صناعُ الحواجز ! - منتدى عالم الأسرة والمجتمع
logo

الملاحظات

المواضيع المنقولة قسم تنقل فيه المواضيع المكررة والمخالفة لقوانين المنتدى ويتم تنبيه الاعضاء على ذلك من خلال الموضوع ذاته

 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 05-02-2011, 07:47 PM
  #1
علي العلي911
عضو نشيط جدا
تاريخ التسجيل: Aug 2007
المشاركات: 440
علي العلي911 غير متصل  
صناعُ الحواجز !

صناعُ الحواجز !

كتبه محمد بن محمد الجيلاني


لكم هو جميل أن يكون للمرء إخوان وخلان أعزاء ، يجالسهم ويسامرهم ، وتسكن نفسه إليهم ، ويقضي وقتًا ممتعًا معهم ؛ يزيل فيه كدر وتعب أيام الأسبوع بطولها وعرضها ، ويتعاون معهم على الخير ودفع الضير ، يناقش معهم بعض قضاياهم وأحوالهم وأوضاعهم ، ويتفقد من تغيب منهم ، والسؤال عن بعضهم بعضًا بصدق وشفافية واضحة دون غبار أو قتام (1) .
يوجههم ويوجهونه في كل أمر ينوب الجميع ، فبهؤلاء الإخوة ـ حقيقة ـ تسلو الحياة ، ويمضي الإنسان
( الصادق ) قدمًا في طريقه ، لما حباه الله بهؤلاء الإخوة الصادقين الطيبين لينًا ومعشرًا فهم خير صحبة .. .
وكم مر في طيفي أقوام من المشاهير والأعلام ، بغض النظر عن وضعهم الشرعي ، وبعض الطيبين ( بله ) (2) العاديين من أمثالنا ، حرموا هذه النعمة ، وتمنوا لو كانوا ـ في قرارة أنفسهم ـ أناسًا غير مميزين ، ليجدوا من يهتم بهم ولأمرهم وذاتهم لا لجاههم ووضعهم ! .. .
حقًا إن هذه النعمة عظيمة لا يعرف قدرها إلا من فقدها وحُرمها ، وهؤلاء ـ والله ـ كم هم كثر ..
ومن نفيس كلام هشام بن عبد الملك قوله : « ما بقيَ من لذات الدنيا شيء إلا أخ أرفع مئونة التحفظ بيني وبينه » أ هـ » (3) .
قال ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا (4) :


مَـا أَكْثَـرَ الإِخْـــوَانَ حِينَ تَعُدُّهُمْ وَأَقَلَّ أَهْلَ الصِّدْقِ حِينَ تُجَرِّبُ
وَإِذَا حَسَبْتَ ذَوِي الثِّقَاتِ وَجَدْتَهُمْ بَعْدَ الْحِسَــابِ أَقَـلَّ مِمَّا تَحْسِبُ
وَإِذَا أَرَدْتَ صَـــوَابَ أَمْــرٍ مُشْكِلٍ فَتَأَنَّ أَمْــرَكَ فَالتَّـــأَنِّي أَصْوَبُ


وصدق من قال :


عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتد


وأما إذا أردنا أن نعرف أسباب ذلك فإليك بعضًا مما جال في فكري ووصل إليه عقلي ..
فتارة : 1ـ بسوء فعال هؤلاء القوم ، 2ـ وتارة بفساد نيتهم ، 3ـ وتارة لشراسة أخلاقهم ، 4ـ وتارة لتقلب مزاجهم 5ـ وتارة لكونهم أصيبوا بداء إبليس ( الكبر ) والتعالي . فهؤلاء من عنيتهم بصناع الحواجز
إن تكوين علاقة الإخوة الحقيقية الودية الوديعة ؛ تحتاج صدقًا في الإخوة ، من حيث الأقوال والأفعال ، واحترام آراء الآخرين دون أن يكون هناك نقدٌ جارحٌ لذواتهم (5) ، أو تهكمًا ببعض كلامهم ليس له موقع من الإعراب ! .
وكم سمعت عن بعض الفضلاء من علماء وفقهاء وطلاب العلم وغيرهم أن غالب أصدقائه ومن يسامرهم ، من هم دونه في العلم ، بل بعضهم من عامة الناس المنضبطين المحافظين !.
وكنت أتسأل في نفسي منذ سنين ـ حقيقة ـ ما الذي جعلهم ينزلون بأنفسهم إلى هذا المستوى ، ولا يرقون بأنفسهم إلى مجالسة ومسامرة من هم أعلى منهم علمًا وربما جاها ، حتى جاء من عند الله الجواب الذي قد غاب عن ذهني ولم أعرفه إلا من فترة غير قريبة ، بل ولمسته لمس اليد فأصبت كبد الحقيقة !.
إن الأتراب والأصدقاء على اختلاف مستوياتهم وإن تقاربت ، إذا صحَّت نيتهم وسمت نفوسهم إلى معالي الأخلاق ، فهم السادة المتربعين على القلب حقًا وصدقًا ، وهم كما قيل : ( العملة الصعبة ) في هذا الزمان فيتشبث الواحد بهم ، ويتمنى والله ألا يفرقهم إلا المنية أو الاغتراب ، رغم أنه في هذا الزمن سهل التواصل ولو من بعيد عبر شبكة الهاتف
أو الانترنت وكأننا في قرية صغيرة ! .
وكم سمعت أيضًا عن بعض أهل العلم أن لهم رفقة ليسوا من طلاب العلم لكنهم لصفاء وصدق نفوسهم كانوا من خاصتهم والأثيرين لديهم ! .
إن ( صناع الحواجز ) هم في أصلهم خلق طيب لكن تمكن منهم داء بل أدواء فأصبحوا في أحوال كثيرة مصدر قلق وإزعاج للإخوان والخلان . وليس بالضرورة أن تكون تلك الأخلاق والصفات السيئة بأكملها مجتمعة في شخص واحد ، بل توجد أحيانًا خصلة ، وأحيانًا أكثر من خصلة ، وقليل من تجتمع فيه تلك المعايب كلها .
إنني أفرق بين من ابتعد عن إخوانه لسبب ما : كأنسه بالوحدة ، أو لظروف خاصة ألمت به ، لانشغاله ، أو لجلوسه مع آخرين من أصدقائه وزملاء عمله ، وبين من ذكرنا من صناع الحواجز .
إن صناع الحواجز يقفون كحجرة عثرة بين الود الذي جعله الله جبلة بين الأصدقاء والإخوان ، فيمنعهم من التواصل معهم ويبقون في حيز ضيق بين من يتواصلون معهم اضطرارًا لا ارتياحًا كالزوجة والأولاد وبعض زملاء عملهم وعمالهم ومن له مصلحة عندهم فحسب !.
ولنقف ـ بصدق ـ مع كل صنف من هؤلاء لنستبين حقيقة الأمر.
1ـ سوء أفعالهم : وكم عرفت في بعضهم غموضًا في الشخصية ، هجومي مندفع بلا روية ، بل متهور في الكلام ، يفهم الكلام على غير مقصده ويلقى بالكلام على عواهنه كيفما اتفق ، لا يبالى بشعور الآخرين ، إنما يقول ما يوافق هواه ، فمَن مِن الناس يحتمل هذا ؟ ومن سيضطر يدافع عن نفسه أمام شخصٍ لا يشعر في قرارة نفسه أنه مخطئ ؟! ، لذا سيضطر أكثر الناس إلى الابتعاد عنه ، أو هو سيبتعد من تلقاء نفسه إذا رأى الناس تنفر منه !.
ومن هذا الصنف أيضًا من يظهر الود لأصدقائه وأترابه ، ويبالغ فيه أيما مبالغة تخرجه في كثير من الأحيان عن الاعتدال ، فإذا ما حصلت فجوة لأي سبب كان مع أ حد أعز خلانه ، أنقلب له عدوًا لدودًا وكأنه لم تكن بينهما مودة من قبل ! . عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « أحبب حبيبك هونًا ما ، عسى أن يكون بغيضك يومًا ما ، وأبغض بغيضك هونا ما ، عسى أن يكون حبيبك هونًا ما » (6) .
وعن أسلم ، عن عمر رضي الله عنه قال: « لا يكن حبك كلفًا ولا يكن بغضك تلفًا » (7) [ فقلت : كيف ذاك ؟ قال : « إذا أحببت كَلِفْتَ كلـف الصبي(8) ، وإذا أبَغضت أحببَتَ لصاحبك التِّلف » . ] (9) .
2ـ المزاجية المتقلبة : وهذا الصنف من أعجب الأصناف لأنه لا يثبت على حال ، فتارة تجده مرحًا مسرورًا ، بل ربما كان مزحه شديدًا يؤذي الآخرين ، وتارة تجده غاضبًا مغمومًا فينتشر الغم بين من يجالسهم لغمه وفساد مزاجه ! ، وتارة غريب الأطوار لا يتحمل كلمة ، وهو من رمى غيره بوابل لسعه ! .
فيرى أصحابه أن البعد منه غنيمة وأن أحسن أحوالهم « فر من المجذوم فرارك من الأسد » !.
3ـ شراسة الأخلاق : وهذه الشراسة إما طبع جُبل عليه ، أو صفة اكتسبها من بعض لا خلاق له سواء من أصدقائه أو زملائه أو حتى إخوانه وأقاربه أو ربما والديه ! .
يقول الشيخ عبد الكريم بكار ـ حفظه الله ـ : « إن كثيرًا ممن تُمارس الخشونة في تربيتهم ، تنشأ في نفوسهم أحقاد دفينة ، وتميل طبيعتهم إلى القسوة ، ويظهرون قدرًا أقل من التسامح مع المخالفين ، ومع الأفكار المباينة لأفكارهم ، ولذلك فإن المربي حين يقسو على من يربيه يترك آثارًا سلبية بعيد المدى » (10) .
إنا التعامل مع الإخوة الشرسين أمر في بالغ الصعوبة حيث لا يرغب أكثر في شخص لا يظهر أي تسامح معهم ، ولذا تجد هؤلاء الشرسين مساكين لا يجالسون إلا القلة اضطرارًا أو من كان عنده قوة تحمل فضاضتهم وثقلهم ، مع العلم أن منهم متميزون في عبادتهم وعملهم وصدقهم .
إن التعامل مع هذا القسم يحتاج إلى حكمة وصبر وتذكير بالتي أحسن حتى تدخل في قلوبهم مع التوضيح أن الأمر ليس بالأمر السهل فلا يصلح لكل أحد .
4ـ الكبر والتعالي : وهذه صفة مذمومة تسربت عند الكثيرين شعروا أو لم يشعروا ، يرون لأنفسهم على الناس درجة ، وهم المقدمون وغيرهم المؤخرون ، يتكلمون برسمية دون عفوية حتى لا تنزل من قيمتهم زعموا .
فالواحد منهم لا يجالس إخوانه إلا بعد شفاعات وواسطات ، مما يجعل الجميع يتحفظ معه من أجل زيادة احترامه ووقاره زعم ، وما درى المسكين أن ذلك سمة الوضعاء لا الشرفاء ، وأن سمة الوقار المتكلف لا تبقى بل تذهب أدراج الرياح !.
إن الذي ينأى بنفسه عن إخوانه الصالحين من سيجالس ؟ أنا لا أقول له امضي وقتك كله مع من ضيع وقته ، لكن تحتاج بين فينة وأخرى إلى تغير جو لترتاح فيه ، فإذا لم يكن للإنسان إخوة يكون معهم فإلى من سيذهب ؟.
حتى هذا الصنف من الناس غير مرغوب التواصل معه إلا لمن كان له عنده حاجة .
5ـ فساد النية : وهذا القسم قليل بالنسبة لبقية الأسباب لكنه ـ مع الأسف ـ موجود حتى في محيط المتدينين المستقيمين ؛
يماشي الناس ويضحك معهم فإذا انتهى غرضه ولى مدبرًا ولم يعقب .
لماذا هذا الخلق المشئوم والطبع اللؤوم في بعض خلق الله ؟ فوالله من كان هذا حاله فإن القلوب تمجه ولا تحبه .
يا هذا .. ما هكذا يا سعد تورد الإبل ، لا زال الناس بخير وثق بقول من قال : « كم تدين تدان » فأحسن إلى الناس وعاملهم بخلق سيد ولد آدم وكن كما قال صلى الله عليه وسلم : « أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على مسلم أو يكشف عنه كربة أو يقضي عنه دينا أو يطرد عنه جوعا ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد ( يعني : مسجد المدينة ) شهرا ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له ؛ أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام وإن سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل »
ما أعظمها من صفات المسلم الحق الذي يعرف الخير ويدفع الضير .
وفي نهاية كلمتي هذه التي أتت على طي صفتها ؛ أذكر ببعض الأمور التي ننساها أو نتناسها أحيانًا كلنا أو جلنا أو بعضنا ـ إن أردت إحسان الظن متفائلًا لا متشائمًا ـ إلا من رحم الله .. .
1ـ لا إفراط ولا تفريط في المزح ، فالأول ينقلب من الحب إلى الكراهية والعداوة ، والثاني يجلب الجفوة ويصنع بدلًا عنها التصنع والتكبر والتلبس بما ليس بطبيعة الإنسان .
2ـ عدم التندر بفلان وعلان وجعله فاكهة المجلس فيأكل في نفسه ، ويفضل أنسه بوحدته ، وربما جفا إخوانه وهم أرادوا إدخال السرور عليه لإكثارهم من الضحك عليه ! .
3ـ لا يخلط المزح والهزل بالجد ، واحترام ما يقوله الأخ لأخيه حتى لا يكون هناك جرح للشعور .
4ـ أصبحت صفة وسمة مجالسنا الإكثار في أمور كنا قديمًا نتنزه عنها والآن صارت فاكهة مجالسنا من ذكر ما يسوء من أمر الفروج والبطون فضلًا عن كلام إن لم ينفع لم يضر . هذا ما تيسر ذكره ، والله أسال للجميع التوفيق والسداد .
كتبه /محمد بن محمد الجيلاني .
حرر في 27/12/1431هـ
الحواشي :
1ـ في المعجم الوسيط : « ( القتام ) الغبار الأسود ، يقال : ارتفع القتام حتى خفيت الأعلام » .
2ـ [ بله : بمعنى : دعك من ، أو فضلًا عن . وفي المعجم الوسيط : « ( بله ) اسم فعل بمعنى دع ويكون ما بعدها منصوبًا ، ومصدر ويكون ما بعدها مجرورًا ، أو بمعنى كيف ويكون ما بعدها مرفوعًا » . وقال ابن الأثير : « بمعنى دَعْ واتْرك » ]

محاضرات إسلامية لمحمد الخضر حسين (125-136) ونقلها العلامة بكر بن عبد الله أو زيد : في كتابه الفذ حلية طلب العلم .
المجالسة وجواهر العلم لأبي بكر الدينوري : (7/173) .
أما نقد الآراء فهذا أمر لا مندوحة فيه شريطة أن يكون على علم وأدب ؛ بل هو من قوة الإخوة والصدق فيها ، فلذا ينبغي للناقد أن يتذكر أن قصده هو النصح لا فرض العضلات والآراء .

أخرجه الترمذي ( 6/123/2065 تحفة ) وقال : « هذا حديث غريب لا نعرفه بهذا الإسناد إلا من هذا الوجه . وقد روي هذا الحديث عن أيوب بإسناد غير هذا ، رواه الحسن بي أبي جعفر وهو حديث ضعيف أيضًا بإسناد له عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم . والصحيح هذا عن علي موقوف » . وإلى هذا ذهب كثير من أهل العلم ترجيح الوقف لا الرفع ، وجود العلامة الألباني : إسناده مرفوعًا كما في ( غاية المرام ) 273/472 ، وحسن لغيره موقوفًا على علي رضي الله عنه ، والله تعالى أعلم بالصواب .
نقلًا من ( فيض القدير ) للمناوي 1/228ـ 229 .

من ( الكَلَف ) وهو ولوع بالشيء مع شغل قلب .
رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه العلامة الألباني : 501/933 .
10ـ من رسالة أرسلها جوال تدبر .



* * *
__________________
محمد بن محمد الجيلاني
مهتم بالكتابة حول شؤون الأسرة

التعديل الأخير تم بواسطة علي العلي911 ; 05-02-2011 الساعة 07:49 PM
قديم 06-02-2011, 03:32 PM
  #2
مُنتهـى
كبار شخصيات المنتدى
 الصورة الرمزية مُنتهـى
تاريخ التسجيل: Apr 2009
المشاركات: 1,629
مُنتهـى غير متصل  
عذرا يمنع المنتدى نقل المواضيع




ينقل الى مقص الرقيب


.. الإشراف ..
__________________
[IMG]http://im2.***********/2011-03-17/1300376250161.gif[/IMG]

طـريقك الشخصي الى الحمـل (1) (2)
 

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] معطلة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:25 AM.


images