جاءت تخطو برجليها ... تحمل بيد حقيبتها .. و بالأخرى وليدتها .. وتجرّ خلفها عباءتها .. لترسم على الأرض خطوط حياتها التي تركتها خلف ظهرها ... بؤس وحرمان .. صراخ وتعالي .. تجبر وتهميش .. صفات تحملها في مخيلتها عن تجربتها الزوجية الأولى ... لزوج حمل رغبة .. و لم يحمل ثقافة و لا إحساساً .. يأخذ حقه كاملاً و لا يعطي الذي عليه ....
طرقت باب أهلها ... بيتها الذي تربت فيه .. بيتها الذي خرجت منه وهي مشتاقة إليه ... عشها الذي كانت فرحاً تغرّد فيه .... طرقت الباب و لكن ليس كما كانت تطرقه بفرح و شوق .... طرقت الباب و هي مهمومة من الذي تركته خلفها ... و خائفة مما ينتظرها ... طرقت الباب وهي لا تريد أحداً أن يفتح لها ... إنها لم تستعد لهذا الموقف .. إنها لم تستوعب هذه التجربة .. إنّ الوقت لم يسعفها لتضع سيناريوهات محتملة .... فلم يفتح الباب .... فرحت ...
لكنّ حملها أثقل منها فرمت به على الباب .. فانفتح ....
فتحته اليد الرحيمة التي لطالما رعتها وأحسنت إليها ... اليد التي كانت تمشّط شعرها و تمسح وجهها .... اليد التي كانت تجهزها لزوجها ...
أمي أمي ضميني لصدرك .. أذيقيني الحنان الذي فقدته ... أمي إمسحي دمعتي .. إسمعي عبرتي ... لاعبي طفلتي ........
قرأت الأمّ بحنكتها القصة كاملة التي تحمل عنوان ( طلاق ) ....
احتضنتها .. و أكرمتها .. و لاطفتها .. و بدأت في العلاج ...... بُنيتي الرقيقة إنّ الحياة تسير بقدر الله ... و قدره لمن أحسن الظن به كله خير ... إن كان الله أخذ منك فقد أعطاك .. وإن فاتك شيء فالرزق مكتوب أقسم به ربك ( وفي السماء رزقكم و ما توعدون ، فوربّ السماء و الأرض إنّه لحق مثل ما أنكم تنطقون ) ... فإن كان هو قدرك و رزقك فإنّه سيعود لك أفضل مما كان عندما أخرجك ... و إن لم يكن قدرك فرزقك محفوظ ..
و لو كرهتِ ما حصل (فعسى أن تكرهوا شيئاً و يجعل الله فيه خيراً كثيراً ) ...
أيّ بنيتي أنت بيننا في بيتك و نحن كلنا في شوق إليك ..... حياتك حياتنا .. و أُنسك سعادتنا ...
فأهلاً و سهلاً بك ....
شكراً أماه .. شكراً مدرستي الغالية ... فقد أزلت حملاً .. و فرّقت همّاً .. و أدخلت سروراً ...
اللهم إن كان هذا قدري .. فإنّي أشهدك أنّي قد رضيت .. آمنت بك و بقضائك ....