الضغوط النفسية : المصادر والتحدي
د . ناصر إبراهيم المحارب
* الشعور بالذنب .. والقلق ، وانفعالات لا طائل من ورائهما :
الشعور بالذنب والقلق هما أقسى المآسي في عالمنا اليوم . مع الشعور بالذنب تركز انتباهك
على حادثة قي الماضي وتشعر بالألم والغضب على شيء قلته أو فعلته وتضيع أغلى لحظات
عمرك في التفكير في شيء حدث وانتهى . ومع القلق تحول حياتك إلى عذاب على شيء قد
يحصل أو قد لا يحصل في المستقبل . وعموماً سواء نظرت إلى الأمام أو إلى الخلف النتيجة
واحدة ، وهي فقط إضاعة وقتك .
روبرت جونز باردت لخص هذه النقاط بإحكام :
" هناك يومان في الأسبوع قلما أعيرهما أي انتباه . يومان لا يشغلان بالي . ليس لدي خوف
ولا خشية منهما . أحد هذين اليومين هو الأمس ...واليوم الآخر الذي لا يقلقني هو الغد " .
الأمس انتهى ، وعلم ما يحدث في الغد عند الله أما اليوم فهو بين يديك لتنجز فيه ما يعود
عليك وعلى مجتمعك بالخير ويشغل بالك عن التفكير فيما ليس لك فيه حيله .
* نظرة فاحصة للشعور بالذنب :
الكثير منا يقع ضحية للشعور بالذنب ،والبعض منا يقع فريسة لذلك مدى حياته . في بعض
الأحيان تكون العملية كالآتي :
شخص ما بعمد أو بغير عمد ينطق بشيء يذكرك بأنك إنسان غير جدير بالإنسانية ، لأنك قلت
أو لم ، فعلت أو لم تفعل شيئاً . وتكون استجابتك شعور بالألم النفسي .
لماذا تتغير وترضى لنفسك بذلك العذاب ، من جراء هذين الانفعالين ؟
لأنك تعتقد أن من الواجب عليك أن تحسس بهذا الشعور حتى لا يتهمك الغير بعدم الإحساس .
إذا كنت مهتما بشخص ما وشعرت بالذنب أو القلق لترى ذلك الشخص مدى اهتمامك فهذا يعني
أن عليك أن تتصرف تصرفات مرضية لكي تصنف من قبل الغير بأنك حساس .
الشعور بالذنب من أخطر مواطن ضعفك النفسي . أنه أكبر مستهلك لطاقتك النفسية لأنك تضيع
لحظات ثمينة على شيء حدث وانتهى ولن تستطيع تغيير ذلك حتى لو شعرت بالذنب مدى الحياة.
ا*لفرق بين الشعور بالذنب والاستفادة من أخطاء الماضي :
الشعور بالذنب لا يغني الاهتمام بالماضي فحسب ، إنما المقصود بذلك هو أن
تشل حركتك وتضيع أثمن أوقاتك حسرة على حادثة حدثت في الماضي . هذا الشعور يتفاوت
بين غضب معتدل واكتئاب شديد . إذا كنت تفكر بالماضي وتتعلم منه وبالتالي تحول تفادي
تكرار غلطاتك فهذا ليس شعوراً بالذنب . ا
الشعور بالذنب هو الانفعال الذي يمنعك من القدرة على ممارسة ما يجب عليك عمله الآن ومن أجل شيء
فعلته في الماضي . التعلم من غلطاتك طريقة سليمة وضرورية للنمو ، أما الشعور بالذنب فهو أحساس
مرضي حيث تستهلك طاقتك الجسمية والنفسية شاعراً بالألم والحسرة على حوادث تاريخية ومع ذلك
لن تستطيع تغييرها .
*مصادر الشعور بالذنب :
هناك مصدران لإدخال الشعور بالذنب في التركيب الانفعالي للفرد :
المصدر الأول ما يتعلمه الإنسان خلال طفولته ويستمر معه فيما بعد .والمصدر الثاني ما يشعر به
الشخص كنتيجة لانتهاكه للوعود التي يعتقد أن عليه عدم المساس بها .
1- الشعور بالذنب المتبقي من أيام الطفولة :
في هذه الحالة يحمل الشخص معه خلال حياته ردود الفعل الانفعالية التي تعلمها أيام طفولته .
والتصرفات المؤدية إلى شعور الفرد بالذنب تأتي من الكبار لحمل الأطفال على عمل أشياع معينة ،
وعندما يكبر الطفل يحمل معه ذلك الشعور وقد يعاني منه الكثير إذا لن يستطع التخلص منه .
فيما يلي بعض العبارات التي يستعملها الكبار مع الأطفال لحملهم على عمل ما يطلب منهم ،
تلك العبارات قد تنمي الشعور بالذنب لدى الطفل .
( لن يرضى عنك أبوك إذا عملت ذلك مرة أخرى ) .
( يجب أن تخجل من نفسك ) .
في أغلب الأحيان تستعمل هذه العبارات عن حسن نية ، وعندما يكبر الطفل تظل عالقة في ذهنه
خصوصاً عندما لا يؤدي عملاً مطلوباً منه من قبل صديق آخر . الرغبة في الحصول على رضاء الغير
لا تزال موجودة ويتبع ذلك الشعور بالذنب أيضاً .
2_ الشعور بالذنب الذي يصدر من الشخص نفسه .
هناك أيضاً يشعر الفرد بالذنب الشديد لا قدامه على عمل شيء معين لكنه ليس مرتبط بالطفولة .
في هذه الحالة يشعر الفرد بالذنب عند قيامه بشيء يعتقد أنه عيب . مثلاً يشعر الفرد بالذنب لأنه
لم يصغ لحديث شخص آخر ويكره نفسه بذلك . أو يشعر الفرد بالذنب لمجرد أنه قال كلمة كان عليه
ألا يقولها مع أنه يعرف أن هذه الكلمة لا تستحق كل هذا الغضب ، حيث أن الإنسان ليس معصوماً من
الخطأ والعصمة من ذلك صفة من صفات الله وحده مجل من لا يخطئ .
يتضح من ذلك أن هناك مصدرين للشعور بالذنب أحدهما ما تبقى من الطفولة
حيث كان الطفل يحاول عدم إثارة غضب والديه ، ويشعر بالذنب عندما يفعل ذلك.
والثاني ما يصنعه الشخص نتيجة لمخالفته لأشياء التي يعتقد أن مخالفتها تعتبر عيباً،
حتى لو لم يصدق به . تستطيع البدء في تغيير هذه المواقف التي تشـعر بالـذنب عند الوقوع فيـها.
ربما تعلمت مثلاً ، أن الضحك أو الاستمتاع بسماع إحدى القصص الهزلية شيء غير مرغوب فيه ،
ولكنك تستطيع الاستماع بالنكات والقصص الترفيهية دون الشعور بالذنب إذا أقنعت نفسك
بأن ذلك شيء ليس ضار . تستطيع تعلم العيش بالطريقة المريحة لك
على شرط الأ تؤذي الآخرين بذلك .
إذا عملت شيء وشعرت بأنك تكرهه وتكره نفسك لمجرد القيام به بإمكانك التوقف
عن ذلك في المستقبل .
الشعور بالذنب لا يحل مشكلة أو يساعد في انجاز أي شيء. أنه فقط انفعال يحول بينك
وبين ممارسة نشاطاتك اليومية ، وقد يستعمل كمبرر لتكرار تصرفات غير مرغوب فيها .
طالما اكتفيت بمردودات الشعور بالذنب المرضية سوف تستمر بالتصرف بطريقة روتينية ضارة
وتستهلك الكثير من وقتك بدون تحقيق أي شيء .