًا صريحًا بجحده هذا الركن العظيم من أركان الإيمان.
ثمرات الإيمان بالرسل
إذا تحقق الإيمان بالرسل ترك آثاره الطيبة وثماره اليانعة على المؤمن فمن ذلك:
1 - العلم برحمة الله تعالى وعنايته بخلقه حيث أرسل إليهم أولئك الرسل الكرام للهداية والإرشاد.
2 - شكر الله على هذه النعمة الكبرى.
3 - محبة الرسل وتوقيرهم والثناء عليهم بما يليق بهم لأنهم رسل الله تعالى وخلاصة عبيده، ولما قاموا به من تبليغ رسالة الله لخلقه وكمال نصحهم لأقوامهم وصبرهم على أذاهم.
تعريف النبي والرسول والفرق بينهما
النبي في اللغة: مشتق من النبأ وهو الخبر ذو الفائدة العظيمة. قال تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ - عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ} (النبأ: 1، 2) . وسمي النبي نبيًّا لأنه مُخبرٌ من الله، ويُخْبِرُ عن الله فهو مُخبَر ومُخبِر.
وقيل النبي مشتق من النباوة: وهي الشيء المرتفع.
وسمي النبي نبيًّا على هذا المعنى: لرفعة محله على سائر الناس. قال تعالى: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} (مريم: 57) .
والرسول في اللغة: مشتق من الإرسال وهو التوجيه. قال تعالى مخبرًا عن ملكة سبأ: {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} (النمل: 35) .
وقد اختلف العلماء في تعريف كل من النبي والرسول في الشرع على أقوال أرجحها:
أن النبي: هو من أوحى الله إليه بما يفعله ويأمر به المؤمنين.
والرسول: هو من أوحى الله إليه وأرسله إلى من خالف أمر الله ليبلغ رسالة الله.
والفرق بينهما: أن النبي هو من نبأه الله بأمره ونهيه ليخاطب المؤمنين ويأمرهم بذلك ولا يخاطب الكفار ولا يرسل إليهم.
وأما الرسول فهو من أرسل إلى الكفار والمؤمنين ليبلغهم رسالة الله ويدعوهم إلى عبادته.
وليس من شرط الرسول أن يأتي بشريعة جديدة فقد كان يوسف على ملة إبراهيم، وداود وسليمان كانا على شريعة التوراة وكلهم رسل. قال تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا} (غافر: 34) . وقال تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا - وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (النساء: 163، 164) .
وقد يطلق على النبي أنه رسول كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} (الحج: 52) فذكر الله عز وجل أنه يرسل النبي والرسول. وبيان ذلك أن الله تعالى إذا أمر النبي بدعوة المؤمنين إلى أمر فهو مرسل من الله إليهم لكن هذا الإرسال مقيد. وأما الإرسال المطلق فهو بإرسال الرسل إلى عامة الخلق من الكفار والمؤمنين.
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 17-07-2018, 09:31 AM
  #32
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: أصول الإيمان

كيفية الإيمان بالرسل
الإيمان بالرسل هو اعتقاد ما أخبر الله به عنهم في كتابه وأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في سنته إجمالا وتفصيلا.
فالإيمان المجمل: هو التصديق الجازم بأن الله تعالى بعث في كل أمة رسولا يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له والكفر بما يعبد من دون الله. قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (النحل: 36) . وبأنهم جميعهم صادقون، بارون، راشدون، كرام بررة، أتقياء أمناء، هداة مهتدون. قال تعالى: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} (يس: 52) . وقال تعالى بعد أن ذكر طائفة كبيرة من الأنبياء والرسل: {وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ - ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} (الأنعام: 87، 88) .
وبأنهم كلهم كانوا على الحق المبين، والهدى المستبين جاءوا بالبينات من ربهم إلى أقوامهم. قال تعالى حكاية عن أهل الجنة: {لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} (الأعراف: 43) . وقال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} (الحديد: 25) .
وبأن أصل دعوتهم واحدة وهي الدعوة إلى توحيد الله وأما شرائعهم فمختلفة. قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء: 25) . وقال عز وجل: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (المائدة: 48) .
وبأنهم قد بلغوا جميع ما أرسلوا به البلاغ المبين، فقامت بذلك الحجة على الخلق. قال تعالى: {لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} (الجن: 28) . وقال تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} (النساء: 165) .
ويجب الإيمان بأن الرسل بشر مخلوقون، ليس لهم من خصائص الربوبية شيء. وإنما هم عباد أكرمهم الله بالرسالة. قال تعالى: {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} (إبراهيم: 11) . وقال تعالى عن نوح: {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ} (هود: 31) . وقال عز وجل آمرًا نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يقول لقومه: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} (الأنعام: 50) .
ومما يجب اعتقاده أيضًا في حق الرسل أنهم منصورون مؤيدون من الله، وأن العاقبة لهم ولأتباعهم. قال تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} (غافر: 51) . كما يجب اعتقاد تفاضل الرسل على ما أخبر عز وجل في قوله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ} (البقرة: 253) .
فيجب الإيمان بكل هذا وبكل ما جاء في الكتاب والسنة عن الرسل على وجه العموم إيمانًا مجملًا.
وأما الإيمان المفصل: فيكون بالإيمان بمن سمى الله تعالى في كتابه والنبي صلى الله عليه وسلم في سنته منهم، إيمانًا مفصلًا على نحو ما جاءت به النصوص من ذكر أسمائهم وأخبارهم وفضائلهم وخصائصهم.
والمذكورون في القرآن من الأنبياء والرسل خمسة وعشرون. ورد ذكر ثمانية عشر منهم في قوله تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ - وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ - وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ - وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} (الأنعام: 83-86) . وورد ذكر الباقين في مواضع أخرى من القرآن. قال تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} (الأعراف: 65) .
وقال: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا} (الأًعراف: 73) . وقال: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} (الأعراف: 85) . وقال: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا} (آل عمران: 33) . وقال: {وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ} (الأنبياء: 85) . وقال: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (الفتح: 29) . فيجب الإيمان بهؤلاء الأنبياء والمرسلين إيمانًا مفصلًا، والإقرار لكل واحد منهم بالنبوة أو الرسالة على ما أخبر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عنهم.
كما يجب اعتقاد صحة ما جاءت به النصوص من ذكر فضائلهم وخصائصهم وأخبارهم، كاتخاذ الله إبراهيمَ ومحمدًا صلى الله عليهما وسلم خليلين لقوله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} (النساء: 125) . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله اتخذني خليلًا كما اتخذ إبراهيم خليلًا» أخرجه مسلم. وكتكليم الله تعالى لموسى لقوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (النساء: 164) . وكذلك تسخير الجبال والطير لداود يسبحن بتسبيحه، قال تعالى: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ} (الأنبياء: 79) . وإلانة الحديد لداود كما قال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} (سبأ: 10) . وتسخير الرياح لسليمان تسير بأمره، وتسخير الجن له يعملون بين يديه ما يشاء، قال تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ} (سبأ: 12) . وتعليم سليمان منطق الطير، قال تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} (النمل: 16) .
كما يجب الإيمان على وجه التفصيل بما قص الله عز وجل في كتابه من أخبار الرسل مع أقوامهم، وما جرى بينهم من الخصومة، ونصر الله لرسله وأتباعهم. كقصة موسى مع فرعون، وإبراهيم مع قومه، وقصص نوح وهود وصالح وشعيب ولوط مع أقوامهم. وما قص الله علينا في شأن يوسف مع إخوته وأهل مصر، وقصة يونس مع قومه، إلى آخر ما جاء في كتاب الله من أخبار الأنبياء والرسل، وكذلك ما جاء في السنة فيجب الإيمان به إيمانًا مفصلًا بحسب ما جاءت به النصوص.
وبذلك يتحقق الإيمان بالرسل بقسميه المجمل والمفصل. والله تعالى أعلم.
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 19-07-2018, 09:17 AM
  #33
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: أصول الإيمان

ما يجب علينا نحو الرسل
يجب على الأمة تجاه الرسل حقوق عظيمة بحسب ما أنزلهم الله من المنازل الرفيعة في الدين، وما رفعهم الله إليه من الدرجات السامية الجليلة عنده، وما شرفهم به من المهمات النبيلة وما اصطفاهم به من تبليغ وحيه وشرعه لعامة خلقه. ومن هذه الحقوق:
1 - تصديقهم جميعًا فيما جاءوا به، وأنهم مرسلون من ربهم، مبلغون عن الله ما أمرهم الله بتبليغه لمن أرسلوا إليهم وعدم التفريق بينهم في ذلك. قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} (النساء: 64) . وقال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (المائًدة: 92) . وقال عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا - أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} (النساء: 150، 151) . فيجب تصديق الرسل فيما جاءوا به من الرسالات وهذا مقتضى الإيمان بهم.
ومما يجب معرفته أنه لا يجوز لأحد من الثقلين متابعة أحدٍ من الرسل السابقين بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم المبعوث للناس كافة، إذْ أن شريعته جاءت ناسخة لجميع شرائع الأنبياء قبله فلا دين إلا ما بعثه الله به ولا متابعة إلا لهذا النبي الكريم. قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران: 85) .
وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (سبأ: 28) . وقال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} (الأعراف: 158) .
2 - موالاتهم جميعًا ومحبتهم والحذر من بغضهم وعداوتهم.
قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} (المائدة: 56) . وقال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (التوبة: 71) . فتضمنت الآية وصف المؤمنين بموالاة بعضهم لبعض فدخل في ذلك رسل الله الذين هم أكمل المؤمنين إيمانًا وعليه فإن موالاتهم ومحبتهم في قلوب المؤمنين هي أعظم من موالاة غيرهم من الخلق لعلو مكانتهم في الدين ورفعة درجاتهم في الإيمان. ولذا حذر الله من معاداة رسله وعطفها في الذكر على معاداة الله وملائكته وقرن بينهما في العقوبة والجزاء. فقال عز من قائل: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} (البقرة: 98) .
3 - اعتقاد فضلهم على غيرهم من الناس، وأنه لا يبلغ منزلتهم أحد من الخلق مهما بلغ من الصلاح والتقوى إذ الرسالة اصطفاء من الله يختص الله بها من يشاء من خلقه ولا تنال بالاجتهاد والعمل. قال تعالى: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} (الحج: 75) . وقال تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} (الأنعام: 83) . إلى أن قال بعد ذكر طائفة كبيرة من الأنبياء والمرسلين: {وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} (الأنعام: 86) . وقد تقدم نقل هذا السياق في المبحث الأول من هذا الفصل.
كما دلت السنة أيضًا على أن منزلة الرسل لا يبلغها أحد من الخلق لما رواه الشيخان من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى» وفي رواية للبخاري: «من قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب». قال بعض شراح الحديث: " إنه صلى الله عليه وسلم قال هذا زجرًا أن يتخيل أحد من الجاهلين شيئًا من حط مرتبة يونس صلى الله عليه وسلم من أجل ما في القرآن العزيز من قصته ". وبيّن العلماء: " أن ما جرى ليونس صلى الله عليه وسلم لم يحطه من النبوة مثقال ذرة وخص يونس بالذكر لما ذكر الله من قصته في القرآن الكريم كقوله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ - فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} (الأنبياء: 87، 88) . وقوله تعالى: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: 139] .
4 - اعتقاد تفاضلهم فيما بينهم وأنهم ليسوا في درجة واحدة بل فضل الله بعضهم على بعض. قال تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} (البقَرة: 253) . قال الطبري في تفسير الآية: " يقول تعالى ذكره: هؤلاء رسلي فضلت بعضهم على بعض، فكلمت بعضهم كموسى صلى الله عليه وسلم ورفعت بعضهم درجات على بعض بالكرامة ورفعة المنزلة ". فإنزال كل واحد منهم منزلته في الفضل والرفعة بحسب دلالات النصوص من جملة حقوقهم على الأمة.
5 - الصلاة والسلام عليهم فقد أمر الله الناس بذلك وأخبر الله بإبقائه الثناء الحسن على رسله وتسليم الأمم عليهم من بعدهم. قال تعالى عن نوح: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ - سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ} (الصافات: 78، 79) . وقال عن إبراهيم: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ - سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (الصافات: 108، 109) . وقال عن موسى وهارون: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ - سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ} (الصافات: 119، 120) .
وقال تعالى: {وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} (الصافات: 181) . قال ابن كثير: " قوله تعالى {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ} (الصافات: 79) مفسرًا لما أبقى عليه من الذكر الجميل والثناء الحسن أنه يسلم عليه جميع الطوائف ". وقد نقل الإمام النووي إجماع العلماء على جواز الصلاة على سائر الأنبياء واستحبابها. قال: " أجمعوا على الصلاة على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. وكذلك أجمع من يعتد به على جوازها على سائر الأنبياء والملائكة استقلالا وأما غير الأنبياء فالجمهور على أنه لا يصلى عليهم ابتداء ".
فهذه طائفة مما يجب للرسل من حقوق على هذه الأمة مما دلت عليه النصوص وقرره أهل العلم. والله تعالى أعلم.
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 21-07-2018, 11:01 AM
  #34
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: أصول الإيمان

أولو العزم من الرسل
أولو العزم من الرسل هم: ذوو الحزم والصبر. قال تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} (الأحقاف: 35) .
وقد اختلف العلماء فيهم. فقيل المراد بأولي العزم هم جميع الرسل. و" من " في قوله {مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 35] لبيان الجنس لا للتبعيض. قال ابن زيد: " كل الرسل. كانوا أولي عزم لم يبعث الله نبيًّا إلا كان ذا عزم وحزم ورأي وكمال عقل ".
وقيل هم خمسة: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم وسلم. قال ابن عباس: " أولو العزم من الرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ". وبهذا القول قال مجاهد وعطاء الخراساني، وعليه كثير من متأخري أهل العلم.
وقد ذكر الله هؤلاء الخمسة مجتمعين في موطنين من كتابه وبه استدل لهذا القول. الأول في سورة الأحزاب. قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} (الأحزاب: 7) . والثاني في سورة الشورى.
قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} (الشورى: 13) . قال بعض المفسرين: " ووجه تخصيصهم بالذكر الإعلام بأن لهم مزيد شرف وفضل لكونهم من أصحاب الشرائع المشهورة ومن أولي العزم من الرسل ".
وهؤلاء الخمسة هم أفضل الرسل وخيار بني آدم. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: (خيار ولد آدم خمسة نوح وإبراهيم وعيسى وموسى ومحمد صلى الله عليه وسلم وخيرهم محمد صلى الله عليه وسلم وصلى الله وسلم عليهم أجمعين) (قال الحاكم صحيح الإسناد ووافقه الذهبي546).
وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم على ما أخرج البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع وأول مشفع» (مسلم) .
خصائص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
لقد خص الله تبارك وتعالى نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم بكثير من الخصائص والمناقب التي فضله بها على غيره من المرسلين وميزه عن سائر العالمين. ومن هذه الخصائص:
1 - عموم رسالته لكافة الثقلين من الجن والإنس فلا يسع أحدًا منهم إلا اتباعه والإيمان برسالته. قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} (سبأ: 28) . وقال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} (الفرقان: 1) . قال ابن عباس رضي الله عنهما: " العالمين: الجن والإنس ". وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهورًا ومسجدًا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون» (مسلم) . وأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار».
2 - أنه خاتم الأنبياء والمرسلين كما دلت على ذلك النصوص. قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب: 40) . وأخرج الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « (إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتًا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين». ولهذه النصوص أجمعت الأمة سلفًا وخلفًا على هذه العقيدة كما أجمعت على تكفير من ادعى النبوة بعده صلى الله عليه وسلم ووجوب قتل مدعيها إن أصر على ذلك. قال الألوسي: " وكونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين مما نطق به الكتاب، وصدعت به السنة، وأجمعت عليه الأمة، فيكفر مدعي خلافه ويقتل إن أصر ".
3 - أن الله أيده بأعظم معجزة وأظهر آية وهو القرآن العظيم، كلام الله المحفوظ من التغيير والتبديل، الباقي في الأمة إلى أن يأذن الله برفعه إليه. قال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (الإسراء: 88) . وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (العنكبوت: 51) . وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة».
4 - أن أمته خير الأمم وأكثر أهل الجنة. قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (آل عمران: 110) . وعن معاوية بن حيدة القشيري رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في قوله تعالى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110] قال: «إنكم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله» (صححه الحاكم ووافقه الذهبي) . وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال: «كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في قبة فقال: (أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة) . قلنا: نعم. قال: (أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة) . قلنا نعم. قال: (أترضون أن تكونوا شطر أهل الجنة) . قلنا: نعم. قال: (والذي نفس محمد بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر) ».
5 - أنه سيد ولد آدم يوم القيامة. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع وأول مشفع» (مسلم) .
6 - أنه صاحب الشفاعة العظمى وذلك عندما يشفع لأهل الموقف في أن يقضي بينهم ربهم بعد أن يتدافعها أفضل الرسل وهي المقام المحمود المذكور في قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} (الإسراء: 79) . وقد فسر المقام المحمود بالشفاعة جمع من الصحابة والتابعين منهم حذيفة وسلمان وأنس وأبو هريرة وابن مسعود وجابر بن عبد الله وابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم. وقال قتادة: " كان أهل العلم يرون المقام المحمود هو شفاعته يوم القيامة ". وقد دلت السنة كذلك على شفاعته صلى الله عليه وسلم في أهل الموقف كما جاء ذلك في حديث الشفاعة الطويل الذي أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر اعتذار آدم ثم نوح ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى عن قبول الشفاعة وكلهم يقول: (لست هناك) إلى أن قال: «فيأتونني فأنطلق، فأستأذن على ربي فيؤذن لي عليه، فإذا رأيت ربي وقعت له ساجدا فيدعني ما شاء الله أن يدعني، ثم يقال لي: ارفع محمد، قل يسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع فأحمد ربي بمحامد علمنيها ثم أشفع» . .) الحديث.
7 - أنه صاحب لواء الحمد وهو لواء حقيقي يختص بحمله يوم القيامة، ويكون الناس تبعا له وتحت رايته واختص به لأنه حمد الله بمحامد لم يحمده بها غيره. ذكر هذا بعض أهل العلم. وقد دلت السنة على اختصاصه بهذه الفضيلة العظيمة. فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه، إلا تحت لوائي، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر» (أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح) .
8 - أنه صاحب الوسيلة، وهي درجة عالية في الجنة، لا تكون إلا لعبد واحد، وهي أعلى درجات الجنة. فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة صلى عليه الله بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة» (مسلم) .
إلى غير ذلك من خصائصه ومناقبه صلى الله عليه وسلم، الدالة على علو درجته عند ربه، وسمو مكانته في الدنيا والآخرة، وهي كثيرة جدا.
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 22-07-2018, 09:54 AM
  #35
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: أصول الإيمان

حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته
حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته كثيرة وقد تقدم ذكر بعضها فيما يجب على الأمة من حقوق عامة تجاه الرسل قاطبة. وفيما يلي عرض لبعض حقوقه الخاصة على أمته، وهي
1- الإيمان المفصل بنبوته ورسالته واعتقاد نسخ رسالته لجميع الرسالات السابقة. ومقتضى ذلك: تصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع. وقد دلت على ذلك الأدلة من الكتاب والسنة. قال تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا} (التغابن: 8) . وقال تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (الأعراف: 158) . وقال عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (الحشر: 7) . وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله» (البخاري ومسلم) .
2 - وجوب الإيمان بأن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح للأمة، فما من خير إلا ودل الأمة عليه ورغبها فيه، وما من شر إلا ونهى الأمة عنه وحذرها منه. قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة: 3) . وعن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (. . «وأيم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء، ليلها ونهارها سواء» (ابن ماجة) . وقد شهد للنبي بالبلاغ أصحابه في أكبر مجمع لهم يوم أن خطبهم في حجة الوداع خطبته البليغة فبين لهم ما أوجب الله عليهم وما حرم عليهم وأوصاهم بكتاب الله إلى أن قال لهم: «وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون» . قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت. فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: «اللهم اشهد اللهم اشهد ثلاث مرات» (مسلم) . وقال أبو ذر رضي الله عنه: (لقد تركنا محمد صلى الله عليه وسلم وما يحرك طائر جناحيه في السماء إلا أذكرنا منه علما) (رواه احمد) . والآثار في هذا كثيرة عن السلف رحمهم الله.
3 - محبته صلى الله عليه وسلم وتقديم محبته على النفس وسائر الخلق. والمحبة وإن كانت واجبة لعموم الأنبياء والرسل إلا أن لنبينا صلى الله عليه وسلم مزيد اختصاص بها ولذا وجب أن تكون محبته مقدمة على محبة الناس كلهم من الأبناء والآباء وسائر الأقارب بل مقدمة على محبة المرء لنفسه. قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (التوبة: 24) . فقرن الله محبة رسوله صلى الله عليه وسلم بمحبته عز وجل وتوعد من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله - توعدهم بقوله: {فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24] وفي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين». وعن عمر رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك» . فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الآن يا عمر» (البخاري) .
4 - تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره وإجلاله. فإن هذا من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم التي أوجبها الله في كتابه. قال تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} (الفتح: 9) . وقال تعالى: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الأعراف: 157) . قال ابن عباس: " تعزروه: تجلوه. وتوقروه: تعظموه ". وقال قتادة: " تعزروه: تنصروه. وتوقروه: أمر الله بتسويده ". وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (الحجرات: 1) . وقال عز وجل: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} (النور: 63) . قال مجاهد: " أمرهم أن يدعوه يا رسول الله في لين وتواضع ولا يقولوا يا محمد في تجهم ". وقد ضرب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثال في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم. قال أسامة بن شريك: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حوله كأنما على رؤوسهم الطير ". وتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم واجب بعد موته كتعظيمه في حياته. قال القاضي عياض: " واعلم أن حرمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، وتوقيره وتعظيمه، لازم كما كان حال حياته، وذلك عند ذكره صلى الله عليه وسلم، وذكر حديثه وسنته، وسماع اسمه وسيرته، ومعاملة آله وعترته، وتعظيم أهل بيته وصحابته ".
5 - والصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم والإكثار من ذلك كما أمر الله بذلك. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (الأحزاب: 56) . قال المبرد: " أصل الصلاة: الترحم. فهي من الله رحمة. ومن الملائكة رقة واستدعاء للرحمة من الله ". وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا» (مسلم) . وعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «البخيل الذي من ذكرت عنده فلم يصل علي» (قال الترمذي حسن صحيح) . والصلاة والسلام وإن كانت مشروعة في حق الأنبياء كلهم كما تقدم فهي متأكدة في حق نبينا صلى الله عليه وسلم ومن أعظم حقوقه على أمته وهي واجبة عليهم ولذا ذكرناها هنا من جملة حقوقه الخاصة على أمته. وقد صرح العلماء بوجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ونقل بعضهم الإجماع على ذلك. قال القاضي عياض: " اعلم أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فرض على الجملة، غير محدد بوقت لأمر الله تعالى بالصلاة عليه، وحمله الأئمة والعلماء على الوجوب وأجمعوا عليه ".
6 - الإقرار له بما ثبت في حقه من المناقب الجليلة والخصائص السامية والدرجات العالية الرفيعة على ما تقدم بيان بعضها في أول هذا المبحث وغير ذلك مما دلت عليه النصوص. والتصديق بكل ذلك والثناء عليه به ونشره في الناس، وتعليمه للصغار وتنشئتهم على محبته وتعظيمه ومعرفة قدره الجليل عند ربه عز وجل.
7 - تجنب الغلو فيه والحذر من ذلك فإن في ذلك أعظم الأذية له صلى الله عليه وسلم. قال تعالى آمرًا نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخاطب الأمة بقوله: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (الكهف: 110) . وبقوله: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} (الأنعام: 50) .
فأمر اللهّ نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقرر للأمة أنه مرسل من الله ليس له من مقام الربوبية شيء وليس هو بمَلَك إنما يتبع أمر ربه ووحيه. كما حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الغلو فيه والتجاوز في إطرائه ومدحه. ففي صحيح البخاري من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله». والإطراء: هو المدح بالباطل ومجاوزة الحد في المدح ذكره ابن الأثير. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فراجعه في بعض الكلام فقال: ما شاء الله وشئت! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أجعلتني لله ندًّا بل ما شاء الله وحده» (رواه احمد وابن ماجة) . فحذر النبي صلى الله عليه وسلم من الغلو فيه وإنزاله فوق منزلته، مما يختص به الرب عز وجل. وفي هذا تنبيه إلى غير ما ذكر من أنواع الغلو فإن الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم محرم بشتى صوره وأشكاله.
ومن صور الغلو في النبي صلى الله عليه وسلم التي تصل إلى حدّ الشرك، التوجه له بالدعاء فيقول القائل: يا رسول الله افعل لي كذا وكذا. فإن هذا دعاء والدعاء عبادة لا يصح صرفها لغير الله. ومن صور الغلو فيه صلى الله عليه وسلم الذبح له أو النذر له أو الطواف بقبره أو استقبال قبره بصلاة أو عبادة فكل هذا محرم لأنه عبادة وقد نهى الله عن صرف شيء من أنواع العبادة لأحد من المخلوقين فقال عز وجل: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} (الأنعام: 162، 163) .
8 - ومن حقوق النبي صلى الله عليه وسلم محبة أصحابه وأهل بيته وأزواجه وموالاتهم جميعًا والحذر من تنقصهم أو سبهم أو الطعن فيهم بشيء فإن الله قد أوجب على هذه الأمة موالاة أصحاب نبيه وندب من جاء بعدهم إلى الاستغفار لهم وسؤال الله أن لا يجعل في قلوبهم غلا لهم. فقال بعد أن ذكر المهاجرين والأنصار: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (الحشر: 10) . وقال تعالى في حق قرابة رسوله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} (الشورى: 23) . جاء في تفسير الآية: " قل لمن اتبعك من المؤمنين لا أسألكم على ما جئتكم به أجرًا إلا أن تودوا قرابتي ". وأخرج مسلم في صحيحه من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام خطيبًا في الناس فقال: «أما بعد ألا أيها الناس. فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب فيه الهدى والنور. فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به» . فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال: «وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي» (مسلم) . فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى أهل بيته وأن يعرف لهم قدرهم وحقهم، لقربهم منه وشرفهم. كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه خيرًا ونهى عن سبّهم وتنقصهم فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» أخرجه الشيخان. وقد كان من أعظم أصول أهل السنة التي اجتمعت عليه كلمتهم محبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرابته وأزواجه وما كانوا يعدون الطعن فيهم إلا علامة الزيغ والضلال. قال أبو زرعة: " إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله فاعلم أنه زنديق ". وقال الإمام أحمد: " إذا رأيت رجلًا يذكر أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (أي بسوء) فاتهمه على الإسلام ".
فهذه بعض حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته على سبيل الإيجاز والاختصار والله تعالى الهادي لنا ولإخواننا على تأديتها والعمل بها.
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 24-07-2018, 10:31 AM
  #36
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: أصول الإيمان

بيان أن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام حق
دلت السنة على إمكانية رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وأن من رآه في المنام فقد رآه.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من رآني في المنام فقد رآني. فإن الشيطان لا يتمثل بي» أخرجه مسلم. وفي لفظ آخر أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بي» قال البخاري قال ابن سيرين: " إذا رآه في صورته ". وعن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من رآني في النوم فقد رآني فإنه لا ينبغي للشيطان أن يتشبه بي» رواه مسلم.
فدلت الأحاديث على صحة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وأن من رآه فرؤياه صحيحة لأن الشيطان لا يتصور في صورة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنه ينبغي أن يتنبه إلى أن الرؤية الصحيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم هو أن يُرى على صورته الحقيقية المعروفة من صفاته، وإلا فلا تكون الرؤية صحيحة ولذا قال ابن سيرين: " إذا رآه في صورته " كما تقدم النقل عنه من صحيح البخاري. ولذا أورد البخاري قول ابن سيرين بعد ذكر الحديث على سبيل التفسير لمعنى الرؤية في الحديث. ويشهد لهذا ما أخرجه الحاكم من طريق عاصم بن كليب: حدثني أبي قال: قلت لابن عباس رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام. قال: صفه لي. قال: ذكرت الحسن بن علي فشبهته به. قال: إنه كان يشبهه . قال ابن حجر سنده جيد.
وعن أيوب قال: " كان محمد - يعني ابن سيرين - إذا قص عليه رجل أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم قال: صف لي الذي رأيته. فإن وصف له صفة لا يعرفها قال: لم تره " نقله ابن حجر في الفتح وقال: سنده صحيح.
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من رآني في المنام فسيراني في اليقظة» ، فللعلماء في تفسير الرؤية في اليقظة أقوال أشهرها ثلاثة:
الأول: أنها على التشبيه والتمثيل وقد دل على هذا ما جاء في رواية مسلم من حديث أبي هريرة وفيها: «فكأنما رآني في اليقظة» .
الثاني: أنها خاصة بأهل عصره ممن آمن به قبل أن يراه.
الثالث: أنها تكون يوم القيامة. فيكون لمن رآه في المنام مزيد خصوصية على من لم يره في المنام. هذا والله تعالى أعلم.
ختم الرسالة وبيان أنه لا نبي بعده
تقدم الحديث عن هذه المسألة مع ذكر الأدلة عليها عند الحديث عن خصائص النبي صلى الله عليه وسلم وأنه خاتم النبيين والحديث عن ختم الرسالة هنا هو من جانب آخر وهو أثر هذه العقيدة على دين المسلمين وثمرة تقريرها عليهم. فمن ثمار هذه العقيدة:
1 - استقرار التشريع وكمال الدين لدى الأمة وأثر ذلك الكبير في حياة الأمة ولذا امتن الله على هذه الأمة بذلك في قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة: 3) .
وقد كان نزول هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع قبل وفاته بأشهر بعد أن أكمل الله له التشريع. ولذا كان اليهود يغبطون المسلمين على هذه الآية على ما أخرج الشيخان أن رجلا من اليهود جاء إلى عمر رضي الله عنه فقال: (آية في كتابكم تقرؤوها لو نزلت علينا معشر يهود لاتخذنا ذلك اليوم عيدا) . قال وأي آية؟ قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] . وقد أبرز النبي صلى الله عليه وسلم الحقيقة في صورة محسوسة وذلك بتشبيهه الرسالات قبله بقصر أكمل وأحسن بناؤه إلا موضع لبنة، فكانت بعثته موضع تلك اللبنة ختم بها البناء، وفي هذا تقرير ظاهر إلى أنه لم يبق مجال للزيادة في هذا الدين خاصة ولا الرسالات عامة كما أنه لا يمكن الزيادة في ذلك القصر بعد أن اكتمل بناؤه. وقد تقدم الحديث بنصه في المبحث السابق ضمن الحديث عن خصائص النبي صلى الله علي وسلم فليراجع في موضعه .
2 - ثقة الأمة بعدم نسخ هذا الدين وشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ببعثه نبيا آخر " ومعنى ختم النبوة بنبوته عليه الصلاة والسلام أنه لا تبتدأ نبوة ولا تشرع شريعة بعد نبوته وشرعته، وأما نزول عيسى عليه السلام وكونه متصفا بنبوته السابقة فلا ينافي ذلك، على أن عيسى عليه السلام إذا نزل إنما يتعبد بشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم دون شريعته المتقدمة لأنها منسوخة فلا يتعبد إلا بهذه الشريعة أصولا وفروعا ".
3 - القطع بتكذيب كل مدع للنبوة بعده عليه الصلاة والسلام دون نظر أو تأمل، وهذا من أبرز ثمرات الإيمان بعقيدة ختم النبوة التي تحصل بها العصمة للأمة من اتباع من ادعى النبوة من الدجالين الكذابين، ولهذا كان التنبيه على هذا الأمر العظيم هو من أعظم مقاصد النبي صلى الله عليه وسلم في تقريره اعتقاد ختم النبوة به وذلك بإخباره عن خروج كذابين ثلاثين في هذه الأمة كلهم يدعي النبوة ثم تقريره أنه لا نبي بعده تحذيرا للأمة من تصديقهم واتباعهم. كما جاء هذا في حديث ثوبان في الفتن مرفوعا للنبي صلى الله عليه وسلم وفيه: (. . . «وإنه سيكون في أمتي ثلاثون كذابون كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي» (قال الترمذي حديث حسن صحيح) .
4 - ظهور فضل الأمراء والعلماء من هذه الأمة حيث جعل سياسة الأمة في الدين والدنيا لهم بخلاف بني إسرائيل فإنهم كانت تسوسهم الأنبياء. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « (كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء تكثر) . قالوا: فما تأمرنا؟ قال: (فوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم) » (البخاري , ومسلم واللفظ له) . فكان مقام الخلفاء في الأمة مقام الأنبياء في بني إسرائيل في سياسة الناس وقيادتهم. وفي حديث آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» (رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي) . وواقع الأمة يشهد بهذا فلا يزال أمر الدين والدنيا محفوظا بالخلفاء والأمراء والعلماء الذين يسوسون الناس بالشرع، ولا يزال الله تعالى يجدد لهذه الأمة ما اندرس من معالم دينها على مر العصور والدهور بالأئمة المجددين الذين ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، فدين الله بهم قائم غضا طريا على تطاول عهد البعثة وتقادم زمن الرسالة. وذلك فضل الله على هذه الأمة عامة ومن شرفه بهذا المقام خاصة.
وعلى كل حال فعقيدة ختم النبوة وآثارها في الدين من أبرز خصائُص هذه الأمة التي أكسبتها قوة الإيمان بدينها وصدق اليقين به ورسوخ القدم في الثبات عليه، إلى أن يأتي أمر الله.
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 26-07-2018, 12:34 PM
  #37
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: أصول الإيمان

الإسراء بالرسول صلى الله عليه وسلم حقيقته وأدلته
تعريف الإسراء لغة وشرعا: الإسراء في اللغة: من السرى وهو: سير الليل أو عامته. وقيل: سير الليل كله.
ويقال: سريت، وأسريت. ومنه قول حسان:
أسرت إليك ولم تكن تسري
والإسراء إذا أطلق في الشرع يراد به: الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام بمكة إلى بيت المقدس بإيليا ورجوعه من ليلته.
حقيقة الإسراء وأدلته: والإسراء آية عظيمة أيد الله بها النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة حيث أسري به ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى راكبا على البراق بصحبة جبريل عليه السلام حتى وصل بيت المقدس، فربط البراق بحلقة باب المسجد، ثم دخل المسجد وصلى فيه بالأنبياء إماما، ثم جاءه جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن فاختار اللبن على الخمر فقال له جبريل: هديت للفطرة. وقد دل على الإسراء الكتاب والسنة.
قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الإسراء: 1) .
ومن السنة حديث أنس بن مالك الذي أخرجه مسلم في صحيحه من طريق ثابت البناني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أتيت بالبراق " وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه " قال: فركبته حتى أتيت بيت المقدس. قال: فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء، قال: ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين، ثم خرجت فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن فاخترت اللبن. فقال جبريل صلى الله عليه وسلم: اخترت الفطرة». ثم ذكر بقية الحديث وعروجه إلى السماء. وقد دل على الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث منها ما جاء في الصحيحين ومنها ما جاء في السنن وغيرها وقد رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، جمع من الصحابة نحو الثلاثين رجلا ثم تناقلها عنهم مالا يحصي عدهم إلا الله من رواة السنة وأئمة الدين.
وقد اتفقت كلمة علماء المسلمين سلفا وخلفا وانعقد إجماعهم على صحة الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه حق. نقل الإجماع على ذلك القاضي عياض في (الشفاء) والسفاريني في (لوامع الأنوار) . والإسراء كان بروح النبي صلى الله عليه وسلم وجسده، يقظة لا مناما. فهذا هو الذي دلت عليه النصوص الصحيحة وعليه عامة الصحابة وأئمة أهل السنة والمحققين من أهل العلم.
قال ابن أبي العز الحنفي: (وكان من حديث الإسراء: أنه أسري بجسده في اليقظة على الصحيح من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى. .) . وقال القاضي عياض مقررا أن هذا هو الذي عليه عامة أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم: (وذهب معظم السلف والمسلمين إلى أنه إسراء بالجسد وفي اليقظة، وهذا هو الحق، وهو قول ابن عباس وجابر، وأنس، وحذيفة، وعمر، وأبي هريرة، ومالك بن صعصعة، وأبي حبة البدري، وابن مسعود، والضحاك، وسعيد بن جبير، وقتادة، وابن المسيب، وابن شهاب، وابن زيد، والحسن، وإبراهيم، ومسروق، ومجاهد، وعكرمة، وابن جريج، وهو دليل قول عائشة، وهو قول الطبري وابن حنبل وجماعة عظيمة من المسلمين، وقول أكثر المتأخرين من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين والمفسرين) .
وقال أحد المحققين الأفذاذ في نقده لقول من زعم أن الإسراء مرتان: (والصواب الذي عليه أئمة النقل أن الإسراء كان مرة واحدة بمكة بعد البعثة. ويا عجبا لهؤلاء الذين زعموا أنه مرارا كيف ساغ لهم أن يظنوا أنه في كل مرة تفرض عليه الصلاة خمسين ثم يتردد بين ربه وبين موسى حتى تصير خمسا ثم يقول: (أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي) ثم يعيدها في المرة الثانية إلى خمسين، ثم يحطها عشرا عشرا) .
المعراج وحقيقته
الحديث عن المعراج هو قرين الحديث عن الإسراء في النصوص وكلام أهل العلم ولذا كان من المناسب التعريف به تتميما للفائدة.
والمعراج: مفعال من العروج. أي الآلة التي يعرج فيها، أي يصعد. وهو منزلة السلم لكن لا نعلم كيفيته. والمقصود بالمعراج عند الإطلاق في الشرع: هو صعود النبي صلى الله عليه وسلم بصحبة جبريل عليه السلام من بيت المقدس إلى السماء الدنيا ثم باقي السماوات إلى السماء السابعة ورؤية الأنبياء في السماوات على منازلهم وتسليمه عليهم وترحيبهم به، ثم صعوده إلى سدرة المنتهى، ورؤيته جبريل عندها على الصورة التي خلقه الله عليها، ثم فرض الله عليه الصلوات الخمس تلك الليلة وتكليم الله له بذلك ثم نزوله إلى الأرض. وكان المعراج ليلة الإسراء على الصحيح.
وقد دلت الأدلة من الكتاب والسنة على المعراج. أما الكتاب فقد جاء فيه ذكر بعض الآيات العظيمة التي حصلت للنبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج كقوله تعالى: {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى - وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى - عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى - عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى - إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى - مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى - لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} (النجم: 12-18) . فذكر الله تعالى في هذا السياق الآيات العظيمة التي أكرم بها رسوله صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج كرؤيته جبريل عليه السلام عند سدرة المنتهى، ورؤيته سدرة المنتهى وقد غشاها ما غشاها من أمر الله. قال ابن عباس ومسروق " غشيها فراش من ذهب ".
وقد جاء في السنة خبر المعراج مفصلا في أكثر من حديث منها حديث أنس المتقدم في قصة الإسراء والذي سبق نقل ما يتعلق بالإسراء منه ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ثم عرج بنا إلى السماء فاستفتح جبريل. فقيل: من أنت؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه. ففتح لنا فإذا أنا بآدم فرحب بي ودعا لي بخير» . (ثم ذكر عروجه إلى السماوات وملاقاته الأنبياء إلى أن قال) : «ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى وإذا ورقها كآذان الفيلة، إذا ثمارها كالقلال. قال: فلما غشيها من الله ما غشيها تغيرت. فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها. فأوحى الله إلي ما أوحى. ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة، فنزلت إلى موسى صلى الله عليه وسلم. فقال: ما فرض ربك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة. قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيقون ذلك، فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم. قال: فرجعت إلى ربي. فقلت: يا رب خفف على أمتي. فحط عني خمسا. فرجعت إلى موسى. فقلت: حط عني خمسا. قال: إن أمتك لا يطيقون ذلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف. قال: فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موسى عليه السلام حتى قال: يا محمد. إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر فذلك خمسون صلاة» . .) الحديث. أخرجه مسلم وقد جاء خبر المعراج بألفاظ متقاربة من حديث مالك بن صعصعة وأبي ذر وابن عباس في الصحيحين وغيرهما.
تنبيه
الإسراء والمعراج من الآيات العظيمة التي أكرم الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم والواجب على المسلم اعتقاد صحتهما وأنهما منقبتان عظيمتان اختص الله بهما نبينا صلى الله عليه وسلم من بين الرسل ولا يشرع للمسلم الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج كما لا تشرع لهما صلاة خاصة كما يفعله بعض عوام المسلمين، بل كل ذلك بدع منكرة لم يشرعها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعلها أحد من السلف ولم يقل بها أحد ممن يقتدي به في العلم.
وقد بين العلماء من أهل السنة أن صلاة ليلة سبع وعشرين من شهر رجب وأمثالها: (من البدع التي أحدثت في دين الله، وأنه عمل غير مشروع باتفاق أئمة الإسلام ولا ينشئ مثل هذا إلا جاهل مبتدع) . وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» (رواه مسلم) أي مردود عليه.
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 30-07-2018, 02:05 PM
  #38
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: أصول الإيمان

القول في حياة الأنبياء عليهم السلام
دلت الأدلة على موت الأنبياء إلا ما وردت النصوص باستثنائه كعيسى عليه السلام فإنه لم يمت بعد وإنما رفع إلى الله تعالى حيا على ما سيأتي بيانه.
فمن الأدلة على موت الأنبياء قوله تعالى: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ} (البقرة: 133) . وقال تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا} (غافر: 34) . وقال تعالى عن سليمان عليه السلام: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ} (سبأ: 14) . وقال تعالى مخاطبا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} (الزمر: 30) . قال بعض المفسرين نعيت للنبي صلى الله عليه وسلم نفسه ونعيت إليهم أنفسهم ففي الآية الإعلام للصحابة بأنه يموت. وقال تعالى مخبرا عن موت كل نفس مخلوقة: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} (آل عمران: 185) .
فدلت هذه الآيات على موت الأنبياء وأنهم يموتون كما يموت بقية البشر إلا ما أخبر به الله عز وجل عن عيسى عليه السلام من رفعه إليه كما قال تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} (آل عمران: 55) . فدلت الآية على رفع الله تعالى لعيسى بجسده وروحه إلى السماء وأنه لم يمت، وأما الوفاة المذكورة في الآية في قوله تعالى {مُتَوَفِّيكَ} [آل عمران: 55] فقد جاء في تفسير الآية أن: " توفيه هو رفعه إليه "، وإلى ذلك ذهب ابن جرير الطبري. وأكثر المفسرين على أن الوفاة المذكورة هي النوم، كما قال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} (الزمر: 42) .
فتقرر بهذا أن عيسى حي الآن في السماء لم يمت، وقد أخبر الله عن موته قبل قيام الساعة. قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} (النساء: 159) . والموت المذكور هنا هو موت عيسى عليه السلام في آخر الزمان بعد أن ينزل من السماء فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة في نزول عيسى في آخر الزمان وقد جاءت تلك الأحاديث في الصحيحين وغيرهما.
وممن قيل إنه لم يمت من الأنبياء إدريس عليه السلام، فقد ذكر بعض أهل العلم أنه لم يمت وإنما رفعه الله كما رفع عيسى عليه السلام واستدلوا لذلك بقوله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا - وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} (مريم: 56، 57) . فعن مجاهد قال: إدريس رفع فلم يمت كما رفع عيسى. وعن ابن عباس قال: رفع إلى السماء فمات بها. وقال آخرون: رفع إلى السماء الرابعة والعلم في ذلك عند الله تعالى. وإنما القصد حصول الخلاف بين أهل العلم في موت إدريس من عدمه، هذا مع القطع بأنه إن لم يمت فلا بد أن يموت لعموم قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: 185]
وأما ما عدا عيسى وإدريس عليهما السلام من الرسل فلم يقل أحد من أهل العلم المعتد بقولهم في الأمة بحياة أحد منهم لما تقدم من النصوص وللواقع المشاهد من موتهم. لكن جاء في بعض النصوص ما أشكَل فهمه
على البعض في هذا الباب مثل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث المعراج من رؤيته لبعض الرسل في السماء وتكليمه لهم على ما جاء في حديث أنس الذي أخرجه الشيخان وفيه: «ثم عرج بنا إلى السماء فاستفتح جبريل فقيل: من أنت؟ قال جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد بعث إليه. . قال: قد بعث إليه، ففتح لنا. فإذا أنا بآدم، فرحب بي ودعا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل عليه السلام فقيل: من أنت؟ قال جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد بعث إليه. قال: قد بعث إليه، ففتح لنا. فإذا أنا بابني الخالة عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا صلوات الله عليهما. فرحبا بي ودعوا لي بخير» (البخاري ومسلم) إلى آخر الحديث وقد ذكر فيه رؤيا يوسف في السماء الثالثة وإذا هو أعطي شطر الحسن ورؤياه إدريس في السماء الرابعة وهارون في السماء الخامسة وموسى في السماء السادسة ورؤيته إبراهيم في السماء السابعة مسندا ظهره إلى البيت المعمور وأنهم كلهم رحبوا به ودعوا له بخير.
ومثل ما جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «رأيت ليلة أسري بي موسى رجلا آدم طوالا كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى رجلا مربوعا مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس» . . .) (البخاري ومسلم) الحديث.
ففهم بعض الناس من هذه النصوص ومن غيرها مما يماثلها عدم موت الأنبياء فاستدلوا بها على ما اعتقدوه من حياة الأنبياء. والحق أن الأنبياء ماتوا إلا ما وردت به النصوص في حق عيسى عليه السلام وما اختلف فيه من أمر إدريس عليه السلام. وأما من عداهما فقد دلت النصوص على موتهم قطعا ولا شك في ذلك. وقد سبق نقل الأدلة عليه. وأما ما جاء في الأحاديث من إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم عن رؤية الرسل ليلة المعراج وما جاء في معناه من النصوص الأخرى فحق ولا تعارض بين النصوص في ذلك. وذلك أن الذي رآه الرسول صلى الله عليه وسلم هي أرواح الرسل مصورة في صور أبدانهم، وأما أجسادهم فهي في الأرض إلا من جاءت النصوص برفعهم، وهذا هو الذي عليه الأئمة المحققون من أهل السنة.
قال أحد الأئمة الراسخين في تحقيق هذه المسألة: (وأما رؤيته غيره من الأنبياء ليلة المعراج في السماء لما رأى آدم في السماء الدنيا، ورأى يحيى وعيسى في السماء الثانية، ويوسف في الثالثة وإدريس في الرابعة، وهارون في الخامسة، وموسى في السادسة، وإبراهيم في السابعة، أو بالعكس، فهذا رأي أرواحهم مصورة في صور أبدانهم. قد قال بعض الناس: لعله رأى نفس الأجساد المدفونة في القبور، وهذا ليس بشيء. لكن عيسى صعد إلى السماء بروحه وجسده، وكذلك قيل في إدريس. وأما إبراهيم وموسى، وغيرهما فهم مدفونون في الأرض) .
وعلى أنه ينبغي أن يقرر هنا أن الله تعالى كما أكرم رسله برفع أرواحهم إلى السماء فهي تنعم على ما شاء الله فإنه حفظ أجسادهم في الأرض، وحرم على الأرض أن تأكل أجسادهم على ما ثبت ذلك من حديث أوس بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي» . فقالوا: يا رسول الله. وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ قال: يقول: بليت. قال: «إن الله عز وجل حرم على الأرض أجساد الأنبياء» (قال الإمام النووي إسناده صحيح.
) .
وبهذا يتبين الحق في هذه المسألة المهمة وما يجب على المسلم اعتقاده فيها والله تعالى أعلم.
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 09-08-2018, 09:00 AM
  #39
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: أصول الإيمان

معجزات الأنبياء والفرق بينها وبين كرامات الأولياء
التعريف بالمعجزة
المعجزة: مأخوذة من العجز. وهو عدم القدرة.
جاء في القاموس: ومعجزة النبي صلى الله عليه وسلم ما أعجز به الخصم عند التحدي والهاء للمبالغة.
والمعجزة في الاصطلاح: أمر خارق للعادة يجري على أيديَ الأنبياء للدلالة على صدقهم مع سلامة المعارضة.
فقولنا: خارق للعادة: أخرج ما ليس بخارق للعادة مثل ما يصدر من الأنبياء من الأفعال والأحوال الطبيعية فهي ليست بمعجزات. وقولنا: يجري على أيدي الأنبياء: أخرج الأمور الخارقة التي تجري على أيدي الأولياء فهي ليست بمعجزات وإنما هي كرامات، لمتابعتهم للأنبياء ويخرج من باب أولى ما يأتي به السحرة والكهان من الشعبذة فهذه لا تصدر إلا من شرار الخلق. وقولنا للدلالة على صدقهم مع سلامة المعارضة: أخرج ما يدعيه المتنبئون الكذابون من الأمور الخارقة وكذلك السحرة فإنها لا تسلم من المعارضة بل يعارضها أمثالهم من السحرة لأنها من قبيل السحر والشعبذة.
أمثلة لبعض معجزات الأنبياء: ومعجزات الأنبياء كثيرة:
فمن معجزات صالح عليه السلام أن قومه طلبوا منه أن يخرج لهم من صخرة عينوها له ناقة ثم حددوا صفات الناقة فدعا ربه بذلك فأمر الله تلك الصخرة أن تنفطر عن ناقة عظيمة على الوجه الذي طلبوا (تفسير ابن كثير (3 / 436) . يقول الله تعالى في ذلك: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (الأعراف: 73) .
ومن معجزات إبراهيم عليه السلام جعل الله النار التي أشعلها قومه لتعذيبه وإهلاكه ثم ألقوه فيها بردا وسلاما عليه. قال تعالى: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ - قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ - وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} (الأنبياء: 68- 70) .
ومن معجزات موسى عليه السلام العصا التي كانت تتحول إلى حية عظيمة إذا ألقاها إلى الأرض. قال تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى - قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى - قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى - فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى - قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى} (طه: 17- 21) . ومن معجزات موسى أيضا أنه كان يدخل يده في درع قميصه ثم يخرجها فإذا هي بيضاء تتلألأ كالقمر من غير سوء. قال تعالى: {وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى} (طه: 22) .
ومن معجزات عيسى عليه السلام أنه يصنع من الطين ما يشبه الطيور ثم ينفخ فيها فتكون طيورا بإذن الله، ويمسح الأكمه -وهو الأعمى- والأبرص فيبرآن بإذن الله، وينادي الموتى في قبورهم فيجيبون بإذن الله. قال تعالى: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي} (المائدة: 110) .
ومن معجزات نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم القرآن العظيم وهو أعظم معجزات الرسل على الإطلاق. قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (البقرة: 23) . وقال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} (الإسراء: 88) . ومن معجزاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم انشقاق القمر عندما سأل أهل مكة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم آية فانشق القمر شقين فرآه أهل مكة ورآه غيرهم. قال تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ - وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} (القمر: 1، 2) . ومن معجزاته عليه الصلاة والسلام الإسراء والمعراج. قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} (الإسراء: 1) .
ومعجزات الرسل كثيرة خصوصا معجزات نبينا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم فإن الله أيده بكثير من الآيات والبراهين التي لم تجتمع لنبي قبله وما سقته هنا إنما هو للتمثيل فقط.
التعريف بالكرامة
الكرامة: أمر خارق للعادة غير مقرون بدعوى النبوة ولا هو مقدمة لها تظهر على يد عبد ظاهر الصلاح مصحوب بصحيح الاعتقاد والعمل الصالح.
فقولنا: أمر خارق للعادة: أخرج ما كان على وفق العادة من أعمال.
وغير مقرون بدعوى النبوة: أخرج معجزات الأنبياء.
ولا هو مقدمة لها: أخرج الإرهاص وهو كل خارق تقَدم النبوة.
ويظهر على يد عبد ظاهر الصلاح: أخرج ما يجري على أيدي السحرة والكهان فهو سحر وشعبذة.
وكرامات الأولياء كثيرة منها ما ثبت في حق بعض الصالحين من الأمم الماضية. ومن ذلك ما أخبر الله به عن مريم عليها السلام. قال تعالى: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} (آل عمران: 37) .
ومنها: ما أخبر الله به عن أهل الكهف على ما قص الله ذلك في كتابه.
ومن كرامات الأولياء من هذه الأمة ما ثبت في حق أسيد بن حضير رضي الله عنه أنه كان يقرأ سورة الكهف فنزل من السماء مثل الظلة فيها أمثال السرج وهي الملائكة نزلت لقراءته. وكانت الملائكة تسلم على عمران بن حصين رضي الله عنه. وكان سلمان وأبو الدرداء رضي الله عنهما يأكلان في صحفة فسبحت الصحفة أو سبح ما فيها. وخبيب بن عدي رضي الله عنه كان أسيرا عند المشركَين بمكة شرفها الله تعالى وكان يؤتى بعنب يأكله وليس بمكة عنبة.
ومر العلاء الحضرمي رضي الله عنه بجيشه فوق البحر على خيولهم فما ابتلت سروج خيولهم. ووقع أبو مسلم الخولاني رحمه الله في أسر الأسود العنسي لما ادعى النبوة فقال له: أتشهد أني رسول الله؟ قال: ما أسمع. قال: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم. فأمر بنار فألقي فيها فوجدوه يصلي فيها وقد صارت بردا وسلاما، وغير ذلك كثير مما هو منقول في كتب السير والتاريخ.
الفرق بين المعجزة والكرامة
الفرق بين المعجزة والكرامة: أن المعجزة تكون مقرونة بدعوى النبوة. بخلاف الكرامة فإن صاحبها لا يدعي النبوة وإنما حصلت له الكرامة باتباعَ النبي والاستقامة على شرعه. فالمعجزة للنبي والكرامة للولي. وجماعهما الأمر الخارق للعادة.
وذهب بعض الأئمة من العلماء: إلى أن كرامات الأولياء في الحقيقة تدخل في معجزات الأنبياء لأن الكرامات إنما حصلت للولي باتباع الرسول، فكل كرامة لولي هي من معجزات رسوله الذي يعبد الله بشرعه.
ومن هذا يتبين أن إطلاق المعجزة على خوارق الأنبياء والكرامة على خوارق الأولياء معنيان اصطلاحيان ليسا موجودين في الكتاب والسنة وإنما اصطلح عليهما العلماء فيما بعد وإن كانا في مدلولهما يرجعان إلى ما تقرر في النصوص من الحق.
حكم الإيمان بالمعجزات والكرامات: الإيمان بمعجزات الأنبياء وكرامات الأولياء أصل من أصول الإيمان دلت عليه نصوص الكتاب والسنة والواقع المشاهد فيجب على المسلم اعتقاد صحة ذلك وأنه حق. وإلا فالتكذيب بذلك أو إنكار شيء منه رد للنصوص ومصادمة للواقع وانحراف كبير عما كان عليه أئمة الدين وعلماء المسلمين في هذا الباب. والله تعالى أعلم.
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 11-08-2018, 11:01 AM
  #40
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: أصول الإيمان

الولي والولاية في الإسلام
تعريف الولي والولاية
الولاية: ضد العداوة. وأصل الولاية: المحبة والقَرب. وأصل العداوة: البغض والبعد.
والولاية في الاصطلاح: هي القرب من الله بطاعته.
والولي في الشرع: هو من اجتمع فيه وصفان: الإيمان والتقوى. قال تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ - الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} (يونس: 62، 63) .
تفاضل الأولياء: وإذا كان أولياء الله هم المؤمنون المتقون فبحسب إيمان العبد وتقواه تكون ولايته لله تعالى فمن كان أكمل إيمانا وتقوى كان أكمل ولاية لله. فالناس يتفاضلون في ولاية الله بحسب تفاضلهم في الإيمان والتقوى.
وأفضل أولياء الله هم أنبياؤه، وأفضل أنبيائه هم المرسلون منهم، وأفضل المرسلين أولو العزم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وأفضل أولي العزم محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم - على ما تقدم ذلك في موضعه - ثم إبراهيم عليه السلام. ثم اختلف الناس في المفاضلة بين الثلاثة الباقين.
أقسام أولياء الله: وأولياء الله على قسمين:
القسم الأول: سابقون مقربون.
القسم الثاني: أصحاب يمين مقتصدون.
وقد ذكرهم الله تعالى في عدة مواضع من كتابه. قال تعالى: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ - لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ - خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ - إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا - وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا - فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا - وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً - فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ - وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ - وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ - أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ - فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} (الواقعة: 1- 12) .
فذكر ثلاثة أصناف. صنفا في النار وهم أصحاب الشمال وصنفين في الجنة وهما: أصحاب يمين وسابقون مقربون. وقد ذكرهما أيضا في آخر هذه السورة وهي سورة الواقعة فقال: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ - فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ - وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ - فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} (الواقعة: 88- 91) . وقد ذكر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم عمل القسمين في حديث الأولياء المشهور وهو حديث قدسي يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه وقد أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذيَ يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه». فالأبرار أصحاب اليمين هم المتقربون إليه تعالى بالفرائض، يفعلون ما أوجب الله عليهم ويتركون ما حرم الله عليهم، ولا يكلفون أنفسهم بالمندوبات ولا الكف عن فضول المباحات. وأما السابقون المقربون فتقربوا إليه تعالى بالنوافل بعد الفرائض ففعلوا الواجبات والمستحبات وتركوا المحرمات والمكروهات فلما تقربوا إلى الله بجميع ما يقدرون عليه من محبوباتهم أحبهم الرب حبا تاما وعصمهم من الذنوب واستجاب دعاءهم كما قال تعالى: «ولا يزال عبديَ يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه» . .) إلى آخر ما ذكر في الحديث.
لا يختص أولياء الله بلباس ولا هيئة: وأولياء الله لا يتميزون عن غيرهم من الناس في الظاهر بلباس ولا بهيئة على ما هو مقرر عند أهل العلم والتحقيق من أهل السنة.
قال بعض الأئمة المصنفين في الأولياء: (وليس لأولياء الله شيء يتميزون به عن الناس في الظاهر من الأمور المباحات، فلا يتميزون بلباس دون لباس إذا كان مباحا، ولا بحلق شعر أو تقصيره أو ضفره إذا كان مباحا. كما قيل كم من صديق في قباء، وكم من زنديق في عباء، بل يوجدون في جميع أصناف أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلِّم إذا لم يكونوا من أهل البدع الظاهرة والفجور، فيوجدون في أهل القرآن، وأهل العلم، يوجدون في أهل الجهاد والسيف، ويوجدون في التجارة والصناع والزراع) .
بطلان ما قد يعتقد فيهم من الغلو
وأولياء الله ليسوا معصومين ولا يعلمون الغيب وليس لهم قدرة على التصرف في الخلق والرزق ولا يدعون الناس إلى تعظيمهم أو صرف شيء من الأموال والعطايا لهم ومن فعل ذلك فليس بولي لله بل كذاب أفاك ولي للشيطان. والله تعالى أعلم.
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:11 PM.


images