اعترافات معاكس
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على النبي الأمين محمد صلى الله عليه وسلم القائل : « نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ » رواه البخاري من حديث ابن عباس .
أما بعدُ : فإن من نعم الله العظيمة التي منَّ بها على عباده استغـلال الوقت في الطاعات والقرب لرفعة المنزلة عنده .. .
بيد أن كثيرًا من الناس وخصوصًا فئة كبيرة من الشباب اجتالتهم الشياطين وبعُدت بهم عن الصراط المستقيم ، فكم من شاب ( محافظ ) ترك الصلاة وأقبل على الملهيات والمحرمات من مسكرات وحشيش ومخدرات وفواحش كالزنا واللواط بسبب ما زينه له شياطين الأنس والجن .
وهنا يبدأ حديثنا مع شاب أضاع سنوات من عمره بعيدًا عن الله مستغرقًا في لذة المعصية .. ثم منَّ اللهُ عليه بالأوبة والرجوع إليه . أسال الله أن يختم للجميع بخير .. آمين .
هذا الشاب لم أعرفه إلا حينما استقام على أمر الله ، لم أكن على سابق معرفة به من قبل . فبعد أداء إحدى الصلوات سلم عليَّ هذا الشاب وعرفني بنفسه فرحبت به وأقبلت عليه أتحدث معه .. ، وبعدها صار كلما لقيني سلم عليَّ ، وكان صاحب لسان عذب ، لبق في عبارته يعرف كيف يكسب ود محدثه ، دمث الأخلاق ، تعلو الابتسامة وجهه وحاله كما يقال: « صاحب علاقات عامة ! » .
كان كلما لقيني سألني مستفتيًا عن بعض الأحكام الشرعية فأجيبه بما أعرفه ، حتى توثقت الصلة بيني وبينه .. .
كان حديثه معي دائمًا عن الشباب ، وحرصه عليهم من الفتن وحب الهداية لهم .. .
كان يشتري المطويات الدعوية والأشرطة الوعظية وكروت الأذكار ليوزعها لينال الأجر من الله .. .
فالتحق بتحفيظٍ للقرآن الكريم ليصحح قراءته ويحفظ ما تيسر منه ، وأقبل على وجوه الخير يلتمس رضا ربه .. .
كنت استشعر فيه حرارة الإيمان التي تصيب كل من التحق بركب التائبين وحب طاعة الرحمن لنيل مرضاته ، فكان هذا المشهد يهيج مشاعري فأدعو الله لي وله بالثبات .
لا أذكر كيف فتح لي موضوع ماضيه = الجانب المظلم في حياته ، لكن الذي أذكره أنه أفرغ أمامي شريط حياته المليء بالأحـداث الصـاخبة ؛ والأحـوال المؤسفة والحـزينة في نفس الوقت ، وكانت حصيلتها مؤلمة للغـــاية ؛ وهي فساد وخراب وانحلال لأخلاق كثير من الشباب والفتيات .
بداية ( سقوطه ) ـ كما حدثني ـ أنه تعرف على فتاة بواسطة أحد ( الأصدقاء ) ! فقد أعطاه رقم تلك الفتاة .. .
يقول صاحبنا : لم أعاكس قبلها أحدًا في حياتي ، ولذا لم أكن أعرف كيف أتحدث معها ، وكانت هذه الفتاة ( شيطانة ) ؛ تضحك مني ومن سذاجتي ، ولكني استفدت منها فقد ( علمتني ) كيفية التعامل والتحادث مع الفتيات ! .. . وهنا بدأ السيل والسيل جرار .. وشرعت أكوّن علاقاتي بالفتيات أتصل بهن ويتصلن بي حتى بلغ عددهن أربع عشرة فتاة ! ، ما أن أغلق الهاتف من الأولى ، وإذ بالثانية والثالثة والرابعة يتصلن وهكذا دواليك . أصبحت معاكسا ( ماهرًا ) آخذ بلب الفتاة بسرعة بسبب مهارتي في الكلام ، وتفنني في العبارات ، وحسن إجابتي على ما يوردنه من أسئلة محرجة ومعضلات !.
قلت له : ما سبب سقوط الفتيات في ( فخاخ ) المعاكسين ؟
فأجاب : أولاً : الفراغ القاتل فالشيطان يزين لها الاتصال بالشباب للتحدث معهم ـ لتسلية فراغها ـ في شتى المواضيع ، حتى تقع في الغرام والهيام .
ثانيـًا : قرينات السـوء اللاتي يزين لهــا تلك العلاقات
وتصفها بأنها علاقات ( بريئة ) لأنها ( حب طاهر ) لا يعرف للمكر سبيل ونهايتها الحتمية الزواج بـ ( فارس أحلامها ) التي ( اختارته ) بمحض إراداتها وقد عرفت عن كثب سلوكه وأخلاقه وكل ما يتصل به ! .
ثالثًا : بُعد أولياء الأمور من آباء وأمهات عن أبنائهم
( ذكورًا وإناث ) ، وإعطائهم الحرية المطلقة في كل تصرفاتهم ، أو الكبت النفسي الذي يعانيه هؤلاء الأولاد حينما لا يجدون صدرًا حنونًا إزاء مشاعرهم ومشاكلهم وفتح قنوات الحوار معهم خصوصًا البنات اللاتي يمتلكن مشاعر فياضة . فالأب مشغول عن بيته بعمله وأصدقائه ، والأم لا تهتم في الغالب إلا بمظهرها ومظهر البيت وزيارة صديقاتها ومذاكرة الأولاد دروسهم ومزاولة أعمال البيت المعتادة : الطبخ والغسيل وكي الملابس ..إلخ من أعمال لا تنقضي أبدًا .
رابعًا : ضعف الوازع الشرعي وفقـدان الموجه الناصح
خامسًا : وسائل الإعلام الساقطة بأنواعها المرئية والمسموعة والمطبوعة ، فالمرئية كالدشوش والفيديو والتلفزيون الموجودة في البيوت والتي تعرض عبر قنواتها كل قبيح ومثير ؛ فتلك المغنية ( الفاسدة ) تغني وهي شبه عارية ، و( الفيديو كليب ) يأتي بأغاني الحب والغرام بين الرجال والنساء بطريقة تثير الغرائز والشهوات فتأججها . وكذلك الوسائل المطبوعة كالمجلات ( الماجنة الهابطة والساقطة التي تصور هذا الواقع المر ( علاقة الفتاة بالشاب ) على أنها من الرقي والتطور المدني الذي يرتقي بالإنسان ( المتحضر ) نحو أفق واسع ويجلب صورًا لبعض الساقطات المشهورات بالدعوة إلى تبادل الحديث و( الحوار العاطفي بين الجنسين ) فتنجرف كثير من الفتيات في هذه المستنقعات الآسنة .
سادسًا : ـ وهذا متعلق بالمعاكس ـ أسلوبه في الحوار معها .. حيث يبين لها أن قصده من الحديث معها ( شريف ) ، ويبدأ يثني عليها وأنها أَخَذَتْ بِلُبِّ عقله لأنها جميلة فاتنة لم يتمالك نفسه حتى من سماع صوتها ، و( المسكينة ) تصدقه .. وهي في نفس الوقت لا تجد من يثني عليها لا من أبويها أو حتى صديقاتها ، لذلك في الغالب تنقاد إليه ، وصدق شوقي إذ قال :
خدعوها بقولهم حسناء والغواني يَغُرُّهن الثناء !
في البداية لا تحبِّذْ الفتاة الاستمرار وتخاف ، لكن
( الذئب ) المعاكس يخبرها أنه يحبها ويعدها بالزواج في أقرب فـرصة مواتية ، لكنه يحب أن يعرفهــا عن كثب ويرى هل هي تبادله نفس الشعور ؟ حتى تسقط في ( الفخ ) !.
قلت له : بالنسبة للمعاكسين هل أغراضهم واحدة ؟.فقال على الفور : لا ؛ من الشباب من يقع في حب واحدة ويتمنى أن تكون هذه ( المعشوقة ) شريكة حياته ـ وإن كان مخطئًا في طريقة التعرف عليها ـ لا يحب ولم يتعرف على غيرها ، وقد يتزوجها ، وإن تزوجها ففي الغالب أنه يقع الطلاق لأنه كان من طريق غير صحيح وترك الدخول من الباب كما قال تعالى : (( واتوا البيوت من أبوابها )) [ البقرة : 189 ] فهو ما جاء إلا من الشباك ، فتمت المعرفة من طريق غير مشروع ، فربما تخيل الزوج كما أن زوجته تعرفت عليه بطريق غير مشروع ستتعرف على غيره بنفس الطريق ، وقد وقع كثيرٌ مثل هذا ، ومن هنا يبدأ الشك وتكثر المشاكل حتى ربما وقع الطلاق ، ومنهن بالفعل من تتعرف على رجل آخر وهي متزوجة ( محبوبها ) لأن الطبع السيئ غلب التطبع فتمارس علاقاتها مع الآخرين وربما أكتشف الزوج الأمر فيسارع بطلاقها ، ومنهم من يوفق في زواجه لكنه قليل جدًا ، وهذا المعاكس قليل من هذه صفته أنه يحب فتاة واحدة ، بل الأصل في الشباب تقضية الوقت مع الفتيات والتعرف على واحدة وأخرى وثالثة من أجل التمتع معهن وبهن !.
وقسم هدفه ـ وهـؤلاء أشد السفلة ـ إطفاء نار شهوته
بالحرام ، وهم الصفة الغالبة في الشباب ـ مع الأسف ـ ولا حولولا قوة إلا بالله .
قلت له : هذا بالنسبة للشباب ، لكن ما حـال الفتيات ؟.
قال : هم كالرجال تمامًا : منهن من تحب وتعشق بجنون شابًا ولا تبغي به بدلاً ، وأخرى تستمتع بالخروج والذهاب والمجيء مع الشباب ، وأخرى تبحث عن مصالحها فهي تريد من يصرف عليها إما بعشاء أو ذهب أو مجوهرات أو هدايا قيمة ثمينة كالساعة والعطر وغيرها أو يكون سائقًا لها ولزميلاتها ( السَقَطَ ) بإيصالهم إلى البحر أو الملاهي أو التنزه في أي مكان تريده وهي بدورها تتباهى بعبدها ( الذليل ) أمامهن وتخدعه بحبها له ، ولا يعرف ( المسكين ) حالها بنفسه إلا فيما بعد ؛ بعد أنه تخدعه ، أو حينما ( تمل ) منه أو تحزن عليه فتخبره بأنها كانت ( تضحك ) عليه !.
وأخرى تبحث عن الشهوة المحرمة وتحب ممارستها مع شخص أو أكثر وذلك بسبب الإفراط في مشاهدة أفلام الجنس ـ والعياذ بالله ـ حتى يصبح هذا الفعل ديدنها ، ومنهن من تمتهن هذه المهنة ( القذرة ) ولا حول ولا قوة إلا بالله . وهذه والتي قبلهــا من أصعب الناس تـوبة إلى الله إلا من أراد الله لهـن الهـداية وغـالبهـن من المطلقـات والأرامـل ، ويستبعد أن بكرًا تفعله إلا فيما ندر .
قلت : وكيف تخرج الفتاة مع المعاكس لتقابله خارج البيت ؟
فقال : هناك طرق كثيرة وعديدة : فمنهن من تخرج مع أهلها لحضور دعوة زواج وتتصل هي بصاحبها وتخبره قبل حضور الحفل بمكانها فتدخل القصر قليلاً ثم تخرج منه لوحدها دون أن يعلم أهلها أنها خرجت لأنهم يحسبون أنها جالسة مع صاحباتها ، وأخرى يأتيها صاحبها ليأخذها من بوابة الجامعة قبل أن تدخل إليها أو يأخذها من مقر عملها ، أو تحتج الفتاة بأنها سوف تزور صديقتها ويأتي هو بسيارته في مكان اللقاء ويأخذها ، وأذكر أنه حصلت قصة لأحد أصدقائي ( المعاكسين ) .. يقول لي : ذات يوم جاءت امرأة ومعها زوجها بالقرب من بيتي ، فقالت المرأة لزوجها : هذا بيت صديقتي وأريد أن أمكث عندها بعض الوقت . فوافق الزوج المسكين ! . وقس على هذا كثير .. ، وقد رأينا ـ والله ـ هذا كثيرًا بأم أعيننا ، فالله نسأل أن يستر علينا ، وعلى أخـواتنا وبناتنا وأهلينا والمسلمين أجمعين .
قلت له : الشــاب حينما يحب فتـاة أو يتعلق بأكثـر من واحدة ، ألا يتذكر أن ما يفعله جرم ومعصية لله ، وانتهاك لعار الآخرين ؟.