الكثافة الحسيّة يجب أن تُبرمج - أو تُنشأ - تحت مفهوم الهدف الإيجابيّ. والهدف الذي تريد الوصول إليه لا يُمثّل هدفاً يحقّق شرط الإيجابية.
ينبغي عليك أولاً أن تصوغ هدفاً "إيجابيا". والهدف الإيجابيّ ببساطة هو "أريد كذا وكذا".
وكيما نوضّح هذا المفهوم، دعني أخي الكريم أقتبس فكرةً رائعة سمعتها من الدكتور محمد التكريتي توضّح مفهوم الهدف الإيجابيّ والهدف السلبيّ.
لنفرض أنك تقابل صديقاً متوجهاً إلى السوبرماركت، فتسأله: إلى أين أنت ذاهب؟
فيردّ عليك: إلى السوبرماركت.
فتسأله: مالذي تودّ شراءه؟
فيأتيك الجواب المدهش الغريب: لا أريد أن أشتري كيس بطاطا؟
فتسأله: حسنا. عرفنا أنك لا تريد أن تشتري كيس بطاطا. لكني أسألك: ماذا تريد؟
فيجيبك صديقك بإجابة مُحيّرة أخرى: لا أريد أن أشتري علبة فول!
فتسأله بغرابة: يا أخي أعلم أنك لا تريد شراء كذا وكذا. هناك ملايين الأشياء في السوبرماركت التي لا تريد شراءها. أنا أسألك عما تريد شراءه، وليس عمّا لا تُريد شراءه!
وهذه هي الفكرة وراء تحديد الأهداف الإيجابية. هناك ملايين وبلايين الأشياء التي لا نريدها ولا نهدف للوصول إليها في حيواتنا. والتركيز على مالا نريد يوصلنا إلى منطقة اسمها "لا مكان". العقل بشقّيه - الباطن والمُدرك - لا يستطيع أن يستوعب كل الأشياء التي لا نريدها، بينما يسهل عليه حصر الأشياء التي نريدها.
وعلى ذلك فالأهداف التالية - وفقاً للدكتور صلاح الراشد - لا تمثل أهدافاً إيجابية:
1. لا أريد أن أغضب.
2. لا أريد أن أستمرّ في عملي هذا.
3. لم أعد أطيق البقاء مع زوجتي أو زوجي، لا أحبها أو لا أحبه.
4. لا أريد أن أضيّع وقتي.
5. لم أعد أجني أرباحاً جيدة من هذا النشاط التجاري.
ويُستعاض عن الأمثلة أعلاه بأمثلة أخرى مُصاغة بشكل إيجابيّ:
1. أريد أن أتحكم في أعصابي وردة فعلي.
2. أريد عملاً وفق شروط تعاقديّة أفضل وأجرٍ أعلى بنسبة كذا على أقلّ تقدير.
3. أريد أن أضع حدوداً لهذا الزواج، إما الاستمرار فيه وتحسين وضعه أو البحث عن شريك آخر أو شريكة أخرى أو العيش مُنفردا.
4. أريد أن أستثمر وقتي في القراءة أو الاستماع أو الرياضة أو تطوير برنامج نشاط يوميّ.
5. أريد أن أغيّر نشاطي التجاري الحاليّ إلى نشاطٍ آخر يُدرّ علي أرباحاً أعلى..
وهكذا تُصاغ الأهداف، مع بعض الشروط الأخرى، كالإطار الزمنيّ والقياس وصيغة الزمن الحاضر وغيرها فيما يُعرف شمولياً باسم الأهداف الذكيّة. المهم في أصل الأهداف أن تكون ذات إيحاء إيجابيّ، تهدف إلى كذا وليس لا تهدف إلى كذا.
في حالتكَ مثلا، تُريد الوصول إلى "لا أريد أن أفكّر في هذه المسألة"، وهذه العبارة وفق شروط تحقيق الأهداف هي عبارةٌ سلبيّة. جِد عوضاً عنها هدفاً إيجابياً آخر. ولنفرض أنّك مررتَ بتجربة أليمةٍ في العمل مثلا، كاستلام خطابِ إنذارٍ ظُلمت فيه أو إقالة جبريّة جاءت نتيجة تخفيض في أعداد الموظفين أو مؤامرةٍ دنيئةٍ عليك من بعض المتنفذين أو تجربة طلاقٍ أليمة. هاك على سبيل المثالِ بدائلُ إيجابيّة مُقترحة، وإن كنتَ أنت أفضل من يعرف أهدافه الإيجابية، وكل مايلزمك هو جلسةٌ أو جلستان من المُصارحة الذاتيّة الكاملة:
- أنا موظفٌ محترف أملك الكثير من المهارات ولديّ عروض عمل جيدة.
- أنا متخصص في التقنية أو إدارة المنشآت أو إدارة الموارد البشريّة وقد حصلتُ على عملٍ بشروطٍ رائعةٍ وأجرٍ مجز.
- أنا أعيش حياةً هانئة سعيدة وقد وجدتُ امرأةً تتفهم حاجاتي وتُعينني في ديني ودنياي.
- أنا شخصٌ متسامحٌ كبيرُ القلب والحمدلله، وقد عفوتُ عن كل من أساء إليّ أو شتمني أو هاجمني أو أهانني وأدّخر كل ذلك عند الله تبارك وتعالى.
- أنا أتواصل بشكلٍ جيدٍ مع رئيسي في العمل وزملائي.
- أنا أبذلُ المزيد من الجهد في سبيل تحسين أدائي في العمل.
وهكذا. لاحظ أنني سُقتُ أمثلةً فقط، وهي ليست بالضرورة مُطابقة لحالتك.
بعد أن تتمكّن من تحديد هدفٍ ذي إيحاء إيجابيّ، يمكنك أن تبدأ في عمليّات التأمّل والتخيّل حين وصولك إلى هدفك المنشود، عبر سلسلة من جلسات الاسترخاء والتخيّل.
الحقيقة أن الشرح يطول جداً في هذه المسألة، ومعرفتي فيها قاصرة. لكنّي أنصحك باقتناء برنامج للدكتور صلاح الراشد اسمه "التفكير الإيجابي" يُباع في المكتبات الكبيرة، وهو عبارة عن مجموعة من المحاضرات الصوتية العمليّة المسجّلة على أشرطة كاسيت. البرنامج يتحدّث بالتفصيل عن الكثافة الحسيّة وبه بعض التدريبات عليها. والدكتور الراشد وفقه الله من المتميّزين في هذا المجال رغم تحفظي الشخصيّ على بعض أفكاره وأطروحاته.