منتدى عالم الأسرة والمجتمع - عرض مشاركة واحدة - العنوسة: شؤون وشجون
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-03-2007, 09:48 AM
  #1
عبـدالعـزيز
عضو المنتدى الفخري
تاريخ التسجيل: Jan 2004
المشاركات: 6,603
عبـدالعـزيز غير متصل  
العنوسة: شؤون وشجون

يقول مثل عربي قديم: "زوج من عود، خير من قعود"..
ويقول المصريون: "ظلّ راجل ولا ظل حيطة"

بمعنى أن رجلاً كالحائط، وفي مثل فهمه، أفضل من لاشيء!


والمثل الأول يعني أن زوجاً تافهاً يشبه العود الملقى على قارعة الطريق، خير من القعود، أي خير من العنوسة وعدم الزواج ولو كان الزوج من سِقءطِ المتاع!

ولستُ من مؤيدي هذين القولين، فهما - بمعناهما الحرفي - تافهان!

فعدم الزواج خير من زوج وَغءدٍ يذيق المرأة الذل في الليل والنهار..

وعدم الزواج خير من زوجٍ شرسٍ شرير، يشرب ويضرب ويثير الزوابع والمشاكل في كل وقت ومكان..

وعدم الزواج - في نظري - خير من زوج تافه يعيش عالةً على مرتب زوجته، فهو خامل خامد يأكل ويشرب وينام تماماً كالعود أو الحائط.. وعدم الزواج خير من زوج خائن قد تأصلت الخيانة في دمه، فهو لا يخاف ربه، ولا يحترم شعور زوجته، ولا يعبأ بصحته، ولا يهتم بسمعته، وقد ينقل لها أشرس الأمراض.. وعدمُ الزواج خيرٌ من زوج أفَّاك شكَّاك، يجري الشيطانُ في جسده مجرى الدم، فيجعله يشك دائماً في زوجته وهي عفيفة شريفة، ويعد عليها حركاتها وسكناتها، ويطبِقُ على أنفاسها، ويكرِّهُ لها حياتها، والشك قد صار طبعاً له وسجيَّة، لا يمكن أن يتخلى عنه، فزوجته متهمة دائما، وما حيلتُها إذا احتاج النهارُ إلى دليل؟ وعدمُ الزواج خير من زوجٍ بخيلٍ لئيم، اللؤم فيه طبيعة وجبلة، والبخلُ قد عششّ في رأسِهِ وباض، فهو لو أعطى من ماله كأنما يعطي من نور بصره، وهو شديدٌ شحيح على المال من عبدة الدرهم والدينار.. ولكن عدم الزواج من هؤلاء الأوغاد وأمثالهم - وهم بحمد الله ليسوا كثيرين - لا يعني عدم الزواج على الإطلاق، ولا يعني تشدد الفتاة في طلب الكمال أو ما يقرب من الكمال، فإن الكمال لله عز وجل، وهي أيضاً غير كاملة بالطبع، وفيها - مثل البشر - من العيوب ما تعرف وما لا تعرف، ودائماً عينُ النفس عن رؤية عيوبها كليلة..

وأكثر من فاتهن قطار الزواج.. أو كاد.. ممن رفضن كثيراً من الخطاب في أول الأمر وزهرة الصبا، وبحجج واهية:

فهذا قصير..

وذاك ما يعرف كيف يلبس..

وهذا فقير..

وذلك شكله لا يعجبني..

وهذا تعليمه لا يناسبني..

والآخر لا يسكن في مدينة أهلي..

والسادس لا يستطيع تقديم مهر كبير..

والسابع لا يوافق على إقامة حفلة صاخبة..

إلى آخره..

صور كثيرة تزدحم في ذهن أي عانس تخطت الثلاثين حين تقلب "ألبوم" الصور والذكريات وتتصفح وجوه وأحوال مَنء خطبوها من قديم، فردتهم رداً كريماً، أو غير كريم..

وحين تتأمل أحوالهم الآن، بعد أن مضى على خطوبتهم لها ما يقارب عشر سنوات، ترى بأسى كيف تتغير الأحوال..

فالفقير أغناه الله من فضله..

والذي كان لا يعرف كيف يلبس صار أنيقاً بمساعدة زوجته له، وثبت أنه شاب ناجح جاد، ومعظم الشباب الناجحين الجادين لا يعرفون مع الأسف كيف يلبسون، ولا يهتمون بأناقتهم وشكلهم، لأنهم مشغولون بخوض معركة النجاح، وأنا أدعوهم بهذه المناسبة للاهتمام بهذه الناحية، فالله جميل يحب الجمال، وإهمال مظهرهم قد يفوت عليهم فرص الفوز بأجمل الزوجات وربما أفضلهن لأن الفتاة الصغيرة تهمها هذه الأمور بشكل كبير، فقد ترفض أفضل الشباب لمجرد أن لبسه مهمل وسيارته قديمة مثلاً، أو نحو هذا، وتعاند أهلها وتركب رأسها! وتندم بعد فوات الأوان، ويفقدها هذا الشاب أيضا، خاصة إذا كان يحبها!

إن الشاب الناجح الجاد يكون في العادة مشغولاً عن كي الثياب والعناية بالهندام والاهتمام بموديل السيارة، مشغولاً عن هذه الأمور بما هم أهم، ولكن ليته يعلم أن هذه الأمور غير الهامة، في نظره وسلوكه، تعتبر في غاية الأهمية عند معظم الفتيات، خاصة الصغيرات في السن والجميلات، فهي وإن قيل لها عنه: ناجح وجاد.. تعتبره فاشلاً لأنه لا يملأ عينها ولا يدخل قلبها ولا تفاخر به صديقاتها بل ربما تخجل منه أمام صديقاتها.. والفتاة يهمها رأي صديقاتها وعيونهن إلى أبعد الحدود..

@@@

إنهم يتحدثون عن العنوسة كثيراً في مجتمعنا ويقدمون لنا أرقاماً مخيفة لعدد العانسات.. وهي أرقام لا أعتقد أنها صحيحة.. فعلى أي أساس بُنيت تلك الأرقام؟.. ومن أي إحصاء قام؟ ومن أية سجلات.. إنهم إلا يخرصون.. كما أننا لا نعتبر من جاوزت الخامسة والعشرين ولم تتزوج بعد.. عانساً.. بل من جاوزت الثلاثين فقد خطت أولى عتبات العنوسة.. وإن كان باب الزواج يظل مفتوحاً دائماً.. فالمجتمع كبير.. وظروف الناس تختلف كثيراً.. والنصيب يأتي في وقته..

غير أن ما نود قوله والتأكيد عليه هو أن لا يتسبب أهل الفتاة في عنوستها إما باشتراطهم مهراً كبيراً - وهذه ثالثة الأثافي وأمر مخجل والله لم يكن في مجتمعنا من قبل أبداً فالناس يشترون الرجال - ولكن ومع الأسف المخجل - أن هناك بعض الآباء والأمهات يشترطون لتزويج بناتهم مهوراً كبيرة وكأنهم يتاجرون بهن في المزاد العلني!!

ومن هذا الباب اشتراط أم الزوجة خاصة، حفلة زواج حانة رانه لابنتها، تكلف كذا وكذا مالاً وعقلاً، مما يجعل كثيراً من الشباب يولُّون منها هرباً..

@@@

ومن الأسباب الرئيسية للعنوسة في مجتمعنا خاصة، الفتيات أنفسهن..

إن كثيراً من الفتيات يرفضن العديد من الخطاب بحجج واهية وأحلام خيالية ثم إذا رجعن إلى أرض الواقع إذا الطيور قد طارت..

يندر تماماً أن تبلغ فتاة سن الثلاثين وما فوقها بدون زواج وهي لم يخطبها في صباها شاب كفء لها.. أو أكثر من شاب.. فرفضت.. ثم دفعت ثمن الرفض غالياً..

يندر ذلك تماماً..

بل لعل العكس هو الصحيح..

بمعنى أن كثيرات ممن دخلن نفق العنوسة كن عرائس في حدائق الخطاب، تقدم لهن كثيرون ورفضن بثقل واستكبار، ثم صار الذي صار..!


@@@

إن الفتاة في مقتبل عمرها - وفي الغالب العام - تكون لها أحلام وردية في الزواج، وخيالٌ قد بنته في نفسها، وقد حكمها هذا الخيال وتلك الأحلام فتريد ما يماثل التمثال الذي في ذهنها أو يقارب، أو يحقق أكثر المواصفات، ولهذا ترفض أكثر من خاطب في ميعة صباها بحجة أن هذا لا يعجبها وذا فقير لا يحقق مستوى الحياة الذي يناسبها وذا قصير تخجل منه أمام صديقاتها، وذاك غير متمدن، وهذا ما يسكن في بلد أهلي ونحو هذا..

ولا يكاد يشيع أنها رفضت فلاناً وفلاناً - وهم أكفاء لها ولأهلها - حتى يتحاشاها الخطاب، ويحجمون عن التقدم لها، ويقول الواحد منهم في نفسه: طالما أنها رفضت فلاناً وفلاناً فلاحتفظ بكرامتي ولا أتقدم لها.. وهكذا يخفت صوت الخطاب، ويندر طرق الباب، وتمضي السنوات سريعة جداً، فإذا هي قد فرطت وندمت على ما فعلت، خاصة بعد أن كبر عقلها وصغر غرورها وصارت واقعية، وقد تسائل نفسها بحسرة واستغراب:

كيف رفضتُ فلاناً؟ وفلاناً؟

وتستعرض في ذاكرتها من رفضت من الشباب وتجدهم الآن أزواجاً سعداء ناجحين وزوجاتهم سعيدات منجبات بينما ظلت هي وحيدة يطاردها الاسم الكريه "عانس"..

@@@

وبالإضافة إلى تعنُّت الأهل - وبعضهم لا يزوج ابنته المدرسة طمعاً في راتبها والعياذ بالله - وبالإضافة أيضاً الى غرور الفتاة الصغيرة حين كان الخطاب كثيرين، هناك أيضاً أربعة أسباب هامة للعنوسة في مجتمعنا:

الأول: تكاليف الزواج المغالى فيها، وأكاد أجزم أن تكاليف الزواج في مجتمعنا هي الأكثر بين جميع دول العالم قاطبة وكل المجتمعات المعاصرة على الإطلاق..

ولا نقصد هنا بتكاليف الزواج المغالاة في المهور فقط - فإن المغالين في المهور ندرة والحمد لله - وإنما نقصد مجموع تكاليف الزواج من المهر السائد بين الناس الى حفلة الزواج وما يتبعها ورحلة شهر العسل التي كادت تصير لازمة والطامة الكبرى اشتراط تأثيث بيت كامل لا يقدر عليه إلا أولو العزم!

فبالله عليكم من أين لشاب حديث عهد بالتخرج أن يؤثث بيتاً كاملاً من الألف الى الياء مع سيارة ولو ساعده أبوه إن كان لدى أبيه استطاعة!

و في مذكرات جورج بوش الأب رئيس أمريكا الأسبق وذكر فيها أنه في بداية زواجه سكن في شقة صغيرة جداً (غرفة وحمام فقط استوديو) مع كرسيين وسرير وثلاجة وطباخة صغيرتين، ثم أخذ هو وزوجته يشتريان بعض الأثاث على مهل وحسب القدرة ومع السنين، مع أن أباه من أغنى أغنياء أمريكا ولكن أباه قال له: لقد علمتك وأعددتك للحياة فلا تنتظر مني عوناً مالياً بعد الآن!

هنا الاعتماد على النفس يبني الإنسان إذا كان المجتمع (يعين ويعاون) أما إذا كان المجتمع على العكس من هذا يطالب ويستنزف فإن الزواج سوف يظل (مشكلة) لدى الفتيات والشباب والآباء والأمهات على حد سواء.. لماذا؟.. لأن المجتمع عندنا يريد من الزوجين توفير كل شيء دفعة واحدة، بما في ذلك الكماليات فوق حفلة الزفاف الباذخة والتي ما أنزل الله بها من سلطان، فرسول الله صلى الله عليه وسلم حين زوج ابنته فاطمة عليا رضي الله عنهما دعا بعض الصحابة إلى وليمة من ثريد وناما على فراش محشو بليف..

أما لدينا فكل شيء جديد * جديد.. وماركات.. وذهب وجواهر.. وساعات فاخرة.. وعطور بالألوف.. وفساتين لا تعد ولا تُحصى.. وأثاث بيت من الألف إلى الياء.. وسيارة.. ورحلة في الطيارة لشهر العسل الذي يعود بصلاً مع الديون التي تقصم ظهر الشاب المسكين!!

وقد ورد في الحديث الشريف ما معناه (خير النساء أيسرهن مهراً) وهناك آباء وأمهات يغالون في المهور بشكل سخيف لا يقبله أي حر، ولكن حتى المهر السائد يعتبر كبيراً ولا لزوم له، ولا يستفيد منه أحد فوالد الزوجة يزيد عليه ليهدره - وما وفره فوقه - في حفلات وطقاقات وفساتين ترمى ونحو هذا!!

إن الحد من تكاليف الزواج وتسهيله وتيسيره على الشباب يحد من العنوسة بشكل كبير، ويوفر الهدر في الاقتصاد الوطني، ويكون الأساس المتين لقيام أسرة جديدة لا تبدأ حياتها بالأقساط والديون..

والثاني: ان كثيراً من الفتيات - وبعض الشباب أيضا يتخوفون من الزواج بناء على تجربة رأوها.. فحين ترى الفتاة قريبة لها أو صديقة، شقية جداً في زواجها، دائمة الشكوى والبؤس والشقاء، إما بسبب سوء زوجها أو سوء طبعها هي الله أعلم فإن هذه الفتاة تخاف من الزواج، وترفض كثيراً من الخطاب، خشية أن يكون مصيرها كتلك البائسة..

كذلك بعض الشباب لا يكاد يرى تجربة قريب له أو صديق مع الزواج، وتكون تجربة مرة مليئة بالألم والشكوى، بسبب سوء زوجته أو سوء خلقه هو الله أعلم حتى ينفر من الزواج، ويؤخره ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، أو "يشيله من رأسه" مع أن تعميم التجربة خطأ.. وظلم.. ولماذا ينظر هؤلاء إلى الأشقياء في الزواج وهم القلة ولا ينظرون إلى السعداء في الزواج وهم الكثرة؟.. ولماذا لا يحكمون عقولهم فيعلمون أن الأشقياء وحدهم هم الذين يرفعون أصواتهم وتنتشر قصصهم ومآسيهم بينما البيوت السعيدة - وهي الكثرة - لا صوت لها؟.. ثم إن الإنسان - فتى أو فتاة - يحسن الاختيار ويحسن النية ويصمم بإذن الله على إسعاد نفسه وزوجته وسوف يوفقه الله عز وجل إذا كانت نيته طيبة فإنما الأعمال بالنيات.

والثالث: إصرار بعض الفتيات على إكمال تعليمهن العالي قبل الزواج، حتى لو تقدم لها أفضل الخطاب، وكأن الناس سوف ينتظرونها أو أنهم وقف عليها، فإذا أكملت تعليمها وخطبها من هو أقل من الذين خطبوها وهي طالبة رفضت ثم لا تزال كذلك حتى تدخل مرحلة العنوسة برجليها.

والرابع: إسراف كثير من الشباب في هذا الزمان وعدم اهتمامهم بالتوفير للزواج وتكوين عائلة، بل هم يصرفون ما يكسبون - ويستدينون أيضاً - على السفر والسيارات والرحلات وتوافه الأمور فيتأخر كثير منهم في الزواج كثيراً وحين يحل زواجه - إن حل - يكون رصيده صفراً فهو عالة على أمه وأبيه وضحية لقروض البنوك، فالتأخير غير المبرر يزيد في عدد العوانس من النساء والرجال على حد سواء، وبدء الزواج بالديون والأقساط بداية غير موفقة تكسر الظهر.



منقول للفائدة