حكمة الوحم كان "مارجي بروفت" من جامعة كاليفورينا - باركلي (The University of California at Berkeley-Margie Profet) أول من لفت النّظر إلى هذا الموضوع في عام 1955م. رأى هذا الباحث أن الوحم يمثل آليّة رحمةٍ إلهية هدفها حماية الجنين الذي ينشأ داخل جسم الإنسان بشكل معجز، وأنه يحمي الجنين من السّموم الطبيعية في الأغذية. وحسب الإثباتات والاكتشافات فإنّ التي تتجنب بدافع الوحم تناولَ بعض الأغذية في فترات حسّاسة خلال الحمل تتمتع بحظّ عال لإنجاب مولود سليم. وتحتلّ حالات الإعاقة عند الإنجاب مكانة هامّة في يومنا أيضا، حيث نجد في أمريكا الشمالية أن نسبة تتراوح بين 2% إلى 3% من حالات الإنجاب السنوي تدخل في إطار الإعاقة عند الإنجاب. ورغم اكتشاف الأسباب الجينية لبعض هذه الإعاقات التي تقع عند الإنجاب والتي تتكوّن خلال فترة الحمل، إلاّ أنّ أسباب ثلثَيها غير معروفة. وحسب رأي "بروفت" فإنّ السّبب في ذلك هو تناول الأغذية بشكل عشوائيّ خلال الحمل، وكذلك الغذاء غير المنتظم لدى النساء غير الواحِمات. وأثبت الباحث بجامعة كورنال "باول شارمان" (Paul Sherman) وزملاؤه عام 2000م بأدّلة مقنعة أنّ للوحم حِكمًا هامة لدى 80 % من النّساء الحوامل. أقر شارمان وفريقُه أن الحكمة من وراء الحساسيّة المفرطة للجسم البيولوجي نحو أغذية معينة هو حماية الأمّ والجنين معًا من السّموم الطبيعية المحتمل وجودها في الأغذية، وكذلك من الموتاجينات (المواد المضرة التي تتسبب في طفرات وراثية). والشعورُ بالغثيان والقيء (الوحم) في بدايات الحمل يمنع الأمّ من تناول الخُضر والأغذية المحتمل احتواؤها على مخاطر السّموم. وهكذا يظل الطفل البريء في ظلّ الرحمة والعناية عند نموّه، وهو نفس ما يحدُث بتوجيه إلهيّ لكثير من الحيوانات المحرومة من العقل والعلم عندما تبحث عن أغذية معينة. وثبت أن احتمال إسقاط الجنين لدى النساء اللواتي يعشن الوحم المعتاد بالقيء والغثيان ضعيف جدًّا، في حين تظل مخاطر إسقاط الجنين وإنجابِ طفل معاق لدى النساء اللّواتي لا يعشن الوحم نسبة مرتفعةً. وقام "فلاكسمان" و"شرمان" بتحليل نتائج 56 بحثا أجريت على 79.000 امرأة حاملاً من 16 دولة للتوصّل إلى هذه الاستنتاجات. وكانت نسبة 65% من النّساء الحوامل يشعرن باشمئزاز وتهرع وغثيان ضدّ نوع واحد من الأغذية على الأقل، و16% من النّساء الواحِمات يشعرن باشمئزاز ضدّ المَشروبات الكافائينية (الكافائين هي المادّة المنبّهة في البنّ)، و8% منهنّ ضدّ الأزهار وخضر معيّنة مثل القرنبيط والكرنب، و4% منهن ضدّ الأغذية الحارة والأغذية التي تحتوي على توابل. والعجيب في كلّ هذا هو احتواء جميع هذه الخضر والأغذية ذات التوابل على سموم طبيعية. وتعد السّموم الطبيعية في النباتات وجها آخر للرحمة والشفقة، حيث تحميها من الحشرات والبكتيريا المضرة والمؤدية إلى الأمراض. لكن هذه الخضر تحمل في طياتها مخاطر تتمثل في إلحاق الضرر بالجنين الذي لا يملك أيّ نظام دفاعيّ في مرحلة نموه. ويدعم الشعورُ بالغثيان والاشمئزاز المتكون في جسم الأم منعَ تسرّب هذه الأغذية إلى الجسم مما يساعد على نمو الطفل بشكل صحي. و28% من الحوامل الواحمات يشعرن باشمئزاز وغثيان ضدّ الأغذية الحيوانية. وقد قارن الباحثون في "جامعة كورنال" بين السّجلات والاكتشافات المتعلقة بالوحم في 27 مجتمعا مختلفا لتأيد إثباتاتهم. ووجدوا ظاهرة الوحم في 7 مجتمعات من بين 27 مجتمعا، ولم تكن تظهر كمشكلة طبية سريرية، لأنّ أهلها تعوّدوا على استهلاك الذّرة والأرز والبطاطا فضلا عن اللحوم، بينما عمّت الشكاوى الطبية السريرية المتعلقة بالوحم في 20 مجتمعا منها. وكان السبب في ذلك يرجع أساسا إلى استهلاك الأغذية الحيوانية واللحوم غالبًا في المأكولات التقليدية لهذه المجتمعات. وبما أن غذاء الجنين يأتي من البروتينات الموجودة في اللّحم لدى النساء الحوامل اللواتي يستهلكن اللّحوم، فإنه من المحتمل أن تُلحق الكائنات الطفيلية والبكتيريا المتسببة في الأمراض داخل اللحوم أضرارا بالجنين. لذا يجب منع هذه الأغذية من التّسرب إلى جسم الجنين، الأمر الذي يكوّن شعورا باشمئزاز وغثيان ضدّ الأغذية المضرّة، وذلك بوقوع زيادة في قدرة الشمّ والطعم بمئات الأضعَاف. رغم أن الشعور بالاشمئزاز والغثيان حالة عرضيّة وحدث مؤقّت لدى كثير من النساء، فإنه مع ذلك يحمل أهمية كبيرة بالنسبة إلى مرحلة الحمل. وتعد فترة تزايد الشكاوى جرّاء الوحم أخطر فترة خلال الحمل، حيث تزداد حساسية الجنين ضد المواد الكيميائية خلال الأشهر الثلاثة الأولى للحمل نظرا لتكون الأعضاء فيه. ويتم الضغط في هذه الفترة على نظام المناعة للأمّ كي لا يَرفض الجنين، وذلك عبر إحداث تغير حيويّ وإعجازيّ، وبذلك يلتصق الجنين بجدران الرّحم التصاقا شبيهًا بانتشار جذور الشجرة في التراب. ولئن كان هذا الضّغط أمرًا إيجابيا للطفل، إلا أنه قد يكون سلبيا للأمّ التي تصبح -في هذه الحالة- عُرضة للجراثيم المسببة للأمراض. ولذلك يتحوّل جهاز الالتقاط في دماغ الأمّ إلى وضع حساس جدًّا، كي لا تقبل الأمّ الحامل الأغذية الفاسدة والمحتوية على البكتيريا في الفترة التي يقع فيها الضغط على نظام المناعة. سموم الأغذية وخطورتها على الجنين والشعور بالنفور والغثيان من رائحة القهوة مؤشّر مهم على الحمل، لأن القهوة تحتوي على ما يزيد على ألف نوع من السّموم، ومنها الكافَين. كما تحتوي أنواع الشّاي النباتي على التوكسينات الطبيعية مثلما هو الأمر بالنسبة إلى التوابل. ويحتوي الجزر الغنـيّ من حيث الفيتامينات على مادة كيميائية تعـرف بـاسم "بسـورالين" (psoralin)، ويحتـوي الفِطر عـلى "الهيدرازين" (hydrazine) ونبات الرّيحان على مادة سامّة تسمى "إسترغول" (estragol) وهي تؤدي إلى تغيّرات وراثية. ويحتوي الكرنب الأحمر والزّهور والكرنب الأبيض على مادة مسبّبة للتّحولات وتعرف باسم "I-isothiocyanate". وتحتـوي قشـور البطاطا والطماطم على مـادة "السولانين" (solanin). وتفرز هذه النباتات كلّ تلك المواد السامّة المذكورة من أجل حماية نفسها من الأعداء. وعلى سبيل المثال، ترتفع نسبة الإعاقة لدى جدي الماعز إذا استهلكت الماعز الحامل نباتا عشبيًّا يعرف باسـم "Lupinus sp" أو "الفول المرّ" الغنـيّ بالسموم الطبيعية بكمّية كبيرة. وبفضل الأنزيمات المغيرة لتركيبة السّموم الموجودة في الكبد، فإنّ جسم الإنسان يستطيع أن يجابه التأثيرات السلبية لهذه الخضر والفواكه عند استهلاكه، بينما تمثل هذه الأنزيمات خطرا جادًّا على الجنين النامي في رحم الأم، لأن الجنين لم يحصل بعدُ على الآلية الفيزيولوجية والأنظمة المضادة لتلك السموم الطبيعية في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، فلا مفرّ إذن من أن تُلحق هذه الأغذية التي تحتوي على السّموم الطبيعية والتي تستهلكها الأمّ أضرارا بالجنين. ويكمُن الحلّ إذنْ في ضرورة عدم تناول الأمّ لهذه الأنواع من الأغذية، ومن هنا يتحوّل جهازا التّذوق والشّم لدى الأم إلى وضع حساس جدًّا. وبما أن المواد المؤثرة داخل التوابل مضادة للجراثيم والطفيليات فإنّ استعمالها في الأطعمة مفيد للكبار وغير الحوامل من النساء من حيث الوقاية، خاصّة. واستهلاك النّاس المقيمين في أقاليم ساخنة ذات مأكولات حارّة وغنية بالتّوابل قرار صائب، لأنّ التّوابل الحارة تقلل من مخاطِر فساد اللّحوم مبكّرًا، وبالتالي تقلّل من خطر الكائنات المسبّبة للأمراض بسبب الحرارة. وتقوم التوابل الحارة داخل الأطعمة بدور تطهيري ضد الجراثيم. غير أنّ هذا الوضع المفيد للنّاس العاديّـين يشكل خطرًا هاما على الحوامل، لأن أغلبية التوابل تحتوي على سموم طبيعية إلى جانب مواد مضادة للجراثيم، ومن المحتمل جدًّا أن تُلحق هذه السمومُ الطبيعية التي تتميّز بخاصية "التحْويل الوراثي" ضررا بالبرنامج الجيني للجنين الذي يسجّل نموًّا عبر انقسام سريع في الخلايا. وتشعر الحامل باشمئزاز وغثيان ضدّ الأطعمة ذات التوابل، وبذلك يحتمي الطفل من أخطار التوابل المتوقعة، بينما تتبدَّد أضرار هذه السموم لدى الكبار وغير الحوامِل من قبل الأنزيمات المضادة للسموم والتي توجد في السيتوكرومات الموجودة في الكبد. كما أنّ عدم امتلاك غير الحامل عضوًا مثل الجنين الذي يكبر بسرعة كبيرة، ويكون حساسا إزاء مؤثرات التحول الوراثي (الموتاجينية) يعتبر آليةَ وقايةٍ إضافية. خطورة البكتريا على الحوامل والأغذية التي لا تشتهيها النساء الحوامل ويشعرن ضدّها باشمئزاز أكثر خلال فترة الحمل هي اللحم والسمك والدجاج والبيض بالدّرجة الأولى، لأن هناك احتمالا كبيرًا أن تحتوي هذه الأغذية على البكتيريا والكائنات الطفيلية (إذا استثنينا حالات الصّيانة الصحية الحديثة والتغليف الغذائي الجيد). ومثلا نرى في بدايات فساد الأغذية أنها تحمل طفيليّات تكسوبلازما بارازيتينا وهي طفيليات وحيدة الخلية وتنتقل إلى الإنسان من القطط. وإذا تناولتها الأم مع الأغذية في بدايات الحمل فإن ذلك يؤدّي إلى إصابتها بالعدوى وإلى إسقاط جنينها. ومن هذه الناحية نرى أنّ الوحم الذي يظهر في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل هو نظام دفاعيّ فطري يحمي الطفل من هذه الأخطار كلّها. وقد أصبح الكثير من الأطباء يقرّون اليوم أنّه من الخطأ تسمية الوحم الذي يسمى بالأنجليزية "morning sickness" (بمعنى "مرض الصبح") مرضًا، لأنّ الوحم ليس مرضًا، وإنما هو واقع تناغم فيزيولوجي تتجلى فيه الرّحمة والعناية نحو الطفل بكل وضوح. وهذا يعني أنه لا حاجة لتناول النّساء الحوامل أدوية ضدّ الغثيان. الوحم نعمة إلهية ونحن نشعر اليوم بحزن شديد إزاء هؤلاء النّساء اللواتي اعتبرن هذا الوضعَ مَرَضيًّا في الماضي وتناولن أدوية مختلفة ممّا أدّى إلى إنجاب أطفال معاقين. ويا ليت هذه الأبحاث كانت أُجريت قبل هذا الوقت ليُكتشف أنّ الوَحم كان نعمةً إلهيّة. ويتضح أنه من أجل ذلك، ينبغي تغير نظرتنا إلى الكون والإنسان في كل شيء. وخلاصة القول، في ضوء المعلومات المذكورة سابقا يجب عدم اعتبار الوحم الذي يظهر في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل مرضًا، بل ينبغي اعتباره مؤشرا لاستمرار الحمل بشكل طبيعي، حيث يتضح من ذلك أن التغيرات النفسية والفيزيولوجية مع بداية حمل هي مظهر لتجلّي رحمة الخالق العليّ وشفقته إزاء الجنين والأم معا. وتزول شكاوى الوحم في الغالب بعد الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل لانقضاء فترة الخَطر حيث تختفي الضغوط على منظومة المناعة في جسم ويكتمل نمو أغلبية أعضاء الجنين، وبذلك تَعُود الأم إلى تناول الأغذية على النحو المعتاد. |
يعيش جنين الإنسان في بطن أمه فترة تتراوح بين الستة والتسعة شهور قمرية معتمداً على جسدها اعتماداً كلياًً, مستمداً جميع احتياجاته الغذائية والتنفسية والمناعية من دمها، وذلك مثل الأحماض الأمينية, والمواد البروتينية، والكربوهيدراتية، والفيتامينات, والهرمونات, والأملاح, والأوكسجين, وخلايا المناعة وغيرها, وتستقبل الأم الحامل من جنينها كل السموم التي يفرزها جسمه ، مثل البولينا, وثاني أكسيد الكربون وغيرهما .ومن الثابت أن الأم الحامل تضحي لجنينها بكامل احتياجاته على حساب احتياجاتها هي، ولو أدى ذلك إلى فقد دمها وإمراضها, ولذلك قال رب العالمين : " حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ " . ومن الأعراض التي تطرأ على جسد الحامل اضطراب الجهاز الهضمي المصاحب عادة بالقيء, والغثيان, وسوء الهضم, والحموضة الزائدة, ونقص الشهية, والرغبة الشديدة في بعض الأطعمة الخاصة أو المواد الغريبة التي يحتاجها هذا الجسد( أو ما يطلق عليه اسم الوحم), هذا بالإضافة إلى ضغط الرحم على كلٍ من المعدة والكبد ـ خاصة في الشهور الأخيرة من الحمل ـ وما يتحمله كلٌُ من القلب وأوردة وشرايين الجهاز الدوري من جهد زائد لأجل ضخ الدم إلى كلٍ من جسم الأم وجسم الجنين، فيرتفع ما يضخه القلب من(6500 لتر/ يومياً) قبل الحمل إلى(15000 لتر/ يوميا) بعد الحمل، وقد يؤدي ذلك إلى إجهاد عضلة القلب, وإلى اضطراب ضغط الدم, أو إلى تمدد الأوردة وتعرجها( مرض دوالي الأرجل والأقدام) . كذلك فإن تزايد نمو الجنين في شهوره الأخيرة يؤدي إلى مزيد من الضغط على كلٍ من الحجاب الحاجز والرئتين، مما يعوق عملية التنفس . وكثرة إفراز الهرمونات المتعلقة بعملية الحمل قد يزيد كمية الماء المختزن في الجسم، ويظهر على هيئة تورم القدمين, كما قد يؤدي إلى الاضطراب في وظائف عدد من الغدد الصماء، مثل الغدة الدرقية في جسم الأم الحامل . وقد تصاب بعض الحوامل بشيء من لين العظام أو هشاشتها لنقص الكالسيوم في جسمها ؛ نظراً لسحب الجنين لكميات زائدة من كالسيوم دم الأم أثناء تكون عظام جسده . ومع مصاحبة ذلك لشيء من زيادة وزن الأم( حوالي عشرة كيلو جرامات في المتوسط) يوضح جانباً مما تكابده الأم الحامل من مشاق في حالات الحمل الطبيعي, وتتضاعف هذه المشاق أضعافاً كثيرة في حالات حمل التوائم, أو الحمل خارج الرحم، مما يعرف باسم الحمل غير الطبيعي، والذي قد يؤدي إلى وفاة كلٍ من الجنين والأم معاًً . وإذا أضفنا إلى هذه الصعوبات الجسدية ما تكابده الأم الحامل من معاناة نفسية تتأرجح بها بين الرجاء والخوف, والتفاؤل والتشاؤم, والفرح والحزن, والاطمئنان والقلق, أدركنا حاجتها وسط هذه الأمواج المتلاطمة من الوهن الجسدي والحساسية الشديدة, وسرعة التأثر والانفعال, والمشاعر المتضاربة إلى العناية الشديدة من المحيطين بها, وإلى غمرها بمزيد من العطف والحنان الذي قد لا تجده في أغلب الأحوال, ومن ذلك يتضح لنا بجلاء روعة التعبير القرآني الذي يقول فيه ربنا ـ تبارك وتعالى ـ : " حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ " أي ضعفاً على ضعف بازدياد ثقل الحمل إلى الميلاد، وذلك لايتم إلا بمشقة شديدة، يتضح جانب من هذه المشقة بإدراك حقيقة أنه باكتمال الشهر الثالث من حياة الجنين, فانه يبدأ باتخاذ وضع خاص داخل رحم أمه, يكون فيه رأسه إلى أسفل, ومؤخرته إلى أعلى، ويتم ذلك بانقباض عام في كل جذعه وأطرافه على بعضها البعض, فينحني الجنين برأسه في اتجاه ركبتيه, ويثني ركبتيه في اتجاه رأسه مع جعل وجهه في اتجاه ظهر أمه, حتى إذا جاءت لحظة الميلاد كان أول ما يخرج منه رأسه, وبخروجه يسهل خروج باقي جسده وسائر أطرافه, وتمثل الولادة الطبيعية بخروج الرأس أولا أيسر عمليات الوضع, الا أن هناك العديد من حالات الوضع غير الطبيعية والمتعسرة, ويسبق الوضع آلام الطلق التي قد تفوق في شدتها أية آلام أخرى تتعرض لها الأم الحامل طيلة مدة حملها, وقد تنتهي عملية الوضع في بعض الأحوال بوفاة الأم أو الجنين، أو بوفاتهما معاً . وقد تضطر الحامل إلى الولادة غير الطبيعية بالشفط أو باستخدام بعض الآلات الخاصة ـ مثل الجفت ـ أو حتى بعملية جراحية لشق البطن تعرف باسم العملية القيصرية, وإلى غير ذلك من المخاطر. وعلى الرغم من أن التطور الطبي قد تمكن من خفض نسبة تلك المخاطر إلا أنه لم يتمكن بعد من القضاء عليها, فلاتزال حمى النفاس منتشرة بين كثير من الوالدات, ولا تزال حالات تسمم الحوامل وإصابتهن بالعديد من الأمراض الجسدية والنفسية من الأمور الشائعة ـ خاصة في المجتمعات المتخلفة علمياً وتقنياًً ـ وتكفي في ذلك الإشارة إلى ضخامة حجم المولود بالنسبة إلى ضيق عنق الرحم, ولولا رحمة الله ـ تعالى ـ ودقة تقديره بتهيئة الجهاز التناسلي للمرأة الحامل بهيئة خاصة تعينه على إفراز العديد من الهرمونات التي توسع عنق الرحم، وتجعله على استقامة مع الرحم ذاته, والتي ترخي كلاً من عظام الحوض وعضلاته لتيسير عملية الولادة وخروج المولود الجديد إلى عالم الحياة الدنيا بشيء من اليسر، لكانت عملية الولادة أمراً مستحيلاً . كما تكفي في ذلك الإشارة إلى ما تتعرض له الوالدة من آلام أثناء عملية المخاض ومن بعده, ومن ذلك ما تشعر به من إجهاد شديد وقشعريرة بعد الولادة مباشرة, ثم ارتفاع في درجة الحرارة وما تتعرض له من انخفاض في ضغط الدم, واضطراب في النبض, وتعرض لإمكانية سقوط الرحم وإلى غير ذلك من الأمراض التي قد تصيبها والمعاناة التي قد تصاحب تلك الأمراض حتى تشفى . وتكفي في ذلك الاشارة أيضاً إلى ما تتعرض له الوالدة من نزيف دموي طيلة فترة النفاس, والتي قد تمتد من لحظة إلى ستين يوماًً( بمتوسط يقدر بحوالي الأربعين يوما), وذلك لسقوط المشيمة مع المولود, وتركها للأوعية الدموية التي كانت تصل بينها وبين جدار الرحم مفتوحة تنزف كالجروح النازفة, ولولا رحمة الله ـ تعالى ـ بالوالدة, تلك الرحمة التي هيأت لها إفراز العديد من الهرمونات التي تعين الرحم على الانقباض انقباضاً شديداً بعد الولادة مباشرة، لنزفت النفساء حتى الموت . وهذا الانقباض يعود بوزن الرحم ( بدون محتوياته) من حوالي الكيلو جرام قبل الولادة مباشرة إلى حوالي الخمسين جراماً فقط في نهاية فترة النفاس, ويعود جدار الرحم من خمسة سنتيمترات إلى أقل من سنتيمتر واحد في السُمْك, وتستمر التغيرات في جدار الرحم, وفي بطانته حتى يعود إلى هيأته قبل الحمل عبر سلسلة من المعاناة الحقيقية التي تتحملها الأم الوالدة بالكثير من الصبر والاحتمال ، ولذلك قال ربنا ـ تبارك وتعالى ـ : " حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ ", وقال المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ للرجل الذي حمل أمه على ظهره يطوف بها البيت الحرام وهي على ظهره, ثم سأله قائلا: يارسول الله: هل قضيت حقها؟ فقال له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " لا, ولا بزفرة واحدة " (رواه الحافظ أبوبكر البزار بإسناده عن بريدة عن أبيه) , والزفرة ـ وجمعها زفرات ـ هي واحدة( الزفير) بمعنى إدخال النفس إلى الرئتين, وعكسها( الشهيق) . وتشجع الوالدة أثناء الوضع على التنفس بطريقة خاصة تعينها على تحمل الطلق . ويقال إزدفر) فلان كذا إذا تحمله بمشقة، فترددت فيه نفسه, وقيل للإماء الحاملات للماء( زوافر) لما يتعرضن له أثناء ذلك من مشقة . ثالثاً: في قوله ـ تعالى ـ : " وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ " (لقمان:14) : درج الناس على الاعتقاد بأن مدة حمل الجنين البشري هي في حدود تسعة شهور قمرية ( أي266 يوما) ولكن القرآن الكريم جاء فيه قول ربنا ـ تبارك وتعالى ـ: " وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً " ( الأحقاف:15). وقوله ـ عز من قائل ـ : " وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ " ( لقمان:14). ومعنى هذين النصين القرآنيين الكريمين أن أقل مدة للحمل هي ستة أشهر قمرية كاملة( أي177 يوما)، وهو ما أثبتته دراسات علم الأجنة مؤخراً . وسبق القرآن الكريم بالإشارة إلى هذه الحقيقة العلمية يؤكد ربانية هذا الكتاب الكريم, وصدق الرسول الخاتم الذي تلقاه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومما يحتمله النصان القرآنيان الكريمان أيضاً أن فطام الوليد يمكن أن يتم في فترة تتراوح بين21 شهراً قمرياً,24 شهراً قمرياً حسب مدة حمله . وكما أورد الأخ الدكتور مجاهد أبو المجد الأستاذ بكلية الطب بجامعة المنصورة، فإن الدراسات الطبية الحديثة قد أثبتت أنه كلما اقتربت مدة الرضاعة الطبيعية( من الأم أو المرضعة) من عامين قمريين قلَّ تركيز الأجسام المناعية الضارة بخلايا البنكرياس المتخصصة في إفراز مادة الإنسولين, وكلما قل مجموع مدتي الحمل والرضاعة عن ثلاثين شهراً قمرياًً, أو استبدلت الرضاعة الطبيعية بألبان الحيوانات سواء كانت مصنعة أو غير مصنعة ، كلما زاد تركيز الأجسام المناعية الضارة في جسم الطفل . |
مواقع النشر |
ضوابط المشاركة |
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
BB code متاحة
الابتسامات متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
|