مقارنة بين المنهجين الإسلامي والغربي في تفاعلهما مع الوقت
1) الفوارق الأساسية بين المنهجين
إن للإسلام منهجا أسبق من المنهج الغربي في إدارة الوقت , كما أنه جاء كاملاً لتحقيق التوازن في اغتنام الحياة الدنيا وإعمارها بشكل فعال مع عدم غفلته عن الحياة الآخرة , وإن حال المسلمين اليوم لا يدل على عدم كفاءة منهجهم هذا , إنما سببه بعدهم عن ذلك المنهج . ولقد جاءت أسبقية الإسلام لكل النظم والمنطلقات الغربية في حسن اغتنام الوقت .
- البعد الزمني في تفاعل الإنسان مع الوقت :
إن فعالية إدارة الوقت في الإسلام تتمثل في آثار العمل خلال حياة الفرد الدنيوية وكذا الحياة الآخرة , أما البعد الزمني لادارة الوقت في المنهج الغربي فتكون عادة لفترات وجيزة لاتتعدى سني العمر , بينما نرى الإسلام يتخطى تلك النظرة القاصرة إلى مابعد الموت , فتكون الحياة الدنيا بمثابة الحقل الذي تزرعه لتقطف الثمر في حياة الآخرة .
وإن ديمومة فاعلية الأعمال إلى مابعد الموت لهي أهم الفوارق بين المنهجين , فبينما يركز الغرب على كم وكيف يستثمر الوقت للكسب المادي في أسرع وقت ممكن , نرى القرآن يركز بشكل متكرر للتأكد على البعد الزمني للأعمال , بحيث يكون العائد على استثمار الوقت ليس منحصراً في الدنيا فقط , بل نراه يربط دوماً الأعمال باليوم الآخر , محرضاً على اكتساب فرصة الحياة الدنيا - الوقت الذي لايعود مامضى منه ولايتكرر - للفوز بالآخرة .فللوقت إذاً فاعليته في ظل المفهوم الإسلامي يطول إلى يوم القيامة , والكيس هو الذي يدرك هذي الحقيقة , كما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم :
" الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت , والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني " ,
وهذا المفهوم يغيب عمن لاتتعدى نظرته القشور , قال تعالى:
{يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ(7)
} [سورة الروم:7]
- البعد المادي في تفاعل الإنسان مع الوقت :
نجد أن مادة الأعمال التي يستثمر الوقت لتحقيقها تنحصر في النفع المادي حتى أصبح الغربي عبداً للدولار , فشاع الطمع وعم البلاء والبغضاء واستغلال الفقراء , وطغت الرأسمالية التي أدت إلى نظام العولمة التى تستعبد الشعوب المستضعفة لمصلحة الأغنياء فلقد علم الغرب قيمة الساعة لمردودها المادي , لكنه جاهل قيمة الحياة . أما في المنهج الإسلامي فمادة الأعمال غايتها تحقيق الخيرات وصلاح الدارين ليعيش الإنسان السعادة الحقة وليسعد من حوله أيضاً.
- قيمة الوقت لدى المنهجين :
(أ) تقدير الوقت بالمال لدى الغرب .
(ب) الوقت خلاف المال الفرق شائع بين الوقت وبين المال بحسب الآتي :
*الوقت لايعوض بخلاف المال.
* الوقت لايدَخر .
* الوقت ليس سلعة .
2) الوقت في المنهج الإسلامي :
لقد ربط الإسلام الكون بالوقت , فجعل حياة الفرد مرتبطة به , وعبادته مؤقته خلاله , وأجل الله الوقت في كتابه , وخلقه لابن آدم لينعم به ويستثمره لاإصلاح دنياه وآخرته , وجعله محاسبا عليه يوم القيامة .
وبعض مزايا الوقت في المنهج الإسلامي هي الآتية :
- الوقت مخلوق
- الوقت مسخر
- وجوب اغتنام الوقت
واجب على كل مسلم نحو وقته أن يدرك أولا أن وقته هو حياته , فيحفظه ويحصي كل ساعة منه فيصرفها بعمل ينفعه في دينه ودنياه , ويحرص على عماة أوقاته بالعمل الصالح لينجو يوم القيامة .
-توقيت الأعمال على مدار الساعة
أ) توقيت الشعائر التعبدية :
لقد أرسل الله نبية بأحكام شرعية له أوقاتها ومواعيد أدائها , فجعل لكل شعيرة توقيتاً لايتم كمالها إلا خلاله , فجاءت العبادات والآداب ومختلف الأعمال مربية العبد على استشعار أهمية الوقت وتنظيم أعماله خلاله والتعاظ بمروره , فجعل الله أعمال العبد المكلف تسير مع حركة الكون بتوقيت محدد دقيق . جاء في وصية أبي بكر الصديق لعمر رضي الله عنهما حين استخلفه : " إن لله حقاً بالنهار لايقبله بالليل , ولله في الليل حقاً لايقبله بالنهار".
وإن تطبيق الشعائر التعبدية بأكملها يتطلب أن يكون المسلم متنبها ً دوماً لمسيرة الزمن , فهو يراقب وقته خلال ليله ونهاره , وينتبه لحركة الزمان من حوله طيلة حياته , على مستوى اليوم والأسبوع والشهر والعام طالما هو على قيد الحياة .
& على مستوى اليوم : الصلوات الخمس
& على مستوى الأسبوع : صلاة الجمعة .
& على مستوى العام : الصيام والزكاة .
& على مستوى العمر : الحج .
ب) توقيت الأحكام الشرعية :
ليس التوقيت أمراً مطالباً به لتأدية الشعائر التعبدية فحسب , بل إن أحكام الشريعة المؤقتة كثيرة جدا عن أن تحصى , وذلك يشمل أبواب العبادات , والمعاملات , والمعاوضات , والأحوال الشخصية , والآداب ,,, وألخ .
والتكليف بشكل عام جعله الله مؤقتاً بالبلوغ وهو بلوغ عمر معين للشاب والفتاة , والشارع الحكيم قد ربط الأعمال بالتوقيت المحدد والمناسب لكل عمل ليرشد الإنسان إلى أهمية الوقت ويحثه على المحافظة عليه .
- اغتنام علماء المسلمين للوقت
من تلك النماذج .
ابن جرير الطبري
الخوارزمي
ابن عقيل
ابن تيمية
ابن الجوزي
3)منهجية السبق في إدارة الوقت في الإسلام :
إن الإسلام لاإدارة الوقت أن تكون الغاية من وجهة الفرد في استثمار وقته هو رضوان الله , وهو منهج يدعو
للمبادرة بالعمل في الدنيا لمرضاة الله والفوز في الآخرة , وذلك بالمبادرة بالعمل المبكر والسريع لإنجازه قبل انقضاء سني العمر . وهذا جلىّ في الدعوة القرآنية إلى السباق إلى الله وكان ذلك للناس عامةً , ثم جاءت الدعوة بالمسارعة إليه للمؤمنين خاصة , حيث إن ميدان السبق مملوء بالفتن والعقبات والمعيقات .
إن فعل الخيرات هو مادة السبق الذي دعا الله الناس إليه , وإن فعالية المسابقة بالخيرات والعمل الصالح تتباين بحسب ديمومة ثمرتها ونفعها للناس , فكلما حققت الأعمال منفعة أعم وأدوم كانت محل خيرية أكبر . لذلك ركز المنهج القرآني على فاعلية العمل الممتد أثره إلى الآخرة كالنسك التعبدية والصدقة الجارية والعلم النافع .
فيرى الإسلام أن حسن إدارة الوقت يعتمد على آثار العمل من حيث بعده الزمني وبلوغ منفعته الناس .
وإن غاية السبق بالخيرات هي تحقيق الإصلاح الذي يشمل جوانب الحياة المختلفة : المادي والمعنوي , الدنيوي والأخروي , الفرد والأسرة , والجماعة , والدولة , والمسلمين وغيرهم , الحاضر والمستقبل ,
مما يحقق النهوض والارتقاء إلى حال أفضل
::::يــــتبـــع :::::