
النبش في اسرار الماضي يدمر الحياة الزوجية
لكل منا أسراره الخاصة وحياته الخاصة وآماله وأحلامه وحتى ألامه الخاصة، ولكل منا طاقاته الخاصة وقدراته في الإحتفاظ بهذه الأسرار أو في إفشائها عند أول محاولة لسبر أغوار ما نحمله بين طيات أيامنا وليالينا الخوالي الماضية. فأحيانا نكشف عن أشياء ربما تزعج من حولنا بل ربما تفسد حياتنا وتدمرها وأحيانا تقضي عليها.
فهل من المنطقي أن نكشف بعض أسرار حياتنا حتى وإن كان لرفقاء حياتنا؟، وهل من الصواب أن نزيل النقاب عن فترات من حياتنا مظلمة كانت أو مشرقة لشركاء حياتنا ورفقاء دروبنا؟...
"مررت بعلاقة قبل الزواج، وتقدم الخطيب ولم تتم الموافقة، لعدة أسباب مثل أي فتاة أخرى، وقد أحببت ذلك الشخص.. وبعد انتهاء الموضوع حمدت الله كثيرا، وبعد فترة تقدم لي زوجي الحالي، فوافقت لما يحمل من صفات الدين والخلق الطيب، لكن زوجي يكثر من الأسئلة حول ما حدث، وهل أحببت ذلك الشخص؟ في مرة حاولت أن أقول إني أحببته فأصابته حالات من الحزن والغم؛ لما يتمنى من أن يكون أول شخص في حياته.. ومنذ ذلك الحين وأنا أركز على أني لم أحب ذلك الشخص؛ لما قد يصيب زوجي من حزن وكآبة، مما قد تسبب في إني أقسمت بأني لم أحب ذلك الشخص، وقد علمت بأنه ليس من المطلوب علم زوجي بكل تفاصيل ما قد مررت به"، كان هذا الكلام للسيدة ليلى التي كانت تتسائل بحرقة إن كان من واجب الزوجة إخبار زوجها بما مر من حياتها، وفي هذا الشأن يقول الدكتور محمد عبد الرحمان أخصائي في علم النفس: "يجب على الزوجة أن تنسى الماضي، ولا تحدث نفسها ولا زوجها بشيء من السابق، وإنما عليها أن تفكر في تحقيق حياة سعيدة مع زوجها، وتشعره بحبها له وإعجابها به، وأن يتعاونا على طاعة الله، وعدم التنبيش في الماضي، بل فقط عليها التفكير فيما يسعدهما ويحقق لهما التوفيق في الدنيا والآخرة".
الدكتورة أمل.ن أخصائية علم اجتماع تأكد على أنه لكل واحد منا أسراره وما حدث مع الزوجة قبل الزواج يجب ألا تذكرها أو تتذكرها، فلو تكررت الخطوبة مثلا قبل الزواج فمن الأفضل إخفاء ذلك على الزوج حتى لا يتغير إن هوعلم بذلك، وتضيف بأن الإخبار أوالإخفاء متوقف على شخصية الزوج، وعلى طريقة تفكيره، لأن هناك من الأزواج من يكون واسع الأفق ويتمتع بطريقة علمية في التفكير والنظرة للأمور، ولا يقف أبدا عند الأمور الصغيرة، وهذا النوع يساعد زوجته على البوح له بجميع ما تحمله من أسرار لأنها تضمن عدم تغييره، وبالمقابل هناك نوع آخر من الأزواج تجده يقف عند كل صغيرة ويفسرها تفسيرات غير علمية ولا منطقية، فالأفضل في هذه الحالة حجب وإخفاء الأسرار حتى وإن كانت صغيرة. وأشارت الدكتورة إلى نقطة مهمة تتعلق بنوع السر فإن كان لا يمس الشرف والأخلاق والإعتبار ولا ينقص من الإخلاص الزوجي فإن الاحتفاظ به وعدم البوح به للزوج ليس أمرا سلبيا. السيدة مليكة متزوجة منذ ما يزيد عن العشر سنوات كانت ثمرتها خمسة أطفال، أخبرتني أنها ممنوعة من رؤية صديقاتها أو خلق علاقات أخرى والسبب أنها كانت قد عانت قبل زواجها من علاقتها بإحدى الصديقات اللواتي لولا ستر الله لكانت قد أزاحتها عن الطريق والمشكل انها أخبرت زوجها بذلك بعد الزواج، فما كان من هذا الزوج إلا أن بات يشك في كل صديقاتها، وكلما زارتها أو ذهبت هي عند واحدة، يتغير زوجها، ويختلق أتفه الأسباب لينشب الخصام، وحتى تتجنب كل ذلك، بدأت تخفف من علاقتها بصديقاتها إلى انعزلت نهائيا عنهن، وأصبحت وحيدة والسبب في رأيها يرجع لأنها أخبرت زوجها بما حدث معها مع صديقتها من قبل وكان يجب ألا تخبره.
أما السيد عبد الله فيقول في هذه النقطة بأن الزوج من حقه أن يعرف كل صديقات زوجته ومستواهن الأخلاقي حتى إذا وجد في إحداهن شيئًا قد يضر بزوجته وبالتالي بأسرته فإن من حقه أن يتدخل ليحمي الأسرة ويمنع هذه العلاقة. بالنظر إلى كل ما تطرقنا إليه فهل من واجب الزوجة أو الزوج إخفاء الماضي عن شركائهم، ألا يولد إخفاء الأسرار الشك بين الطرفين، أليست المصارحة والشفافية المستمرة تقتل الشكوك في مهدها؟ فالزوج إذا أخفى سراً بسيطاً عن زوجته فقد يصل إليها هذا السر من طرف آخر بطريقة مشوهة ومع هذا التراكم يحدث الشك وعدم الثقة.
المشكل بسيط ولكن خطورته في بساطته، ورغم كل شيء تظل الصراحة والشفافية من أهم مرتكزات الحياة الزوجية وهدوئها، وعلى الزوجة أن تتحلى دائما بروح الديبلوماسية والدعابة حتى لا تسمح لأي ثغرة بالسيطرة على حياتها، والملاحظ هو أن الكثير من الزوجات يبحثن عن المتاعب؛ إذ يفتشن في ماضي أزواجهن ونزواتهم السابقة، فتحاول الزوجة استدراج زوجها وتظل تلح بالسؤال حول... أوصافها وهل كان يحبها و... والأخطر من هذا هو أن الكثير من الأزواج يستجيب لرغبة الزوجة ويبدأ بكشف ماضي حياته وينسى أن النبش في الماضي هو من أهم أسباب تدمير العلاقة الزوجية... لأنه للأسف بذلك يكون قد وضع قنبلة في حياته الأسرية ،وفي هذا الصدد يقول أحد الشباب: "كانت لي علاقة طيبة مع أحد عائلات أبناء عمومتي، ومرة اقترحوا على أن أتزوج من ابنتهم، لكن النصيب لم يكتب لنا، ومرت الأيام وتزوجت من فتاة أخرى ذات دين وحسن وجمال، وظننت أني سأعيش حياة زوجية رائعة، ومرة اكتشفت زوجتي من أحد بنات العائلة،أني كنت سأتزوج من تلك الفتاة، بدأت تستدرجني بالسؤال عن الماضي، أخبرتها أن ذلك كان من الماضي، لكنها ظلت تلح حتى حدثتها بما كان، ومنذ ذلك الحين تغير حالها كلما جاء لزيارتي أحد إخوانها أو أحد من أسرتها، وتختلق الأسباب للخصام ودائما تضع نفسها في مقارنة معها، حتى كللت ومللت الأمر، ومنذ ذلك الحين وأنا أحس ان حياتنا الزوجية قد أصيبت بشرخ عميق ولا أعتقد أبدا أنه سينغلق يوما".
صحيح أن الماضي جزء لا يتجزأ من حياتنا، وكما يقال من لا ماضي له لا حاضر له، ولكن عندما يتعلق الأمر بالحياة الزوجية، وبالاستقرار الأسري، فيجب أن ننسى ذاك الماضي أو حتى نتناساه خصوصا إن كان فيه ما يزعج أو يأذي علاقتنا بأزواجنا، ولا يجب أبدا أن نجعل الماضي امتدادا في الحاضر أو المستقبل فيما يخص العلاقات الزوجية، لأن العديد من الدراسات أثبتت أن من أهم أسباب تدمير العلاقات الزوجية هو النبش في الماضي.
Amatou lah