الجزء الثاني
أيها الأخوة والأخوات أسباب المحبة كثيرة فقد تحب أحداً لأنه قوام لليل أو صوام للنهارأوحافظ للقرآن أو داعياً إلى الله فهذه المحبة لله وأنت مأجورعليها والمتحابون في الله ولأجل الله يوم القيامة يكونون على منابر من نور يغبطهم الأنبياء والشهداء .هذا هو النوع الأول من أسباب المحبة وهو نوع نافع في الدنيا والآخرة .أما نفعه في الدنيا فهو ما يقع من تعاون على الخير ومحبة صادقة .وأما نفعه في الآخرة فهو الاجتماع في جنات النعيم قال الله ( الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون * يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم * خالدين فيها أبداً إن الله عنده أجر عظيم )
وقد تحب شخصاً لجمال وجهه أو رقة كلامه أو تغنجه ودلاله دون أن تنظر إلى صلاحه وطاعته لله .فهذه المحبة لغيرالله ولا تزيد من الله إلا بعداً . وقد هدد الله أصحابها فقال : { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدوٌ إلا المتقين } وفي الآية الأخرى
قال عز وجل: { ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً * يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا * لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولاً }
بل إن هؤلاء المتحابين الذين اجتمعوا على ما يغضب الرحمن يعذبون بالنيران وينقلب حبهم إلى عداوة كما قال تعالى عن فريق من العصاة { ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً ومأواكم النار } نعم مأواهم النار. ولماذا لا يكون جزاؤهم كذلك وهم طالما اجتمعوا على الحرام وتحدثوا عن الحب والغرام . لعبت بهم الشهوات وولغوا في الملذات . فهم يوم القيامة يجتمعون . نعم يجتمعون، ولكن أين يجتمعون ؟ في نار لا يخبوا سعيرها ولا ينقص لهيبها ولا يبرد حرها الا ان يشاء الله. قال الله عز وجل { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين * وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون * حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين * ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون }
وتلك لعمر الله البلية الكبرى والفتنة العظمى التي استعبدت النفوس لغير خلاقها وملَّكتِ القلوبَ لعُشّاقها فأحاطت القلوب بمحنة وملأتها فتنة فالمحب بمن أحبه قتيل وهو له عبد خاضع ذليل إن دعاه لباه وإن قيل له ما تتمنى ؟ فهو غاية ما يتمناه .هذا هو العشق المحرم الذي يكون الدافع إليه ليس هو صلاح المحبوب وإنما جماله وملاحته
ومن أكبرأسباب وقوعه النظر إلى الأفلام الهابطة التي يختلط فيها الرجال بالنساء حتى يقع في قلب الناظر إليها أن الاختلاط أمر عادي فيبدأ في البحث عن عشيق أو عشيقة وأعظم من ذلك إذا كانت هذه الأفلام يقع فيها الحب والغرام واللمسات والقبلات فإذا رآها الشباب والفتيات حركت فيهم الساكن وأظهرت الباطن ونزعت الحياء وقرّبت البلاء . فمن رأى صور الفسق الفجور ومشاهد العهر والمجون اندفعت نفسه إلى تقليدها في كل حين في السوق وعلى فراشه وفي مكتبه ولا يزال الشيطان يدعوه إليها ويحثه عليها حتى يقع فيها عياذا بالله لذلك لما أمر الله تعالى المؤمنين بحفظ الفروج عن الزنا أمر قبل ذلك بغض البصر قال عز وجل : { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك ازكى لهم} وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم : ( العين تزني وزناها النظر ) نعم جعل النظر إلى الحرام نوعاً من الزنا يأثم عليه صاحبه
كما أن كثرة الكلام عن العشق والحب والغرام في مجالس الشباب والفتيات أو في المدارس والكليات يهيج النفوس إليه بل يُشعِر العفيف الذي صان نفسه عن هذه الأمور يشعره أنه شاذّ بينهم فيبدأ في البحث عن خليل أو خليلة فعلى العاقل أن يحذرمن مثل هذه المجالس
ومن أسباب التعلق بهذا العشق الاستماع إلى الأغاني نعم هذه الأغاني التي حرّمها الله تعالى من فوق سبع سماوات بقوله { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضلَّ عن سبيل الله }
الأغاني هي صوت العصيان وعدوّة القرآن
بل هي مزمار الشيطان الذي يزمر به فيتبعه أولياؤه قال عز وجل : { واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك } قال ابن مسعود رضي الله عنه: الغناء رقية الزنا أي أنه طريقُه ووسيلتُه. عجباً هذا كان يقوله ابن مسعود لما كان الغناء يقع من الجواري والإماء المملوكات يوم كان الغناء بالدفّ والشعر الفصيح يقول هو رقية الزنا. فماذا يقول ابن مسعود لو رأى زماننا هذا وقد تنوّعت الألحان وكثر أعوان الشيطان فأصبحت الأغاني تسمع في السيارة والطائرة والبر والبحر.وما يكاد يُذكر فيها إلا الحب والغرام والعشق والهيام .بالله عليكم هل سمعتم مغنياً غنى في التحذير من الزنا ؟ أو غض البصر ؟ أو حفظ أعراض المسلمين ؟!!كلا بل كل إناء بما فيه ينضح
كما أن من أسباب العشق المؤدي غالباً إلى الفاحشة التساهل بمخالطة النساء عموما او مخالطة الخادمات في المنازل أو الخلوةِ بهن عند غياب أهل البيت وما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما وفي رواية في المسند قال (( ما خلا رجل بامراة الا هم بها))
ومن اسبابه ايضا التساهل باستعمال شبكة الإنترنت والمحادثات التي تتقع من خلالها بين الشباب والفتيات وقد يصاحب ذلك نقلُ الصوت اوالصورة أو إرسالُ الصور من خلال البريد الإلكتروني
كما أن من أسبابه قراءة الروايات العاطفية والقصص الغرامية فمن تساهل بهذه الأسباب وقع في العشق المذموم وحلت عليه الكربات والهموم
أيها العاشقون والعاشقات قد يزعم البعض أن وقوعه في هذا العشق أمر اضطراري لا يستطيع التخلص منه كما قال :
يلومونني في حب سلمى وإنما ** يرون الهوى شيئاً تيممته عمداً
ألا إنما الحب الذي صدع الحشا ** بلاء من الرحمن يبلو به العبد
ومهما زعم هؤلاء ان العشق ياسر قلوبهم بغير اختيارهم فهذا باطل بل هم الذين يستدعونه فيملون انفسهم به حتى يقعوا فيه وقد يتساهل الفتى أو الفتاة حتى يقع في المرض الأعظم والخطب الأطم وهوان يتعلق الشاب بشاب مثله وان تفتتن الفتاة بفتاة أخرى لأن ظاهر هذه العلاقة أنها صداقة سليمة نظيفة لكن باطنها على غير ذلك . وقد يعترض البعض ويقول :أنت تشدد علينا فأنا لي مكالمات ونظرات لكنها كلها علاقات بريئة .كما كتب إليَّ أحد العاشقين مشكلته مع عشيقته في رسالة طويلة .وكان مما قال فيها : وأنا يا شيخ آخذها معي في السيارة ونمضي الساعات الطوال ونحن نتمشى ثم قال ووالله يا شيخ لا يقع بيننا شيء يغضب الله لكن الجلسة لا تخلو من القبلات الشريفة !! ولا أدري ماذا يعنى القبلات الشريفة لعلها من وراء حجاب . وهذا مسكين فإن مجرد الخلوة بينهما محرّمة وما خلا رجل بامرأة إلا هم بها) وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم قال : ( إياكم والدخول على النساء ) يعني الخلوة بهن
بل أمر الله المرأة بالتستر حتى لا يراها الرجال فقال الله عز وجل لنبيه { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين }
بل قد نهى الله الصحابة جميعاً عن الاختلاط بالنساء فقال عز وجل:{ وإذا سألتموهن متاعاً } يعني إذا سألتم أزواج النبي وهن أطهر النساء ماذا تفعلون ؟{ فاسألوهن من وراء حجاب } لماذا ؟؟{ ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن } وحسبك بالصحابة طاعة وخوفاً وتعبداً فكيف الحال اليوم مع شبابنا وفتياتنا وقد فسد الزمان ؟ كيف يخلو اليوم شاب بفتاة ثم يقولان صداقة بريئة عجباً اين الذين يتساهلون بالاختلاط بزميلاتهن الموظفات في المستشفيات والفنادق والشركات ويقول احدهم نحن زملاء وهي مثل اختي . قال سفيان الثوري لرجل صالح من أصحابه : ( يا فلان لا تخلون بامرأة ولو لتعلمها القرآن ). نعم هذا ديننا ليس فيه تساهل مع الأعراض ابدا
وحتى يعرف الشاب اوالفتاة الفرق بين المحبة المحرمة المبنية على العلاقات العاطفية وبين المحبة العادية أذكر بعض الدلائل في ذلك :تجد أن المحِب العاشق لا يهتم بدين محبوبه ولا بصلاحه وإن اهتم بذلك فهو يهتم به ظاهرياً فقط ليبعد اللوم عن نفسه وأكثر ما يعجبه في محبوبه نظراته وحركاته، بل قد يضل ويقع في الآثام من أجل موافقة محبوبه. كما قال أحدهم وقد أحب امرأة فاسقة فارسل اليها رسالة قائلا: فإن تُسْلِمي نُسْلِم وإنْ تَتَنْصَّري يُعَلق رجالٌ بين أعينهم صُلْبا ، وتجد أن هذا العاشق ينبسط انبساطاً زائداً عند وجوده في مجلس مع معشوقه وينشرح صدره ويكثر كلامه وضحكه ويحاول أن يجذب الأنظار إليه بل يحاول الجلوس بجانبه دائماً والمشي معه مع قبض اليدين على بعضهما ونحو ذلك وكذلك تجد أنه يديم إحداد النظر إليه لا يكاد يصرف عنه بصره مع الغيرة الشديدة على من يحب فإذا رآه مع غيره ضاق صدره ويحس أن ذلك الإنسان قد اعتدى على بعض خصوصياته ولا يصبر عنه أبداً بل إما أن يراه كل يوم أو يتصل به بالهاتف أو ينظر إلى صوره أو يقرأ رسائله .فمن كانت عنده هذه الأعراض فليسارع إلى علاج نفسه فإنه مبتلى
يا من يرى سقمي يزيد * وعلتي أعيت طبيبي
لا تعجبن فهكذا * تجني العيون على القلوب
فما هو السبب الأول والداهية العظمى والمصيبة الكبرى التي يوقع في هذا الداء ؟! إنها السهم المسمومة إنها جناية العين
كل الحوادث مبداها من النظر * ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها * فتك السهام بلا قوس ولا وتر
والمرء ما دام ذا عين يقلبها * في أعين الغيد موقوف على الخطر
يســر مقلته ما ضر مهجته * لا مـرحباً بسرور عاد بالضرر
نعم هي جناية العين بل إنها عقوبة المخالفة لقوله تعالى { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم } وقوله للمؤمنات : ( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن )
ما زلت تتبع نظرة في نظرة * في إثر كل مليحة ومليح
وتظن ذاك دواء قلبك * وهو في التحقيق تجريح على تجريح
نعم قد أفسد قلبه وجرّحه
ومستفتحٌ باب البلاء بنظرة * تزوّد منها قلبه حسرة الدهر
فوالله ما تدري أيدري بما جنت * على قلبه أم أهلكته ولا يدري
قال ابن القيم : إن الله تعالى لما أمر بغض البصر أعقب ذلك بالأمر بحفظ الفرج ليدلّ بذلك على أن من أطلق بصره أداه ذلك إلى إطلاق فرجه. نعم وفي الحديث الذي أخرجه الحاكم وصححه ( النظرة سهم من سهام إبليس مسمومة فمن تركها من خوف الله أثابه جل و عز إيماناً يجد حلاوته في قلبه ).وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله كتب على بن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العين النظر وزنا اللسان المنطق والنفس تمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه ) .تأمل كيف بدأ بالعين وختم بالفرج ليدل أن إطلاق البصر هو طريق الزنا . لكن المرء لو تعوذ بالله من أول نظرة وصاح بنفسه كما صاح يوسف وقال : { معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون } لو كان فقعل ذلك لافلح وانجح. فهذا حال الأبرار المتقين { إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون * وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون } وإطلاق البصر في الشهوات سبب لسوء الخاتمة والعياذ بالله
يتبع...والأجزاء قادمة مادام التفاعل كذلك..
تحياتي
حائزة الأمل
التعديل الأخير تم بواسطة حائزة الأمل ; 09-06-2006 الساعة 11:38 PM