هندسة التأثير.. ماذا؟ ولماذا؟ الجزء الثاني - منتدى عالم الأسرة والمجتمع
logo

الملاحظات

مساحة مفتوحة موضوعات ونقاشات علمية، وثقافية، وفكرية، واجتماعية.

موضوع مغلق
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 15-07-2008, 05:33 AM
  #1
cutiepie
كبار شخصيات المنتدى
تاريخ التسجيل: Mar 2008
المشاركات: 3,918
cutiepie غير متصل  
هندسة التأثير.. ماذا؟ ولماذا؟ الجزء الثاني



نكمل باذن الله ما تبقى من هندسة التأثير.. ماذا؟ ولماذا؟

رابط الموضوع الاول

هندسة التأثير.. ماذا؟ ولماذا؟ الجزء الاول

الحلقة الخامسة :

التأثير ومنهج ابن اليمان
د. علي الحمادي

إن هندسة التأثير أمر متاح للجميع، ولكن لها مستلزمات ومتطلبات، ومن مستلزماتها أن يقتنع الإنسان أنه قادر على ذلك، وأن تكون رؤيته لنفسه ولمستقبله واضحة جلية لديه، وأن يتخذ قراراً حازماً للوصول إليها، وأن يبدأ المشوار بجد واجتهاد، وقبل هذا وذاك أن يتوكل على الله ويستعين به.
إننا جميعاً مدعوون إلى التسابق في هذا المضمار، إذ إنه مضمار خير ونفع للفرد والمجتمع، بل وللبشرية بأسرها، وصدق خالق السماوات والأرض إذ يقول: (سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) (21)(الحديد).
ويقول الله تعالى: (وعجلت إليك رب لترضى) 84(طه).

ويقول الشاعر:
دعي نفسي التكاسل والتواني
وإلا فاثبتي في ذا الهوان
فلم أر للكسالى الحظ يُعطي
سوى ندم وحرمان الأماني
ويقول الشاعر وهو يوصي ابنه جبيلاً:
أجبيل إن أباك كارب يومه
فإذا دعيت إلى العظائم فاعجل
أوصيك إيصاء امرئ لك ناصح
طبن بريب الدهر غير مغفل
ويُحسن بنا الإشارة إلى أهم العوائق التي تحول بين المرء وبين إحداث تأثير نافع فذّ في هذه الحياة، وذلك للتحذير منها والتنبيه إلى خطورتها وكذلك إلى ضرورة التخلص منها ومعالجتها، متخذين في ذلك منهج الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان الذي كان يسأل عن الشر، لا حباً فيه وإنما رغبة في الحذر والتحذير منه، حتى لا يقع هو فيه أو يُبتلى فيه أحد المسلمين.
فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: "نعم"، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: "نعم، وفيه دخن"، قلت: وما دخنه؟ قال: "قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر"، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شرّ؟ قال: "نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها"، قلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال: "هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا"، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: "انظر جماعة المسلمين وإمامهم"، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: "فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك".
ويقول الشاعر:
عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه
ومن لا يعرف الخير من الشر يقع فيه
أما بخصوص عوائق التأثير والعقبات التي يمكن أن تعترضه فهي كثيرة، ولكن أهمها عشرون وهي:

1 عدم توفيق الله تعالى، ومن حُرم توفيق الله تعالى فقد وُكل إلى نفسه، ومن وكل إلى نفسه خاب وخسر.
2 التردد وعدم الحزم في اتخاذ القرارات اللازمة لصناعة التأثير.
3 الخوف من المجهول أو من الآثار المتوقعة لصناعة التأثير.
4 عدم الاقتناع بأهمية وضرورة أن يكون الإنسان مؤثراً وصانعاً للحياة.
5 ضعف الهمة وانعدام الطموح.
6 الخجل من مزاحمة المؤثرين أو المساعدين على التأثير وعدم ولوج مجالسهم ومنتدياتهم، والابتعاد عن محاورتهم ومناقشتهم.
7 الشعور بالنقص والدونية.
8 الاستسلام للفشل، وانعدام نفسية التحدي، وعدم المثابرة حتى آخر رمق.
9 القناعة المزيفة التي تؤدي بصاحبها إلى الرضى بالدون.
10 مجالسة الكسالى والتأثر بهم.
11 عدم المحاولة، والبعد عن التجريب.
12 التعود على الإمعية والتبعية وتربية الذات "أو الجيل" عليها.
13 القهر والاستبداد وكتم أنفاس البشر وعدم ترك المجال لهم للتعبير عن آرائهم وقناعاتهم.
14 الجهل وعدم تطوير الذات، مما يحول دون فهم وإدراك مجالات التأثير وأدواته وفرصه وأساليبه وطرقه ووسائله.
15 اليأس والإحباط من الواقع الخاص أو العام.
16 انعدام الجدية، والتعامل مع الحياة بصورة مائعة هزلية.
17 الاهتمام بصغائر الأمور وإهمال عظائمها.
18 الاستعجال في قطف الثمرة، والتسرع في إصدار الأحكام على الأشخاص أو القضايا وعدم القدرة على استيعاب الأوضاع والتكيف مع المستجدات بشيء من التعقل والتروي والأناة.
19 التربية الخاطئة وضيق الصدر.
20 الحماقة وقلة العقل، وصدق من قال:
لكل داء دواء يستطب به
إلا الحماقة أعيت من يداويها



يتبع
__________________
اللهم احفظ اخي و ارفع عنه..و اكشف ضره..و اعده الينا سالماً معافى..عاجلاً غير آجل..

و احفظ اهل بيتي من كل سوء...

يا حي يا قيوم برحمتك استغيث..
حسبي الله و نعم الوكيل..
لا تنسونا من الدعاء..

التعديل الأخير تم بواسطة cutiepie ; 15-07-2008 الساعة 05:40 AM
قديم 15-07-2008, 05:33 AM
  #2
cutiepie
كبار شخصيات المنتدى
تاريخ التسجيل: Mar 2008
المشاركات: 3,918
cutiepie غير متصل  
الحلقة السادسة :

رجل.. ونصف رجل.. ولا شيء

د. علي الحمادي


من الطرق السهلة التي يمكنك بها هندسة التأثير أن تستفيد من شخص مؤثر، وذلك بالالتصاق به والاستفادة من علمه وموقعه ومهاراته وحماسه والفنون التي يجيدها وكذلك من آرائه واقتراحاته، فالصاحب ساحب، "والمرء على دين خليله".
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة".
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
فكل قرين بالمقارن يقتدي
وقيل: "الناس: رجل، ونصف رجل، ولا شيء، فالرجل من له رأي صائب ويشاور، ونصف الرجل من له رأي صائب ولا يشاور أو يشاور ولا رأي له، ولا شيء هو من لا رأي له ولا يشاور".

ولقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم كثير من الأصحاب الذين تربطهم به علاقات قوية، ولكن نفراً منهم التصق به التصاقاً قوياً حتى كان بعضهم لا يفارقه إلا حين النوم، ولذا كانت أكثر الأحاديث التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم رواها هؤلاء الملتصقون به كأبي هريرة وعبدالله بن مسعود وعبدالله بن عمر وغيرهم رضي الله عنهم جميعاً.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: إنكم تقولون: إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم! وتقولون: ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون مثله! وإن إخواني المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وكان إخواني من الأنصار يشغلهم عمل أموالهم، وكنت امرءاً مسكيناً من مساكين الصفة، ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني، فأحضر حين يغيبون، وأعي حين ينسون، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث يحدثه يوماً: "إنه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضي جميع مقالتي ثم يجمع إليه ثوبه، إلا وعى ما أقوله"، فبسطت نمرة عليَّ، حتى إذا قضى مقالته، وجمعتها إلى صدري، فما نسيت من مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك من شيء".
وهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي كان من أكثر الصحابة التصاقاً برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من السابقين الأولين، ومن النجباء العالمين، شهد بدراً، وهاجر الهجرتين، ومناقبه غزيرة وروى علماً كثيراً. عن مسروق قال: قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيمن نزلت، ولو أعلم أحداً أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه.
وهناك كثير من العلماء من جمهور التابعين وتابعيهم كانوا أشد الناس حرصاً على الالتصاق بشيوخهم، ليأخذوا عنهم الحديث والفقه واللغة والأدب وغيرها من العلوم والفنون.
فقد وصل عدد شيوخ الإمام محمد بن إسماعيل البخاري الذين كتب عنهم (1080) شيخاً، منهم أحمد بن حنبل، ومحمد بن عيسى الطباع، وإسحاق بن منصور. وأما عن تلاميذه الذين التصقوا به فعلى رأسهم الإمام مسلم، والترمذي، وابن خزيمة، والبغوي والنسفي.وكذا الإمام مسلم فقد وصل عدد شيوخه إلى أكثر من (220) شيخاً، منهم: الإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، ويحيى ابن معين، والدارمي، والبخاري، وابن حميد. وأما عن تلاميذه الذين لازموه وأخذوا عنه فهم كثير، منهم: الفراء، وأبوحاتم الرازي، وابن خزيمة، والترمذي.
ورغم أهمية الاتصال بهؤلاء المؤثرين والالتصاق بهم إلا أنه ينبغي لصانع التأثير ألا يذوب فيهم، وألا يفقد شخصيته عندهم، وألا يكون كالميت بين يدي المغسِّل، وألا ينسى هدفه الرئيس الذي من أجله التصق بهم، وإنما عليه أن يستثمر صلته بهم من أجل تفعيل مشروعه التأثيري النافع وتسريعه وإنجازه بيسر.
لما قدم السلطان عبدالعزيز مصر، وزار الجامع الأزهر، صحبه الخديوي إسماعيل فلحظ الخديوي على شيخ بالجامع كأنه غير مهتم، فهو مسند ظهره، ماد رجله، فأسرع بالسلطان عنه، ثم كلف أحد رجاله أن يذهب له بصرة، يريد أن يعرف حاله، فلما جاء الرسول ليعطيه قبض الشيخ عنه يده، وقال له: قل لمن أرسلك: إن من يمد رجله لا يمد يده.
ويقول روبرت غرين: ابق مترفعاً وسيأتي الناس إليك، إذ سيصبح كسب عواطفك نوعاً من التحدي لهم، وما دمت تقلّد الملكة العذراء وتذكي آمالهم فإنك ستظل مغناطيساً يجتذب الاهتمام والرغبة.
وعند حديثنا عن هذا النوع من الاستثمار فإننا لا نقصد به استغلال هؤلاء المؤثرين لمصالح شخصية محدودة وإنما استثمارهم لمصلحة الأمة، خاصة ونحن عندما نتكلم عن صناعة التأثير وهندسة الحياة فإننا نقصد به التأثير الإيجابي النافع لا التأثير السلبي الضار.
وهنا نقول: إذا أردت أن تكون خطيباً مؤثراً فالتصق بخطيب مؤثر واستفد من أسلوبه وأخلاقه وحماسه، ولكن لا تكن نسخة طبق الأصل منه، لأن الناس لا يحترمون التقليد وإنما يحترمون الأصل ويقدرونه، ولذا يحسن بك تجنب نواقص هذا الخطيب وأخذ أفضل ما عنده، ومن ثمَّ إضافة شيء من عندك لتتميز به عنه، فيكون لك طعمك الخاص ولونك الفاقع ورائحتك المميزة، وقس على ذلك بالنسبة للالتصاق بالأنواع الأخرى من المؤثرين.



يتبع
__________________
اللهم احفظ اخي و ارفع عنه..و اكشف ضره..و اعده الينا سالماً معافى..عاجلاً غير آجل..

و احفظ اهل بيتي من كل سوء...

يا حي يا قيوم برحمتك استغيث..
حسبي الله و نعم الوكيل..
لا تنسونا من الدعاء..
قديم 15-07-2008, 05:35 AM
  #3
cutiepie
كبار شخصيات المنتدى
تاريخ التسجيل: Mar 2008
المشاركات: 3,918
cutiepie غير متصل  
الحلقة السابعة :

أصعب أنواع التغيير
د. علي الحمادي

القدرة على تسويق الأفكار مهارة مهمة يحتاجها صناع التأثير ويتقنها كل رقم صعب في دنيا الناس، ولسنا هنا بصدد الكلام عن نظريات بهذا الشأن، ولكنني سأورد قصة واحدة لرسولنا محمد { استطاع فيها أن يحدث تغييراً يعتبر أصعب أنواع التغيير، وهو تغيير العقيدة والدين.
تأمل معي من خلال هذه القصة قدرات النبي { في تبليغ دعوة ربه وتسويق ما أمره الله به مع عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه ومن قبله أخته الصحابية الجليلة سفانة رضي الله عنها، التي أسلمت وحسن إسلامها بعد أن وقعت أسيرة في جيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما غزا طيئاً.
القصة ذكرها الهيثمي في مجمع الزوائد (8-294) والزبيدي في إتحاف السادة المتقين (7-94) وذكر بعضها الإمام الترمذي في كتاب تفسير القرآن:

عندما قدم علي بن أبي طالب رضي الله عنه طيئاً، وقبل أن يأمر بقتال أهل طيئ قال لهم: قولوا لا إله إلا الله تمنعوا بها أنفسكم وأموالكم.
فقالت النساء لسفانة: إنهم يرثون النساء كما تورث الإبل.
فقالت: سفانة: كيف؟
قال النساء: لأنها لا ترث شيئاً من أموال الأهل.
قالت سفانة: هل يمضون بي سبياً؟ لو فعلوا ذلك لقتلت نفسي، فقالت لها إحدى النسوة: من يدخل الإسلام لا يؤخذ سبياً، ألم تسمعي ابن أبي طالب يقول: قولوا لا إله إلا الله تمنعوا بها أنفسكم وأموالكم؟
وارتفع صوت علي بن أبي طالب: الأسر، الأسر، لا تقتلوا إلا من امتنع، وأصابت خيل رسول الله { ابنة حاتم في سبايا علي، فقُدم بها على رسول الله { فجُعلت عند باب المسجد، فمر بها النبي { فقامت إليه، وكانت امرأة جزلة، فقالت: يا رسول الله، هلك الوالد وغاب الوافد فامنن عليَّ منَّ الله عليك.
فتساءل رسول الله {: "ومن وافدك؟"، قالت سفانة: عدي بن حاتم، فقال رسول الله {: "الفار من الله ورسوله"؟، ومضى النبي {، فلما كان الغد مر بها، فقالت له مثل ذلك، فرد عليها بمثل جواب الأمس، فلما كان اليوم الثالث، مرّ بها رسول الله {، وقد يئست منه، فأومأ إليها رجل من خلفه: قومي فكلميه.
قامت سفانة فقالت: يا رسول الله، هلك الوالد وغاب الوافد، وأنا عجوز كبيرة ما بي من خدمة، فإن رأيت أن تخلي عني، ولا تشمت بي أحياء العرب، فإن أبي سيد قومه، كان يفك العاني، ويحمي الذمار، ويفرج عن المكروب، ويطعم الطعام، ويفشي السلام، ولم يطلب إليه طالب قط حاجة فرده، أنا ابنة حاتم الطائي، فامنن عليَّ منَّ الله عليك.
فقال لها رسول الله {: "قد فعلت، فلا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة حتى يبلغك إلى بلادك ثم آذنيني"، ثم قال لأصحابه: "خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق".
فسألت سفانة عن الرجل الذي كان يسير خلفه وأشار إليها أن كلميه فقيل لها: علي بن أبي طالب.
وأقامت سفانة حتى قدم رهط من قومها فيهم ثقة وبلاغ فقالت: يا رسول الله، قدم رهط من قومي فيهم ثقة وبلاغ، فمنَّ عليها { بالحرية وأعطاها عطاء جزيلاً وكساها وأعطاها نفقة وحملها على بعير، فقالت سفانة: شكرتك يد افتقرت بعد غنى، ولا ملكتك يد اغتنت بعد فقر، وأصاب الله بمعروفك مواضعه، ولا جعل لك إلى لئيم حاجة، ولا سلب نعمة كريم إلا وجعلك سبباً لردها عليه.
وخرجت مع الرهط حتى قدمت الشام، وبينما عدي بن حاتم قاعد في أهله فنظر إلى ظعينة (أي امرأة في هودج) تصوب إلى قومه فقال: ابنة حاتم؟ قالت سفانة: وعورته! القاطع الظالم، فررت بأهلك وولدك وتركت بنية والدك!
فقال عدي: أي أُخية، لا تقولي إلا خيراً، فوالله ما لي من عذر، لقد صنعت ما ذكرت، ثم عاد يتساءل: ماذا ترين في أمر هذا الرجل، يعني "رسول الله {"؟
قالت سفانة: أرى والله أن تلحق به سريعاً، فإن يكن الرجل نبياً فللسابق إليه فضله، وإن يكن ملكاً فلن تزال في عز اليُمن وأنت أنت، فقال عدي: والله إن هذا للرأي.
قالت سفانة: لقد فعلت فعلة لو كان أبوك موجوداً لفعلها، ابتدر راغباً أو راهباً، فقد أتاه فلان فأصاب منه، وأتاه فلان فأصاب منه، فقال عدي: إني لأرجو الله أن يجعل يدي في يده.
وانطلق عدي قاصداً مدينة رسول الله {، فلما بلغها، وجده في المسجد، فسلم عليه، فقال له: "من الرجل"؟ فقال: عدي بن حاتم، جئت من نفسي بلا أمان أو كتاب، فأخذ بيده رسول الله {، ومضى به إلى بيته، وفي الطريق لقيته امرأة ضعيفة كبيرة فاستوقفته تكلمه طويلاً.
فقال عدي: والله ما هذا بملك، فلما دخلا البيت، رمى إليه رسول الله { بوسادة من أدم محشوة ليفاً وقال له: "اجلس عليها"، فقال عدي: لا بل أنت فاجلس عليها، قال: "لا بل أنت"، ثم جلس رسول الله { على الأرض.
فقال عدي: والله ما هذا بأمر ملك، ثم قال له رسول الله {: "إيه يا عدي بن حاتم، ألم تك ركوسياً"، قال عدي: بلى، فقال: "أو لم تكن تسير في قومك بالمرباع"؟ فقال عدي: بلى، قال: "فإن ذلك لم يكن يحل لك في دينك"، قال عدي: أجل والله، وعرفت أنه نبي مرسل يعلم ما يُجهل.
ثم قال رسول الله {: "لعله يا عدي بن حاتم إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم، فوالله ليوشكن المال يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه، ولعله إنما يمنعك من الدخول في هذا الدين ما ترى من كثرة عدوهم وقلة عددهم! فوالله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت لا تخاف إلا الله، ولعله إنما يمنعك من الدخول فيه أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم، وايم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت".
ثم قال رسول الله { لعدي: "ما يُفِرُّك! أيفرك أن تقول: لا إله إلا الله؟، فهل تعلم من إله سوى الله؟"" فقال: لا.
ثم قال رسول الله {: "إنما تفر أن يقال: الله أكبر، وهل تعلم شيئاً أكبر من الله؟" فقال: لا، فقال رسول الله {: "فإن اليهود مغضوب عليهم، وإن النصارى ضالون"، فقال عدي: إني حنيف مسلم، فانبسط وجه رسول الله {، ثم وكل به رجلاً من الأنصار فنزل عنده.

أخي الحبيب... تأمل معي هذا الموقف العظيم لرسول الله {، واحرص على إعادة قراءته والوقوف عند كل موقف، بل عند كل كلمة، لرسول الله {، فستجد فيها عبراً كثيرة، عض عليها بنواجذك.

يتبع
__________________
اللهم احفظ اخي و ارفع عنه..و اكشف ضره..و اعده الينا سالماً معافى..عاجلاً غير آجل..

و احفظ اهل بيتي من كل سوء...

يا حي يا قيوم برحمتك استغيث..
حسبي الله و نعم الوكيل..
لا تنسونا من الدعاء..
قديم 15-07-2008, 05:36 AM
  #4
cutiepie
كبار شخصيات المنتدى
تاريخ التسجيل: Mar 2008
المشاركات: 3,918
cutiepie غير متصل  
الحلقة الثامنة :

هندسة التأثير
النصائح العشرون للسان الموزون

دعلي الحمادي

روى الإمام الترمذي في الحديث الحسن الصحيح عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قلتُ يا رسول الله أخبرني بعمل يُدخلني الجنة، ويُباعدني من النار؟ قال: "لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه: تعبد الله لا تُشرك به شيئاً، وتُقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحجُّ البيت"، ثم قال: "ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جُنَّة، والصدقة تُطفئُ الخطيئة كما يُطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل"، ثم تلا: تتجافى" جنوبهم عن المضاجع حتى بلغ يعملون 17 (السجدة)، ثم قال: "ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه"، قلت: بلى يا رسول الله، قال: "رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد"، ثم قال: "ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟" قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه ثم قال: "كُفَّ عليك هذا" قلتُ: يا رسول الله: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: "ثكلتك أمك! وهل يكبُّ الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟".
نعم، مازلنا نحذر من خطر اللسان، لذا نظراً لخطورة وأهمية هذا اللسان فإليك "النصائح العشرون للسان الموزون"، والتي يمكنك بها استثمار هذه الأداة المهمة للتأثير:
1 زن الكلمة قبل أن تنطق بها، إذ:
كم في المقابر من قتيل لسانه
كانت تهاب لقاءه الشجعان
2 كن عفيف اللسان، وتجنب الكلمات السوقية والفحش من القول: "فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش" (رواه ابن خزيمة في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها).
3 تجنب تجريح الأفراد والهيئات واحذر الإساءة إلى الآخرين.
4 لا تكرر كثيراً بعض الكلمات مثل: نعم: Ok، زين، يعني، في الحقيقة، في الواقع، طيب، آآ، وغيرها.
5 يمكنك استخدام بعض الكلمات والمصطلحات الأجنبية إذا دعت الحاجة إلى ذلك، ولكن من غير تكلف أو مبالغة، فإن المبالغة في ذلك مستهجنة، لا سيما عندما يكون المشاركون لا يحسنون هذه اللغة أو لم يعتادوا على سماعها.
6 لا تكن ثرثاراً، وإياك والإطالة، فإن ذلك مدعاة للملل والضجر، كما أن الكلام ينسي بعضه بعضاً.
7 تكلم العربية الفصحى فإنها لغة العلم، واحذر من رفع المفعول ونصب المجرور وجر الفاعل، فإن ذلك مثلبة للقول ومدعاة للسخرية.
8 استخدم الأساليب البيانية والسجع غير المتكلف، واحرص على الجمال اللفظي، فإن ذلك أدعى للانتباه واليقظة والإثارة.
9 تكلم بلغة يفهمها الجميع، واحذر التفلسف بمصطلحات غامضة، فإن ذلك سبب لفقد انتباه واهتمام الآخرين، وإذا اضطررت إلى استخدام تلك المصطلحات فاشرحها لهم ابتداء.
10 أخرج الحروف من مخارجها، وانطق الكلمات بوضوح ولا تأكل أواخرها.
11 احذر التكلف في إخراج الكلمات والحروف، والتقعر في نطقها، والتمطيط في لفظها، فإن الفطرة السوية تمج ذلك وتستهجن صاحبها.
12 تجنب الإكثار من التأتأة، أو التوقف أثناء الحديث، واحذر الكلام الهادئ الشديد البطء فإنه يبعث السأم في النفوس، والنعاس في العيون.
13 لا تجعل صوتك على وتيرة واحدة، ولكن ارفعه تارة لا سيما في موطن الشدة والحماسة، واخفضه تارة أخرى لا سيما في مواطن اللين والرحمة.
14 تكلم بصوت جهوري معتدل، فلا تصرخ فتؤذي السامع، ولا تخفض من صوتك فتحادث نفسك وترهق الآخرين.
15 غيِّر معدل سرعة صوتك أثناء الحديث.
16 كرر بعض الكلمات والعبارات المهمة للتأكيد عليها ولغرسها في الأذهان وتثبيتها في النفوس.
17 اضغط على بعض الكلمات المهمة وأخرجها بقوة لتميزها عن غيرها ولتلفت الانتباه إليها، مع ضرورة عدم المبالغة في ذلك "كماً وكيفاً".
18 اجعل لك وقفات أثناء الحديث، لا سيما قبل أو بعد العبارات المهمة أو الصعبة، واحذر الكلام السريع المتواصل.
19 اجعل الإشارة باليد وكذلك قسمات الوجه منسجمة ومتناغمة مع طبيعة الكلام.
20 اجعل الكلام متناسباً مع طبيعة الحال والزمان والمكان وكذلك مع طبيعة السامع.



انتهى و اسأل الله لي و لكم الفائدة و جزى الله د. علي الحمادي خيرا الجزاء و جعله في موازين اعماله
__________________
اللهم احفظ اخي و ارفع عنه..و اكشف ضره..و اعده الينا سالماً معافى..عاجلاً غير آجل..

و احفظ اهل بيتي من كل سوء...

يا حي يا قيوم برحمتك استغيث..
حسبي الله و نعم الوكيل..
لا تنسونا من الدعاء..

التعديل الأخير تم بواسطة cutiepie ; 15-07-2008 الساعة 05:41 AM
قديم 18-07-2008, 01:48 AM
  #5
ليتني اسلى
كبار شخصيات المنتدى
تاريخ التسجيل: Apr 2006
المشاركات: 7,612
ليتني اسلى غير متصل  
تم نقله
موضوع مغلق

مواقع النشر

الكلمات الدليلية
التأثير, الثاني, الجزء


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:34 AM.


images