أفكارك ومعتقداتك ومواقفك الحالية، ليست نتاج تفكر ودراسة وتأمل واقتناع، بل هي في الحقيقة ترديد لما يقوله مجتمعك، أنتََ لاتصنع شخصيتك وتشكلها كيف تشاء، بل مجتمعكَ شكلك، شخصيتك الفريدة والمتميزة والحرة التي تعتقد أنها كذلك، في الواقع هذا هي ليست كذلك.
أنتََ تنظر للشيء وللفكرة وللأخرين بناء على مانشأت عليه، فقد وجدتََ من حولك يقيّمون الأمور بطريقة معينة فأصبحتَ نظرتكّ كما مجتمعك، حتى مبادئكَ التي جعلتها معقولة لديك ومن يخالفها جاهل ضال، حتى افكارك واعتقاداتك التي آمنت بها، ورأيت من يعمل بخلافها لاعقل له وفي شقاء كبير، هي ليست من صنعكَ إنما صُنعِ مجتمعكَ، مايضحكك وماتسخر منه ومايبكيك وماتتحسس منه وماتقبله وماتستنكره ليس من قناعاتك وأفكار المتفردة التي درستها ثم تميزت بها واختطيتها كما تعتقد، إنما من واقع وجدته يقول أن الأمر الصحيح هكذا والخطأ كذلك فاختطيته، إنكََ لو كنتََ في الضفة الأخرى من أولئكَ الناس المختلفين عنك والذين تستنكر معتقداتهم وآرائهم وأفكارهم وعاداتهم وتقاليدهم ولبسهم ومأكلهم وغير ذلك، لكنتَ تمارس الاستنكار وعدم التقبل عقلاً بل ولسخرت من مجتمعك الحالي لأنكَ تنظر بعين ذلك المجتمع المختلف عنك والذي نفترض جدلاً أنكَ نشأت داخله.
صحيح أن هناك نسبة قليلة من البشر من يستقلونَ عن مجتمعهم ويشكلون ثقافة ومفاهيم وأعتقادات معينة لهم، ولكنه يضلون متأثرين بنسب مختلفة بنفس النمط الاجتماعي الذي نشأوا عليه مهما أدعوا خلاف ذلك.
الأمر الأهم ومايمكن أن نخرج به من هذا المقال، هو أن نتفهم المجتمعات كافة والأخرين المختلفين عنا، فإننا صدفةُ وِجدنا في مجتمعنا الذي نؤمن بصحة أعتقاداته وأفكاره وإيمانياته وعاداته وعلومه وسلومه إلخ..،، والتي نسخر ونستنكر وبدرجات متفاوتة من عدم إلتزام الأخرين بها أو السير على خطاها.
إن الإنسان في كافة المجتمعات هو ابن بيئته وثقافته فهو ينشأ ويعتقد أن مايقوله مجتمعه ويردده ليل نهار ومايمارسه من قيم وعادات ومواقف أنها الصحيحة المطلقة، ولذلك علينا أن نتفهم ذلك الوعي ونستقبله بهدوء وتعقل وإدراك لمُشَكِّلاته وبنيته والمؤثرات به، وهنا نصل للحكمة، كما أن ذلكَ يجعلنا ننظر من زاوية مختلفة، فبدلاً من أن نستنكر ولا نتقبل الأخر وسلكوياته، فإننا يجب أن ننظر له على أنه اختلاف جميل وتنوع ثقافي يجب أن نتأمله ونتادرسه ونكتسب منه حكماً ودروسا، إن رؤية المختلفين عنا بأشكالهم وإيمانياتهم واعتقداتهم وملابسهم وأكلهم على أنه أشكال ثقافية وفيسفاء متنوعة يجب تقبلها بل احترامها بل التمتع بجمال ذلك الاختلاف يوصلنا لدرجة كبيرة من الوعي البشري وتجعل تقيماتنا ومواقفنا واحكمنا تجاهه أكثرة حكمةً وتقبلاً ورقياً.