
![]() |
![]() |
|
| غزوة بدر حلقة من حلقات الصراع بين المشركين وبين رسول الله والمسلمين، هذه الحلقات التي بدأت بمبعث النبي صلى الله عليه ، وزادت حدتها بعد تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة ، حيث جد الملأ من قريش في محاولاتهم لاجتثاث دولة الإسلام التي برزت إلى الوجود ، ورءوا في نمائها خطرا على وثنيتهم، وفي نفس الوقت بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يمارس بعض أساليب الضغط عليهم ليكفوا عنه، وعن التصدي لدعوته، وتجلت تلك الأساليب في قطع طريق التجارة من خلال السرايا التي كان صلى الله عليه وسلم يرسلها بين الفينة والفينة .. وتكرر ذلك مرات حتى جاء اليوم الموعود ، إذ سمع صلى الله عليه وسلم بقافلة لقريش عائدة من بلاد الشام ، قيل: إنه كان فيها ألف بعير محملة بأصناف البضائع المختلفة، ولم يكن بمكة أحد إلا شارك فيها، فحث الناس للخروج إليها لعلهم يجدون فيها عوضا عن الأموال التي اغتصبها منهم مشركو مكة عند هجرتهم ، ويكون في الاستيلاء عليها إضعاف لقوتهم الاقتصادية التي يفتخرون بها ويقولون " وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35)"سورة ((سبأ)) (1). فخرج معه حوالي ثلاث مائة رجل يزيدون أو ينقصون قليلا ، وتخلف بعض المسلمين ؛ لأنه لم يجبر أحدا على الخروج، وظنوا أنه لن يلقى حربا ، ولم يكن في ذهنه صلى الله عليه وسلم غير مهاجمة القافلة ، وسار عَشِيّةَ الأَحَدِ لاثنتي عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَمعه فرسان وستون درعا وسَبْعِونَ بَعِيرًا ، يَتَعَاقَبُ على ركوب كل بعير الاثْنَانِ والثلاثة والأربعة ، يركب الواحد ويمشي الباقون على الأقدام بالتناوب ، ولما أراد من يتناوبون مع رسول الله أن يعفوه من المشي قال لهم: " ما أنتما بأقوى مني ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما" (2). ولما علم قائد القافلة أبو سفيان عن طريق عيونه أن رسول الله خرج إليه غير مسار طريقه ، وبدأ يتحسس الأخبار عن قرب وصوله ، وهو قلق على ما معه من أموال ، ثم استأجر أعرابيا يسمى"ضمضم بن عمرو الغفاري " فبعثه إلى مكة وأمره أن يأتي قريشا فيستنفرهم إلى أموالهم، ويخبرهم أن محمدا قد عرض لها في أصحابه ، فخرج ضمضم سريعا إلى مكة ، فلما ورد مكة وقف يصرخ ببطن الوادي على بعيره، ويقول يا معشر قريش: اللطيمة اللطيمة ! أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه ، لا أرى أن تدركوها، الغوث الغوث !! (3). فاستنفر أبو جهل ومن معه من زعماء قريش الناس، وقال: أدركوا عيركم، وجعلوا يعنفون من يتكاسل عن الخروج معهم ، ويعيرونه بالجبن، حتى إن أمية بن خلف كان قد أجمع القعود، وكان شيخا جليلا جسيما ثقيلا ، فأتاه عقبة بن أبي معيط وهو جالس بين ظهراني قومه بمبخرة يحملها ، فيها نار وبخور ووضعها بين يديه، ثم قال: يا أبا عليّ استجمر ! فإنما أنت من النساء ، فقال: قبحك الله ! وقبح ما جئت به ، ثم تجهز وخرج مع الناس وهو كاره ، وحتى بنو هاشم ومن عارضوا الحرب أجبروهم على الخروج معهم(4). وتجهز منهم حوالي تسعمائة وخمسين مقاتلا ، معهم ستون فرسا، وقيل : مائتا فرس يقودونها وستمائة درع، واصطحبوا معهم المغنيات يضربن بالدفوف، ويغنين بهجاء المسلمين ، وكلهم غرور وكبرياء ، وعزم على القضاء على المسلمين ، وبينما هم يستعدون للزحف ناحية المدينة جاءهم الخبر من أبي سفيان يقول: إنكم خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم ، فقد نجاها الله فارجعوا (5). ولما تلقوا هذه الرسالة هم بعضهم بالرجوع، لكن أبا جهل قال في كبرياء وغطرسة : والله لا نرجع حتى نرد بدرًا، فنقيم بها ثلاثًا، فننحر الجَزُور، ونطعم الطعام، ونسقى الخمر، وتعزف لنا القِيان، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا، فلا يـزالون يهابوننا أبدًا ، وغلب رأيه فساروا حتى نزلوا قريبًا من "بدر"(6). وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في طريقه أن قريشا قد سمعت بخروجه لاعتراض القافلة ، وخرجت إليه بجمع يقوده أبو جهل، ففوجئ صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر الذي لم يستعد له ، وصار أمام أمرين ، إما أن يعود بمن معه سريعا إلى المدينة، وهذا قد يجرئ أبا جهل على الزحف خلفه إلى المدينة ، ويُطمع فيه الأعراب الذين يتربصون به الدوائر ، فيكون الخطر بالمسلمين محدق ، وإما أن يواجه أبا جهل بمن معه من المؤمنين، وهذا أمر صعب أيضا ، لعدم تكافئ الطرفين ، فمن ناحية العدد يمثل جيش المشركين ثلاثة أمثال جيشه ، ومن ناحية العدة يمتلك المشركون مائتي فرس أو ستين حسبما قيل وستمائة درع ، أما المسلمون فمعهم فرسان فقط ، والمقاتل على رجله (الراجل) مهما أوتي من قوة أو شجاعة يصعب عليه مواجهة الذي يركب فرسا ، ومن ناحية الزاد والمدد فإن المشركين بالإضافة إلى ما معهم فإن القبائل العربية التي كانت تستفيد من تجارتهم أو تحج إلى مكة كانت إلى صفهم ، وقد بعث أحدهم ويسمى " خفاف بن ايماء بن رحضة الغفاري" ابنا له بجزائر(أبل للذبح) أهداها لهم ، وقال: إن أحببتم أن نمدكم بسلاح ورجال فعلنا (7). وأمام هذا الموقف بدأ رسول الله يستشير أصحابه ليأخذ آراءهم ، فخشي بعضهم المواجهة، وقالوا: لا والله ما لنا طاقة بقتال القوم، وقد خرجنا للقاء العير، لكن الأغلبية أشارت عليه بالتصدي لأبي جهل وجيشه إن اضطر إلى ذلك ، فهم مستعدون لنتيجة المعركة أيا كانت ، وقال أحد المهاجرين وهو" المقداد بن عمرو ": يا رسول الله امض لما أراك الله، فنحن معك ، والله لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى : " اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد (مكان باليمن) لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه.وقال له سعد بن معاذ أحد زعماء الأنصار: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله (أي تريد أن تعرف رأينا) قال: أجل فقال سعد: قد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة لك، فامض يا رسول الله لما أردت فنحن معك ، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك ، ما تخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا ، إنا لصبر في الحرب صدق عند اللقاء ، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك ، فسر على بركة الله ، فسُرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا القول (8). وبد أ الوحي بعد ذلك يتابع مع المسلمين سير المعركة ويوجههم خطوة بخطوة تجاه النصر ، فكشف للمتخوفين من المواجهة عن حقيقة الموقف والغرض منها فقال تعالى: كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (6) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (7) لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (8) ((الأنفال)). فقال رسول الله بعد نزول تلك الآية: سيروا وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين (القافلة أو النصر على جيش أبي جهل). ثم ارتحل صلى الله عليه وسلم حتى صار قريبا من بدر ، وبدأ يتحسس الأخبار عن القافلة وعن جيش أبي جهل ، فعلم أن القافلة قد أخذت طريق الساحل مما يعني نجاتها ، وأن أبا جهل قد نزل على مقربة منه ، فاستقصى أخباره وسار حتى نزل على أدنى ماء من مياه بدر إلى المدينة (أي الآبار المتناثرة به) فأشار عليه أحد الصحابة وهو الحباب بن منذر بن الجموح بأن يسير حتى ينزل على أقرب ماء من ناحية العدو فيسبقهم إليه ، ثم يقوم ببناء حوض عليه ، ويهدم باقي الآبار فأخذ برأيه (9). ثم أخذ يحث أصحابه ويحضهم على التضرع إلى الله والاستغاثة به، وذلك كان التوجيه الثاني لسير المعركة في القرآن الكريم ، حيث قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) ((الأنفال)). والذي كان من نتيجته إمدادهم بالملائكة ، قال تعالى إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) ((الأنفال)). وبات رسول الله ليلة المعركة مقبلا على ربه قائما وراكعا وساجدا ، يردد في سجوده يا حي يا قيوم ، وضرب الله النعاس على أصحابه ، حتى يذهب ما في قلوبهم من قلق فقال تعالى إذ يغشيكم النعاس أمنة منه فأصبحوا في نشاط وسكينة. ولما طلع الفجر نادى رسول الله أصحابه للصلاة ، وأعاد تذكيرهم بفضل الجهاد في سبيل الله وقال: والله لا يقاتلهم اليوم أحد وهو صابر إلا أدخله الله الجنة ، ثم أخذ ينظم صفوفهم وعبأهم أحسن تعبئة (10). وأما أبو جهل فقد أرسل هو الآخر من يتحسس له أخبار المسلمين ، ويحرز له عددهم ، فرجع إليه من أرسله يقول: عددهم حوالي ثلاث مائة، لكن يبدو أنه رأى من ارتفاع روحهم المعنوية وعدم خشيتهم القتال ما أذهله فقال: قد رأيت - يا معشر قريش - البلايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجلاً منكم، فإذا أصابوا منكم أعدادهم، فما خير العيش بعد ذلك؟ فروا رأيكم (11). فأثارت مقولته بعض كبار المشركين وخافوا العاقبة ، ومن مظاهر ذلك أن حكيم بن حزام لما سمع ذلك مشى في الناس، فأتى عتبة بن ربيعة فقال: يا أبا الوليد إنك كبير قريش وسيدها والمطاع فيها، هل لك إلى أن لا تزال تذكر بخير إلى آخر الدهر؟ قال: وما ذاك يا حكيم؟ قال: ترجع بالناس، وتحمل أمر حليفك عامر بن الحضرمي(الذي قتل على أيدي المسلمين في سرية سابقة) فقال له: قد فعلت وهو حليفي ، فعلي عقله وما أصيب من ماله، فائت ابن الحنظلية (أبا جهل) وأعرض عليه هذا الأمر ، فإني لا أخشى أن يثير أمر الناس غيره. |
||
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
|
![]() |
||
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
|
![]() |
||
![]() |
![]() |
| مواقع النشر |
ضوابط المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
BB code متاحة
الابتسامات متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
|