صحيح السيرة النبوية - الصفحة 6 - منتدى عالم الأسرة والمجتمع
logo

الملاحظات

الثقافة الاسلامية صوتيات ومرئيات إسلامية ،حملات دعوية ، أنشطة دينية.

إضافة رد
قديم 21-02-2019, 09:24 PM
  #51
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: صحيح السيرة النبوية

33 - الشهداء أحياء عند ربهم:
385 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لما أصيب إخوانكم بأحد، جعل الله -عَزَّ وَجَلَّ- أرواحهم في أجواف طير خضر، ترد أنهار الجنة، تأكل من ثمارها، وتهوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مشربهم، ومأكلهم وحسن منقلبهم قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون بما صنع الله لنا، لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عن الحرب، فقال الله عَزَّ وَجَلَّ: أنا أبلغهم عنكم، فأنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- هؤلاء الآيات على رسوله {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ} (1) ".
386 - ومن حديث ابن مسعود رضي الله عنه. قال مسروق: سألنا عبد الله بن مسعود عن هذه الآية {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}، قال: أما إنا سألنا عن ذلك فقال: (أرواحهم كطير خضر تسرح في الجنة في أيها شاءت، ثم تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش، قال: فبينما هم كذلك، إذ اطلع عليهم ربهم اطلاعة، فقال: سلوني ما شئتم؟! فقالوا: يا ربنا! وما نسألك، ونحن نسرح في الجنة في أيها شئنا، فلما رأوا أن لا يتركوا من أن يسألوا، قالوا: نسألك أن ترد أرواحنا إلى أجسادنا في الدنيا، حتى نقتل في سبيلك، قال: فلما رأى أنهم لا يسألون إلا هذا تركوا) (2).
34 - عدد شهداء المسلمين:
387 - من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الرماة يوم أحد ... فذكر الحديث إلى أن قال: فأصابوا منا سبعين، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه قد أصابوا من المشركين، أراه قال: يوم بدر أربعين ومائة: سبعين أسيرًا وسبعين قتيلًا" (3).
387 - من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه قال: "إنه أصيب من الأنصار يوم أحد أربعة وستون، وأصيب من المهاجرين ستة فيهم حمزة، فمثلوا بقتلاهم فقالت الأنصار: لئن أصبنا منهم يومًا من الدهر لنربين عليهم، فلما كان يوم فتح مكة، نادى رجل لا يعرف: لا قريش بعد اليوم، مرتين فأنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- على نبيه - صلى الله عليه وسلم - {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كفوا عن القوم) " (4).
35 - أحد جبل يحبنا ونحبه:
389 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلع له أحد فقال: (هذا جبل يحبنا ونحبه، اللهم إن إبراهيم حرم مكة، وإني حرمت ما بين لابتيها) " (5).
36 - أمنية النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر شهداء أحد:
390 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ذكر أصحاب أحد قال: (والله لوددت أني غودرت مع أصحاب فحص الجبل) يقول: قتلت معهم - صلى الله عليه وسلم -" (6).
37 - من أحسن القتال يوم أحد من المسلمين:
391 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "جاء علي رضي الله عنه بسيفه يوم أحد قد انحنى، فقال لفاطمة رضي الله عنها: هاكي السيف حميدًا، فإنها قد شفتني فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لئن كنت أجدت الضرب بسيفك، لقد أجاده سهل بن حنيف، وأبو دجانة، وعاصم بن ثابت بن الأقلح، والحارث بن الصمة) " (7).
38 - أسماء من استشهد يوم أحد:
ذكر الهيثمي أسماءهم في المجمع: (6/ 123 - 124)، بسند الطبراني إلى ابن شهاب، ورجاله رجال الصحيح، فمن أحب الاستزاده في معرفة أسمائهم فليرجع إلى المجمع.
39 - كل مصيبة بعدك جلل:
392 - من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: "مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بامرأة من بني دينار، وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأحد، فلما نعوا لها، قالت: فما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالوا: خيرًا يا أم فلان، هو بحمد الله كما تحبين، قالت: أرونيه حتى أنظر إليه؟، قال: فأشير لها إليه، حتى إذا رأته، قالت: كل مصيبة بعدك جلل! تريد صغيرة" (8).
الفصل الخامس الأحداث والوقائع بين أحد والخندق
المبحث الأول: غزوة حمراء الأسد
قال ابن إسحاق: "كان يوم أحد، يوم بلاء ومصيبة وتمحيص، اختبر الله به المؤمنين، ومحن به المنافقين، فمن كان يظهر الإيمان بلسانه، وهو مستخف بالكفر في قلبه، ويومًا أكرم الله فيه من أراد كرامته بالشهادة من أهل ولايته" (9).
وبعد انتهاء غزوة أحد، ورحيل قريش جاءت الأخبار إلى المدينة بأن قريشًا تريد العودة لتستأصل المسلمين في مدينتهم، فما كان من القائد القدوة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - إلا أن دعا أصحابه للخروج لتعقب قريش، وزرع الخوف في قلب من يفكر بالاعتداء على المدينة الآمنة الطيبة، وشرط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا يخرج معه إلا من خرج معه لأحد، وهنا وفي هذا المقام تتجلى صور التضحية والبذل، حيث يخرج أصحاب النبي، والكثير منهم قد أصيب بالجراحات المتعددة، ولكن في سبيل الله تهون كل المصاعب، ولندع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يروون بعض هذه المشاهد:
392 - من حديث عائشة رضي الله عنها: كما روى عنها عروة بن الزبير في قوله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} قالت لعروة: يا ابن أختي كان أبواك منهم: الزبير وأبو بكر، لما أصاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أصاب يوم أحد وانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا، قال: (من يذهب في إثرهم؟) فانتدب منهم سبعون رجلًا، قال: كان فيهم أبو بكر والزبير (10).
وقال ابن كثير عقب ذكر هذا الحديث: "وهذا السياق غريب جدًّا، فإن المشهور عند أصحاب المغازي أن الذين خرجوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حمراء الأسد كل من شهد أحد، وكانوا سبعمائة قتل منهم سبعون وبقي الباقون" (11).
وقال الشامي: "والظاهر أنه لا تخالف بين قولي عائشة وأصحاب المغازي؛ لأن معنى قولها فانتدب لها سبعون أنهم سبقوا غيرهم، ثم تلاحق الباقون" (12).
393 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لما انصرف أبو سفيان والمشركون عن أحد وبلغوا الروحاء قال أبو سفيان: لا محمدًا قتلتم، ولا الكواعب أردفتم، شر ما صنعتم، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فندب الناس فانتدبوا حتى بلغوا حمراء الأسد -أو بئر بني عيينة- فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} وذلك أن أبا سفيان قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: موعدك موسم بدر حيث قتلتم أصحابنا، فأما الجبان فرجع، وأما الشجاع فأخذ أهبة القتال والتجارة، فأتوه فلم يجدوا به أحدًا، وتسوقوا فأنزل الله -عز وجل- ذكره {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} (13) ".
.................................................. .................................
(1) أخرجه أحمد في المسند: 1/ 265، أبو داود في الجهاد باب فضل الشهادة رقم: 2520، وعبد بن حميد رقم: 667، وابن أبي شيبة: 5/ 294 - 295، والطبري في التفسير: 14/ 113 والآجري في الشريعة: 392، والبيهقي في عذاب القبر رقم: 129، والحاكم في المستدرك: 2/ 88، 297، وقال في الموضعين صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث عند أحمد فزالت شبهة التدليس، فالحديث صحيح.
(2) أخرجه مسلم في الإمارة باب بيان أن أرواح الشهداء في الجنة وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون رقم: 1887، الترمذي في التفسير باب ومن تفسير آل عمران رقم: 3011 وقال حسن صحيح، ابن ماجه في الجهاد باب فضل الشهادة في سبيل الله رقم: 2801، وابن أبي شيبة: 5/ 308، والدرامي: 2/ 206، والطبري في التفسير: 4/ 113 - 114.
(3) سبق تخريجه حديث رقم: 372.
(4) أخرجه الترمذي في التفسير باب من تفسير سورة النحل رقم: 3129 وقال حديث حسن غريب وأحمد في المسند: 5/ 135، وابن حبان في الموارد رقم: 1695، ص: 411، والطبراني في الكبير: 3/ 157، والحاكم في المستدرك: 2/ 446،359، وقال في الموضعين صحيح الإسناد وأقره الذهبي.
(5) أخرجه البخاري في المغازي باب أحد جبل يحبنا ونحبه رقم: 4084، ومسلم في الحج باب فضل المدينة ودعاء النبي فيها بالبركة: 1365.
(6) أخرجه أحمد في المسند: 3/ 375، وفي سيرة ابن كثير: 3/ 89، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 123، رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع فالحديث بذلك صحيح.
(7) أخرجه الحاكم في المستدرك: 3/ 24، وقال صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 123، رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
(8) ابن هشام في السيرة: 2/ 99 والبيهقي في الدلائل: 3/ 302، والطبري في تاريخه: 2/ 533، بسند ابن إسحاق إلى سعد بن أبي وقاص وسنده حسن وقد صرح بالحديث فزالت شبهة تدليسه.
(9) سيرة ابن هشام: 2/ 105.
(10) أخرجه البخاري في المغازي باب الذين استجابوا لله والرسول رقم: 4077، مسلم في صحيحه في فضائل الصحابة باب من فضائل طلحة والزبير: 2418، باختصار، وابن ماجه في المقدمة وفي فضائل الزبير رقم: 124، والحاكم في المستدرك: 4/ 298 وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
(11) سيرة ابن كثير: 3/ 101.
(12) زاد المعاد: 3/ 243.
(13) قال الهيثمي في مجمع الزوائد: 6/ 121، رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير محمَّد بن منصور الجواز وهو ثقة وقال السيوطي في لباب النقول (ص: 61) أن سنده صحيح، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: 8/ 228: أخرجه النسائي وابن مردويه ورجاله رجال الصحيح إلا أن المحفوظ إرساله عن عكرمة ليس فيه عن ابن عباس، ومن الطريق المرسلة أخرجه ابن أبي حاتم وغيره.
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 24-02-2019, 09:10 PM
  #52
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: صحيح السيرة النبوية

المبحث الثاني: آثار غزوة أحد
طمع الأعراب والمنافقين واليهود في المسلمين
لقد كان لغزوة أحد من الآثار الشيء الكثير إذ انتقض على الإِسلام وأهله كثير ممن هادنهم أو مالأهم خوفًا منهم، وعلى الرغم مما فعله النبي - عليه السلام - وأصحابه من الخروج إلى حمراء الأسد وما أظهروه من مظاهر البأس، إلا أن ما حدث في أحد جعل الأعراب يتجرأون ويبدأون بمحاولة مهاجمة المدينة والإغارة عليها ونهب أموالها وخيراتها.
ولقد جرأت الحادثة أيضًا اليهود في المدينة ليظهروا حقدهم الدفين على الإِسلام وأهله، ويسخرون من المسلمين علانية، ويكررون محاولاتهم الغادرة للكيد للإسلام وأهله، ولقد جرأت الحادثة أيضًا المنافقين ليظهروا نفاقهم، وينبثوا بين صفوف المسلمين يشيعون الشائعات والدسائس محاولين بذلك تمزيق الصف الإِسلامي.
1 - اغتيال المسلمين لابن سفيان الهذلي لحشده لقتال المسلمين:
394 - من حديث عبد الله بن أنس رضي الله عنه قال: "دعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (إنه قد بلغني أن خالد بن سفيان بن نبيح يجمع لي الناس ليغزوني، وهو بعرنة فأته فاقتله)، قال: قلت: يا رسول الله انعته حتى أعرفه، قال: (إذا رأيته وجدت له قشعريرة).
قال: فخرجت متوشحًا بسيفي، حتى وقعت عليه بعرنة مع ظعن يرتاد لهن منزلًا، وحين كان وقت العصر، فلما رأيته وجدت ما وصف لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من القشعريرة، فأقبلت نحوه، وخشيت أن يكون بيني وبينه محاولة تشغلني عن الصلاة، فصليت وأنا أمشي نحوه أومئ برأسي الركوع والسجود.
فلما انتهيت إليه قال: من الرجل، قلت: رجل من العرب سمع بك وبجمعك لهذا الرجل فجاءك لهذا، قال: أجل أنا في ذلك، قال: فمشيت معه شيئًا، حتى إذا أمكنني حملت عليه بالسيف حتى قتلته، ثم خرجت وتركت ظعائنه مكبات عليه، فلما قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرآني فقال: (أفلح الوجه)، قال: قلت: قتلته يا رسول الله، قال: (صدقت)، قال: ثم قام معي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل في بيته فأعطاني عصا، فقال: (أمسك هذه عندك يا عبد الله بن أُنيس).
قال: فخرجت بها على الناس، فقالوا: ما هذه العصا؟، قال: قلت: أعطانيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأمرني أن أمسكها، قالوا: أولا ترجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتسأله عن ذلك؟ قال: فرجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: يا رسول الله لم أعطيتني هذه العصا؟، قال: (آية بيني وبينك يوم القيامة، إن أقل الناس المختصرون (1) يومئذ يوم القيامة)، فقرنها عبد الله بسيفه فلم تزل معه، حتى إذا مات أمر بها، فضمت معه في كفنه، ثم دفنا جميعًا" (2).
2 - قصة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الرجيع:
395 - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة عينًا، وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري جد عاصم بن عمر بن الخطاب، حتى إذا كانوا بالهدة بين عسفان ومكة، ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان، فنفروا لهم بقريب من مائة رجل رام، فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم التمر في منزلٍ نزلوه.
فقالوا: تمر يثرب فاتبعوا آثارهم، فلما أحس بهم عاصم وأصحابه لجئوا إلى موضع، فأحاط بهم القوم فقالوا لهم: انزلوا فأعطوا أيديكم، ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحدًا.
فقال عاصم بن ثابت: أيها القوم، أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر، ثم قال: اللهم أخبر عنا نبيك - صلى الله عليه وسلم -، فرموهم بالنبل فقتلوا عاصمًا، ونزل إليهم ثلاثة نفر على العهد والميثاق، منهم خبيب وزيد بن الدثنة ورجل آخر، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم بها.
قال الرجل الثالث: هذا أول الغدر، والله لا أصحبكم، إن لي بهؤلاء أسوة -يريد القتلى- فجروه وعالجوه، فأبى أن يصحبهم (فقتلوه)، فانطلقوا بخبيب وزيد بن الدثنة حتى باعوهما بعد وقعة بدر، فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل خبيبًا -وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر بن نوفل يوم بدر- فلبث خبيب عندهم أسيرًا حتى أجمعوا قتله، فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحدبها، فأعارته، فدرج بني لها وهي غافلة حتى أتاه، فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده، قالت: ففزعت فزعة عرفها خبيب، فقال: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك.
قالت: والله ما رأيت أسيرًا، قط خيرًا من خبيب، والله لقد وجدته يومًا يأكل قطفًا من عنب في يده، وإنه لموثق بالحديد، وما بمكة من ثمرة.
وكانت تقول: إنه لرزق رزقه الله خبيبًا، فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحل، قال لهم خبيب: دعوني أصلي ركعتين، فتركوه، فركع ركعتين، فقال: والله لولا أن تحسبوا أن ما بي جزع لزدت، ثم قال: اللهم أحصهم عددًا، واقتلهم بددًا، ولا تبق من
هم أحدًا، ثم أنشأ يقول:
فلست أبالي حين أقتل مسلمًا ... على أي جنب كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع
ثم قام إليه أبو سروعة عقبة بن الحارث فقتله، وكان خبيب سن لكل مسلم قتل صبرًا الصلاة، وأخبر -يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه يوم أصيبوا خبرهم، وبعث ناس من قريش إلى عاصم بن ثابت حين حدثوا أنه قتل أن يؤتوا بشيء منه يعرف -وكان قتل رجلًا عظيمًا من عظمائهم- فبعث الله لعاصم مثل الظلة من الدبر فحمته من رسلهم، فلم يقدروا أن يقطعوا منه شيئًا" (3).
وقد أورد ابن إسحاق رحمه الله في السيرة أن عددهم كان ستة وأن أميرهم كان مرثد بن أبي مرثد الغنوي، والمقدم عندنا ما في الصحيح أن عددهم كان عشرة وأن أميرهم كان عاصم بن ثابت الأنصاري والله أعلم.
3 - قصة أصحاب رسول الله في بئر معونة:
أ - سبب خروج القراء من أصحاب رسول الله:
396 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "إن رعلًا وذكوان وعصية وبني لحيان استمدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عدو، فأمدهم بسبعين من الأنصار كنا نسميهم القراء في زمانهم، كانوا يحتطبون بالنهار، ويصلون بالليل، حتى كانوا ببئر معونة قتلوهم وغدروا بهم، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقنت شهرًا يدعو في الصبح على أحياء من أحياء العرب، على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان" (4).
ب - جوار ملاعب الأسنة لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم:
397 - من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه قال: (جاء ملاعب الأسنة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بهدية، فعرض عليه الإِسلام فأبى أن يسلم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - فإني لا أقبل هدية من مشرك، قال: فأبعث إلى أهل نجد من شئت فأنا لهم جار، فبعث إليهم بقوم فيهم المنذر بن عمرو، وهو الذي يقال له -المعتق ليموت -أو -أعتق عند الموت-، فاستجاش (5) عليهم عامر بن الطفيل بني عامر فابوا أن يطيعوه، وأبوا أن يخفروا ملاعب الأسنة، فاستجاش عليهم بني سليم، فأطاعوه، فاتبعهم بقريب من مائة رجل رام فأدركهم ببئر معونة، فقتلوهم إلا عمرو بن أمية" (6).
398 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "جاء ناس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: أن ابعث معنا رجالًا يعلمونا القرآن والسنة، فبعث إليهم سبعين رجلًا من الأنصار يقال لهم القراء فيهم خالي حرام، يقرأون القرآن، ويتدارسون بالليل يتعلمون، وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد، ويحتطبون فيبيعونه، ويشترون به الطعام لأهل الصفة وللفقراء، فبعثهم النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم، فعرضوا لهم فقتلوهم، قبل أن يبلغوا المكان، فقالوا: اللهم بلغ عنا نبينا، أنا قد لقيناك فرضينا عنك، ورضيت عنا، قال: وأتى رجل حرامًا خال أنس من خلفه فطعنه برمح حتى أنفذه، فقال حرام: فزت ورب الكعبة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: (إن إخوانكم قد قتلوا، وإنهم قالوا: اللهم! بلغ عنا نبينا أنا قد لقيناك، فرضينا عنك ورضيت عنا) (7) ".
............................................
(1) المختصرون: أو المتخصرون: المتكئون على المخاصر: جمع مخصرة وهي ما يمسكه الإنسان بيده من عصا وغيرها. والمراد هنا: الذين يأتون يوم القيامة ومعهم أعمال صالحة يتكئون عليها.
(2) أخرجه أبو داود في سننه كتاب الصلاة باب صلاة الطالب حديث رقم: 1249، بإختصار أحمد في المسند: 3/ 496 البيهقي في السنن: 3/ 256، وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره: 1/ 295، إسناده جيد، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: 2/ 350، إسناده حسن، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 203 - 204رواه الطبراني ورجاله ثقات، واللفظ لأحمد.
(3) أخرجه البخاري في المغازي باب فضل من شهد بدرًا رقم: 3989، وباب غزوة الرجيع ورعل وذكوان رقم: 4086، أبو داود في الجهاد باب في الرجل يستأسر رقم: 2660، 2661، وعبد الرزاق في المصنف رقم: 9730، وأحمد في المسند: 2/ 295 - 315 والبيهقي في الدلائل: 3/ 323 - 325 والطبري في تاريخه: 2/ 538 - 541، وأبو داود الطيالسي رقم: 2349، 2/ 101.
(4) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة بني الرجيع: 4090، وقد جاء أيضًا في الوتر باب القنوت قبل الركوع وبعده، الجهاد، باب دعاء الإمام على من نكث عهدًا، الدعوات باب الدعاء على المشركين، مسلم في المساجد باب استحباب القنوت في جميع الصلاة، إذا نزلت بالمسلمين نازلة رقم: 677، وأحمد في المسند: 3/ 167، 255، ابن سعد في الطبقات: 2/ 51 - 54 والبيهقي في الدلائل: 3/ 338 - 344 والطبراني ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي في المجمع: 6/ 126 - 127.
(5) استجاش: طلب لهم الجيش وجمعه.
(6) أخرجه عبد الرزاق في المصنف: 9741، والطبراني في الكبير: 19/ 70 - 72 رقم: 138، 139، 140، وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 126 - 127، رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
(7) أخرجه مسلم في صحيحه في الإمارة باب ثبوت الجنة للشهيد رقم: 677، ص: 1511 طبعة فؤاد عبد الباقي، وأبو نعيم في الدلائل: ص: 513، والبيهقي في الدلائل: 3/ 347.
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 26-02-2019, 08:56 PM
  #53
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: صحيح السيرة النبوية

جـ - قصة عامر بن فهيرة يوم بئر معونة:
399 - من حديث عائشة رضي الله عنها: (... فقتل عامر بن فهيرة يوم بئر معونة، وعن أبي أسامة قال: قال هشام بن عروة فأخبرني أبي قال: لما قتل الذين ببئر معونة وأسر عمرو بن أمية الضمري، قال له عامر بن الطفيل: من هذا؟ فأشار إلى قتيل، فقال له عمرو بن أمية: هذا عامر بن فهيرة. فقال: لقد رأيته بعد ما قتل رفع إلى السماء حتى إني لأنظر إلى السماء بينه وبين الأرض، ثم وضع، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - خبرهم فنعاهم فقال: (إن أصحابكم قد أصيبوا، وإنهم قد سألوا ربهم فقالوا: ربنا أخبر عنا إخواننا بما رضينا ورضيت عنا فأخبرهم عنهم) وأصيب يومئذ عروة بن أسماء بن الصلت فسمي عروة به، ومنذر بن عمرو سمي به منذرًا) (1).
د - دعاء النبي على قتلة القراء في دعاء القنوت ثم تركه عندما جاؤوا تائبين مسلمين:
400 - وقد سبق من حديث أنس في سبب خروج القراء من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فانظر تخريجه هناك (2).
401 - وقد جاء من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهرًا متتابعًا في الظهر والعصر والمغرب والعشاء وصلاة الصبح، في دبر كل صلاة، إذا قال: (سمع الله لمن حمده) من الركعة الأخيرة، يدعو على أحياء من بني سليم، على رعل وذكوان وعصية، ويؤُمِّن من خلفه" (3).
المبحث الثالث: غزوة بني النضير
وقت الغزوة:
قال الزهري عن عروة: (كانت على رأس ستة أشهر من وقعة بدر قبل أحد (4)، وجعله ابن إسحاق بعد بئر معونة وأحد (5)، وقد وافق ابن إسحاق جل أهل المغازي كما قال الحافظ في الفتح (6).
وقد ذهب إلى تأييد الرأي الثاني ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد فقال: "وزعم محمَّد بن شهاب الزهري أن غزوة بني النضير كانت بعد بدر بستة أشهر، وهذا وهم منه أو غلط عليه، بل الذي لا شك فيه أنها كانت بعد أحد، والتي كانت بعد بدر بستة أشهر هي غزوة بني قينقاع، وقريظة بعد الخندق، وخيبر بعد الحديبية، وكان له مع اليهود أربع غزوات، أولها: غزوة بني قينقاع بعد بدر، والثانية: بني النضير بعد أحد، والثالثة: قريظة بعد الخندق، والرابعة: خيبر بعد الحديبية" انتهى، وقد ذهب ابن حزم في جوامع السير هذا المذهب قبل ابن القيم والله أعلم (7).
سبب نزول سورة الحشر:
402 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (قال سعيد بن جبير: قلت لابن عباس: سورة التوبة قال: التوبة هي الفاضحة، ما زالت تنزل حتى ظنوا أنها لم تبق أحدًا منهم إلا ذكر فيها، قال: قلت: سورة الأنفال، قال: نزلت في بدر قال: سورة الحشر قال: نزلت في بني النضير" (8).
قطع الشجر وتحريقه:
403 - من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (حرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نخل بني النضير وقطع، وهي البويرة، فنزلت {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} وفي لفظ آخر له "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حرق نخل بني النضير، قال: ولها يقول حسان بن ثابت:
وهان على سراء بني لؤي ... حريق بالبويرة مستطير
قال فأجابه أبو سفيان بن الحارث:
أدام الله ذلك من صنيع ... وحرق في نواحيها السعير
ستعلم أينا منها بنزه ... وتعلم أي أرضينا تضير (9)
404 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كانت غزوة بني النضير، وهم طائفة من اليهود على رأس ستة أشهر من غزوة بدر، وكان منزلهم ونخلهم بناحية المدينة، فحاصرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى نزلوا على الجلاء، وعلى أن لهم ما أقلت الإبل والأمتعة والأموال إلا الحلقة يعني السلاح -فأنزل الله فيهم {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} إلى قوله: {لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا}، فقاتلهم النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى صالحهم على الجلاء، فأخلاهم إلى الشام، وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما خلا، وكان الله قد كتب عليهم ذلك، ولولا ذلك لعذبهم في الدنيا بالقتل والسبي، وأما قوله: {لأَوَّلِ الْحَشْرِ} فكان ذلك أول حشر في الدنيا إلى الشام" (10).
والناظر في حديث عائشة رضي الله عنها يرى أنه مؤيد للرأي القائل أن غزوة بني النضير كانت بعد بدر بستة أشهر كما قال الزهري رحمه الله، وهو في سند حديث عائشة، فالجواب عنه ما قال ابن القيم رحمه الله تعالى في ذلك من الخطأ في النقل عن الزهري، أو هو وهم من الزهري رحمه الله والله أعلم".
المبحث الرابع: غزوة بدر الثانية
405 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لما انصرف أبو سفيان والمشركون عن أحد وبلغوا الروحاء قال أبو سفيان: لا محمَّد قتلتم، ولا الكواكب أردفتم، شر ما صنعتم، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فندب الناس فانتدبوا حتى بلغوا حمراء الأسد -أو بئر بني عيينة فأنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ}، وذلك أن أبا سفيان قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: موعدك موسم بدر حيث قتلتم أصحابنا، فأما الجبان فرجع، وأما الشجاع فأخذ أهبة القتال والتجارة فأتوه فلم يجدوا به أحدًا وتسوقوا فأنزل الله -عز وجلَّ- ذكره. {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} " (11).
.................................................. ....................
(1) أخرجه البخاري في كتاب المغازي باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة وحديث عضل والقارة وعاصم بن ثابت ونجيب وأصحابه رقم: 4093، وفي مناقب الأنصار باب هجرة النبي وأصحابه إلى المدينة رقم: 3900، وأبو نعيم في الدلائل: ص: 513، والبيهقي في الدلائل: 3/ 353 وأبو نعيم في الحلية: 1/ 110، وقد سبق جزء منه برقم: 119.
(2) انظر حديث رقم: 396.
(3) أخرجه أبو داود في الصلاة باب القنوت في الصلوات: 1443، وأحمد في المسند: 1/ 301 وصححه الحاكم في المستدرك: 1/ 225 ووافقه الذهبي، واللفظ لأبي داود.
(4) علقه البخاري في المغازي باب حديث بني النضير قبل الحديث رقم: 4028، ووصله عبد الرزاق في مصنفه رقم: 9732، عن معمر عن الزهري أتم من هذا، وهو في حديثه عن عروة.
(5) علقه البخاري في المغازي باب حديث بني النضير قبل الحديث رقم: 4028.
(6) فتح الباري: 7/ 330 - 331.
(7) زاد المعاد: 3/ 249، جوامع السير ص: 181.
(8) أخرجه البخاري في المغازي حديث بني النضير حديث رقم: 4029 مسلم في صحيحه كتاب التفسير باب في سورة براءة والأنفال والحشر حديث رقم: 3031.
(9) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة بني النضير رقم: 4031، 4032، مسلم في صحيحه الجهاد والسير باب جواز قطع أشجار الكفار وتحريقها رقم: 1746، الترمذي في الجهاد والسير باب في التحريق والتخريب رقم: 1552، وفي التفسير باب ومن سورة الحشر رقم: 3302 وقال حسن صحيح، وأبو داود في الجهاد باب في الحرق في بلاد العدو رقم: 2615.
(10) الحاكم في المستدرك: 2/ 483، وقال صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبي والبيهقي في دلائل النبوة: 2/ 444، والحديث صحيح إلا أنه ليس على شرط الشيخين لأنهما لم يخرجا لزيد بن المبارك ومحمد بن ثور وكلاهما ثقة.
(11) قد سبق تخريجه في حديث رقم: 393 في غزوة حمراء الأسد فانظره هناك.
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 03-03-2019, 09:32 PM
  #54
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: صحيح السيرة النبوية

المبحث الخامس: غزوة بني المصطلق أو غزوة المريسيع
1 - وقت الغزوة:
اختلف العلماء في ذلك وانحصرت أقوالهم فيها في ثلاثة أقوال، فمن قائل أنها سنة ست، قال بذلك ابن إسحاق إمام المغازي، وتبعه على ذلك خليفة بن خياط، وابن جرير الطبري، وابن حزم، وابن عبد البر، وابن العربي، وابن الأثير، وابن خلدون، فقد صرح كل منهم بأن غزوة بني المصطلق كانت في شعبان من السنة السادسة للهجرة (1).
ولابن حزم رأي آخر، وافقه عليه عدد من العلماء، منهم مالك بن أنس وموسى بن عقبة، والبخاري، وابن قتيبة ويعقوب بن سفيان الفسوي والنووي، وابن خلدون أنها كانت في شعبان من العام الرابع للهجرة (2).
وذهبت طائفة إلى أنها كانت في شعبان من السنة الخامسة للهجرة وذهب إلى هذا القول: موسى بن عقبة، وابن سعد، وابن قتيبة، والبلاذري، والذهبي، وابن القيم وابن حجر العسقلاني، وابن كثير رحمهم الله ومن المحدثين الخضري بك، والغزالي، والبوطي، وأبو شهبة والشيخ الساعاتي، وهذا القول هو الأصح والأظهر، والله أعلم؛ لأن الأدلة كلها متظاهرة ومتفقة على تأييد هذا القول، ومن هذه الأدلة:
أ - روى البيهقي عن عروة، وموسى بن عقبة عن ابن شهاب الزهري أنه قال: "ثم قاتل بني المصطلق وبني لحيان في شعبان سنة خمس" (3).
ب - قال ابن كثير: قال موسى بن عقبة عن الزهري: "هذه مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي قاتل فيها، يوم بدر في رمضان سنة ثنتين، ثم قاتل يوم أحد في شوال سنة ثلاث، ثم قاتل يوم الخندق -وهو يوم الأحزاب وبني قريظة- في شوال أربع، ثم قاتل بني المصطلق وبني لحيان في شعبان سنة خمس".
ثم أورد ابن كثير قول البخاري عن موسى بن عقبة "أنها سنة أربع" (4) وعقب عليه بقوله: هكذا رواه البخاري عن مغازي موسى بن عقبة أنها سنة أربع، والذي حكاه موسى بن عقبة، عن الزهري وعن عروة أنها كانت في شعبان سنة خمس (5).
وعقب ابن حجر العسقلاني في فتح الباري على قول البخاري "وقال موسى ابن عقبة سنة أربع" بقوله: "كذا ذكره البخاري، وكأنه سبق قلم أراد أن يكتب سنة خمس، فكتب سنة أربع، والذي في مغازي موسى بن عقبة من عدة طرق، أخرجها الحاكم، وأبو سعيد النيسابوري، والبيهقي في الدلائل وغيرهم سنة خمس.
ولفظه عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب ثم قاتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم – بني المصطلق وبني لحيان في شعبان سنة خمس) ويؤيده ما أخرجه البخاري في الجهاد (عن ابن عمر أنه غزا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بني المصطلق في شعبان سنة أربع) ولم يؤذن له في القتال؛ لأنه إنما أذن له فيه في الخندق كما تقدم، وهي بعد شعبان سواء قلنا أنها كانت خمس أو سنة أربع).
وقال الحاكم في الإكليل: قول عروة وغيره أنها كانت في سنة خمس أشبه من قول ابن إسحاق.
قلت: ويؤيده ما ثبت في حديث الإفك: أن سعد بن معاذ تنازع هو وسعد بن عبادة في أصحاب الإفك كما سيأتي، فلو كانت المريسيع في شعبان سنة ست مع كون الإفك كان فيها، لكان ما وقع في الصحيح من ذكره سعد بن معاذ غلطًا، لأن سعد بن معاذ مات أيام قريظة، وكانت سنة خمس على الصحيح كما تقدم تقريره، وإن كانت كما قيل سنة أربع.
فيظهر أن المريسيع كانت سنة خمس في شعبان، لتكون قد وقعت قبل الخندق؛ لأن الخندق كانت في شوال من سنة خمس أيضًا، فتكون بعدها، فيكون سعد بن معاذ موجودًا في المريسيع ورُميَ بعد ذلك بسهم ومات من جراحته في قريظة، ويؤيده أيضًا أن حديث الإفك كان سنة خمس، إذ الحديث فيه التصريح بأن القصة وقعت بعد نزول الحجاب، والحجاب كان في ذي القعدة سنة أربع عند جماعة، فيكون المريسيع بعد ذلك فيرجح أنها سنة خمس" (6).
2 - سبب غزوهم:
كان لذلك أسبابًا عدة منها:
1 - تأييد هذه القبيلة لقريش وتكتلها معها في معركة أحد ضد المسلمين، وذلك ضمن كتلة الأحابيش (7) التي كانت في الجيش المكي.
2 - سيطرة هذه القبيلة على الخط الرئيسي المؤدي إلى مكة، فكانت حاجزًا منيعًا من نفوذ المسلمين إلى مكة.
3 - من أهم الأسباب في هذه الغزوة أن قبيلة بني المصطلق أخذت تجمع الجموع لغزو المدينة المنورة، وقد أطمعها في التفكير في غزو المدينة والتصميم على ذلك انتصار المشركين في غزوة أحد، فلما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك أعد عدته، واتخذ التدابير المناسبة، وباغتهم في مكانهم، وهزمهم شر هزيمة.
406 - قال ابن إسحاق: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة، وعبد الله بن أبي بكر، ومحمد بن يحيى بن حبان، كل قد حدثني ببعض حديث بني المصطلق قال: "بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن بني المصطلق يجمعون له ... " فذكر الحديث (8).
407 - من حديث نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن ابن عون قال: كتبت إلى نافع فكتب إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أغار علي بني المصطلق، وهم غارون وأنعامهم تسقي على الماء، فقتل مقاتلتهم، وسبي ذراريهم، وأصاب يومئذ جويرية، حدثني به ابن عمر وكان في ذلك الجيش" لفظ البخاري، وفي لفظ مسلم، قال ابن عون: "كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال، قال: فكتب إلي إنما كان ذلك في أول الإِسلام، قد أغار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بني المصطلق وهم غارون، وأنعامهم تسقى على الماء، فقتل مقاتلتهم، وسبي سبيهم" الحديث فذكر بقية الحديث" (9).
ترك الشيخ محمَّد الغزالي رواية البخاري ومسلم المتفق عليها في طريقة غزوه - صلى الله عليه وسلم - لبني المصطلق وأثبت أثرًا مخالفًا، وعلل ذلك بقوله "وفي الوقت الذي فسحت مكانًا لهذا الأثر -على ما به- صددت عن إثبات رواية البخاري ومسلم مثلًا للطريقة التي تمت بها غزوة بني المصطلق، فإن رواية الصحيحين تشعر بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - باغت القوم وهم غارون، ما عرضت عليهم دعوة الإِسلام، ولا بدا من جانبهم نكوص، ولا عرف من أحوالهم ما يقلق ... " إلى آخر كلامه (10) وقد جانب الشيخ الصواب لأسباب عدة منها:
1 - صحة حديث ابن عمر وصراحته في ذلك، وهو ثابت في الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها، فلا يرده رأي يراه أي إنسان أو قول يحب أن ينصره.
2 - صرح كثير من العلماء بأن من بلغته الدعوة العامة إلى الإِسلام وقربت داره، أو حاول النيل من المسلمين أنه يجوز مباغتته على غرة (11).
3 - أن المستند الذي استند عليه الشيخ الغزالي حفظه الله لم تثبت صحته، في أثناء ذكره لسياق حديث غزوة بني المصطلق، وهو لا يقاوم الحديث الصحيح المسند المتفق على صحته إن كان صحيحًا فما بالك وهو ضعيف.
4 - ذكر الدكتور أكرم ضياء العمري حفظه الله أنه "لا يمكن معارضة آية قرآنية، أو حديث صحيح، برواية من كتب التاريخ والأدب.
وقال في موطن آخر "ولا شك أن مادة السيرة في كتب الحديث موثقة يجب الاعتماد عليها، وتقديمها على روايات كتب المغازي والتواريخ العامة، وخاصة إذا أوردتها كتب الحديث الصحيحة؛ لأنها ثمرة جهود جبارة قدمها المحدثون عند تمحيص الحديث ونقده سندًا ومتنًا. وهذا التدقيق والنقد الذي حظي به الحديث، لم تحظ به الكتب التاريخية".
- أحداث الغزوة:
408 - وعن محمَّد بن إسحاق قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله ابن أبي بكر ومحمد بن يحيى ابن حبان كل قد حدثني ببعض حديث بني المصطلق قال: "بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن بني المصطلق يجمعون له، وقائدهم الحارث بن أبي ضرار، أبو جويرية بنت الحارث، زوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
فلما سمع بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إليهم، حتى لقيهم على ماء لهم يقال له: المريسيع، من ناحية قديد إلى الساحل، فتزاحف الناس واقتتلوا، فهزم الله بني المصطلق (وقتل الحارث بن أبي ضرار أبا جويرية)، وقتل من قتل منهم، ونفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبناءهم ونساءهم وأموالهم.
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصاب منهم سبيًا كثيرًا، قسمه بين المسلمين (وكان فيما أصاب يومئذ جويرية بنت أبي ضرار سيدة قومها).
وقد أصيب رجل من المسلمين من بني كلب بن عوف بن عامر بن ليث بن بكر، يقال له: هشام بن صبابة، أصابه رجل من الأنصار من رهط عبادة بن الصامت، وهو يرى أنه من العدو فقتله خطأ، وقد وفد مقيس بن صبابة من مكة مسلمًا فيما يظهر، فقال: يا رسول الله جئتك مسلمًا، وجئت أطلب دية أخي، قتل خطأ.
فأمر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدية أخيه هشام بن صبابة، فأقام عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير كثير، ثم عدا على قاتل أخيه فقتله، ثم خرج إلى مكة مرتدًا، وأصيب من بني المصطلق يومئذ ناس، وقتلَ علي بن أبي طالب منهم رجلين مالكًا وابنه، وقتل عبد الرحمن بن عوف رجلًا من فرسانهم يقال له: أحمر، أو أحيمر" (12).
وليس بين هذا الحديث وبين حديث ابن عمر في الصحيح تعارض، فقد جمع ابن حجر رحمه الله بينهما بقوله: "ويحتمل أن يكون لما دهم المسلمون بني المصطلق وهم على الماء ثبتوا قليلًا وقاتلوا، ولكن وقعت الغلبة عليهم" (13).
.................................................. ........................................
(1) تاريخ خليفة ص 80، جوامع السير ابن حزم ص: 206، الدرر في اختصار المغازي والسير لابن عبد البر ص: 200 - 202، عارضه الأحوذي لابن العربي: 12/ 49، تاريخ ابن خلدون: 2/ 29، الكامل لابن الأثير: 2/ 192، تاريخ الطبري: 2/ 604.
(2) البداية والنهاية ابن كثير: 4/ 93 - 94، وفتح الباري: 7/ 428، والمعرفة والتاريخ للفسوي: 3/ 257، شرح صحيح مسلم للنووي: 4/ 532، وابن خلدون في تاريخه: 2/ 29، المعارف ابن قتيبة ص 70.
(3) البداية والنهاية: 3/ 242، 4/ 156، طبقات ابن سعد: 2/ 63، المعارف لابن قتيبة ص: 70، أنساب الأشراف البلاذري ص: 341، 343، العبر في خبر من غبر: 1/ 7، تاريخ الإِسلام: 2/ 272 وكلاهما للذهبي، ابن القيم رحمه الله (زاد المعاد: 3/ 256، نور اليقين: ص: 152، فقه السيرة الغزالي: 316، فقه السيرة البوطي القسم الثاني: 93، السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة: 196، الفتح الرباني ترتيب مسند أحمد الشيباني: 14/ 109، فتح الباري: 7/ 430.
(4) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى: 9/ 54: 130 البخاري في المغازي باب غزوة بني المصطلق فتح الباري: 7/ 428.
(5) البداية والنهاية: 3/ 242، 4/ 156.
(6) فتح الباري: 7/ 430، في المغازي باب غزوة بني المصطلق وغزوة أنمار.
(7) الأحابيش: هم بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة، والهون بن خزيمة بن مدركة، وبنو المصطلق من خزاعة، وسمو بذلك لأنهم تحالفوا وتعاقدوا مع قريش على أنهم يد على من سواهم، وكان ذلك عند جبل بأسفل مكة يقال له حبشي فنسبوا إليه، وقيل سموا بذلك لتجمعهم والتحبش التجمع، والحباشة الجماعة، لسان العرب ابن منظور: 8/ 166، القاموس المحيط الفيروز آبادي: 2/ 267.
(8) قال الهيثمي في المجمع 6/ 142، رواه الطبراني ورجاله ثقات، وانظر سيرة ابن هشام: 2/ 290، وسنده صحيح.
(9) أخرجه البخاري في العتق باب من ملك من العرب رقيقًا فوهب وباع رقم: 2541، وسلم في كتاب الجهاد باب جواز الإغارة على الكفار الذين بلغتهم دعوة الإسلام رقم:1730، أبو داود في الجهاد باب في دعاء المشركين: 2632، وأحمد في المسند: 2/ 31، 32، 51، شرح معاني الآثار للطحاوي كتاب السير: 3/ 209، السنن الكبرى للبيهقي: 9/ 54، 9/ 107، كتاب الأموال لأبي عبيد ص: 175.
(10) فقه السيرة محمَّد الغزالي ص: 10 تحت عنوان حول أحاديث هذا الكتاب.
(11) صحيح مسلم بشرح النووي: 4/ 343، شرح معاني الآثار للطحاوي: 3/ 207 - 210 المدونة الكبرى لمالك: 2/ 2 تحفة الأحوذي: 5/ 155 - 156، فتح الباري: 6/ 112، 7/ 340،445.
(12) ابن هشام في السيرة: 290 - 293، وسنده صحيح إلى ابن إسحاق وقد صرح بالتحديث وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 142، رواه الطبراني ورجاله ثقات، ومدار الحديث على ابن إسحاق ورجاله ثقات وهم رجال الصحيح غير أنه مرسل، ويشهد له حديث عبد الله بن عمر فإنه صريح في وجود القتل والسبي وبذلك يكون الحديث حسنًا لغيره.
(13) فتح الباري: 7/ 430 - 431، في التعليق علي حديث غزوة بني المصطلق في المغازي.
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 08-03-2019, 08:31 AM
  #55
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: صحيح السيرة النبوية

4 - شعار المسلمين في غزوة بني المصطلق:
409 - من حديث سنان بن وبرة قال: "كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة المريسيع غزوة بني المصطلق فكان شعارهم: "يا منصور أمت أمت" (1).
_5 - قصة جويرية بنت الحارث وزواج النبي - عليه السلام - بها:
410 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "لما قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبايا بني المصطلق، وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن الشماس، أو لابن عم له، وكاتبته على نفسها، وكانت امرأة حلوة ملاحة، لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تستعينه في كتابتها.
قالت: فوالله ما هو إلا أن رأيتها على باب حجرتي، فكرهتها وعرفته أنه سيرى منها ما رأيت، فدخلت عليه، فقالت: يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه، وقد أصابني ما لم يخف عليك، فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عمه له، فكاتبته على نفسي، فجئتك أستعينك على كتابي.
قال: (فهل لك خير من ذلك؟) قالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: (أقضي كتابتك وأتزوجك)، قالت: نعم يا رسول الله، قال: (قد فعلت).
قالت: وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج جويرية بنت الحارث، فقال الناس: أصهار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأرسلوا ما بيديهم، قالت: فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق، فما أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها" (2).
6 - محاولة المنافقين إثارة الفتنة بين المسلمين في هذه الغزوة:
411 - من حديث جابر بن عبد الله قال: "كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة، قال: يرون أنها غزوة بني المصطلق، فكسع (3) رجل من المهاجرين رجلًا من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فسمع ذاك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (ما بال دعوى جاهلية؟) قالوا: يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلًا من الأنصار، فقال: (دعوها فإنها منتنة).
فسمع بذلك عبد الله بن أبي فقال: فعلوها؟ أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام عمر فقال: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: دعه لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه، وكانت الأنصار أكثر من المهاجرين حين قدموا المدينة ثم أن المهاجرين كثروا بعدا" (4).
قول زعيم المنافقين (لا تنفقوا على من عند رسول الله ...) ونقل زيد بن أرقم ذلك إلى النبي:
412 - من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه: قال: "خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر أصاب الناس فيه شدة، فقال عبد الله بن أبي لأصحابه: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله".
وقال: "لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته، فأرسل إلى عبد الله بن أبي فسأله, فاجتهد يمينه ما فعل، قالوا: كذب زيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوقع في نفسي ما قالوا شدة حتى أنزل الله -عزَّ وجلَّ- تصديقي في قوله: {إذا جاءك المنافقون} فبعث إليَّ النبي فقرأ فقال: (إن الله قد صدقك يا زيد) (5).
كيف عالج رسول الله عليه الصلاة والسلام:
413 - من طريق محمَّد بن إسحاق قال حدثني عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر، ومحمد بن يحيى بن حبان، كل قد حدثني حديث بني المصطلق وساق الحديث، وذكر قصة الأنصار والمهاجرين والخصومة بينهما إلى أن قال: (... فغضب عبد الله بن أبي بن سلول، وعنده رهط من قومه فيهم: زيد بن أرقم غلام حدث! فقال: أو قد فعلوها؟ قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا، والله ما أعدّنا وجلابيب قريش إلا كما قال الأول: سمن كلبك يأكلك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، ثم أقبل على من حصره من قومه، فقال لهم: هذا ما فعلتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير بلادكم.
فسمع ذلك زيد بن أرقم فمشى به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذلك عند فراغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عدوه، فأخبره الخبر، وعنده عمر بن الخطاب، فقال: مر به عباد بن بشر فليقتله، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه! لا, ولكن أذن بالرحيل) وذلك في ساعة لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرتحل فيها، فارتحل الناس وقد مشى عبد الله بن أبي بن سلول إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حين بلغه أن زيد بن أرقم قد بلغه ما سمع منه، فحلف بالله، ما قلت ما قال، ولا تكلمت به -وكان في قومه شريفًا عظيمًا- فقال من حضر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار من أصحابه: يا رسول الله عسى أن يكون الغلام قد أوهم في حديثه، ولم يحفظ ما قال الرجل، حدبًا على ابن أبي بن سلول، ودفعًا عنه.
فلما استقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسار، لقيه أسيد بن حضير، فحياه بتحية النبوة وسلم عليه، ثم قال: يا نبي الله، والله لقد رحت في ساعة منكرة، ما كنت تروح في مثلها، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أوما بلغك ما قال صاحبكم؟) قال: وأي صاحب يا رسول الله؟ قال: (عبد الله بن أبي)، قال: وما قال: قال: (زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، قال: فأنت يا رسول الله، والله تخرجه منها إن شئت، هو والله الذليل، وأنت العزيز، ثم قال: يا رسول الله ارفق به، فوالله لقد جاءنا الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه، فإنه ليرى إنك قد استلبته ملكًا.
ثم مشى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالناس يومهم ذلك حتى أمسى، وليلتهم حتى أصبح، وصدد يومهم ذلك، حتى آذتهم الشمس، ثم نزل بالناس، فلم يلبثوا أن وجدوا مس الأرض فوقعوا نيامًا، وإنما فعل ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليشتغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس، من حديث عبد الله بن أبي" إلى أن قال: وجعل بعد ذلك إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يعاتبونه، ويأخذونه ويعنفونه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمر بن الخطاب حين بلغه ذلك من شأنهم: (كيف ترى يا عمر، أما والله لو قتلته يوم قلت لي اقتله لأرعدت (6) له أنف لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته).
قال: قال عمر: "قد والله علمت لأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعظم بركة من أمري" (7):
موقف عبد الله بن عبد الله بن أبي من أبيه:
414 - في رواية الترمذي لحديث جابر السابق الذكر عن غزوة بني المصطلق ومحاولة المنافقين إثارة الفتنة زيادة لطيفة ليست عند البخاري ومسلم حيث قال الترمذي بعد قول النبي لعمر: (دعه لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه)، وقال غير عمرو (يعني ابن دينار): فقال له ابنه عبد الله بن عبد الله: والله لا تنفلت حتى تقر أنك الذليل ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - العزيز ففعل (8).
وقد جاء موقف عبد الله بن عبد الله بن أبي من أبيه واستئذانه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أربعة أحاديث كلها منقطعة، ولكن رجالها ثقات عند الحميدي (9) من طريق أبي هارون، وعند الطبراني من طريق عروة بن الزبير، قال فيه الهيثمي (10) رجاله رجال الصحيح، ومن طريق عاصم بن عمر بن قتادة عند ابن جرير الطبري وابن هشام في السيرة (11)، ومن طريق عكرمة وابن زيد عند ابن كثير في التفسير والتاريخ (12).
ولكن مجموع هذه الطرق يؤيد بعضها بعضًا، وترتقي إلى درجة الحسن
لغيره، ويقويها رواية الترمذي السابقة الذكر، وقد جاء أيضًا ما يقويها من حديث أبي هريرة دون ذكر أنها كانت في غزوة بني المصطلق.
415 - من حديث أبي هريرة قال: "مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعبد الله بي أبي وهو في ظل أطم (13) فقال: عبر علينا ابن أبي كبشة (يعني بذلك رسول الله) فقال له ابنه عبد الله بن عبد الله: يا رسول الله، والذي أكرمك لئن شئت لآتينك برأسه، فقال: (لا ولكن بر أباك وأحسن صحبته) " (14).
.................................................. .....................
(1) مجمع الزوائد: 6/ 142، وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط والكبير وإسناده حسن، وهو كما قال الهيثمي وإن كان فيه الحارث بن رافع الجهني قال فيه في التقريب مقبول عملًا بقاعدة تحسين الحديث للمستور إذا كان من التابعين كما هو مذهب ابن كثير وابن رجب رحمهما الله تعالى.
(2) أخرجه أحمد في المسند: 6/ 277، والحاكم: 4/ 26، وسكت عنه هو والذهبي وأخرجه ابن هشام في السيرة النبوية وقد صرح ابن إسحاق بالسماع وسنده متصل: 2/ 294 والطبراني في الكبير: 24/ 61 وقال الساعاتي في الفتح الرباني: 14/ 109 - 110 سنده جيد. أبو داود في كتاب العتق باب في بيع المكاتب إذا فسخت الكتابة: 3931 وسنده حسن- وقد صرح ابن إسحاق بالسماع وسنده متصل.
(3) كسع: ضرب دبره أخرجه بيد أو رجل أو سيف.
(4) أخرجه البخاري في التفسير باب قوله {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} رقم: 4905، 4907، مسلم كتاب البر والآداب والصلة باب نصر الأخ ظالمًا أو مظلومًا رقم: 2584، والترمذي في التفسير باب ومن سورة المنافقين حديث رقم: 3315، وقال حسن صحح أحمد في المسند: 3/ 392 - 393، والطيالسي: 2/ 76 رقم: 2272، والحميدي: 1239، واللفظ لأحمد.
(5) أخرجه البخاري في التفسير سورة المنافقين باب إذا جاءك المنافقون رقم: 4900، 4901، 4902، 4903، 4904، مسلم أول صفات المنافقين رقم: 2772، الترمذي في التفسير باب ومن سورة المنافقين حديث رقم: 3312، وقال حسن صحيح: 3313 وقال حسن صحيح: 3314 وقال حسن صحح، وأحمد في المسند: 4/ 369، 373.
(6) لأرعدت له أنف: انتفخت واضطربت أنوفهم حمية وعصبية.
(7) سيرة ابن هشام: 2/ 290 - 292 والحديث رجاله ثقات ولكنه مرسل، وابن جرير الطبري في تاريخه: 2/ 605، وله شاهد مرسل من طريق عروة عند ابن أبي حاتم قال فيه ابن حجر، أنه مرسل جيد فتح الباري: 8/ 649، وأصله في الصحيحين كما سبق من حديث زيد بن أرقم، وجابر بن عبد الله وبهذا يكون الحديث حسنًا لغيره.
(8) سبق تخريجه دون هذه الزيادة من حديث جابر رقم: 411، فانظر هناك.
(9) مسند الحميدي: 2/ 520.
(10) مجمع الزوائد: 9/ 318.
(11) سيرة ابن هشام: 2/ 292 - 293، ابن جرير التاريخ: 2/ 608 تفسير: 28/ 116.
(12) تفسير ابن كثير: 4/ 372، تاريخ البداية والنهاية: 4/ 158.
(13) أطم: بناء مرتفع.
(14) قال الهيثمي في المجمع: 9/ 318، رواه البزار ورجاله ثقات.
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 10-03-2019, 08:58 PM
  #56
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: صحيح السيرة النبوية

هبوب ريح شديدة لموت عظيم من المنافقين:
416 - من حديث ابن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة، وعبد الله بن أبي بكر، ومحمد بن يحيى بن حبان. "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قفل من غزوة بني المصطلق سلك بالناس طريق الحجاز حتى نزل على ماء بالحجاز فويق النقيع يقال له نقعاء، فلما راح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هبت على الناس ريح شديدة آذتهم، وتخوفوها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تخافوها، فإنما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار، فلما قدموا المدينة، وجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت أحد بني قينقاع، وكان عظيمًا من عظماء يهود، وكهفًا للمنافقين، مات في ذلك اليوم ...) " (1).
وقد وصله الإِمام مسلم، وعبد بن حميد، وأحمد من طريق آخر عن جابر دون ذكر أن الريح كانت في غزوة بني المصطلق وسأكتفي هنا بإيراد رواية مسلم.
417 - من حديث جابر رضي الله عنه قال: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قدم من سفر، فلما كان قرب المدينة هاجت ريح شديدة تكاد أن تدفن الراكب، فزعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (بعثت هذه الريح لموت منافق، فلما قدم المدينة، فإذا منافق عظيم من المنافقين قد مات) (2).
وبهذا الشاهد يعلم أن حديث ابن إسحاق يصبح حسنًا لغيره.
المبحث السادس: حادثة الإفك
418 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يخرج سفرًا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معه.
قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها، (3) فخرج فيها سهمي، فخرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وذلك بعد ما أنزل الله الحجاب، فانا أحمل في هودجي، وأنزل فيها مسيرنا، حتى إذا فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوه، وقفل ودنونا من المدينة آذن (4) ليله بالرحيل".
1 - سبب تأخر عائشة عن الجيش:
فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت من شأني أقبلت إلى الرحل، فلمست صدري فهذا عقدي من جزع (5) ظفار قد انقطع، فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي فحملوا هودجي (6)، فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب، وهم يحسبون أني فيه.
قالت: وكان النساء إذ ذاك خفافًا، لم يُهَبَّلنَ (7)، ولم يغشهن اللحم (8)، إنما يأكلن العلقة (9) من الطعام، فلم يستنكر القوم ثقل (10) الهودج حين رحلوه ورفعوه، وكنت جارية حديثة السن, فبعثوا الجمل وساروا، ووجدت عقدي بعدما استمر الجيش، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب.
فتيممت منزلي الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدوني فيرجعون إلي، فبينما أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكراني قد عرس (11) من وراء الجيش فأدلج (12)، فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم، فأتاني، فعرفني حين رآني، وقد كان يراني قبل أن يضرب الحجاب عليَّ، فاستيقظت باسترجاعه (13) حين عرفني، فخمرت (14) وجهي بجلبابي، والله ما يكلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، حتى أناخ راحلته فوطئ على يدها فركبتها، فانطلق يقول في الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحو الظهيرة (15)، فهلك من هلك في شأني، وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي بن سلول.
2 - انتشار الإفك في المدينة:
فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمنا المدينة شهرًا، والناس يفيضون (16) في قول أهل الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك، وهو يريبني (17) في وجعي أني لا أعرف من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللطف (18) الذي كنت أرى منه حين أشتكي، إنما يدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيسلم ثم يقول: كيف تيكم؟
فذاك يريبني، ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعد ما نقهت (19)، وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع (20) هو متبرزنا, ولا نخرج إلا ليلًا إلى ليل، وذلك قبل أن نتخذ الكنف (21) قريبًا من بيوتنا، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه (22)، وكنا نتأذى (23) بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف، وأمها ابنة صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب، فأقبلت أنا وبنت أبي رهم قبل بيتي حين فرغنا من شأننا.
فعثرت أم مسطح في مرطها (24). فقالت: تعس (25) مسطح، فقلت لها: أتسبين رجلًا قد شهد بدرًا؟!
قالت: آي هنتاه (26)؟ ألم تسمعي ما قال: قلت: وماذا قال قالت: فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضًا إلى مرضي، فلما رجعت إلى بيتي، فدخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: (كيف تيكم؟) قلت: أتأذن لي أن آتي أبوي؟ قالت: وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما، فأذن لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجئت أبوي، فقلت لأمي: يا أمتاه ما يتحدث الناس، فقالت: يا ابنية هوني عليك، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة (27)، عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا كثرن (28) عليها، قالت: قلت: سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا؟
قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم ثم أصبحت أبكي.
3 - استشارة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعض أصحابه عند تأخر الوحي:
ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، قالت: فأما أسامة فأشار على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال: يا رسول الله هم أهلك ولا نعلم إلا خيرًا، وأما علي بن أبي طالب فقال: لم يضيق الله عليك في النساء كثيرًا، وإن تسأل الجارية تصدقك، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بريرة فقال: (أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟).
قالت له بريرة: والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرًا قط أغمصه (29) عليها، أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن (30) فتأكله، قالت: فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر فاستعذر (31) من عبد الله بن أبي بن سلول.
قالت: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر: (يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغ أذاه في أهل بيتي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرًا، ولقد ذكروا رجلًا ما علمت عليه إلا خيرًا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي) فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك.
.................................................. ........................
(1) سيرة ابن هشام: 2/ 292 وهو مرسل رجاله ثقات وصرح ابن إسحاق بالتحديث.
(2) أخرجه مسلم في كتاب صفة المنافقين رقم: 2782 أحمد في المسند: 3/ 315، 341، 346 وأبو يعلى في مسنده: 4/ 201، والطبري في تاريخه: 2/ 607 والبيهقي في الدلائل: 4/ 61.
(3) غزوة غزاها: هي غزوة بني المصطلق كما هو في رواية أبي يعلى في مسنده عن عائشة: 4/ 450.
(4) آذن: اعلم.
(5) جزع ظفار: خرز يماني.
(6) هودج: مركب النساء.
(7) يهبلن: لم يكثر عليهن اللحم والشحم.
(8) يغشهن: يغط اللحم بعضه بعضًا.
(9) العلقة: القليل من الطعام.
(10) في رواية الليث عن يونس (فلم يستنكر القوم خفة الهودج).
(11) عرس: التعريس هو نزول المسافر آخر الليل نزله للنوم والاستراحة.
(12) أدلج: صار آخر الليل.
(13) الاسترجاع: قوله إنا لله وإنا إليه راجعون.
(14) خمرت: غطيت.
(15) موغرين: النازل في وقت الوغرة وهو شدة الحر.
(16) يفيضون: يخوضون.
(17) يربيني: أوهمه وشكله.
(18) اللطف: البر والرفق.
(19) نقهت: برأت وافقت.
(20) المناصع: مواضع قضاء الحاجة.
(21) الكنف: جمع كنيف المكان الساتر المعد لقضاء الحاجة.
(22) التنزه: البعد لقضاء لحاجة.
(23) نتأذى: نتقذر
(24) عثرت في مرطها: وطئته برجلها فسقطت.
(25) تعس: إذا أعثر وانكب لوجهه وهو دعاء عليه بالهلاك.
(26) هنتاه: يا بلهاء كأنها نسبتها إلى قلة المعرفة بمكائد الناس وشرورهم.
(27) وضيئة: حسنة مبهجة جميلة.
(28) كثرن عليها: القول في عيبها.
(29) أغمصه: أعيبها به وأطعن فيها به.
(30) الداجن: الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم.
(31) استعذر أي قال من يقوم بعذري إن كافأت على سوء صنيعه فلا يلومني.
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 14-03-2019, 09:36 PM
  #57
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: صحيح السيرة النبوية

4 - آثار فتنة الإفك:
ق
الت: فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج، وكان رجلًا صالحًا، ولكن اجتهلته الحمية، فقال لسعد بن معاذ: كذبت لعمر الله لا تفتله، ولا تقدر على قتله، فقام أسيد بن حضير، وهو ابن عم سعد بن معاذ، فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فثار الحيان الأوس والخزرج، حتى هموا أن يقتتلوا، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم على المنبر، فلم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخفضهم حتى سكتوا، وسكت.
قالت وبكيت يومي ذلك، لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي، استأذنت علي امرأة من الأنصار فأذنت لها، فجلست تبكي، قالت: فبينما نحن على ذلك دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسلم ثم جلس قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل.
5 - مفاتحة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعائشة وجوابها له:
وقد لبث شهرًا لا يوحى إليه في شأني بشيء، قالت: فشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: (أما بعد يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا (1). فإن كنت بريثة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب، تاب الله عليه).
قالت: فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقالته، قلص دمعي (2) حتى ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب عني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما قال، فقال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
فقلت: وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرًا من القرآن، إني والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا حتى استقر في نفوسكم، وصدقتم به، فإن قلت لكم: إني بريئة -والله يعلم أني بريئة- لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر -والله يعلم أني بريئة- لتصدقونني، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلًا إلا كما قال أبو يوسف: {فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون}.
قالت: ثم تحولت فاضجعت على فراشي، قالت: وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة، وأن الله مبرئي ببرائتي، ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله -عَزَّ وَجَلَّ- في بأمر يتلى، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النوم رؤيا يبرئني الله بها.
6 - نزول الوحي ببراءة عائشة:
قالت: فوالله ما رام (3) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- على نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء (4) عند الوحي، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان (5) من العرق في اليوم الشات من ثقل القول الذي أنزل عليه، قالت: فلما سرى (6) عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يضحك، فكان أول كملة تكلم بها أن قال: (أبشري يا عائشة، أما الله فقد برأك) فقالت لي أمي: قومي إليه، فقلت: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله هو الذي برأني. قالت: فأنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم} عشر آيات فأنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- هؤلاء الآيات ببراءتي، قالت: فقال أبو بكر وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق عليه شيئًا أبدًا بعد الذي قال لعائشة، فأنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى} ... إلى قوله {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} ".
قال حبان بن موسى: قال عبد الله بن المبارك: هذه أرجى آية في كتاب الله.
"فقال أبو بكر: والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال لا أنزعها منهُ إبدًا.
قالت عائشة: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأل زينب بنت جحش زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أمري (ما علمت؟ وما رأيت؟) فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي وبصري، (7) والله ما علمت إلا خيرًا.
قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني (8) من أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعصمها الله بالورع. وطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها، فهلكت فيمن هلك، قال الزهريّ: فهذا ما انتهى إلينا من أمر هؤلاء الرهط" (9). وهذا اللفظ لمسلم.
7 - الذي تولى كبر الإفك:
419 - من حديث عائشة: قالت: "وكان الذي يتكلم فيه مسطح وحسان بن ثابت والمنافق عبد الله بن أبي، وهو الذي كان يستوشيه (10) وهو الذي تولى كبره منهم هو وحمنة" (11).
8 - إقامة الحد على القاذفين:
420 - من حديث عائشة قالت: "لما نزل عذري قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر فذكر ذلك وتلا القرآن، فلما نزل أمر برجلين وامرأة فضربوا حدهم" (12).
421 - من حديث أبي هريرة قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه، فأصاب عائشة القرعة في غزوة بني المصطلق ... " الحديث (13).
وفيه "وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجيء فيقوم على الباب فيقول: (كيف تيكم؟) حتى جاء يومًا فقال: (أبشري يا عائشة فقد أنزل الله عذرك، فقالت: بحمد الله لا بحمدك، وأنزل الله -عزَّ وجلَّ- في ذلك عشر آيات {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم} قال: فحد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسطحًا وحمنة وحسان".
وكذا جاء من حديث عائشة عن ابن إسحاق في السيرة وسنده في ذلك صحيح، وقد صرح بالتحديث كما جاء في سيرة ابن هشام (14).
9 - موقف صفوان بن المعطل من حسان بن ثابت:
422 - قال ابن إسحاق: حدثني محمَّد بن إبراهيم بن الحارث التيمي: أن ثابت ابن قيس بن الشماس وثب على صفوان بن المعطل، حين ضرب حسان، فجمع يديه إلى عنقه بحبل، ثم انطلق به إلى دار بني الحارث بن الخزرج: فلقيه عبد الله بن رواحة فقال: ما هذا؟
قال: أما أعجبك ضرب حسان بالسيف! والله ما أراه إلا قد قتلته، قال له عبد الله بن رواحة: هل علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء مما صنعت؟
قال: لا والله، قال: لقد اجترأت، أطلق الرجل، فأطلقه، ثم أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكروا ذلك له، فدعا حسان وصفوان بن المعطل، فقال ابن المعطل: يا رسول الله آذاني وهجاني، فاحتملني الغضب، فضربته، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحسان: (أحسن يا حسان، أتشوفت على قومي، أن هداهم الله للإسلام)، ثم قال: (أحسن يا حسان في الذي أصابك) قال: هي لك يا رسول الله" (15).
.................................................. ..............................
(1) كذا وكذا: كناية عما رميت به من الإفك.
(2) قلص دمعي: ارتفع وذهب.
(3) ما رام: ما برح وما فارق مجلسه.
(4) البرحاء: شدة الكرب من ثقل الوحي.
(5) الجمان: هو اللؤلؤ الصغار.
(6) سرى: انكشف عنه ما يجده من الهم والقتل.
(7) أحمي سمعي وبصري: أي أمنعهما من أن أنسب إليهما ما لم يدركاه، ومن العذاب لو كذبت عليهما.
(8) تساميني: تعاليني وتفاخرني تطاولني عنده - صلى الله عليه وسلم -.
(9) أخرجه البخاري في المغازي باب حديث الإفك رقم: 4141، مسلم في صحيحه كتاب التوبة باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف رقم: 2770، الترمذي في التفسير باب ومن سورة النور حديث رقم: 3180، وأبو يعلى في منده: 4397، 4927، أحمد في المسند: 6/ 59، وانظر الفتح الرباني: 21/ 73 - 75 وعبد الرزاق في المصنف: 5/ 410 - 419.
(10) يستوشيه: يستخرجه الحديث .. والسؤال والبحث عه.
(11) أخرجه البخاري في تفسير سورة النور باب قوله {إن الذي يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا} رقم: 4757، مسلم في كتاب التوبة باب حديث الإفك رقم: 2770 الترمذي تفسير سورة النور حديث رقم:3180.
(12) أخرجه الترمذي في التفسير باب ومن سورة النور حديث رقم: 3181 وقال حسن غريب ابن ماجه كتاب الحدود باب حد القذف حديث رقم: 2765، أبو داود حديث رقم: مصنف عبد الرزاق: 5/ 19، وأحمد: 6/ 61.
(13) قال الهيثمي في المجمع: 9/ 230 رواه البزار وفيه محمَّد بن عمرو حسن الحديث وبقية رجاله ثقات.
(14) سيرة ابن هشام: 2/ 297 - 300.
(15) سيرة ابن هشام: 2/ 305، ابن جرير: 2/ 618 البيهقي في الدلائل: 4/ 74 - 75 وقال ابن حجر في تعجيل المنفعة: ص 128 سنده صحيح وقد وصلها موسى بن عقبة في مغازيه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، وانظر مجمع الزوائد: 9/ 234 - 236. وقال الهيثمي رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 23-03-2019, 08:05 PM
  #58
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: صحيح السيرة النبوية

الفصل السادس غزوة الأحزاب
المبحث الأول: أحداث ما قبل المعركة
1 - وقت الغزوة وسببها:
اختلف في وقتها وتاريخها على قولين أحدهما قول ابن إسحاق أنها في سنة خمس:
423 - عن محمَّد بن إسحاق قال: كانت الخندق في شوال سنة خمس وفيها مات سعد بن معاذ رضي الله عنه (1) قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (وكانت في سنة خمس من الهجرة في شوال على أصح القولين إذ لا خلاف أن أحدًا كانت في شوال سنة ثلاث، وواعد المشركون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العام المقبل وهو سنة أربع ثم أخلفوه، لأجل جدب تلك السنة، فرجعوا، فلما كانت سنة خمس جاءوا لحربه، هذا قول أهل السير والمغازي (2).
وذهب إلى هذا القول ابن سعد في الطبقات, والبيهقي في السنن وقطع به الذهبي، واعتمده الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وأبي عبيد في كتاب الأموال (3).
وقال ابن كثير: وقد كانت غزوة الخندق في شوال سنة خمس من الهجرة نص على ذلك ابن إسحاق وعروة ابن الزبير وقتادة والبيهقي وغير واحد من العلماء سلفًا وخلفًا، وقد صرح الزهريّ بأن الخندق قد كانت بعد أحد بسنتين،ولا خلاف أن أحدًا في شوال سنة ثلاث" (4).
والقول الآخر: أنها كانت في شوال سنة أربع للهجرة، قال بذلك موسى بن عقبة في مغازيه، وتابعه على ذلك مالك بن أنس، ومال البخاري إلى ذلك، وقد رد ابن حجر في فتح الباري على القائلين بهذا القول، وبين ضعفه، وبأنه غير معتمد، وناقش ذلك حجة بحجة ودليلًا بدليل فانظره (5).
424 - قال ابن إسحاق حدثنا يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير عن عبد الله بن كعب بن مالك، ومحمد بن كعب القرظي، والزهري، وعاصم بن عمر بن قتادة، وعبد الله بن أبي بكر وغيرهم من علمائنا، كلهم قد اجتمع حديثه في الحديث عن الخندق قالوا:
"إنه كان الذين حزبوا الأحزاب نفرًا من اليهود، وكان منهم سلام بن أبي الحقيق، وحيي بن أخطب النضري، وكنانة بن أبي الحقيق النضري، وهوذة بن قيس الوائلي، وأبو عمار الوائلي، في نفر من بني النضير، فلما قدموا على قريش، فدعوهم إلى حرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقالوا: إنا سنكون معكم عليه، حتى نستأصله.
فقالت لهم قريش: يا معشر يهود، إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا يختلف فيه نحن ومحمد، أفديننا خير أم دينه؟ قالوا: بل دينكم خير من دينه، وأنتم أولى بالحق منه، فهم الذين أنزل الله فيهم {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (51) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا} (6) (7).
2 - حفر الخندق:
425 - من حديث أنس رضي الله عنه قال: "خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الخندق فإذا المهاجرين والأنصار يحفرون في غداة باردة، فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم، فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال: (اللهم إن العيش عيش الآخرة فأغفر للأنصار والمهاجرة) فقالوا مجيبين له:
نحن الذين بايعوا محمدًا ... على الجهاد ما بقينا أبدًا
وفي لفظ آخر قال: "جعل المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق حول المدينة، وينقلون التراب على متونهم وهم يقولون:
نحن الذين بايعوا محمدًا ... على الإِسلام ما بقينا أبدًا
قال يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يجيبهم (اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة، فبارك في الأنصار والمهاجرة) قال: يؤتون بملء كفي من الشعير، فيصنع لهم بإهالة (8) سنخ توضع بين يدي القوم، والقوم جياع، وهي بشعة في الحلق ولها ريح منتن" (9).
426 - من حديث البراء بن عازب قال: "لما كان يوم الأحزاب، وخندق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، رأيته ينقل من تراب الخندق، حتى وارى عن التراب جلدة بطنه -وكان كثير الشعر- فسمعته يرتجز بكلمات ابن رواحة، وهو ينقل من التراب يقول:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزل سكينة علينا ... وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينا ... وإن أرادوا فتنة أبينا
قال: ثم يمد صوته بآخرها" (10).
3 - معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب:
أ - إبصاره قصور الملوك وإعطاؤهُ مفاتيح ملكهم:
427 - من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: "لما كان حين أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحفر الخندق عرضت لنا في بعض الخندق صخرة لا تأخذ فيها المعاول، فاشتكينا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءنا فأخذ المعول فقال: (بسم الله، فضرب ضربة فكسر ثلثها، وقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر الساعة، ثم ضرب الثانية، فقطع الثلث الآخر فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر قصر المدائن أبيض، ثم ضرب الثالثة، وقال: بسم الله فقطع بقية الحجر فقال: الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا الساعة) " (11).
ب - تكثيره الطعام:
428 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "احتفر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخندق، وأصحابه قد شدوا الحجارة على بطونهم من الجوع، فلما رأى ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (هل دللتم على أحد يطعمنا أكلة) قال رجل: نعم، قال: (أما لا فتقدم فدلنا عليه). فانطلقوا إلى رجل فإذا هو في الخندق يعالج نصيبه فيه، فأرسلت إليه امرأته أن جيء فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أتانا فجاء الرجل يسعى.
فقال: بأبي وأمي، وله معزة وجديها فوثب إليها, فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الجدي من ورائنا) فذبح الجدي، وعمدت امرأته إلى طحينة لها فعجنتها وخبزت، وأدركت وتردت، فقربتها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه فوضع النبي - صلى الله عليه وسلم - أصبعه فيها فقال: (بسم الله، اللهم بارك فيها، اللهم بارك فيها اطعموا) فأكلوا منه حتى صدروا, ولم يأكلوا إلا ثلثها وبقى ثلثاها، فسرح أولئك العشرة الذين كانوا معه أن اذهبوا، وسرحوا إلينا نغديكم، فذهبوا وجاء أولئك العشرة مكانه، فأكلوا منها حتى شبعوا، ثم قام ودعا لربة البيت وسمَّت عليها وعلى أهلها، ثم مشوا إلى الخندق فقالوا: اذهبوا بنا إلى سلمان، وإذا صخرة بين يديه قد ضعف عنها، فقال النبي لأصحابه: (دعونى فأكون أول من ضربها فقال: بسم الله) فضربها فوقعت فلقة ثلثها فقال: (الله أكبر قصور الروم ورب الكعبة)، ثم ضرب أخرى فوقعت فلقة فقال: (الله أكبر قصور فارس ورب الكعبة)، فقال عندها المنافقون: نحن نخندق وهو يعدنا قصور فارس والروم (12).
429 - من حديث جابر رضي الله عنه قال: "لما حفر الخندق رأيت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمصًا (13) فانكفأت (14) إلى امرأتي، فقلت لها: هل عندك شيء؛ فإني رأيت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمصًا شديدًا، فأخرجت لي جرابًا (15) فيه صاع من شعير، ولنا بهيمة (16) داجن (17)، قال: فذبحتها وطحنت، ففزعت إلى فراغي، فقطعتها في برمتها، ثم وليت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقالت: لا تفضحني برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن معه، قال: فجئته فساررته، فقلت: يا رسول الله! إنا قد ذبحنا بهيمة لنا، وطحنت صاعًا من شعير كان عندنا، فتعال أنت في نفر معك، فصاح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: (يا أهل الخندق! إن جابرًا قد صنع لكم سورًا (18) فحيهلا بكم).
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تنزلن برمتكم ولا تخبزن عجينتكم، حتى أجيء) فجئت وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقدم الناس، حتى جئت امرأتي. فقالت: بك وبك (19)، فقلت: قد فعلت الذي قلت لي. فأخرجت له عجينتنا فبصق فيها وبارك، ثم عمد إلى برمتنا فبصق فيه وبارك، ثم قال: (ادعي خابزة فلتخبز معك، واقدحي في برمتكم (20) ولا تنزلوها) وهم ألف. فأقسم بالله إلا أكلوا حتى تركوه وانحرفوا (21)، وإن برمتنا لتغط (22) كما هي، وإن عجينتنا -أو كما قال الضحاك- لتخبز كما هو" (23).
.................................................. ..................
(1) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 142، رواه الطبراني ورجاله ثقات، سيرة ابن هشام: 2/ 214.
(2) زاد المعاد: 3/ 269.
(3) السيرة النبوية ابن هشام: 2/ 214، طبقات ابن سعد: 2/ 65، المغازي النبوية ص: 79، كتاب الأموال ص: 135، فتح الباري: 7/ 393، المغازي باب غزوة الخندق، دلائل النبوة للبيهقي: 3/ 393 - 397.
(4) سيرة ابن كثير: 3/ 180 وانظر الرد على القائلين بغير القول عند ابن إسحاق.
(5) فتح الباري: 7/ 393، المغازي باب غزوة الخندق وهو غزوة الأحزاب.
(6) الآيات من سورة النساء: 51 - 54.
(7) السيرة النبوية ابن هشام: 2/ 214 - 215 بإسناده ورجاله ثقات وقد صرح ابن إسحاق بالتحديث ولكنه مرسل، وقد وصله السيوطي من رواية ابن إسحاق عن ابن عباس في لباب النقول، لأسباب النزول ص: 17، رواه الطبراني في الكبير: 11/ 251، وقال الهيثمي في المجمع: 7/ 6 وفيه يونس بن سليمان الجمال ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح.
(8) الإهالة: الدهن الذي يؤتدم به سواء كان زيتًا أو سمنًا أو شحمًا.
(9) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الخندق حديث رقم: 4099 - 4100، مسلم في صحيحه الجهاد والسير باب غزوة الأحزاب وهي الخندق حديث رقم: 1805، الفتح الرباني: 21/ 77.
(10) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الخندق حديث رقم: 4106، 4104، مسلم في صحيحه الجهاد والسير باب غزوة الأحزاب رقم: 1803، الفتح الرباني: 21/ 77، وكذلك جاء شبيهًا بالحديثين من حديث سهل بن سعد الساعدي عند البخاري في المغازي باب غزوة الخندق رقم: 4098، ومسلم رقم:1804.
(11) أخرجه أحمد في المسند: 4/ 303 والنسائي في الجهاد باب غزوة الترك: 6/ 43 - 44، والبيهقي في الدلائل: 3/ 417 - 418 ,وحسن إسناده الحافظ في الفتح 7/ 397، حيث قال ووقع عند أحمد والنسائي في هذه القصة زيادة بإسناد حسن عن البراء فذكر الحديث وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 130 - 131 رواه أحمد وفيه ميمون أبو عبد الله وثقه ابن حبان وضعفه جماعة وبقية رجاله ثقات.
وللحديث شواهد من حديث ابن عباس عند الطبراني كما قال الهيثمي في المجمع: 6/ 131 - 132، سنورد تخريجه في الحديث التالي برقم: 428، ومن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال الهيثمي في المجمع: 6/ 131، رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما حيي بن عبد الله وثقه ابن معين وضعفه جماعة وبقية رجاله رجال الصحيح، وله شاهد من حديث جابر في الصحيحين سيأتي ذكره وبهذا يكون الحديث كما قال الحافظ أو أكثر.
* السمت: الدعاء.
(12) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 131 - 132 رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن أحمد ابن حنبل ونعيم العنبري وهما ثقتان.
(13) خمصًا: خلاء البطن من الطعام.
(14) انكفأت: فرجعت وانقلبت.
(15) الجراب: الوعاء من الجلد.
(16) البهيمة: السخلة الصغيرة من ولاد المعز.
(17) داجن: ما ألف البيوت.
(18) السور: الطعام الذي يدعى إليه.
(19) بك وبك: ذمته ودعت عليه.
(20) اقدحي في برمتكم: أي اغرفي.
(21) تركوا، وانحرفوا: شبعوا وانصرفوا.
(22) لتغط: تغلي ويسمع غلبانها.
(23) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الخندق رقم: 4102 ورقم: 4101، مسلم في صحيحه كتاب الأشربة باب جواز استتباعه غيره إلى دار من يثق برضاه حديث رقم: 2039، الفتح الرباني: 22/ 60، والحاكم في المستدرك: 3/ 30 - 31، وأحمد في المسند: 3/ 30 مختصرًا والدارمي في المقدمة باب ما أكرم به النبي في بركة طعامه: 1/ 19 - 12 والطبراني في الأحاديث الطوال برقم: 51، 25/ 302.

__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 07-04-2019, 08:36 PM
  #59
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: صحيح السيرة النبوية

4 - منزل المشركين في الخندق:
430 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: {إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر} قالت: كان ذاك يوم الخندق" (1).
وقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنه كما قال الحافظ في الفتح تفسير آخر قال: "وعند ابن مردويه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما {إذ جاءوكم من فوقكم} قال: عيينة بن حصن {ومن أسفل منكم} أبو سفيان بن حرب" (2).
وقد بين ابن إسحاق بسنده الذي ذكره في بداية غزوة الخندق ورجاله ثقات، وقد صرح هو بالتحديث، لكن الحديث مرسل ولذا فإنه يستأنس به تحديد الموقع الذي نزل فيه المشركون قال: (نزلت قريش بمجمع السيول في عشرة آلاف من أحابيشهم ومن تبعهم من بني كنانة وتهامة، ونزل عيينة في غطفان ومن معهم من أهل نجد إلى جانب أحد بباب نعمان، وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف، والخندق بينهم وبين القوم، وجعل النساء والذراري في الأطام" (3).
وقد جاء تحديد موضع الخندق من حديث عمرو بن عوف المزني: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خط الخندق من أحمر السبختين طرف بني حارثة عام حرب الأحزاب، حتى بلغ المداحج فقطع لكل عشرة أربعين ذراعًا" (4).
والحديث يستأنس به في هذا الموطن لأنه ليس فيه إثبات حكم شرعي أو غير ذلك، وإنما هو تحديد مكان تاريخي ألا وهو مكان الخندق.
5 - شعار المسلمين يوم الخندق:
431 - عن المهلب بن أبي صفرة قال: سمعت من يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "وهو يخاف أن يبيته أبو سفيان فقال: (إن بيتم فادعو حم لا ينصرون) (5).
المبحث الثاني: من مشاهد المعركة
1 - رجل المهمات الصعبة:
432 - من حديث عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: "لما كان يوم الخندق كنت أنا وعمر بن أبي سلمة في الأطم (6) الذي فيه نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أطم حسان، فكان يرفعني وأرفعه، فهذا رفعني عرفت أبي حين يمر إلى بني قريظة، وكان يقاتل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الخندق فقال: (من يأتي بني قريظة فيقاتلهم؟) فقلت له حين رجع: يا أبت تالله إن كنت لأعرفك حين تمر ذاهبًا إلى بني قريظة فقال: "يا بني أما والله إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليجمع لي أبويه جميعًا يفديني بهما، يقول: (فداك أبي وأمى) (7).
433 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: قال: "اشتد الأمر يوم الخندق فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ألا رجل يأتينا بخبر بني قريظة؟ فانطلق الزبير فجاء بخبرهم، ثم اشتد الأمر أيضًا فذكر ثلاث مرات فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن لكل نبي حواري والزبير حواري) (8).
2 - إشغال المشركين المسلمين عن الصلاة:
لقد ضيق أهل الكفر حصارهم على رسول الله وأصحابه في المدينة المنورة يوم الخندق حتى شغلوهم عن الصلاة، واستبسل الصحابة وأبدوا من ضروب الشجاعة الشيء الكثير أيضًا، وقد جاءت قصة إشغال المشركين النبي وأصحابه عن الصلاة من رواية عدة من الصحابة، وأجمع الروايات ما ثبت من:
434 - حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان بعد المغرب، وذلك قبل أن ينزل في القتال ما نزل "وفي رواية -قبل أن ينزل صلاة الخوف فرجالًا أو ركبانًا" فلما كفينا القتال وذلك قوله: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بلالًا فأقام الظهر فصلاها كما يصليها في وقتها" (9).
435 - من حديث علي رضي الله عنه: "عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال يوم الخندق: (ملأ الله عليهم بيوتهم وقبورهم نارًا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس) (10).
436 - من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "إن عمر بن الخطاب جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس جعل يسب كفار قريش وقال: يا رسول الله، ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس أن تغرب قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (والله ما صليتها)، فنزلنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بطحان، فتوضأنا لها فصلى العصر بعد ما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب" (11).
3 - مفاوضة الرسول زعيم بني غطفان لتخفيف الحصار:
437 - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء الحارث الغطفاني إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا محمَّد شاطرنا تمر المدينة فقال - صلى الله عليه وسلم -: (حتى أستأمر السعود) فبعث إلى سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وسعد بن مسعود، وسعد بن خيثمة، فقال: (إني قد علمت أن العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وأن الحارث سألكم أن تشاطروه تمر المدينة، فإن أردتم أن تدفعوه عامكم هذا في أمركم بعد) فقالوا: يا رسول الله أوحي من السماء، فالتسليم لأمر الله أو عن رأيك وهواك فرأينا نتبع هواك ورأيك، فإن كنت إنما تريد الإبقاء علينا فوالله لقد رأيتنا وإياهم على سواء، ما ينالون منا ثمرة إلا شراء أو قرى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (هوذا تسمعون ما يقولون)، قالوا: غدرت يا محمَّد، فقال حسان بن ثابت رضي الله عنه:
يا جار من يغدر بذمة جاره ..... منكم فإن محمدًا لا يغدر
وأمانة المري حين لقيتها ... كسر الزجاجة صدعها لا يجبر
إن تغدروا فالغدر من عاداتكم ... واللؤم ينبت في أصول السخبر (12)
4 - قتل علي بن أبي طالب عمرو بن عبد ود العامري:
438 - من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "قتل رجل من المشركين يوم الخندق فطلبوا أن يواروه فأبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أعطوه الدية، وقتل من بني عامر بن لؤي عمرو بن عبدود، قتله علي بن أبي طالب مبارزة" (13).
وقد جاءت قصة مبارزة علي بن أبي طالب رضي الله عنه لعمرو بن عبدود العامري مفصلة عند ابن إسحاق في السيرة مستقصاة ومستوفاة، إلا أنها مرسلة، ولم يصل بها ابن إسحاق إلى صحابي روى هذا الحديث، ولذلك لم أورد التفاصيل هنا، واقتصرت على ما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنه، من أن قاتل عمرو بن عبد ود العامري هو علي بن أبي طالب كما مر في الحديث السابق، الذي أوردناه.
هذا ما وصلت إليه بعد بذل الجهد فقد بحثت عن إسناد لهذا الحديث مفصلًا فلم أصل إلى ذلك، فاقتصرت على ما مضى، والله تعالى أعلم، فليس كل ما أورده أهل السير وأخذ مأخذ المسلمات ثبت عند أهل الحديث والمحدثين، فاعلم هذا أخي القارئ بارك الله فيك.
5 - سعد بن أبي وقاص يرمي رجلًا فيضحك النبي صلى الله عليه وسلم:
439 - من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: "لما كان يوم الخندق ورجل يتترس جعل يقول بالترس هكذا، فوضعه فوق أنفه، ثم يقول هكذا يسفله، بعد قال: فأهويت إلى كنانتي، فأخرجت منها سهمًا مدمى، فوضعته في كبد القوس، فلما قال هكذا تسفل الترس رميت، فما نسيت وقع القدح على كذا وكذا من الترس، مال وسقط فقال برجله هكذا، فضحك نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أحسبه قال حتى بدت نواجذه، قال قالت: لم فعل، قال كفعل الرجل" (14).
.................................................. ........
(1) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الخندق حديث رقم: 4103.
(2) فتح الباري على صحيح البخاري في التعليق على الحديث السابق: 7/ 440.
(3) انظر تخريج السند أولًا في حديث رقم: 424 والحديث في السيرة لابن هشام: 2/ 315 - 316. وانظر فتح الباري: 7/ 400.
(4) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 130، رواه الطبراني وفيه كثير بن عبد الله المزني وقد ضعفه الجمهور وحسن الترمذي حديثه وبقية رجال ثقات.
(5) أخرجه أحمد في المسند: 4/ 65، 289، 5/ 377، الترمذي في كتاب فضائل الجهاد باب ما جاء في الشعار حديث رقم: 1682 أبو داود في الجهاد باب في الرجل ينادي بالثمار وصححه الحاكم: 2/ 107، وقد وصله من حديث البراء حيث قال في هذه الرواية: صحيح الإسناد على شرط الشيخين إلا أنه فيه إرسال فهذا الرجل الذي لم يسمه المهلب بن أبي صفرة البراء بن عازب" وقد أخرجه الحاكم أيضًا في نفس الصفحة عن البراء بن عازب بإسناد المهلب وصرح فيه باسم البراء.
(6) الأطم: بناء مرتفع كالحصن.
(7) أخرجه البخاري في مناقب الصحابة باب مناقب الزبير رقم: 3720، مسلم في فضائل الصحابة باب فضائل طلحة والزبير رقم: 2416، أحمد فى المسند: 1/ 164، 166.
(8) أخرجه البخاري في فضائل الصحابة باب مناقب الزبير رقم: 3719، مسلم في الفضائل باب فضائل طلحة والزبير حديث رقم: 2415، الترمذي في المناقب باب مناقب الزبير: 3745، ابن ماجه في المقدمة باب فضائل الزبير: 122، الحميدي رقم: 1231، أحمد في المسند: 3/ 307 ,314 ,338 ,365.
(9) أخرجه النسائي في كتاب الأذان باب الأذان للفائت من الصلوات: 2/ 17، أحمد في المسند: 3/ 25، 49، 67، البيهقي في السنن: 1/ 402، والشافعي في الأم: 1/ 75، الدرامي في السنن: 1/ 358 وصححه ابن حبان: 285، وغير ابن حبان وإسناده صحيح، وقال ابن سيد الناس (هذا إسناد صحيح جليل)، ورواه الطيالسي برقم: 2231، وصححه ابن السكن كما قال ابن حجر في التلخيص ص: 73.
(10) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الخندق رقم: 4111، مسلم في المساجد باب التغليظ في تفويت صلاة العصر رقم: 627، أبو داود في الصلاة باب في وقت الصلاة حديث رقم: 409، النسائي كتاب الصلاة باب المحافظة على صلاة العصر: 1/ 236، ابن ماجه في الصلاة باب المحافظة على صلاة العصر حديث رقم: 684، أحمد: 1/ 79، 81، 113، 122، 126، 135، 137، 146 ,150، 152.
(11) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الخندق رقم: 4112، مسلم في المساجد باب الدليل لمن قال أن الصلاة الوسطى صلاة العصر حديث رقم: 631، الترمذي الصلاة باب في الرجل إذا فاته الصلوات بأيهن يبدأ رقم: 180، وقد جاء شبيها بما سبق من حديث ابن مسعود عند مسلم برقم: 628 المساجد باب التغليظ في تفويت صلاة العصر، الترمذي الصلاة باب ما جاء في الرجل تفوته الصلوات بأيهن يبدأ رقم: 179، ابن ماجه الصلاة باب المحافظة على صلاة العصر رقم: 686، أحمد في المسند: 1/ 404، 456.
(12) كشف الأستار عن زوائد البزار رقم: 1803 وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 132 رواه البزار والطبراني ورجال البزار والطبراني فيهما محمَّد بن عمرو وحدثه حن وبقية رجاله ثقات، والسخبر: شجر تألفه الحيات فتسكن في أصوله.
(13) أخرجه الحاكم في المستدرك: 3/ 32 وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي وقد جاء أيضًا من حديث ابن شهاب الزهري وهو مرسل عند الحاكم: 3/ 32 وقال إسناد هذا المغازي صحيح على شرط الشيخين، قد أورد الآثار عن ابن إسحاق الحاكم: 3/ 23 - 34، فانظر هناك إن أحببت الاستزادة.
(14) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 135 - 136، رواه أحمد والبزار إلا أنه قال كان رجل معه ترسان وكان سعد راميًا فكان يقول كذا وكذا بالترسين يغطي جبهته فنزع له سعد بسهم فلما رفع رأسه رماه فلم يخط هذه منه يعني جبهته والباقي بنحوه ورجالهما رجال الصحيح غير محمَّد بن محمَّد بن الأسود وهو ثقة، وانظر كشف الأستار: 1808.
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
قديم 09-04-2019, 09:43 PM
  #60
صاحب فكرة
قلم مبدع [ وسام القلم الذهبي 2016]
 الصورة الرمزية صاحب فكرة
تاريخ التسجيل: Nov 2015
المشاركات: 1,108
صاحب فكرة غير متصل  
رد: صحيح السيرة النبوية

6 - إصابة سعد بن معاذ رضي الله عنه:
440 - من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "خرجت يوم الخندق أقفوا آثار الناس قالت: فسمعت وئيد (1) الأرض ورائي يعني حس الأرض، قالت: فالتفت فإذا أنا بسعد بن معاذ، ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل مجنة (2) قالت: فجلست إلى الأرض، فمر سعد وعليه درع من حديد قد خرجت منها أطرافه، فأنا أتخوف على أطراف سعد، قالت: وكان سعد من أعظم الناس وأطولهم، قالت: فمر وهو يرتجز ويقول:
لبث قليلًا يدرك الهيجا جمل ... ما أحسن الموت إذا حان الأجل
قالت: فقمت فاقتحمت حديقة فإذا فيها نفر من المسلمين، وإذا فيهم عمر بن الخطاب وفيهم رجل عليه سبغة يعني له مغفرًا (3).
فقال عمر: ما جاء بك، لعمري والله إنك لجريئة، وما يؤمنك أن يكون بلاء أو يكون تحوز (4)، قالت: فما زال يلومني حتى تمنيت أن الأرض انشقت ساعتئذ فدخلت فيها، قالت: فرفع الرجل السبغة عن وجهه، فإذا طلحة بن عبيد الله، فقال: يا عمر ويحك إنك قد أكثرت منذ اليوم: وأين التحور أو الفرار إلا إلى الله عَزَّ وَجَلَّ، قالت: ويرمي سعدًا رجل من المشركين من قريش يقال له ابن العرقة بسهم له فقال له: "خذها وأنا ابن العرقة" فأصاب أكحله (5) فقطعه فدعا الله -عَزَّ وَجَلَّ- سعد فقال: "اللهم لا تمتني حتى تقر عيني من قريظة" قالت: وكانوا حلفاءه ومواليه في الجاهلية، قالت: فرقى كلمه (6) وبعث الله -عَزَّ وَجَلَّ- الريح على المشركين فكفى الله -عَزَّ وَجَلَّ- المؤمنين القتال، وكان الله قويًّا عزيزًا، فلحق أبو سفيان ومن معه بتهامة، ولحق عيينة بن حصن ومن معه بنجد (7).
7 - محاولة فاشلة عند حصون النساء:
441 - من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه قال: "لم يكن حصن أحصن من حصن بني حارثة، فجعل النبي في النساء والصبيان والذراري فيه، وقال: (إن ألم بكن أحد فألمعن بالسيف) فجاءهن رجل من بني ثعلبة بن سعد يقال له نجدان أحد بني حشاش على فرس، حتى كان في أصل الحصين ثم جعل يقول للنساء: انزلن إلى خير لكن، فحركن السيف فأبصره أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فابتدر الحصين قوم فيهم رجل من بني الحارثة يقال له: ظهير بن رافع، فقال: يا نجدان ابرز، فبرز إليه، فحمل على فرسه، فقتله وأخذ رأسه فذهب به إلى الني - صلى الله عليه وسلم -" (8).
442 - من حديث ابن أبي أوفى رضي الله عنه قال: (دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الأحزاب فقال: (اللهم منزل الكتاب سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم) (9).
443 - من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: (لا إله إلا الله وحده، أعز جنده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده، فلا شيء بعده) (10).
8 - عدم صحة ما يروى من جبن حسان:
من حديث ابن إسحاق قال: حدثنا يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه قال: "كانت صفية بنت عبد المطلب في فارع، حصن حسان بن ثابت، وكان حسان بن ثابت معنا فيه مع النساء والصبيان حين خندق النبي - صلى الله عليه وسلم -، قالت صفية: فمر بنا رجل من يهود، فجعل يطيف بالحصن، وقد حاربت بنو قريظة أو قطعت ما بينها وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والمسلمون في نحور عدوهم، لا يستطيعون أن ينصرفوا إلينا عنهم، إذ أتانا آت، فقلت لحسان بن ثابت إن هذا اليهودي يطيف بالحصن كما ترى، ولا آمنه أن يدل على عورتنا من ورائنا من يهود، وقد شغل عنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، فانزل إليه فاقتله.
فقال: يغفر الله لك يا بنت عبد المطلب، والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا، قالت صفية: فلما قال ذلك، احتجزت عمودًا ثم نزلت من الحصين إليه، فضربته بالعمود حتى قتلته، ثم رجعت إلى الحصين، فقلت يا حسان أنزل فاستلبه، فإنه لم يمنعني أن أستلبه إلا أنه رجل، فقال: ما لي بسلبه من حاجة يا بنت عبد المطلب" (11).
وهذا الخبر لا يصح لأمرين:
الأول: من حيث الإسناد، فالخبر ليس مسندًا، وقد علمنا علماؤنا أنه لا يؤخذ من الأخبار إلا إذا كان له إسناد، ولا يؤخذ الخبر المسند إلا إذا كان إسناده صحيحًا.
وهذا الخبر ساقط لا يصح ولا يجوز أن يروى، فيساء إلى صحابي من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كان ينافح عن الدعوة الإِسلامية، وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمره كله.
الثاني: لو كان حسان بن ثابت رضي الله عنه معروفًا بالجبن الذي ذكر عنه لهجاه أعداؤه ومبغضوه بهذه الخصلة الذميمة لا سيما الذين كان يهاجيهم، فلم يسلم من هجاته أحد من زعماء الجاهلية".
والرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يؤيده ويدعو له، ويشجعه على هجاء زعماء المشركين (12).
9 - تحسس الأخبار عن المشركين:
444 - من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: فعن محمَّد بن كعب القرظي قال: "قال فتى منا من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان: يا أبا عبد الله لقد رأيتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحبتموه؟ قال: نعم يا ابن أخي، قال: فكيف كنتم تصنعون؟ قال: والله لقد كنا نجهد (13).
قال: والله لو أدركنا ما تركناه يمشي على الأرض، ولجعلناه على أعناقنا، قال: فقال حذيفة: يا ابن أخي والله لقد رأيتنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالخندق، وصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الليل هويًا (14)، ثم التفت إلينا فقال: (من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم، يشترط له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه يرجع، أدخله الله الجنة)، فما قام رجل، ثم صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هويًا، ثم التفت إلينا فقال: (من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع، يشرط له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجعة،
أسأل الله أن يكون رفيقي في الجنة)، فما قام رجل من القوم من شدة الخوف، وشدة الجوع، وشدة البرد.
فلما لم يقم أحد دعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يكن لي بد في القيام حين دعاني فقال: (يا حذيفة فاذهب فادخل في القوم فانظر ما يفعلون ولا تحدثن شيئًا حتى تأتينا)، قال: فذهبت فدخلت في القوم، والريح وجنود الله تفعل ما تفعل، لا تقر لهم قدر، ولا نار، ولا بناء، فقام أبو سفيان بن حرب فقال: يا معشر قريش لينظر امرؤ إلى جليسه، فقال حذيفة: فأخذت بيد الرجل الذي جنبي، فقلت: من أنت؟ قال: أنا فلان بن فلان، ثم قال أبو سفيان: يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع (15) وأخلفتنا بنو قريظة، بلغنا منهم الذي نكره، ولقينا من هذه الريح ما ترون، والله ما تطمئن لنا قدر، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فإني مرتحل، ثم قام إلى جمله وهو معقول، فجلس عليه ثم ضربه فوثب على ثلاث، فما أطلق عقله، إلا وهو قائم، ولولا عهد رسول الله لا تحدث شيئًا حتى تأتيني ثم شئت لقتلته بسهم.
قال حذيفة، ثم رجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو قائم يصلي في مرط (16) لبعض نسائه مرجل (17)، فلما رآني أدخلني إلى رحله، وطرح عليه طرف المرط، ثم ركع وسجد وإنه لفيه، فلمّا سلم أخبرته الخبر، وسمعت غطفان بما فعلت قريش وانشمروا إلى بلادهم).
هذا اللفظ لأحمد وفي لفظ مسلم بعض الزيادة أذكرها هنا لاكتمال المعنى والفائدة فبعد أن ذكر حذيفة استنفار الرسول - عليه السلام - للصحابة ثلاثًا ثم قوله قم يا حذيفة قال: (... فمضيت كأنما أمشي في حمام (18) حتى أتيتهم، فهذا أبو سفيان يصلي ظهره بالنار فوضعت سهمي في كبد قوسي (19) وأردت أن أرميه، ثم ذكرت قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تذعرهم علي) ولو رميته لأصبته، قال:
فرجعت كأنما أمشي في مثل الحمام، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم أصابني البرد حين فرغت وقررت (20). فأخبرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فألبسني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها، فلم أزل نائمًا حتى الصبح، فلما أن أصبحت، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قم يا نومان) " (21).
.................................................. ..........................
(1) وئيد: صوت شدة الوطء على الأرض سمع كالدوي من بعد.
(2) المجنة: الترس.
(3) مغفر: هو ما يلبسه الدارع على رأسه من الزرد.
(4) تحوز: حرب أو أسر.
(5) الأكحل: عرق في وسط الذراع في كل عضو منه شعبة إذا قطع لم يرقأ الدم.
(6) الكلم: الجرح والكليم: الجريح.
(7) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 136 - 138رواه أحمد وفيه محمَّد بن عمرو بن علقمة وهو حسن الحديث وبقية رجاله ثقات، وقال الساعاتي في الفتح الرباني: 21/ 81 - 83 أورده الحافظ ابن كثير في تاريخه ثم قال هذا الحديث إسناده جيد، وله شواهد من وجوه كثير سيرة ابن كثير: 3/ 238.
(8) قال الهيثمي في المجمع: 6/ 133، رواه الطبراني ورجاله ثقات.
(9) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الخندق حديث رقم: 4115 مسلم في الجهاد والسير استحباب الدعاء بالنصر عند لقاء العدو حديث رقم: 1742/ 21، الترمذي كتاب فضائل الجهاد باب ما جاء في الدعاء عند القتال: 1678، أبو داود الجهاد باب فى كراهية تمني لقاء العدو رقم: 2631.
(10) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة الخندق رقم: 4114 مسلم في الذكر والدعاء باب التحوذ من شر ما عمل ومن شر ما لم يعمل حديث رقم: 2724.
(11) ابن هشام في السيرة: 2/ 228، وقد جاء من طريق الزبير بن العوام وقال الهيثمي في المجمع: 6/ 133 - 134، وقال: رواه البزار وأبو يعلى باختصار وإسنادهما ضعيف، ومن حديث عروة وقال: 6/ 134، رواه الطبراى ورجاله إلى عروة رجال الصحيح، ولكنه مرسل فالحديث ضعيف.
(12) غزوة الأحزاب الدكتور أبو فارس ص: 197 - 198.
(13) نجهد: في مشقة شديدة.
(14) هويًا: الحين الطويل من الزمان.
(15) الكهل: اسم لجميع الخيل.
(16) مرط: كساء من صوف أو خز يؤتزر به وتتلفع به المرأة.
(17) مرجل: فيه خطوط وأرقام.
(18) كأنما أمشي في حمام: أي أنه لم يجد من البرد ما يجد الناس.
(19) كبد القوس: مقبضه.
(20) قررت: بردت.
(21) أخرجه أحمد في المسند: 5/ 392 - 393، مسلم في كتاب الجهاد والسير باب غزوة الأحزاب رقم: 1788، الحاكم في المستدرك: 3/ 31، وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، والبيهقي في السنن: 9/ 159 والدلائل: 3/ 449 - 454، وأبو نعيم في الدلائل: 2/ 500 - 501، وقد جاء في المطالب العالية برقم: 4329، ونسبه إلى أبي بكر بن أبي شيية وحسن إسناده، وقال الهيثمي: 6/ 136 ورواه البزار ورجاله ثقات، وقال البوصيري: رواه ابن أبي شيبة والبزار وأصله في الصحيح وفي هذا زيادة ظاهرة، قلت: وفي لفظه اختلاف عما في الصحيح فالمقدم ما في الصحيح والله أعلم.
__________________
أليس في صحبة المتقين طمأنينة ؟ !! لماذا نغالط أنفسنا ؟!!


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:06 PM.


images