طلقها قبل أن يتزوجها
((
أرجوك أريد تحديد موعد للطلاق وأرجوك أريده أن يكون قريباً!!)) هذا ما بدأ به حديثه.
هو في الخامسة والأربعين من عمره، ذو مركز اجتماعي جيد، حاصل على شهادة جامعية، مثقف.
طلبت منه الجلوس، وأنا لا أدري بأي طريقة أبدأ معه الحديث، فهو يريد الطلاق وبأي شكل كان.
-
لدي خمسة من الأبناء أكبرهم يبلغ التاسعة عشرة من عمره، أعيش حياة هانئة ليس بها مشاكل تُذكر، زوجتي إنسانة طيبة للغاية، تقوم بكل واجباتها معي دون تقصير، لكنني على الرغم من كل هذا لا أستطيع العيش معها . إنني أرغب بالطلاق . أرجوك لا تقومي بتعطيلي فأنا أفضل أن أدخل إلى القاضي دون موعد.
- قلت: كل من يأتي إلى هنا تكون لديه مشكلة ويتمنى لو تحل وليستمر في حياته مع من كان في يوم من الأيام نصيباً له. ولكن عند إحساسه بالعجز أمام مشاكله وعدم تمكنه من حلها يكون مرغماً على اتخاذ قرار الطلاق دون أن تكون لديه أية مشكلة.
-ولكنك كما أرى مصرٌ على الطلاق. فما ذلك الشيء الذي تخفيه!! هل انت من الناس الذين يفضلون الاحتفاظ بأسرارهم ولا يحبون البوح بها ؟ معذرة فإنني احترم رغبتك في الاحتفاظ بأسرارك دون أن يقترب من أعماقك أحد، ولكن لو كان فعلاً ما تقول بأنه ليس لديك أي مشكلة مع زوجتك وفي بيتك، وترغب بالطلاق، فإنني أسألك ما ذنب تلك الزوجة المخلصة التي أحبتك بكل عواطفها وعاشت معك كل هذه السنوات، وأنجبت منك هذا العدد من الأبناء؟ هل جزاؤها بعد هذا العمر أن تكافئها بالطلاق؟ هل هذا هو جزاؤها من وجهة نظرك؟!!
-أجاب:
إنها بالفعل لا تستحق هذا. وصدقيني يا أختي بأنني لا أخفي شيئاً، وأنني إنسان ملتزم والحمد لله، وليس لي علاقات أهدم من أجلها حياتي الأسرية.
-سألته صراحة: هل ترغب في الزواج من أخرى؟ إن كان الأمر كذلك فقد أحلّ الله لكَ الثانية، ولكن عليك بالعدل بينهما وألا تظلم الأولى بتطليقها دون أي ذنب منها.
-فأجاب:
لا توجد لدي أي نية للزواج من أخرى. وأعلمي أنني سأطلق زوجتي دون علم مني بأي مصير سأواجهه، ولا أدري أين سيكون سكني واستقراري، حيث قررت أن أترك لها وللأبناء البيت حتى لا أظلمها، وسوف أبحث عن مسكن لي في أي مكان، فأنا رجل أستطيع أن أدبر أمري في النهاية ولكنها امرأة عاشت معي عمرها ولم أر منها إلا كل خير.
- قلت : لقد وضعتني عند نقطة محيرة فعلاً، ماذا عساي أن أفسر سبب إصرارك على تطليق زوجتك، وأنت تتكلم عنها بهذا التقدير والاحترام؟.
-فأجاب:
حتى آخر لحظة من عمري لن أذكرها إلا بكل خير، فقد عاشت معي أيام حياتي ولم أرى منها إلا كل ما يحب الزوج أن يراه من زوجته.
-فقلت: متى بدأت تفكر بالطلاق، وما الذي جعلك تفكر فيه بعد هذه السنوات وأنت تتحدث عنها هكذا؟
-
منذ أن تزوجتها وأنا أفكر بالطلاق، وفي كل مرة أقول لا، فليس لها أي ذنب وهي لم تخطئ يوماً من الأيام، ولكن بعد هذا العمر لا أستطيع الاستمرار معها.
-سألته: هل تحبها؟
-قال:
لا أدري، هل أحبها كأختي، أو كأمي، أو كزوجة أو أنني لا أحبها بالمرة؟!!
-طلبت منه أن يحدثني قليلاً عن طفولته، فبدأ بسرد حياته الأولى.
-قال:
عشت حياة معذبة، كان أبي منفصلاً عن أمي وبعد طلاقها تزوج كل منهما وكون أسرة تضم أبناء وبنات، وكنت أنا الإنسان المنبوذ بينهما، فعندما أذهب إلى أمي أجدها مشغولة مع زوجها وأبنائها، وكذلك الحال مع أبي وزوجته.
ففضلت أن أعيش عند خالتي التي عاملتني أسوأ معاملة، فقد كانت قاسية عليّ وكانت دائماً تُشعرني بأنني أقل من أبنائها وتسخرني لخدمتها وخدمتهم. لم أشعر يوماً بحنان الأم أو عطف الأب وكنت فعلاً في أمس الحاجة لذلك الحنان الذي افتقدته.
-
وعندما تزوجت كنت أتمنى أن أجد الأم قبل الزوجة، أن أجد الحنان بمعناه وبكامله، حنان الأم قبل أن يكون حنان الزوجة، ولكني للأسف لم أجده، نعم فهي زوجة صالحة قامت بكل واجباتها كما أنها ربت أبناءها أفضل تربية ولكن أين موقعي أنا بالنسبة لحرارة عواطفها؟، إنني فعلاً أكبر، وتأخذني السنون ولكنني مازلت أشعر في داخلي بفقداني هذا الشيء، دائماً أشعر بأن هناك شيئاً ينقصني لا أدري ما هو؟
-
ولكنني اليوم وعندما أرجع للماضي أوقن أنه الحنان الذي لم أذقه يوماً في حياتي.
-وهنا قلت: زوجتك إنسانة عظيمة ولكنك لم تصارحها يوماً بهذا الشيء.
-فأجاب:
إنني لا أرغب في مصارحتها، أريد أن تفهم دون حديث معها بهذا الموضوع.
-فسألته: وما المانع وهي أقرب إنسانة لك، لماذا لم تحاول مصارحتها لعلها تعرف ما يؤلمك، فتكون لكَ أمّاً قبل أن تكون زوجة؟ وأعتقد أنها قادرة على ذلك وهي الزوجة المثالية كما وصفتها.
-فسكت برهة. وعيناه تمتلآن بالحيرة والتساؤل.. وقال:
هل تعتقدين أنه بإمكاني الآن وبعد هذه السنوات أن أحدثها عن هذه الأشياء؟ لا، فهذا صعب عليّ جداً.
-قلت حاول لعلك تستطيع، وفكر في أبنائك قبل كل شيء، فأنت ما جئت إلى هنا إلا بسبب معاناتك من طلاق والديك على الرغم من مرور كل هذه السنين الطوال، فلا تكرر المأساة مع أبنائك واحفظهم واحفظ زوجتك وحاول أن تنسى الماضي بكل مافيه، وعش حياتك سعيداً بما وهبك الله من صحة وزوجة صالحة وأبناء صالحين، واحمد الله على أن مشاكلك قد انتهت منذ زمن بعيد وأنك الآن لا تعاني من أي شيء سوى أشباح الماضي، اكشف حزنك وآلامك لزوجتك لعلها تعوضك عنها بكل الحب والخير والحنان.
عند ذلك ذهب ولم أره مرة أخرى ولا أدري هل استطاع نسيان الماضي أم لا؟. . آمل ذلك