لا بد أن تُعلَّم المرأة ما الذي لا يعجبك فيها متخذًا أسلوب الحكمة والرحمة والعدل ، لأن الغرض العلاج لا العناد .
ثم هل انتقلت في علاج خطأها أو إذا أردت أن تقول أخطاءها إلى الأسلوب الآخر : الهجر إذا لم ينفع أسلوب الوعظ ؟ فبعض النساء قد لا يفيد معهن الموعظة فتحتاج إلى شيء أشد عليها من الأمر الأول ألا وهو الهجر ، هجر الكلام ، هجر الفراش وهو من أشد أنواع التأديب النفسي ، فكما أن الزوج لديه رغبة في زوجته ، فكذلك الزوجة لديها رغبة في زوجها ، فإذا منعها من ذلك كان وقعه عليها أليمًا . وهنا تظهر محبتها لزوجها ، هل ستجعله يستمر في هجرها أو تنشد الصلح ؟ والصلح خير لها ولزوجها .
والله وتالله وبالله أن أكثر النساء يؤثر فيهن هذا الأسلوب ويستجبن سريعًا ، فينبغي للزوج حين هجره أن يكون صارمًا حتى يرى منها الرجوع عن الخطأ ، والاتفاق معها على عدم تكرار الخطأ التي وقعت فيه .
ثم إذا لم ينفع هذا الأسلوب مع هذه الزوجة لجأ إلى الأسلوب الآخر وهو : الضرب غير المبرح كالضرب بقضيب الأراك في يديها ، وهو المقصود منه معنوي أكثر من الحسي ، فقد كان الزوج يعانقها ويقبلها بفمه ، ويحتضنها بيديه ، ويضمها إلى صدره ، والآن صار يضربها بيده ! صورة متناقضة لتصحُ الزوجة من غفلتها .
فإذا رجعت للصواب وارعوت فلا بأس منك بل هو من صور التودد جلب الهدية لكي تأسرها بإحسانك وجميل خلقك ومعشرك الطيب .
وأذكرك أخي الزوج العزيز ألا تستخدم أسلوب بعض ضعاف الشخصية : التهديد بالطلاق ، فهذا أسلوب عقيم يزيد الأمور تعقيدًا وتأجيجًا للشر .
ومع ذلك قد تجد بعض النساء مستمرات في خطأهن فالواجب على الزوج كما قال تعالى : {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا}[النساء:35]
ولا بد من مراعاة هذه الأمور بالترتيب من الأسهل إلى الأشد ، فمن الخطأ إذا صدر منها هفوة هجرت وضربت ، فهذا خطأ كبير منك لأنه لا يحتاج إلى هذا
الأسلوب أبدًا ، بل كما أمرنا الله : موعظة ثم هجر ثم ضرب
ثم إذا لم يُجدِ ذلك لجأنا إلى التحكيم المذكور في الآية ، وهو أن يحضر كل منهما حكمًا « فينظران ما ينقم كل منهما على صاحبه ، ثم يلزمان كلا منهما ما يجب ، فإن لم يستطع أحدهما ذلك ، قنَّعا الزوج الآخر بالرضا بما تيسر من الرزق والخلق ، ومهما أمكنهما الجمع والإصلاح فلا يعدلا عنه . فإن وصلت الحال إلى أنه لا يمكن اجتماعهما وإصلاحهما إلا على وجه المعاداة والمقاطعة ومعصية الله ، ورأيا أن التفريق بينهما أصلح ، فرقا بينهما »
أخي العزيز الزوج : أذكرك بحديث عظيم يسليك فيما أنت فيه : عن جابر t قال : قال رسول الله × :
« ليودن أهل العافية يوم القيامة أن جلودهم قرضت بالمقاريض مما يرون من ثواب أهل البلاء » أخرجه الترمذي وحسنّه الألباني .
أخي العزيز الزوج : أحذرك من الاستعجال في اتخاذ قرار الانفصال من دون روية ، فهو من أصعب القرارات التي ستتخذها في حياتك .. .
هل ستنسى كل الذكريات الجميلة واللحظات السعيدة التي عشتها مع هذه الزوجة ؟ من ضحك وفرح وسرور ولهو وحب وتضحية .. .
أنا لا أقول هي لم تخطئ أبدًا ، بل أخطأت كثيرًا ، وأصابت كثيرًا .. .
قد تقول لي : لكن لم تكن هي بالتي أحلم بها . فأقول لك : لعل هذا الكلام حق ، لكن في المقابل هل هي ترى أنك لم تكن أنت تامًا بالصفات التي هي تريدها ؟ ، ولا شك أنه ما من إنسان حاز الكمال ، ففيك وفيها صفات نقص ، إذن فليرضَ كل واحد منكما بصاحبه ؛ كما قال نبيك الكريم × : « لا يَفْرَكْ مؤمنٌ مؤمنةً ، إن كره منها خلقًا رضي منها آخر »
ثم إنني أقول من زاوية أخرى : إن كان لديك أولادًا هل فكرت في مصيرهم ؟ وكيف سيكونون بعد الانفصال عن أمهم ؟ كثير من الأبناء فسدوا لعدم وجود الأبوين مع أبنائهم فالأب مشغول بعمله ، والأم مشغولة بهمها ومعيشتها ، وربما تحاول أن تجد عملًا يسليها ويكون مصدرًا تقتات منه ، وفي نفس الوقت يبعدها عن ركام مشكلاتها .
قد تقول : سوف أتزوج امرأة أخرى واشترط عليها رعاية أولادي . فأقول لك : جزاك الله خيرًا على هذه النية ، لكن هل تتصور أن هذه المرأة سوف تكون مثل أمهم الرحيمة ؟ وهل سوف يجدونها بديلًا لأمهم ؟ وهل إذا رُزقت منها أولادًا هل هي ستعدل بينهم ؟ اجعل هذا الأمر نصب عينيك وتأمله كثيرًا .. . ثم هل فكرت بعين الرحمة في مصير هذه الزوجة ؟ هل تعرف أنها ستكون عبئًا ثقيلاً على أهلها ؟ وقد رجعت إلى أهلها وهي تحمل لقب :
« مطلقة » !.
أدعو الله أن يملأ قلب كل منكما .. رضىً بالآخـر
r r r r r
ثم إذا استقر رأيك وتفكيرك على الطلاق فإني أذكرك ببعض الأحكام المهمة في ذلك من باب الذكرى :
1ـ السنة فيمن أراد أن يطلق زوجته أن يطلقها طلقة واحدة في طهرٍ لم يجامعها فيه ، ولا تُخرج الزوجة من البيت ـ ولا تسمح لها بالخروج ـ بل تبقيها فيه ؛ لعل الله I يذهب عنكما تلك المحنة العصيبة بسلام ، كما قال الله I :
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا}[الطلاق:1] نعم لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا لأن قلبك أيها الزوج بيد الله ، ومن تكرهها اليوم قد تكون أحب النساء إليك غدًا .. .
2ـ ثم اعلم أن بعد طلاقك لها الطلقة الأولى أو الثانية يجب عليك إرجاعها قبل انقضاء عدتها ، فإن انقضت العدة ولم ترجعها وجب عليك كتابة عقد جديد ودفع مهر جديد .
3ـ أما إذا طلقتها المرة الثالثة بانت منك ولا تحل لك حتى تنكح زوجًا آخر كما قال الله تعالى :
{الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ }[البقرة:229]، وقوله I :
{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ [الطلاق:2] .
4ـ إذا رأيت أن الطلاق والفراق هو الحل الأمثل على الأقل لك ، فأحسن معاملتها وفارقها بالحسنى ، وإياك والسب والشتام لها ولأهلها ، وجحدها حقها من المتاع والحلي ، وإن كانوا ظالمين في نظرك ، بل فارقها بالمعروف كما دخلتما بالمعروف ، وأوجد أحسن الحلول وتذكر قول الله تبارك وتعالى : (ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ) [ البقرة ] .
r r r r r
وأخيرًا قبل أن تقدم على موضوع الطلاق أذكرك بالاستشارة لأهل العلم والفضل والمختصين بشؤون الأسرة فقد تجد عندهم ما يطمئن ويثبت فؤادك ، ثم استخارة الله I فيما أنت عازم عليه .
وهذا أمر عظيم يتهاون به الكثير ..
كم من أناس إذا أرادوا شراء أرضٍ أو بيتٍ أو سيارةٍ .. سألوا أهل الاختصاص ، فما بالك فيما هو أعظم
وهو موضوع فراق شريكة الحياة وما يترتب عليه من تبعات وأمور مُرة توجع القلب والنفس ! .
أسال الله I أن يبصرك في فعــل الصــواب ، وأن يذهب عنك حيرتك ، وأن ييسر لك ولزوجتك الخير أينما حلت ركائبكما .
هذا ؛ وصلى الله على محمد ، والحمد لله رب العالمين
r r r r r
__________________
محمد بن محمد الجيلاني
مهتم بالكتابة حول شؤون الأسرة