البدريون الجدد أين هم؟! وكيف هم؟! - منتدى عالم الأسرة والمجتمع
logo

الملاحظات

الثقافة الاسلامية صوتيات ومرئيات إسلامية ،حملات دعوية ، أنشطة دينية.

إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 04-08-2012, 11:51 PM
  #1
ابن عمر محمد
عضو مميز
تاريخ التسجيل: Nov 2011
المشاركات: 335
ابن عمر محمد غير متصل  
البدريون الجدد أين هم؟! وكيف هم؟!

البدريون الجدد أين هم؟! وكيف هم؟!

خميس النقيب

المؤمن في رمضان يسمو فوق الماديات، ويعلو علي الشهوات، في رمضان ينشط الذهن ويتألق، وتصفو الروح وتحلق، انه يزهد فيما عند الناس ويرغب فيما عند الله، انه يتخفف من أثقال الدنيا و جواذب الأرض، وينطلق صوب الآخرة في سعادة غامرة، لسان حاله يهتف: وافرحتاه غدا سألقي الأحبة محمدا وصحبه...!!، فيعمل لمعاده كما يعمل لمعاشه، ويعمل لغده كما يعمل ليومه، ويعمل لأخرته كما يعمل لدنياه ﴿فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: 148]... يعلمون أن متاع الدنيا مهما طال فإنه قصير، ومهما كثر فانه قليل... ﴿قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾ [النساء: 77].... يعرفون أن الآخرة هي الخالدة..هي الباقية ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾ [الأعلى: 16-17].. لذلك يتحركون في الأرض بهذا الفهم، ويعيشون في الدنيا بهذا الفقه، تبقي الدنيا في أيديهم لا في قلوبهم، فيجعلونها مزرعة لأخرتهم، و مرضاة لربهم لقد وعي الصحابة ذلك جيدا فلم يعملوا من اجل مصلحة شخصية ولا منفعة مادية، ولا شهوة حسية، وإنما يعملون، من اجل إعمار الحياة، حبا لذات الله، وإتباعا لرسول الله ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [آل عمران: 31].

المؤمنون علموا أن الله جعل النصر بيده ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾ [آل عمران: 126]، واختصهم به ﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الروم: 47] لكنه علق هذا النصر وشرطه بعمل المؤمنين أنفسهم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد: 7].

وعلموا أن الله أرسل رسولهم بالسيف، وجعل رزقه في ظلال رمحه (بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله تعالى وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذل والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم) "صحيح الجامع"...

فحقق للناس رحمة الله التي أرسل بها ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]... بلغ الرسالة، وادي الأمانة، وكشف الغمة، وجاهد بالسيف والكلمة، فأتم الله به النعمة، ومحا الله به الظلمة، فارسي قواعد الإسلام، ونشر العدل والأمن والسلام.

سلك المؤمنون دربه وترسموا طريقه، وجعلوا حياتهم فداء دعوتهم ودينهم، يظلون كذلك حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.. دون تحويل أو تبديل ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ [الأحزاب: 23].

ضريبة النجاح ومقدمات النصر:
كان المسلمون في مكة يعذبون لا لذنب اقترفوه، ولا لجرم ارتكبوه إلا أن يقولوا ربنا الله فلم يغيروا مبادئهم ولم يتزحزحوا عن أماكنهم التي رسمها الإسلام لهم وهم يعلمون أن في ذلك حياتهم، ذهبت سميه – أول شهيدة في الإسلام - وورثت للأمة الإيمان، وفتحت للمجاهدين أبواب الجنان، وشقت طريقها إلي ربها في امن وأمان ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ [الأنعام: 82].

وما كان للقائد العظيم، والرسول الكريم إلا أن يقول لهم: صبرا آل ياسر فان موعدكم الجنة...حتى أمرهم الإسلام بالهجرة إلي يثرب، وهناك انزل الله، ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ﴾ [الحج:40- 39] أمرهم الله بالقتال.. لماذا؟..! نشرا لدعوة الإسلام، وتأمينا لمسيرة القران، تثبيتا للإيمان، وردا للعدوان، وردعا لأعوان الشيطان الذين يصدون الناس عن سبيل الله ويفتنون المسلمين في دينهم ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 216] فغدا الواحد منهم يمسك بسيفه يستأصل الوثنية والشرك والكفر والظلم والجور من المجتمع كما يمسك الطبيب الماهر بمشرطه ليستأصل المرض العضال من الجسم..انه تطهير شامل...!!

هل يستوي الظل والعود أعوج؟..! هل تقبل أنصاف الحلول؟! كلا!!

الإسلام لا يقبل أنصاف الحلول ﴿فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾ [يونس: 32]...!! كيف؟...!!

إن المؤمن عندما يختار الإسلام فلابد أن يقاوم الكفر، وعندما يرتضي التوحيد لابد أن يحارب الشرك، وعندما يستظل بشريعة الله لابد أن يرفض مناهج البشر، وعندما يتذوق طعم الإيمان يكره أن يعود إلي الكفر كما يكره أن يقذف في النار، (أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار) "صحيح الجامع" ولا يتم أيمانه حتى ينتصر علي أهواءه ورغباته، علي شهواته ونزواته: لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به قال النووي هذا حديث صحيح.

الطريق إلي بدر:
عند بدء التحرك تخوف البعض بسبب الحرب بين قريش وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة، إذ اعتقدوا أن يغدر بهم بنو بكر وهم منشغلون بملاقاة المسلمين. فقال سراقة بن مالك بن ‏جعشم المد لجي، وهو أحد أشراف بني كنانة‏‏:‏‏ أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه.

يؤمن الكثير من المسلمين بأن من أجار قريش من بني بكر لم يكن سراقة بل كان إبليس، الشيطان، وهم يعتقدون أنه تقمص شكل سراقة وقال ما قال لقريش. انطلق المسلمون من المدينة بإتجاه مكة، مرورا بنقب المدينة، ثم على العقيق، ثم على ذي الحليفة، ثم على أولات الجيش (و قيل أم اسمها ذات الجيش). ‏‏ثم مر على تُرْبان، ثم على ملل، ثم غَميس الحمام من موقع غزوه بدر مربين، ثم على صخيرات اليمام، ثم على السيَّآلة، ثم على فج الروحاء، إلى أن وصلو إلى عرق الظبية.

ثم أكمل المسلمون طريقهم فمروا بسجسج، وهي بئر الروحاء، ثم وصلوا المنصرف، هنالك تركوا طريق مكة بيسار، واتجهوا يمينا من خلال النازية بإتجاه بدر، إلى أن وصلوا وادي‏‏ رُحْقان، وهو وادٍ بين النازية وبين مضيق الصفراء، ثم وصلوا إلى المضيق، إلى أن اقتربوا من قرية الصفراء.

استكشاف:
هنا بعث محمد صلي الله عليه وسلم بسبس بن الجهني، (من بني ساعدة)، وعدي بن أبي الزغباء الجهني، (من بني النجار)، بمهمة استكشافية إلى بدر ليحضرا له أخبار قافل أبي سفيان بن حرب. لدى وصول المسلمون قرية الصفراء، وهي تقع بين جبلين، سأل محمد عن اسم الجبلين وعن أهل القرية، فأخبروه بأن الجبلين أحد ما يطلق عليه اسم مسلح والآخر مخرئ، أما أهل القرية فهم بنو النار وبنو حراق، بطنان من بني غفار، فكره المرور بينهما‏‏‏‏ ثم تركهم واتجه نحو اليمين إلى واد‏‏ ذَفِران.

وصل خبر خروج جيش المشركين إلى المسلمين، ولم يكن خروج المسلمين لقتال المشركين هو خيار مطروح في الأصل، بل كان الخروج من أجل الغنيمة بالقافلة. كما أن الأنصار في بيعة العقبة اشترطوا حماية النبي محمد صلي الله عليه وسلم في المدينة فقط وتبرؤا من ذلك حتى دخوله إليهم في المدينة حيث قالوا له وقتها:

يا رسول الله إنا براء من ذمامك حتى تصل إلى ديارنا، فإذا وصلت إلينا، فأنت في ذمتنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا.

إعداد وتدريب من نوع خاص:
المسلمون دربهم الإسلام علي أن يغلبوا أهواءهم، ويمتلكوا أنفسهم، ويتجردوا من ذواتهم، يجددوا إيمانهم، وهذه عوامل القوة الحقيقية كما قال الصادق المصدوق صلي الله عليه وسلم: الصرعة من يملك نفسه عند الغضب.

دربهم الإسلام علي أنواع الصبر وألوانه... الصبر علي أداء الواجب حتى يبلغوا درجة الكمال، والصبر علي دوافع النفس ونزعات الهوى حتى يبلغوا درجة التقي، والصبر علي بلايا الأيام ونكبات الدهر حتى يبلغوا مراتب الرضا، قست عليهم أيام مكة اشد قسوة، وعذبهم المشركون اشد العذاب، فما ضعفوا وما استكانوا، ما غيروا وما بدلوا، ولكنهم غالبوا الشدائد وقاوموا المكائد و صابروا الأعداء، و أطاعوا رب الأرض والسماء.

بين الجمعين:
فئة مؤمنة تقاتل في سبيل الله، وأخري كافرة تقاتل في سبيل الشيطان، فئة مؤمنة معها الحق الأبلج وأخري كافرة معها الباطل اللجلج، فكان لابد لجند الحق أن ينتصر وكان لابد لجند الباطل أن يندثر تحقيقا لوعد الله الكريم ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾ [الأنبياء: 18]... والذي قال ﴿...أَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ﴾ [الرعد: 17] هذا ما تربي عليه المسلمون قبل بدر وذاك ما أعدوه قبل وبعد أن نزل عليهم قول الله تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾ [الأنفال: 60].

تهيئة نفسية للمعركة:
عندما أفلتت عير قريش من قبضه المسلمين، وعرفوا أنهم سيواجهون حربا ما خرجوا من أجلها، ولا هيئوا أنفسهم لها فترت هممهم وبدا كأن هناك خلخلة في صفوف المسلمين وكرهوا ذلك اللقاء وأفصح القرآن عن ذلك ﴿أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ * كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ * وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ﴾ [الأنفال: 5 – 7]، وسارع رسول الله في علاج هذا الأمر الطارئ مستعينا فيما وهبه الله من رجاحة العقل وكمال الخلق وسلامه الفطرة ونفاذ البصيرة يسدده الوحي ويوجهه التنزيل ويتابع خطوه القران، و تعصمه عناية الرحمن ﴿وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ [المائدة: 67]، و﴿اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ اللّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ﴾ [الأنعام: 124] وكيف يصنع للبشرية النموذج الراقي والقدوة الممتازة ﴿لقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾ [الأحزاب: 21]...!

كان النبي صلي الله عليه وسلم يعول أيضا علي ما في قلوب المسلمين من إيمان وما في صدورهم من يقين ومسارعتهم إلي طاعته الله وامتثال أمره ولم يشأ أن يفرض عليهم القتال ويجبرهم علي المعركة، ولم يقف منهم موقف القائد في برجه العاجي وقصره المنيع يصدر الأوامر من غرفه العمليات وعلي الجنود أن يرضخوا للأمر دون نقاش ولكنه شاركهم في معمعتها وأشركهم في خطتها وحملهم نتائجها، فتبادل مع شركائه ركوب الدابة ولم يقبل منهم أن يؤثره بظهرها وقال في تواضع جم وأدب رفيع "ما أنتما اقدر علي المشي مني ولا انأ اغني عن الأجر منكما"؛ رواه الحاكم، وتحمل ما يتحمله اجلدهم وأصبرهم.

الشورى في أجمل صورها وأعظم لحظاتها:
ثم نادي فيهم أشيروا علي أيها الناس رواه بن إسحاق، فاستشعر كل منهم المسئولية المباشرة وتلاشي ترددهم وتضاعفت عزائمهم وتسابقت هممهم وتنافسوا في إعلان مكنونات صدورهم من الإيمان بالله والتفويض لرسول الله والاستعداد لأي تضحية في تنفيذ الأمر.

بدأت قريش بتجهيز سلاحها وإبلها ورجالها للقتال، وقالوا‏‏:‏‏ أيظن محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي، كلا والله ليعلمن غير ذلك واتفقوا أن يخرج جميع رجالها وسادتها إلى محمد، فمن تخلف أرسل مكانه رجلا أخر، فلم يتخلف أحد من أشرافها عن الخروج‏‏ إلا أبو لهب، حيث أرسل العاصي بن هشام ابن المغيرة بدلا منه، وذلك لكون العاصي مدينا له بأربعة آلاف درهم، فاستأجره أبو لهب بها.

وحاول أمية بن خلف التخلف، فقد كان شيخا ثقيلا، فأتاه عقبة بن أبي معيط، وهو جالس بين ظهراني قومه، بمجمرة يحملها، ووضعها بين يديه قائلا‏‏:‏‏ يا أبا علي، استجمر، فإنما أنت من النساء، فرد عليه أمية‏‏:‏‏ قبحك الله وقبح ما جئت به، ثم جهز سلاحه وفرسه وخرج مع الناس.‏‏فقام النبي محمد باستشارة من معه، فتكلم كل من أبو بكر وعمر بن الخطاب، ثم قام المقداد بن الأسود فقال: يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: "اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا هاهنا قاعدون" ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فوالدي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه ثم وجه النبي كلامه إلى الأنصار قائلا: أشيروا علي أيها الناس، فقال له سعد بن معاذ:والله لكأنك تريدنا يا رسول الله فقال النبي محمد: أجل، فقال سعد: فقال النبي محمد: أجل فقال سعد: فقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا، على السمع والطاعة فأمض يا رسول الله لما أردت فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا، إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء. لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله. فقال النبي محمد: سيروا وابشروا، فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم أكمل بعدها المسلمون طريقهم من ذفران، فمروا بمنطقة تسمى الأصافر، ثم إلى بلد تسمى الدبة ثم جعلوا كثيب عظيم كالجبل العظيم يسمى الحنان على يمينهم، ونزلوا قريبا من بدر.

استطلاع رائع وتشويق للجهاد أروع:
أنطلق بعدها النبي محمد صلي الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق حتى وصلا إلى سفيان الضمري، أحد شيوخ العرب في المنطقة، فسأله النبي محمد صلي الله عليه وسلم عن قريش، وعن محمد وأصحابه وما بلغه عنهم فقال الضمري: لا أخبركما حتى تخبراني ممن أنتما؟ فقال له: إذا أخبرتنا أخبرناك، فقال الضمري: أذاك بذاك؟ ليجيبه محمد: نعم. فقال الضمري: فإنه بلغني أن محمدا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدق الذي أخبرني، فهم اليوم بمكان كذا وكذا، (وهو المكان الذي وصله المسلمون فعلا) وبلغني أن قريشا خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان الذي أخبرني صدقني فهم اليوم بمكان كذا وكذا للمكان الذي فيه قريش. فلما فرغ من خبره قال: ممن أنتما؟ فقالا: نحن من ماء، ثم انطلقا فلما عادا إلى معسكر المسلمين، خرج علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، إلى ماء بدر فأسروا غلمان لقريش يحضرون الماء، منهم أسلم، وهو غلام بني الحجاج وعريض أبو يسار، وهو غلام بني العاص بن سعيد، فأعادوهم إلى معسكر المسلمين، وكان النبي محمد يصلي، فاستجوبوهما فقالا: نحن سقاة قريش، بعثونا نسقيهم من الماء. فلم يصدقوهما وضربوهما فأضطر الرجلان للكذب وقول أنهما ملك لأبي سفيان، ليطمع المسلمون بافدية فلا يضربوهم فلما أنها النبي محمد صلاته قال لعلي وأصحابه:إذا صدقاكم ضربتموهما، وإذا كذباكم تركتموهما، صدقا والله إنهما لقريش أخبراني عن قريش؟ قالا: هم والله وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى - والكثيب العقنقل - فقال لهما النبي محمد: كم القوم؟ قالا: كثير قال: ما عدتهم؟ قالا: لا ندري ; قال: كم ينحرون كل يوم؟ قالا: يوما تسعا، ويوما عشرا، فقال: القوم فيما بين التسع مئة والألف. ثم قال لهما: فمن فيهم من أشراف قريش؟ قالا: عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو البختري بن هشام وحكيم بن حزام، ونوفل بن خويلد، والحارث بن عامر بن نوفل، وطعمية والنضر بن الحارث وزمعة بن الأسود، وأبو جهل بن هشام وأمية بن خلف، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج، وسهيل بن عمرو، وعمرو بن عبد ود. فخرج النبي محمد إلى المسلمين وقال لهم: هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها. ثم زادهم الرسول عزما فوقا عزمهم ونشاطا فوق نشاطهم وإقداما علي إقدامهم وهو يعلن لهم أن الله قد وعده احدي الحسنيين، و اخذ يبشرهم بمصارع الطواغيت من قريش ويحدد لهم مكان مصرع كل واحد فما تعداه ولا تجاوزه...

ولما تراءي الجمعان شرع النبي صلي الله عليه وسلم يعدل الصفوف ويسوي الرجال، ويعدهم الجنة، ويمنيهم الشهادة، ويحثهم علي الثبات يقول "والذي بنفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر إلا ادخله الله الجنة، وينادي فيهم قوما إلي جنه عرضها السماوات والأرض" فلم يعودا بعد ذلك يرهبون من المعركة أو يجزعون من القتال، أو يخافون من الموت، بل غدوا وكأنهم يشتمون رائحة الجنة من أمامهم ومن خلفهم، يسارعون إلي عرائس الحور تزف إليهم، ويهجمون علي الموت لا ينتظرون أن يصل إليهم، ويستبطئون اللحظات التي تحول بينهم وبينه، ويستطيلون الأمتار التي تفصل بينهم وبين الجنة... يقول عمير بن الحمام الأنصاري، وقد اخرج ثمرات من قرنه، شرع يأكلها، ثم طوح بها يقول:لان أنا حييت حتى أكل ثمراتي هذه، إنها حياة طويلة وانشد:

ركضا إلى الله بغير زاد
إلا التقي وعمل المعاد
والصبر في الله علي الجهاد
وكل زاد عرضه للنفاذ
غير التقي والبر والرشاد

إرادة الله فوق الجميع:
الله عز وجل ساق الفريقين إلي المعركة، وأدارها بنفسه، ووضع ثمارها بين أيدي المؤمنين....!!! كيف؟

لقد جمع الله بين الجيشين علي غير موعد ﴿وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَـكِن لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ﴾ [الأنفال: 42].

أغري كل جيش بالقتال ودفعه إليه دفعا ﴿وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ﴾ [الأنفال: 44].

شجع المؤمنين علي القتال وابدي لهم التهوين من أعداء الكافرين ﴿إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيراً لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَـكِنَّ اللّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [لأنفال: 43].

حول ارض المعركة الرملية لصالح المسلمين ولتعويق الكافرين بالمطر، وقطع عن المسلمين وساوس الشيطان، وطهرهم بالمطر، وادخل الطمأنينة علي نفوسهم فغشاهم بالنوم قبل المعركة ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ﴾ [الأنفال: 11].

أمدهم بالملائكة تثبت قلوبهم وتحارب معهم، وفي المقابل أطار قلوب الكافرين وعقولهم ومكن الفزع منهم ﴿إذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾ [الأنفال: 12].

أوصل قبضه الرمال، التي رمي بها الرسول صلي الله عليه وسلم إلي وجوه الكافرين فوزعها الله علي أعينهم ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الأنفال: 17].

كان ذلك عونا من الله لجيش المسلمين وإمدادا من الله للمؤمنين، لم يكن ذلك لقوم كسالي ولا مفرطين إنما كان من الله للذين استنفذوا طاقتهم في سبيل الله وبذلوا جهدهم مخلصين لدين الله وأعطوا حياتهم فداءا لرسول الله فجاء هذا المدد الإلهي استكمالا لما وقفت عنده الطاقة البشرية تحقيقا لوعد الله للذين أمنوا وجاهدوا وأحسنوا ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [العنكبوت: 69].

عاقبة البغي ونهاية الظلم:
كانت قريش أكثر عددا واقوي عده وخرجت ظلما وبغيا، والبغي مدمر والظلم عواقبه وخيمة أدرك ذلك أبو سفيان فأرسل إلي قريش يأمرهم بالرجوع، فالعير قد نجت فأبي أبو سفيان وقال قولة البغي والاستعلاء:والله لا نرجع حتى نرد بدر فنقيم عليه ثلاثا ننحر الجذور ونشرب الخمور، وتغنينا القيان، ويتسامع بنا العرب، فلا يزالون يهابوننا أبد الدهر، عند ذلك صاح أبو سفيان -وقد استشعر فداحة الهزيمة- واقوماه! هذا عمل عمرو بن هشام كره أن يرجع لأنه ترأس علي الناس فبغي، والبغي منقصه وشؤم، إن أصاب محمد النفير ذللنا.... ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ [الأنفال: 47] فأين هذا المخرج من خروج الذين قال الله عنهم ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [آل عمران: 123] وقال الرسول في دعائه لهم "اللهم إنهم جياع فأشبعهم، عراه فاكسهم، حفاه فاحملهم"؛ رواه أبو داود.

أنهم كانوا يقطعون طريقهم بذكر الله، ويستسهلون صعبه بالصوم والصلاة، ويتغلبون علي وعثائه بالحب والإخاء، وفوق كل ذلك كانوا في صحبة رسول الله الذي خلا بهم، وفرغ لهم، يصبحهم ويمسيهم، يراوحهم ويغاديهم، ما يحجبه عنهم ليل، وما يحجبهم عنه ستار، والأقدار الرحيمة تبعدهم عن رغائبهم، ويد الله الرحيمة تدنيهم إلي ما كتب الله لهم.. ﴿وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ﴾ [الأنفال: 7].

لقد حطم جيش قريش الغرور الأحمق، والجهل المطبق، والاستهانة بقوه المؤمنين، فخدعهم الشيطان ﴿وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الأنفال: 48].

الدروس المستفادة والثمار الطيبة لموقعة الفرقان:
وتحقق وعد الله يوم الفُرْقان، يوم الْتقى الجمعان تجلَّتِ الإيجابيَّة في أعظمِ أشكالها، بعد أنْ خرجوا من أجْلِ العِير، جلسوا مع رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ووعظَهم ونصحهم: ((والذي نفسُ محمَّد بيده لا يُقاتلهم اليوم رجلٌ فيقتل صابرًا محتسبًا، مقبلاً غيرَ مدبِر، إلا أدْخله الله الجَنَّة)) "سيرة ابن هشام".

فقالوا: بعد أن انساقت قلوبهم للحق، وطوعت نفوسهم للجهاد: خُذْ من أموالنا ما شئتَ، واترك منها ما شئتَ، إنَّ الذي تأخذه أحبُّ إلينا مِن الذي تتركه.

هل هناك أروع من ذلك؟
وهذين غلامين نجيبين من أبناء الصحابة رضي الله عنهم سمعا أن أبا جهل يسب رسول الله صلى الله وسلم فما أستطاع واحد منهما أن يصبر لحظة واحدة على هذا الخبيث الذي يسب الحبيب عليه فعزما في التو واللحظة أن يذهبا إليه ليقتلاه فقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنى لفي الصف يوم بدر إذ التفت فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن فكأني لم أمن بمكانهما إذ قال لي أحدهما سرا من صاحبه يا عم أرني أبا جهل فقلت يا أبن أخي فما تصنع به؟

قال سمعت أمي تقول أنه يسب رسول الله، قال والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الآعجل منا، فتعجبت لذلك قال وغمزنى الآخر فقال لي مثلها فلم أنشب أن نظرت إلى أبى جهل يجول في الناس فقلت ألا تريان هذا صاحبكما الذي تسألاني عنه، قال: فابتدراه بسيفهما فضرباه حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أيكما قتله؟! فقال كل واحد منهما أنا قتلته قال: هل مسحتما سيفيكما؟ فقالا: لا، فنظر رسول الله إلى السيفين فقال:كلاكما قتله وقضى رسول الله بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح قال ابن إسحاق قال معاذ بن عمرو بن الجموح سمعت القوم وأبو جهل في مثل الحرجة وهى الشجر الملتف لا يوصل إليها شبه رماح المشركين وسيوفهم التي كانت حول أبو جهل لحفظه بهذه الشجرة وهم يقولون: أبو الحكم لا يخلص إليه قال سمعتها جعلته من شأني فصمدت نحوه فلما أمكنني حملت منه فضربته ضربة أطنت قدمه أطارتها بنصف ساقه قال: فضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي فتعلقت بجلدة من جنبي وأجهضني القتال عنه فلقد قاتلت عامة يومي وأنا لأسحبها خلفي فلما أذتنى وضعت عليها قدمي ثم تمطيت بها عليها حتى طرحتها، ثم مر بأبي جهل وهو عقير.. معاذ بن عفراء فضربه حتى أثبته فتركه وبه رمق وقاتل معوذ حتى قتل والله أنه لمشهد مهيب ليجعل المؤمن يراجع نفسه مرة أخرى ويتسأل كيف أستطيع أن أربى أولادي ليكونوا شبيها بهؤلاء العمالقة...الأفذاذ... الأطهار...!

قائد نادر...!!
روى أحمد عن عبدا لله بن مسعود، قال: "كنا يوم بدر، آل ثلاثة على بعير- أي: يتعاقبون- أبو لبابه وعلي بن أبي طالب زميلي رسول الله صلَّى الله عليه وسلم، قال: فكانت عقبة رسول الله صلَّى الله عليه وسلم فقالا له: نحن نمشي عنك - ليظل راكبا فقال: "ما أنتما بأقوى مني على المشي، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما".!!

وبثَّ المسلمون عيونهم يتعرفون أخبار قريش: أين القافلة وأين الرجال الذين قدموا لحمايتها؟

إعلام مضاد لزيادة الأعداد:
حين أحس أبو سفيان الخطر على قافلته، بعث "ضمضم بن عمرو الغفاري" إلى مكة يستصرخ أهلها حتى يسارعوا إلى استنقاذ أموالهم واستطاع "ضمضم" هذا إزعاج البلدة قاطبة؛ فقد وقف على بعيره بعد أن جدع أنفه، وحول رحله، وشق قميصه، يصيح: يا معشر قريش اللطيمة اللطيمة! أموالكم مع أبي سفيان عرض لها محمد وأصحابه، لا أرى أن تدركوها، الغوث الغوث! فتجهز الناس جميعاً، فهم إما خارج وإما باعث مكانه رجلاً، وانطلق سواد مكة وهو يغلي يمتطي الصعب والذلول، فكانوا تسعمائة وخمسين مقاتلاً، معهم مائتا فرس يقودونها. ومعهم القيان يضربن بالدفوف ويغنين بهجاء المسلمين وولوا وجوههم إلى الشمال ليدركوا القافلة المارة تجاه يثرب هابطة.

الفردوس الأعلى:
ثبت عن أنس بن مالك أن حارثة بن سراقة قتل يوم بدر، وكان في النظَّارة أصابه سهم طائش فقتله، فجاءت أمه فقالت: إن كان في الجنة صبرت، وإلا فليرينَّ الله ما أصنع - تعني من النياحة - وكانت لم تحرَّم بعد!! فقال لها الرسول: ويحك أَهَبِلْتِ؟ إنها جنان ثمان، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى...".

فإن كان هذا جزاء النظَّارة الذين اختطفتهم سهام طائشة، فكيف بمن خاض إلى المنايا الغمرات الصعاب؟

الولاء والبراء مع من ولمن؟!
في هذه المعركة التقى الآباء بالأبناء، والإخوة بالإخوة، خالفت بينهم المبادئ ففصلت بينهم السيوف، والقتال الذي دار في بدر سجل صوراً من هذا النوع الحاد: كان أبو بكر مع رسول الله، وكان ابنه عبد الرحمن يقاتله مع أبي جهل، وكان عتبة بن ربيعة كول من بارز المسلمين، وكان ولده أبو حذيفة من خيار أصحاب النبي، فلما سحبت جثة عتبة لترمى في القليب نظر الرسول إلى أبي حذيفة فإذا هو قد تغير لونه، فقال له: يا أبا حذيفة لعلك قد دخلك من شأن أبيك شيء؟ فقال: لا والله يا رسول الله، ما شككت في أبي ولا في مصرعه، ولكني آنت أعرف من أبي رأياً وحلماً وفضلاً فكنت أرجو أن يهديه ذلك إلى الإسلام، فلما رأيت ما أصابه ورأيت ما مات عليه من الكفر بعد الذي كنت أرجو له أحزنني ذلك!. فدعا له رسول الله بخير، وقال له خيراً...

مشهد مؤثر:
وأمر رسول الله بقتلى المشركين فطرحوا في القليب. فلما وُوريت جثثهم وأهيل التراب على رفاتهم، انصرف الناس وهم يشعرون أن أئمة الكفر قد استراح الدين والدنيا من شرورهم؛ إلا أن النبي استعاد ماضيه الطويل في جهاد أولئك القوم، عندما عالج مغاليقهم وحاول هدايتهم؟! ولما ناشدهم الله وخوفهم عصيانه وتلا عليهم قرآنه؟! أوهم -على طول الطريق- يتبجحون، وبالله وآياته ورسوله يستهزئون، فخرج النبي في جوف الليل حتى بلغ القليب المطوي على أهله، وسمعه الصحابة يقول: "يا أهل القليب، يا عتبة بن ربيعة، يا شيبة بن ربيعة، يا أمية بن خلف، يا أبا جهل بن هشام؛ هل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً!". فقال المسلمون: يا رسول الله أتنادي قوماً جُيِّفوا؟ قال: "ما أنتم بأسمع لما أقول منهم! ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني"كانت وقعة بدر في السابع عشر من رمضان لسنتين من الهجرة، وقد أقام رسول الله صلَّى الله عليه وسلم ببدر ثلاثاً، ثم قفل عائداً إلى المدينة يسوق أمامه الأسرى والغنائم، ورأى قبل دخولها أن يعجِّل البشرى إلى المسلمين المقيمين فيها لا يدرون مما حدث شيئاً. فأرسل "عبدا لله بن رواحه" و"زيد بن حارثة" مبشّرَيْن يؤْذِنان الناس بالنصر العظيم قال "أسامة بن زيد": فأتانا الخبر حين سوينا التراب على رقية بنت رسول الله، وأن زوجها عثمان بن عفان قد احتبس عندها يمرّضها بأمره، وضرب رسول الله له بسهمه وأجره في بدر.

ورجع المسلمون بما أصابوا من الأسري، وبما نالوا من الغنائم بعدما مرغوا وجوه الذين كفروا في التراب وبعدما واروا قتلاهم القبور ورجع الذين كفروا بالعار والهزيمة يجلل وجوههم الخزي والسواد، وتملأ قلوبهم الحسرة والآسي قال تعالى: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ﴾ [القمر: 45-46].

البدريون الجدد:
الإسلام في حاجة إلي بدريين جدد، رهبان الليل فرسان النهار، يذبحون العجز و يقهرون الاعزار، يقاومون الشر ويواجهون الأشرار، ويحجزون لأنفسهم ﴿جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ﴾ [القمر: 54]، هناك: ﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ﴾ [القمر: 55]...!!

لكن المسلمون ليسوا في حاجة إلي بدر لماذا؟ كل يوم هم في بدر...!! نعم كل يوم هم في بدر لكن غاب عنها البدريون..!! وغاب عنها قائد البدريون..!! إلا ما رحم ربي..!! ما أكثر المواجهات مع الإسلام علميا واقتصاديا، ثقافيا وسياسيا، فكريا وعقديا، لكن أين الذين يتصدون..!!، وأين القائد الذي يجمع الذين يتصدون"..!! أين أنت أخي القارئ الحبيب من إسلامك؟ أين أنت من دينك؟ أين أنت من قدوتك وحبيبك صلي الله عليه وسلم؟ وفرطك علي الحوض بإذن الله تعالي؟..بل أين أنت من ربك خالقك ورازقك وهاديك إلي كل خير؟!! هل تدافع عن الحق أم تداهنه؟! هل ترفع لواء دينك أم تسقطه؟! هل تنصر نبيك أم تخزله؟! هل ترضي ربك أم تغضبه؟!

ألا تريد أن تكون بدري فيقال لك كما قيل لهم: ((لعل الله اطلع الله على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)) حسن صحيح الألباني.

ألا تريد أن تكون من هؤلاء: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ [الأنفال: 2 – 4]..!

نعم هناك بدريون جدد، قد لا يظهرون لكنهم يعملون، قد لا يتحدثون لكنهم يفعلون، في ثغورهم مرابطون، وفي ميادين الحق يجاهدون، وفي مواطن الشهادة وساحات الشهداء يقاتلون، هناك في فلسطين وفي العراق وفي سوريا وفي الشيشان وفي أفغانستان، بل في كل مكان، الإسلام فيه يهان، تجد للحق فرسان وللخير أعوان، لا يحجبهم من خدعهم، ولا يضرهم من خذلهم، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة رواه مسلم ويقول الله تعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ [الأحزاب: 23].

اللهم اجعلنا من جند الحق، وأتباع الرسل وأنصار الله، اللهم ارزقنا الإخلاص في القول والعمل، ولا تجعل الدنيا اكبر همنا ولا مبلغ علمنا، وصلي اللهم علي سيدنا محمد وعلي أهله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

المصدر : شبكة الألوكة
رد مع اقتباس
قديم 05-08-2012, 02:55 AM
  #2
الوزاري
كبار شخصيات المنتدى
 الصورة الرمزية الوزاري
تاريخ التسجيل: Sep 2006
المشاركات: 1,333
الوزاري غير متصل  
رد : البدريون الجدد أين هم؟! وكيف هم؟!

اخي الحبيب ابن عمر
نقل رائع وسيرة النبي الكريم والقائد العظيم انه لنبراس لنا وللعالم اجمع
والدروس من غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضوان الله عليهم انها لمن اروع الدروس الحربين في إدارة المعارك وتوقع نتائجها لذلك ندعوا الله لجميع المسلمين النصر بإذن الله
__________________
وما من كاتب إلا سيفنى ويُبقي الدهر ما كتبت يداه

فلا تكتب بكفّك غير شيء يسرّك في القيامة أن تراه

رد مع اقتباس
قديم 05-08-2012, 03:18 AM
  #3
انتظار الفرج
كبار شخصيات المنتدى
 الصورة الرمزية انتظار الفرج
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 2,935
انتظار الفرج غير متصل  
رد : البدريون الجدد أين هم؟! وكيف هم؟!

اسأل الله ان يجعلنا واياك من جند الحق يارب العالمين..
بارك الله فيك ووفقك لكل خير..
__________________

إذا كثُر الاستغفار في الأمة وصدَر عن قلوبٍ بربّها مطمئنة دفع الله عنها ضروباً من النقم، وصرَف عنها صنوفًا من البلايا والمحن،
{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:21 AM.


images