موت الهدية
على غرار موت القارئ موت المؤلف عبر السياقات الأدبية أخترت لموضوعي عنوان موت الهدية، وهذا الموضوع هو أول موضوع لي في هذا القسم، وأحب أن أناقش معكم ظاهرة تجري في مجتمعنا، تأملتُ فيها كثيراً وخرجتُ بهذه النتيجة.
بالفعل الهدية تورث المحبة وهذا أمر ملموس ومشاهد في كثير من الاحيان، لكن ثمة أمر أنتشر في السنوات الأخيرة وهو طغيان الهدايا على المناسبات مما أفقد الهدية رونقها وهدفها وبالتالي عجّل بموت معناها العميق والسامي.
بينما كنتُ أقود سيارتي وأمي بجانبي وأختي بالخلف طالبتني هي وأمي أن أتوقف عند محل للحلويات ليبتاعوا منه هدية لأبنة خالهم بمناسبة مولودها الجديد، قلتُ لها جميل أن تكون هناك هدية، ولكن لنكن واقعيين هل هو أمر واجب أو مفروض!؟ قالت ويــــه وش تبيهم يقولون عنا لو ماجبنا!! هنا أتخذ الحوار منحى آخر بعد أن تفتحت عيني عن شيء لم أتأمله وهو أنه لا مناسبة بلا هدية سواء كانت ولادة أو زواج أو حتى مرض!! قلتُ لأختي المهم هو الزيارة والأطمئنان وليس الهدية، قالت لو زرتَ أحداً من الناس دون أن تجلب هدية بيدك لا لموكَ ورب لاكوكَ بألسنتهم، قلتُ ألا ترين أن الأمر ليس منطقي وأنه أتخذ من كون الهدية تحمل مضمون معنوي عميق إلى أن أصبحت هماً كبيراً على كثير من الناس!؟ ألا ترين أن هناك من لا يقدر عليها! بل ولو قدر على القليل لربما جاءه بعضاً من اللوم كونه لم يأتي بشيء عليه القيمة كما يقال!؟ هل أصبح الأنسان ينتظر الهدية أكثر من أنتظاره لزيارة الناس!؟ هل أنتفى المعنى الحقيقي للزيارة وهو التآخي والتآلف والمودة والمشاركة والتهنئة والقيمة المعنوية إلى أن أصبحت شيئاً مادياً يحمل همه الزائر وينتظره بشغف المزور؟
لم تعد المسألة فقط فقط في كون أن المازر ينتظر الهدية، بل ينتظر هدية من نوع قيّم أو أن هديتكَ لامعنى لها، في المقابل الزائر وهو في طريقه قد يتأفف فهو يحتاج إلى أن ينتقي هدية مميزة وأن تكون ذات سعر عالي وأن تصبح ذات جودة ويجب أن تغلف عن المحلات المتخصصة!؟ فبدلاً من أن يكون الأمر توجه لبيت المزور فإنه لا بد أن يتوجه المرء أولاً إلى محل الحلويات أو الهدايا أو غيرهما، ثم يتوجه لبيت ذلكَ الأنسان.
سألتُ أختي كم صديقة وقريبة ستزور فلانة فقالت ربما يفوقون الثلاثين شخصياً، ولا لكل فرد أن يأتي حاملاً هديته معه، قلت إذاً أرجو أن تجدوا مكاناً تجلسون فيه فلعل الهدايا اللامعنوية بروحها المادية قد أحتلت المكان، ضحكت وأنتهي الحديث توقفت السيارة ودخلا حاملين بأيديهم تلك الهدايا.
سألتُ بعض أصدقائي عن الهدايا، فقالوا بالفعل الأمر أصبح كما ذكرت، حتى أهلنا أصبحوا يحملون هم الهدية لكي يتوققون أللسنة من يزورونهم، وهنا تفقد الهدية قيمتها الحقيقية إلى المعنى المادي، وهنا تموت كل الأهداف السامية التي تحملها الهدية.
__________________
ياصبحِ لاتِقبل !!
عط الليل من وقتك..