الطعمية و حلم العودة - منتدى عالم الأسرة والمجتمع
logo

الملاحظات

مساحة مفتوحة موضوعات ونقاشات علمية، وثقافية، وفكرية، واجتماعية.

موضوع مغلق
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 03-05-2010, 06:18 PM
  #1
معدن الرجوله
قلب المنتدى النابض
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 2,020
معدن الرجوله غير متصل  
الطعمية و حلم العودة

[CENTER]



1979م الصف الثاني ابتدائي (ج) بالتحديد طفل في السابعة يجلس في مؤخرة الصف
في منتهى الذكاء والنباهة في كل شيء عدا الدراسة . لم يتفق يوماً مع الدرس
ولا مع المدرس جعل الهرب من المدرسة مسلكاً يساعده في الانطلاق بمخيلته إلى
أقصى مكان كان ولا زال يحلم به.. محاولاً الهروب إلى قضية ذات أبعاد سياسية
و وطنية , وضع نفسه وبكامل إرادته مقاتل مؤمن بقضية يحمل شعاراتها داخل جسده الصغير
واجه بهروبه من المدرسة قوات الظلام الغاشمة.. قوات المحتل خسر حيناً وأنتصر أحياناً أخرى..
هذا ماقد يعتقده أي ساذج يظن أن صبياً في السابعة قد يجعل الهروب من المدرسة قضية
فهو حتى لا يعلم لماذا هرب من المدرسة أصلاً ولا يعلم ماذا تعني كلمة قضية
حتى يحارب من أجلها قوات الظلام الغاشمة , حتى أن الأحمق الصغير لا يعلم
ماذا تعني غاشمة ..
وكل ماهنالك أن صاحبنا الصغير يجلس بجوار نافذة الصف والتي كانت بدورها تطل
على محل طعمية يمتلكه رجل فلسطيني يدعى العم أبو رائف !!
نعم القضية في الطعمية
لم يكن يهرب ذلك الأحمق إلا من أجل أقراص الطعمية رغبةً في الحصول على إحداها
ولو بطريق الصدفة لأنه ورغم همة عالية كانت تسكن جسده الصغير إلا أنه لم يكن يمتلك ثمنها
فالطعمية في ذلك الوقت كانت تعتبر من رفاهيات الحياة ورغم أن ولادته كانت في أعوام الطفرة
في السعودية أو قريباً منها إلا أنها لم تكن بعد عرفت طريقها إلى جيب والده ..
فالطعمية إذاً رفاهية لا يستطيع صاحبنا دفع تكاليفها لكن مجرد التواجد بالقرب من محل
العم أبو رائف كان يغذي نهم ذلك الأحمق يمني النفس بقطعة تسقط هنا أو هناك
ولكن ورغم ضحالة الهدف الذي كان يهرب من أجله إلا أنه إصتدم في أحد الأيام
بواقع غريب لم يستطع فهمه لسنوات كثيرة تالية.. فصاحبنا كان يقف كالصقر يحملق
في كل من يدخل أو يخرج من ذلك المحل ..ومعروف الهدف طبعاً...
لفت نظرة حضور مجموعة من الرجال يومياً في نفس الوقت يرتدون تقريباً نفس اللباس يمكثون
داخل المحل يتناولون إفطارهم ثم يتحدثون لما يقارب الساعة من الزمن بحديث كان الصغير يجهل
معظمه كلمات لم يعهد سماعها من قبل تبدوا مخيفة لا يفهم ماذا تعني لكنه كان يحس
بأنها مخيفة مثل الكيان , العدو , احتلال , لاجئين , الفصائل , أهلية , قتل , الهوية , عملاء
كتائب , مجازر , مخيمات , بيروت وكانت كل هذه الكلمات والطلاسم تنتهي دائماً
بما يدخل السعادة إلى قلب الصغير , رغم أنه لم يكن يفهمها بشكل تام وكامل
إلا أنه كان يسعد لمجرد ذكر الرجال لهذه الكلمات والتي منها مثلاً العودة
والعودة إلى أين ؟ إلى فلسطين وأين فلسطين وماذا تعني لهم أو له ؟
لا يعلم لكنه أحس بأنها شيء جيد .
وهكذا طارد صاحبنا الصغير الفكرة في مخيلته رابطاً بين القضية والطعمية استمر الصغير أياما بعد ذلك يكرر الهرب بل تمادى إلى حد مراقبة القوم في طريق رجعتهم
إلى المبنى الذي كانوا يأتون منه .. وكان يقف بعدهم لساعات يحاول قراءة اللوحة الكبيرة الموضوعة على مدخل البناية تلك إلى أن فتح الله عليه في أحد الأيام فإستطاع قراءة
كامل ما كتب على اللوحة ((منظمة التحرير الفلسطينية))
نعم إنها هي منظمة التحرير .. نعم أبو عمار والرفاق ..
فمن الطبيعي في تلك الفترة وجود مكاتب للمنظمة في كل أرجاء العالم العربي لرعاية شؤون
الإخوة الفلسطينيين وأيضاً تدريب المقاتلين تجهيزاً للعووووووووووووووده...
وهذا ما جعل الصغير يربط ويحكم الربط بين الطعمية والقضية التي يمثلها طبعاً رحال المنظمة
قد لا يرى أي شخص ما يربط بين محل الطعمية والمنظمة إلا في مخيلة الصغير الذي كان
يرى هذا الرابط وما جعله يربط ويعقد ويحكم الربط أنه حينما كان يهرب من المدرسة كان
يجد رجال المنظمة يكتظ بهم مطعم العم أبو رائف كل يوم وفي نفس الساعة تقريباً..
وما جعل الرابط يتعمق أكثر في تفكير الصغير ما حدث له مع رجال المنظمة بعد ذلك .
فالصغير استهوته فكرة الهروب كل يوم من المدرسة والوقوف أمام محل الطعمية يراقب الرجال
وهم يتناولون فطورهم ويتحدثون بأحاديث يفهم منها فقط أنهم يعدون العدة للعودة إلى فلسطين
لم يفهم ولم يكترث لغير ذلك من الأحاديث.. واظب كثيراً على الحضور ولكن ليس إلى المدرسة
ليشهد ما ستنتهي عليه الأمور مع رجال المنظمة وهل سيعودون إلى فلسطين
في نهاية المطاف.. معرضاً نفسه لخطر كبير وكبير جداً فالصغير كان يكبره خمسة أشقاء
غلاظ شداد لا يعرفون الرحمة ولو عرف أحدهم شيئاً عن هروبه من المدرسة قد يقتل..
ففترة السبعينات والثمانينات هروب من مدرسة يعتبر قضية شرف
وشرف الطالب في ذلك الوقت مثل عود الكبريت فالأحمق الصغير كان يجازف بشرفه
من أجل ماذا ؟ من أجل حلم العودة!!
ولأن الأمور بدأت تأخذ منحنى خطر وبدأ الطابع السينمائي المرعب يفرض واقعاً جديداً قرر الصغير أن يخرج عن صمته
وأن يضع حداً لمسلسل الهروب المخيف فشرفه الآن على المحك..
عقد العزم أن ينهي الأمر فخرج كعادته متسللاً من المدرسة في صبيحة أحد الأيام منطلقاً إلى مطعم العم أبو رائف والقوم على ما هم عليه يتناولون فطورهم ... تقدم الصغير
بثبات قاصداً أكبرهم سنا وأكثرهم وجاهةً ظناً منه أنه من يقوم مقام عريف الصف الثاني (ج)
وبكل شجاعة وجرأة !! قال: يا أستاذ متى راجعين إلى فلسطين ؟ ثم !! ثم جاء الصمت...!!
لف المكان صمت مخيف أحس الصغير أن إرتكب محظور أو نطق بكلمة من الكلمات
التي تغضب القوم بدأ الصغير يرجع للوراء مستعداً للهرب ولم يمنعه من ذلك إلا ضحكات القوم
تزلزل المكان وتحطم الصمت والخوف معاً ..
لم يخطئ الصغير حينما ذهب إلى وجيه القوم حيث تبسم ابتسامة شموخ
وربت على كتف الصغير وأعطاه قرص طعمية وقال له واظب على أكل الطعمية
كل يوم حتى تكبر وتصبح قوياً وسنعود إلى فلسطين وأنت معنا إن شاء الله .
وغادروا المكان , أكمل الصغير أكل الطعمية التي كان مجرد النظر إليها يعد حلماً بعيد المنال
ثم غادر إلى بيته ولم يهرب بعد ذلك اليوم من المدرسة أكل آلاف الأقراص من الطعمية
حتى كره طعمها.. ولم يعد القوم حتى إلى مبناهم القريب من مدرسته رغم الوعد من كبيرهم
بأخذه معهم إلى فلسطين... حزن الصغير كثيراً وما زاد في حزنه أن محل العم أبو رائف تغير
إلى كفتريا أبو الكلام نور الحق!!!! مرت الأيام والسنين
نسي الصغير كل هذا فمن عادة الصغار النسيان .................سريعاً
....................................النهاية....... ..................................



## لكل من يسأل عن مصير ذلك الصغير !! ما زال يتناول الطعمية
صباح كل يوم وفي نفس المكان يحلم بالعودة مع الرجال...


## تنويه : أن أي تشابه بين الشخصيات في هذه القصة
والشخصيات في الواقع هو من قبيل الصدفة ليس إلا ولا دخل لكاتبها في ذلك ..
لذا جرى التنويه إخلاءً للمسؤولية...

بقلم شقيق معدن الرجوله الصغير




التعديل الأخير تم بواسطة (نهر الامل) ; 04-05-2010 الساعة 03:24 PM
قديم 03-05-2010, 08:20 PM
  #2
**أم الجود**
عضو نشيط جدا
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 341
**أم الجود** غير متصل  
قصة قصيرة جميلة جدا بلغة ادبية رائعة وتسلسل مشوق جدا

يبدو ان لديك الملكة الادبية التي بكل سهولة تستطيع ان توظفها لتنقل ما تؤمن به بكل سلاسة وسهولة وتشويق
قديم 03-05-2010, 11:39 PM
  #3
أم روزينة
عضو نشيط جدا
 الصورة الرمزية أم روزينة
تاريخ التسجيل: Jun 2007
المشاركات: 528
أم روزينة غير متصل  
ماشاء الله تبارك الله
واضح ان كل عائلة معدن الرجولة اشخاص متميزة
__________________
لا اله الا الله
قديم 04-05-2010, 02:16 AM
  #4
luv-kiss
عضو دائم
 الصورة الرمزية luv-kiss
تاريخ التسجيل: Feb 2010
المشاركات: 56
luv-kiss غير متصل  
قمة الروعة..تسلم ايديك..
__________________
[grade="FF1493 FF4500 FF1493 FF6347 FF1493"]لا أحبك لأنك مصدر راحتي وإنما أحب راحتي لأنك مصدرها ღღ [/grade
قديم 04-05-2010, 02:21 AM
  #5
أميرةبطبعي
عضو نشيط جدا
 الصورة الرمزية أميرةبطبعي
تاريخ التسجيل: Feb 2010
المشاركات: 438
أميرةبطبعي غير متصل  
قصة ممتعه للغايه سلمت حفضك الله

التعديل الأخير تم بواسطة أميرةبطبعي ; 04-05-2010 الساعة 02:24 AM
قديم 04-05-2010, 01:11 PM
  #6
معدن الرجوله
قلب المنتدى النابض
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 2,020
معدن الرجوله غير متصل  
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة **أم الجود** مشاهدة المشاركة
قصة قصيرة جميلة جدا بلغة ادبية رائعة وتسلسل مشوق جدا

يبدو ان لديك الملكة الادبية التي بكل سهولة تستطيع ان توظفها لتنقل ما تؤمن به بكل سلاسة وسهولة وتشويق
شاكر مرورك إختي و إشادتك به
قديم 04-05-2010, 01:14 PM
  #7
معدن الرجوله
قلب المنتدى النابض
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 2,020
معدن الرجوله غير متصل  
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أم روزينة مشاهدة المشاركة
ماشاء الله تبارك الله
واضح ان كل عائلة معدن الرجولة اشخاص متميزة
أحياناً أشعر أننا نخبوييين و أحياناً نكبويين

شاكر مرورك أختي
قديم 04-05-2010, 01:16 PM
  #8
معدن الرجوله
قلب المنتدى النابض
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 2,020
معدن الرجوله غير متصل  
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة luv-kiss مشاهدة المشاركة
قمة الروعة..تسلم ايديك..
يعطيك العافية أختي و شاكر مرورك
قديم 04-05-2010, 01:17 PM
  #9
معدن الرجوله
قلب المنتدى النابض
تاريخ التسجيل: Jan 2010
المشاركات: 2,020
معدن الرجوله غير متصل  
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أميرةبطبعي مشاهدة المشاركة
قصة ممتعه للغايه سلمت حفضك الله
اليست حياتنا سوى قصص تروى

دمتي في حفظ الرحمن
قديم 04-05-2010, 06:32 PM
  #10
أمة البديع
كبار شخصيات المنتدى
 الصورة الرمزية أمة البديع
تاريخ التسجيل: Dec 2005
المشاركات: 1,737
أمة البديع غير متصل  
أخي الفاضل معدن الرجولة

ستبقى الطعمية أو الفلافل ( بلهجتنا نحن السوريين ) التي كنت آكلها منذ

عشر سنوات تقريبا عند محلات فلافل الباهر هي الألذ

وإلى الآن لم أجد فلافل بطعمة تلك التي كنت آكلها مع أبي وإخوتي عندما كنا صغارا

لا أعلم هل فعلا لم يعد هناك معلمين فلافل كالماضي

أو أن جمعة أهلي وإخوتي عندما كنا صغارا والسعادة التي كانت تحيط بنا هي التي كانت تجعلني أشعر

بلذة طعمها

أتعلم أخي لقد ربط الطفل القضية الفلسطينية بالطعمية

كما هي مربوطة في ذهني بجمعة العائلة التي بتنا نفتقدها

(كبرنا وتزوجنا ولم نعد نلتم إلا نادرا )

أشكر أخيك بالنيابة عني فلقد ذكرتني قصته بفلافل الباهر وأعادت لي أيام الطفولة الرائعة

وليبلغ الصغيرا لذي كبر بأننا جميعا كبرنا وفي أحلامنا أن نذهب لنحرر القدس

وسيأتي هذا اليوم لامحالة

وبإذن الله يكون لنا لقاء معه على الأراضي المقدسة المحررة

جزاك الله خيرا على القصة اللطيفة

واعذرني على الإطالة

دمت وأسرتك المبدعة في حفظ الرحمن

تحياتي
__________________




ياسوريا سامحينا *** والله حقك علينا
موضوع مغلق

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:52 PM.


images