<نكمل ماتبقى من القصة>
بعد صمتٍ قالت : لا أدري ماذا أردتُ أن أقول : إني أشعر بالضيق الشديد ، خاصة عندما يخيَّم عليَّ الليل ، أقرأ المجلات النسائية المختلفة ، أتأمَّل فيها صور الفنانات والفنانين ، يعجبني وجه فلانة ، وقامة فلانة ، وفستان علاَّنة ، بل تعجبني أحياناً ملامح أحد الفنانين فأتمنَّى لو أن ملامح زوجي كملامحه ، فإذا مللت من المجلات اتجهت إلى الأفلام ، أشاهد منها ما أستطيع وأحسُّ بالرغبة في النوم ، بل إني أغفو وأنا في مكاني ، فأترك كل شيء وأتجه إلى فراشي ....، وهناك يحدث ما لا أستطيع تفسيره ، هناك يرتحل النوم ، فلا أعرف له مكاناً ..
عجباً ، أين ذلك النوم الذي كنت أشعر به وأنا جالسة ، وتبدأ رحلتي مع الأرق ، وفي تلك اللحظات أكتب هذه الخواطر التي تسألني عنها .......
(( إنها مريضة )) قلتها في نفسي ، نعم إنها مريضة بداء العصر ؛ القلق الخطير ، إنها بحاجة إلى علاج ..
قلت لها : ولكنَّ خواطرك هذه لا تعبر عن شيء ٍ مما قلت إنها عبارات برَّاقة ، يبدو أنك تلتقطينها من بعض المقالات المتناثرة وتجمعينها في هذه الأوراق ...
قالت : عجباً لك ، أنت الوحيد الذي تحدَّثت بهذه الحقيقة ،كل صديقاتي يتحدثن عن روعة ما أكتب ، بل إن بعض هذه الخواطر قد نشرت في بعض صحفنا ، وبعثَ إلىَّ المحرِّر برسالة شكر على هذا الإبداع ، أنا معك أنه ليس لها معنى واضح ، ولكنها جميلة .
وهنا سألتها مباشرة :
هل لك هدفٌُ في هذه الحياة ؟!
بدا على وجهها الارتباك ، لم تكن تتوقع السؤال ، وقبل أن تجيب قلت لها :
هل لك عقل تفكرين به ، وهل لديك استقلال في التفكير ؟ أم أنك قد وضعت عقلك بين أوراق المجلات النسائية التي أشرت إليها ، وحلقات الأفلام التي ذكرت أنك تهرعين إليها عندما تشعرين بالملل .
هل أنتِ مسلمة ؟!..
هنا تغيَّر كل شيء ، أسلوبها في الحديث تغيَّر ، جلستها على المقعد تغيَّرت ، قالت :
هل تشك في أنني مسلمة ؟ ! إني - بحمد الله - مسلمة ٌُ ومن أسرة مسلمة عريقة في الإسلام ، لماذا تسألني هذا السؤال ، إن عقلي حرٌّ ليس أسيراً لأحد ، إني أرفض أن تتحدَّث بهذه الصورة .....
وانصرفت إلى النافذة تنظر من خلالها إلى ملكوت الله العظيم ....
لم أعلق على كلامها بشيء ، بل إنني أخذت الصحيفة التي كانت أمامي وانهمكت في قراءتها ، ورحلت مع مقال في الصحيفة يتحدث عن الإسلام والإرهاب (( كان مقالاً طويلاً مليئاً بالمغالطات والأباطيل ، يا ويلهم هؤلاء الذين يكذبون على الله , ولا أكتمكم أنني قد انصرفت إلى هذا الأمر كلياً حتى نسيت في لحظتها ما جرى من حوار بيني وبين مجاورتي في المقعد ، ولم أكن أشعر بنظراتها التي كانت تختلسها إلى الصحيفة لترى هذا الأمر الذي شغلني عن الحديث معها - كما أخبرتني فيما بعد-، ولم أعد من جولتي الذهنية مع مقال الصحيفة إلا على صوتها وهي تسألني :
أتشك في إسلامي ؟!
قلت لها : ما معنى الإسلام ؟!
قالت : هل أنا طفلة حتى تسألني هذا السؤال ! قلت لها: معاذ الله بل أنت فتاة ناضجة تمتم النضج ، تُلوِّن وجهها بالأصباغ ، وتصفِّفُ شعرها بطريقة جيدة ، وتلبس عباءتها وحجابها في بلادها ، فإذا رحلت خلعتها وكأنهما لا يعنيان لها شيئاً ، نعم إنك فتاة كبيرة تحسن اختيار العطر الذي ينشر شذاه في كل مكان ...فمن قال إنك طفلة .... ؟!
قالت : لماذا تقسو عليَّ بهذه الصورة ؟
قلت لها : ما الإسلام ؟ ... قالت : الدين الذي أرسل الله به محمد صلى الله عليه وسلم ، قلت لها : وهو كما حفظنا ونحن صغار (( الاستسلام لله بالتوحيد ، والانقياد له بالطاعة ، و الخلوص من الشرك )) ، قالت : إي والله ذكرتني ، لقد كنت أحصل في مادة التوحيد على الدرجة الكاملة !
قلت لها : ما معنى (( الانقياد له بالطاعة )) ؟
سكتت قليلاً ثم قالت : أسألك بالله لماذا تتسلَّط عليَّ بهذه الصورة ، لماذا تسيء إليَّ وأنا لم أسئ إليك ؟
قلت لها : عجباً لك ، لماذا تعدّين حواري معك إساءة ؟ أين موطن الإساءة فيما أقول؟
قالت : أنا ذكية وأفهم ما تعني ، أنت تنتقدني وتؤنبني وتتهمني ، ولكن بطريقة غير مباشرة ..
قلت لها : ألست مسلمة ؟
قالت : لماذا تسألني هذا السؤال ؟ إني مسلمة من قبل أن أعرفك ، وأرجوك ألا تتحدث معي مرة أخرى .
قلت لها : أنا متأسف جداً ، وأعدك بألا أتحدث إليك بعد هذا .....
ورجعتُ إلى صفحات الصحيفة التي أمامي أكمل قراءة ذلك المقال الذي يتجنَّى فيه صاحبه على الإسلام ، ويقول : إنه دين الإرهاب ، وإن أهله يدعون إلى الإرهاب ، وقلت في نفسي : سبحان الله ، المسلمون يذبَّحون في كل مكان كما تذبح الشيِّاه ، ويقال عنهم أهل الإرهاب ...
وقلبتُ صفحة أخرى فرأيت خبراً عن المسلمين في كشمير ، وصورة لامرأة مسلمة تحمل طفلاً ، وعبارة تحت صورتها تقول : إنهم يهتكون أعراضنا ينزعون الحجاب عنَّا بالقوة وأن الموت أهون عندنا من ذلك ، ونسيت أيضاً أن مجاورتي كانت تختلس نظرها إلى الجريدة ، وفوجئت بها تقول :
ماذا تقرأ ؟ .. ولم أتحدث إليها ، بل أعطيتها الجريدة وأشرت بيدي إلى صورة المسلمة الكشميرية والعبارة التي نُقلت عنها ...
ساد الصمت وقتاً ليس بالقصير ، ثم جاءت خادمة الطائرة بالطعام ... واستمر الصمت ....
وبعد أن تجوَّلتُ في الطائرة قليلاً رجعت إلى مقعدي ، وما إن جلست حتى بادرتني مجاورتي قائلة ً :
ما كنت أتوقع أن تعاملني بهذه القسوة !..
قلت لها :
لا أدري ما معنى القسوة عندكِ ، أنا لم أزد على أن وجهت إليك أسئلة ً كنت أتوقع أن أسمع منك إجابة ًعنها ، إ لم تقولي إنك واثقة بنفسك ثقة ً كبيرة ؟ فلماذا تزعجك أسئلتي ؟
قالت : أشعر أنك تحتقرني ..
قلت لها : من أين جاءك هذا الشعور ؟
قالت لا أدري .
قلت لها : ولكنني أدري .. لقد انطلق هذا الشعور من أعماق نفسك ، إنه الشعور بالذنب والوقوع في الخطأ ، أنت تعيشين ما يمكن أن أسمّيه بالازدواجية ، أنت تعيشين التأرجح بين حالتين ...
وقاطعتني بحدّة قائلة : هل أنا مريضة نفسياً ؟ ما هذا الذي تقول ؟!
قلت لها : أرجو ألاَّ تغضبي ، دعيني أكمل ، أنت تعانين من ازدواجيةٍ مؤذية ، أنتِ مهزومة من الداخل ، لاشك عندي في ذلك ، وعندي أدلّة لا تستطيعين إنكارها .
قالت مذعورة ً : ما هي ؟
قلت : تقولين إنك مسلمة ، والإسلام قول وعمل ، وقد ذكرت لك في أول حوارنا أن من أهم أسس الإسلام (( الانقياد لله بالطاعة )) ، فهل أنت منقادة لله بالطاعة ؟
وسكتُّ لحظة ً لأتيح لها التعليق على كلامي ، ولكنها سكتتْ ولم تنطق ببنتِ شفةٍ - كما يقولون - كما يقولون - وفهمت أنها تريد أن تسمع ، قلت لها :
هذه العباءة ، وهذا الحجاب اللذان حُشرا - مظلومَيْن - في هذه الحقيبة الصغيرة دليل على ما أقول ......
قالت بغضب واضح : هذه أشكال وأنت لا تهتم إلا بالشكل ، المهم الجوهر .
قلت لها: أين الجوهر؟ ها أنت قد اضطربت في معرفة مدلولات كلمة (( الإسلام )) الذي تؤمنين به ، ثم إن للمظهر علاقة قوية بالجوهر ، إن أحدهما يدلُّ على الآخر ، وإذا اضطربت العلاقة بين المظهر والجوهر ،
تابع القصة .....