" الذين يكتمونَ مشاعرَهم بإتقان ..
ينفجرونَ كالسّيلِ .. إذا باحوا " ... " بتصرّف طفيف "
:
في سنواتِ عمُريَ الفائتة ..
لم تتواجدِ الصّداقة بمعناها " الحقيقيّ " في حياتي ..
إذ كنتُ _ ومازلتُ وإن بنسبةٍ أقلّ _ أفتقدُ الثّقة بالآخرين ..!
كنتُ إذا ما شعرتُ برغبةٍ في الثّرثرَة ..
ناجيتُ بصَمتٍ .. أعماقي .. فشعرتُ بالأنس
من منكم فضفضَ لأعماقهِ .. فملّته ؛ زجَرته ؛ أو حتّى خذلته !؟
..
.
لا أدري كيفَ تغيّرالحال ..
فباتَ لي عددٌ " مهولٌ " من الصّداقات ..
_ وفي الملمّاتِ لا أرى أحداً !! _
ربما " العنوسة " مرادفٌ " خفيّ " للبوح !؟
:
اجتاحتني الليلة قبل الفائتة رغبةٌ ملحّة في
الحديث .. في اللاشيء
هاتفتُ أقربَ صديقتين فلم أجدهما !
..
.
تساءلتُ فيما لو أخذني تفكيري إلى اللاشيء
ولو لبرهةٍ أستعيد فيها ما تناثرَ منّي ..
هل جربتم أن تفكّروا في اللاشيء ؟
أنا لا أهذي .. بل أعني ما أقول
اغمضُوا أعينكم الآن .. اغمضوها
واسرحوا بعيداً .. بعيداً في اللاشيء
تجرّدوا من ذواتكم ؛ أوجاعِكم ؛ أحلامِكم
:
هل تستطيعون ؟
..... أنا لم أستطِع !!
ربَما لأنّ هذه الطريقةَ تحتاجُ إلى روحِ التحدّي والمغامرة
وبما أنّي _ وبكلّ رهافة _ أفتقدُها ؛ فقد فكرتُ في تحدٍّ قريب
ويمثّلُ لي مغامرَة " قاااسية " نوعاً مّا !
قلتُ لي ذاتَ تأمّل ؛ رغبةً في إسباغ المعنى على حياتي
لماذا لا أعيشُ يوماً .. يوماً واحداً فقط
دونما التفكير في متلازمة " الزواج " وما يتبعُ ذلكَ من
معاجمَ لا تنتهي !
هل يمكنُني أن أستيقظَ ذاتَ صباح ؛ وأتمتمَ بالذّكر
المصاحبِ ؛ دونما الإصغاء إلى زوايا غرفتي وهي تولول :
" يا عيني على شبابك " !؟
وهل بمقدوري أن أنظرَ في المرآة وأبتَسم ..
متجاهلةً مشاكساتها الغيور !؟
وهل باتَ من الممكنِ أن أشرعَ النّافذة
وأرتمي في الحياة ؛ دونَ أن ألمحَ حزناً يلوّحُ من بعيد !؟
وهل أستطيعُ أن أطهوَ _ بابتسامةٍ رحبَة _ غداء إخوتي
المفضّل .. دونَ استهلاك " لو " التي لا عملَ لها
إلا استحالةَ الأمنيات !؟
... ليسَ هذا ما يلزمُني فحسب
بل لا بدّ وأن أتحدّث مع من حولي بلغةٍ واثقَة ؛ سلسَة
دونما إدمان دور " المخطئ " الذي يتسوّلُ " العفوَ "
وما من محسِنين !
لا بدّ للدمَعاتِ أن تجافيَني اليومَ ..
الماء فقط .. ما أحتاج
حتى لا أختنقَ .. فأتذكر !
رنّ المنبّه للفجر .. فأدركتُ أنّني لم أنم بعد !!
وبعد الصلاة ؛ عدتُ للنّوم إيذاناً بعهدٍ جديد مؤقّت يخلو
من " فرحيَ المؤجّل " ..
أنامُ دونما قلقِ التفكير التزاماً بالبنود
لأصحوَ في الحاديةَ عشرَ على ضوضاء يئنّ لها
بابُ غرفتي ..
أحدّقُ في الفراغ .. وأتحسّسُ لسعَ الكلمات
فإذا أمّي تنبّهني إلى الوقت دونَ أن تنسى أن تدلّلني بعبارةٍ
لطيفَةٍ محبّبة ؛ اخترعها الأقدمون : " من كتر خطابها ... " !!
:
كم هم محظوظونَ أولئكَ الذينَ نتناقلُ
ما نسجوه من عباراتٍ .. ساذجة .." موجِعة " ..
وربما مذهلةِ الصّدق .. مرعبَة الوضوح !
ضحكتُ بأسى دونَ أن أتساءلَ عن العلاقةِ
بينَ " صباحي " والمثلَ الرّقيق !
أحياناً تأخذنا الدّهشة ..
إلى حدودِ الصّمت !
لكنّي عاتبتُ فرحيَ المؤجّل :
" تُرى لو لم تستعذب الغيابَ .. هل كانت أمّي مرغمَة
أن تدللني حدّ التعّب !؟ "
خبطتُ كفّي بجبهتي ..
تذكرتُ التحدّي .. النّأيَ عن التفكير فيما يقلقُني