وأخيراً أرسلت أريج العانس رسالة لأبيها فماذا قالت ؟
رسالة من عانس إلى أبيها .....
أريج آنسة فاتها قطار الزواج .... هي تبلغ من العمر خمساً وثلاثين عاماً .... أرسلت هذه الرسالة لأبيها بعد طول تردد وتفكير .... كتبتها بمداد الدم على صفحة الحياة المريرة ....
تحكي أريج قصتها من خلال هذه الرسالة المبكية التي كانت سهاماً طاعنة في قلب أبيها فتعالوا بنا ننصت إليها وهي تقرأ علينا أهم حدث في حياتها .
والدي العزيز .......
في البداية هاك سلامي وتحياتي العطرة فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ....
كم وقفت يا والدي الغالي مواقف محرجة في هذه الحياة .... وكم تعرضت فيها لأحداث تمنيت لو انشقت الأرض وابتلعتني ..... ، ولكنها مواقف ولت وانتهت ولم يبق لي منها سوى الذكريات .... نعم الذكريات .... فقط
أما اليوم فأنا في أشد موقف مر علي في حياتي ..... لا أظن أنني سألفيه في عالم الذكريات فقط كسابقيه .... لا ولكنه موقف تمتد جذوره في قلبي وشراييني ..... وترتسم صورته في مخيلتي .... ويعرض لي خياله كلما قلبت فكري فيه أو تأملته لحظة من زمان ....
لذلك يا والدي ...أردت أن تشاركني همي كما عودتني منذ الصغر .... وأردت أن تتحمل معي بعض العبء الذي ضاق صدري عن احتماله ........ وأردت أن أفشي لك سري الذي طالما عانيت من كتمانه .....
إنني وأنا أكتب رسالتي هذه واثقة من رحمتك ومتأكدة من عطفك وهذا ما جرأني على كتابتها...
لكنني وقبل أن أفشي سري هذا أريد أن أستميح قلبك الحنون .......لأنني سأكتبها بلغة لم تعتد على سماعها مني ... سأكتبها بصراحة متناهية ..... بعيدة عن التلميح الذي مللت منه لأنه لم يعد يجدي شيئا ......
والدي العزيز ...
أعتذر إليك أولاً لأنني لم أبارك لك زواجك ولم أقدم لك الهدية اللائقة .......أهنئك أيها الأب الحنون على زواجك بأمي !!!!!!!!!.....نعم أمي ........فبارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير .......
نعم أعتذر إليك ..... وأرجو أن تقبل مني اعتذاري لأنني لم أكن حينئذ شيئاً مذكوراً .... كنت في عالم الغيب المجهول ...... حتى بعد ولادتي وظهوري على وجه الحياة لم أبارك لك ........ لأنني كنت صغيرة لا أعي معنى الزواج .... ولا أفقه سر تلك السعادة التي كانت تغمر وجهك بين فترة وأخرى ... ولو كنت أعلم سر تلك السعادة وذلك الأنس لأفصحت لك بأرق عبارات التباريك ولقدمت لجنابك الكريم أغلى ما أجد من هدية ..... لكنني كنت جاهلة بهذا كله .... فاعذرني ...
أما اليوم فها أنا ابارك لك وأهنيك لأنني أدركت معنى تلك الفرحة التي ارتسمت على محياك وفقهت دلالاتها بعمق ..... فبارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير .......
دعني يا والدي أفرح بزواجك أنت وأمي .... لعلني أعيش لحظة الشعور بهذه المعاني التي حرمت منها ............دعني أرتدي أفضل الزينة ..... وأتهيأ بأفضل هيئة ..... لأن ذلك يضفي علي شعوراً يخفف عني بعض معاناتي ..... ويداوي بعض جراحاتي .......
أه يا والدي كأني أستمع إليك وأنت تتساءل وتقول ..... ماهذا الكلام الغريب .... وماذا وراءه .........................ومن حقك أن تتساءل يا أبي ....... ومن حقي أن أجيبك ......
لقد فقدت ابنتك أريج زهرة الدنيا ....... ونضارتها وعبقها الجميل ...... لقد ذبلت ابنتك أريج كما تذبل الزهرة إذا قطع عنها نبع الماء ....... وتحاتت أوراقها كما تحاتت أوراق شجر الخريف ...
لقد فقدتُ يا والدي طعم الحياة الخلابة ...... وعشت أستعذب أحلاماً ممتنعة الوقوع ..... أبت أن تبدو في عالم الحقائق ..... أسهر الليالي أرتقب طلوع الفجر عسى أن يبدد بنوره الوضاء ظلمة ليلتي البائسة فأخرج وعيناي لم تذق لذة النوم إلى مدرستي وجنتي لأقضي فيها مع طالباتي بعض الوقت في سبيل الهروب من وطأة الواقع المرير بما لا يزيد الجرح إلا غوراً وألماً ........
أنا من فقدت الزوج الحنون ....... والأسرة المطمئنة ....... والسكن الهاديء ..... والحياة الهانئة ..........
كم أتألم أبتاه حينما أرى زميلاتي اللواتي يصغرنني عمراً وقد بنت كل واحدة منهن بيتاً سعيداً .... عمرته بالحب ...... وزينته بالذرية الصالحة ....... وكم أتقطع حسرة وألماً إذا قرأت قصة حب عفيفة ...... أو علاقة أسرية بين زوجين مؤتلفين ......... هذا الحب الذي لم أعرف منه سوى حروفه ورسمه .... ولم أذق حتى ساعتي هذه معناه وحقيقته ......... أه يا أبتي لو أنك تدري كم مرة هممت بأمر سوء في سبيل تغذية عاطفتي الجائعة ولا يردني عن ذلك سوى إيماني بالله وتربيتي التي ربيتني عليها ......
لقد مضى عمري الزاهر ..... وأنا اليوم بضاعة كاسدة لا يرغب فيها سوى أصحاب الشهوات المنحرفة والأنفس الكائدة .........وسؤالي الذي يحرقني كل ما مر على خاطري ....... ويتفطر منه قلبي ألماً وحسرة ......
لم ياوالدي كنت تصرف عني الأزواج الأكفاء ....... لقد علمت أنه قد تقدم لخطبتي الكثير من الرجال ولكن ما إن أسمع بالخبر .... فأطير بها فرحاً وأفتح أمام ناظري ديواناً مليئاً بالأحلام الوردية ...... ولكن سرعان ما أسمع بعدها برد ذلك الزوج ...... مرة لكونه دون مستواي التعليمي ..... وأخرى لكونه دون ماينبغي من حيث النسب .... وأخيراً لأنه لم ( يدخل مزاجك ) ولأنني تربيت منذ نعومة أظفاري على ألا أخرج عن اختيارك ....... ولا أبدي اعتراضاً على رأيك .......... صار بي الحال إلى ماترى .....
أو هكذا جازيت بنتك الكبرى .أيها الأب الحنون ....!!!!!!؟؟؟؟؟
شكراً لك والدي على رعايتك لي واهتمامك بتعليمي حتى جعلتني أستاذة ماهرة ..... حقاً لقد كانت وظيفتي هذه بديلاً رائعاً عن ذلك الزوج المنتظر ..... كيف لا وأنا أقضي فيها أكثر نهاري مابين تعليم وتدريس وتربية .... أتناسى فيها واقعي الكئيب ...... وكيف لا وأنا أتقاضى من خلالها راتباً لايجده اليوم شباب يحملون مؤهلات جامعية .......
ولكن أريدك أن تفكر معي قليلا في حل مشكلتي إذا عدت إلى منزلي وبدأ الفراغ يداهمني والهم يقاتلني
ثم فكر معي كذلك في هذا المال الذي ادخرته من خلال تلك الوظيفة .... فأنا لست أدري لما ذا جمعته ولا أين سأنفقه ...........
لقد مللت من شراء الجديد من الملبس ..... والغالي من أدوات الزينة ......... كل شيء أريده يمكنني الحصول عليه لأنني أملك مالاً ولله الحمد ....
إلا شيئاً واحدا هو الزوج ....
هل رأيت يا والدي أن مشكلتي صغيرة فهل ياترى لها حل ........
آهـ ابنتك / أريج
قلم / قلب نابض