قصة للمتزوجين " مارأيكم بها " ؟ - منتدى عالم الأسرة والمجتمع
logo

الملاحظات

المواضيع المنقولة قسم تنقل فيه المواضيع المكررة والمخالفة لقوانين المنتدى ويتم تنبيه الاعضاء على ذلك من خلال الموضوع ذاته

 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 16-08-2011, 11:47 PM
  #1
زهوووور الريف
عضو جديد
تاريخ التسجيل: Mar 2011
المشاركات: 47
زهوووور الريف غير متصل  
قصة للمتزوجين " مارأيكم بها " ؟

أثناء بحثي في النت عثرت على هذه القصة فأعجبني فيها بعض المواقف
وأحب أن أعرف آراءكم بها لنستفيد جميعا ..

_________________



قصتنا هذه حوت بصدرها عدة قصص تعرض جوانبَ مضيئة برّاقة... من حياة السيد محمد أمين... ومشاهدَ رائعةً من سلوكيته الذكية في البيت...

لنتابع هذه الحلقة مستمتعين مستفيدين سوياً برفقتكم...

إطلالة:

ذاك الزمان... زمان الطيب... والإنسانية وإن صحَّ لي التعبير دعوني أقول زمن الدراويش... فيه سرت تعاليم الدين الإسلامي فطبَّقها الناس رغبة ورهبة حتى ولو لم يعرفوا حكمتها، لكنهم طبَّقوها، فلا مكر وكاد ينعدم الخداع والغش وعاش الناس آمنين مطمئنين حياة البساطة والبسطاء، على مبدأ من يقول:

(من قلَّدَ عالماً لقي الله سالماً)... فلا سفور... ولا فسوق... ولا خروج عن حدود الله، بل سار الناس ضمن أوامر الله مقلِّدين تقليداً.

كان بذاك الزمن رجال أطلق عليهم تسمية (المجاذيب) أولئك الذين فُقدُوا بتاتاً بهذا الزمان زمن المكر والغش... زمن الخداع والبعد عن الله: إذ كلُّ جذْب بهذا الزمان إنما هو جذب شيطاني.

عود على بدء ( بشارة)!!

بينما كانت تلك المرأة تسير مثلها مثل بقية النساء في جلبابٍ أسود غطَّاها من رأسها لقدمها مرَّ بجانبها (مجذوب) في طريقها وهي حامل في أشهرها الأخيرة، فانفتل إليها ثم أردفها ضربةً... براحة يده على ظهرها وصرخ بصوت عالٍ:

معك وليٌ كبير... كبير... كبير...

وتابع ركضه مسرعاً يصيحُ بأعلى صوته وهو مشدوه من مشاهد غيبيّة هو يراها وثابر يصرخ: كبير... كبير... كبير... كبير.

سمعت نساءُ الحي بقصتها وبالبشارة... فأتينها مهنئات بهذه البشارة. إذ إن مثل هذا (المجذوب) وكان يُدعى ابن عابدين لا يكذب، بل إن الملَكَ ينطقُ بلسانه. كل الناس يعرفون ذلك ومؤمنون به. (وهذا ما سبق عَرضُه بالتفصيل).

وما أن هلَّ شهرها التاسع حتى وضعته... غلاماً زكياً... جماله فتَّان لا مثيل له... ذلك اليوم كان مولد العلاَّمة الكبير السيد محمد أمين الإنسان الطاهر.

ذكاء أم إلهام:

نشأ الطفل في أحضان أمه وأبيه، وكانت تصدر عنه تصرُّفات عجيبة مدهشة، فهو يتألَّق حيويَّةً ونشاطاً ويفيض خفةً وذكاء... حديثه... لطيف جميل جذَّاب حتى إنه وذات مرة بهذا الحديث اللطيف وبحركاته الذكية الحلوة أنام سايس الخيل ليُخرج الفرس الممنوع من ركوبها من قبل والده، إذ لا يزال في السن صغيراً... تعرفون قصته هذه.

وبسنٍ أصغر ذهب للإسطبل ليلاً ليجتمع بالجنِّيةِ التي سمع بها ويطرح عليها أمنيته... تعرفون ماذا كانت أمنيته؟ كان سيفرض على الجنيةِ أن تجمع له ملوك الأرض ليطرح عليهم الإسلام!!

احتار والده بأمره فأي طفل هذا الطفل؟! فازداد حباً وهياماً به وكذلك والدته.

خرج ذات يوم من غرفة والده بمنظر عجيب لفتَ نظرَ جميع الحضور لهذا الطفل ذي السنوات الثلاث...

تُرى ماذا شاهدوا حتى التفتوا إليه بذهول واستغراب!؟

لقد رأوْهُ وقد لفَّ على رأسه قطعة قماشٍ بيضاء فظهرت (كلَفَّةِ) علماء الدين ثم أتبع فوقها قبَّعة (عسكرية) كانت لأخيه سليم وبيده عصا...

قالوا له هذا لا يمكن أن يكون... الإثنان لا يجتمعان عالم دين وضابط، (عالم ودركي)!!

اليتيم:

عاش الطفل الرائع يوماً بعد يوم يزدان تألُّقاً وحياة ويزداد ذكاء وعبقرية تبدو منه أمورٌ وتصرُّفات وكأنها تصدر عن رجل ناضج خبير وأمور أخرى لم تَدْر أمه سرَّها.

فبعد أن انطفأت شمعة حياة (الوالد) الرجل الطيِّب ورحل مودِّعاً الدنيا بما فيها إلى الأبد، وما هي إلا مدَّةٌ من الزمن حتى شبَّ الأخ الكبير (سليم) ورحل إلى استنبول حيث مقر عمله فتزوج هناك من ابنة وزير الخارجية للامبراطورية التركية وبقي ذاك الطفل الرائع الشاغل الوحيد لوالدته... قلبها معلَّق به فهو وحيدها الأوحد وما لها سواه في البيت... يخرج للحي يحمل بيده جنزيراً (زرد حديد) يسوق أولاد الحي أمامه صاغرين خاضعين... كالشبل بينهم بصولته وجولته يسيطر بشجاعته وذكائه عليهم أجمعين... وآخرين منهم جذبتهم إليه لطيف معاملته وعطاؤه فباتوا له مقدِّرين خاضعين...

أما الأم فتخاف عليه وتبقى مشغولة البال طيلة غيابه عن البيت. فهو اليتيم الوحيد، وما من أحد ليدافع عنه إن دخل بشجارٍ وعراك أو اعتدى عليه أحد... (هكذا ظنُّها) فهي امرأة محجَّبة بجلبابها الذي يغطِّي وجهها كمثيلاتها من نساء ذاك العصر، لذلك لا تستطيع الخروج لتدفع عنه الشرور.

ولعلَّ صدقه العظيم ما جعل منه أسداً على أقرانه (الأولاد) كافَّةً، وهذا الانشغال والخوف عليه زادها تعلُّقاً به وميلاً إليه... فما أن ينتهي من اللعب حتى يعود للبيت فيتسلق جدار المنزل الذي كان ولا زال مشيَّداً (بحي الورد) بعلوِّ عدة أمتار ثم ينام على ظهر الجدار المرتفع!! فتصرخ الأم خائفة مرعوبة... أي عمل هذا يا ولدي!! أرجوك انزل... تعالَ...

تَتَلوَّع عليه خوفاً وتزدَاد له حبّاً وروحها به تتعلَّق أكثر... فأكثر... كيف لا وبأقلِّ حركةٍ قد يهوي من هذا الارتفاع الكبير، وإن حصل هذا لا سمح الله فلا بدَّ من الموت... عندها سيتركها للوحدة الموحشة... تترجَّاه... تتوسل إليه بأن ينزل... فلا مجيب، لقد نام قرير العين... تثور ثورتها وتقول:

قال لي المجذوب بأنه سيأتيني ولي كبير... ولكني أراه بهلواناً لا وليّاً.

لقد ملأ عليها حياتها بحركاته وحيويته الفائقة التي تطفح بالبشرِ والهناء والسرور...

حقّاً لقد كان مالئ الدنيا حوله وشاغل الناس...

رضاعة وعلاقة؟

قال تعالى: {...وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ...} سورة لقمان (14).

السنتين تكفي لأن يصبح جسم المولود قادراً على الاعتماد على المأكولات... فحليب هاتين السنتين فيه كافة العناصر والمركَّبات الضرورية لبناء جسم الرضيع حيث يصبح قادراً على هضم وتمثل المأكولات المناسبة له بأسنان الرضاع، ومن جهة ثانية فهاتان السنتان من الرضاعة كافية لإقامة علائق المودة والحنان بين الأم وابنها.

فبهذه المدَّة تتوثَّق الروابط النفسية... من رحمة... وحنان... ومحبة بين الطرفين وذلك ما يريده الله تعالى.

وإن رضاع ما بعد السنتين تتوقف الفائدة للتركيب الجسدي والبنيوي نوعاً ما وتنمو الروابط وعلائق المودة القلبية (بين الأم وابنها)، إذ تزداد تعلُّقاً وحبّاً به... ويزداد هو حبّاً ووفاء لها ورحمة بها... فالله تعالى وضع قانوناً عاماً مدة سنتين لجسد الابن وذلك كاف لبنائه الجسمي.

أما السيد محمد أمين... بما أنه اليتيم الوحيد فقد بقي يرضع من والدته حتى أصبح بسنواته الثمانيَ... كان يأتي من المدرسة فيرمي محفظته ويركض إلى والدته ليرضع ثديها... فزادت به حبّاً وهياماً... وله تعلّقاً أكثر... فأكثر...

زواج مبارك وتدبير ذكي:

وما أن شبَّ السيد محمد أمين... ورأته أمه وقد أصبح شاباً يافعاً حتى زادت به حبّاً وتعلُّقاً... فَما لها بالحياة سواه تتمنّى أن تحل بها أمراض الدنيا ولا تصيبه شوكة في قدمه.

وكأي أم وخصوصاً إن كان ابنها وحيداً تحب أن تفرح به وتُزوجه، ولا يخفى على الجميع الغيرة الطبيعية التي تنشأ بين الأم وزوجة ابنها، ولا بدَّ أن الجميع لاحظَ ذلك.

فالعادة أن تكون الأم متشوِّقة... وعندها طلب كبير ليتزوج ابنها... وخصوصاً عندما يكون الذي ستزوجه هو ابنها الفريد ووحيدها... وإن قال لها غداً يا أمي ستنشأ الخلافات والصراعات بينك وبينها، فلماذا تستعجلين هذا الأمر تقول:

أضعها في قلبي... أو... فوق رأسي... (لها صدر البيت ولي العتبة)... لا عليك أنت يا حبيبـي... فلا تحسب هذا الحساب أبداً... ودعه من فكرك.

وما أن يتزوج حتى تنشأ الخلافات والصراعات (الطبيعية) وذلك ليس بيدها فهي تتمنّى أن لا يكون... ولكن لا تجد نفسها إلا معادية... وبسبب الغيرة تحمل على زوجة ابنها.

أما تأويل هذه الظاهرة فهو أن الأم تحسُّ في قرارة نفسها وتظنُّ أن ابنها فُقِدَ من يدها... فهي التي تحبّه أكثر من زوجته... وتأتي زوجته الغريبة فتسرقه منها؟‍!! هذا الإحساس والشعور يُنشئ في نفسها غيرة... فعداوة للزوجة، وتقف لها كندّ دائماً بالمرصاد... وتنشأ الخلافات...

جاءت الأم لابنها الشاب السيد محمد أمين... معيلها الوحيد في الحياة... ونور عينها وقالت: يا روح قلبي... يا أملي... يا مناي... يا رجائي... أريد أن أفرح بك وأزوِّجك... أريد أن أرى (كتاكيتك) صغارك قبل انتقالي من هذه الحياة الفانية.

عند ذلك... استجاب لرغبتها (فالأمر لا بدَّ منه):

أمي... لَكِ ما تريدين، فما لي بالدنيا سواك (يا حنونة قلبي).

ثم انحنى ليقبِّل يدها.

فقالت له... ودموعها تنهمر كالمطر الغزير من شدة الفرح... إذ ستفرح به عمّا قريب، فخاطبته قائلةً: الله يرضى عليك يا عيوني... يا قلب أمك.

وما هي إلا مدة من الزمن حتى تمَّ الاختيار المناسب لشريكة الحياة وجرت الأمور اللازمة، ثم وبعد نهاية مراسيم الزواج المبارك أحضروا العروس وكان الزفاف... انفضَّ الأحباب والأصحاب.

ودخلت الأم (السعيدة بزواج ابنها)... غرفتها تكاد تطير فرحاً فلقد زوَّجت أملها... وحبيبها... ونور حياتها... وكانت قد أدخلت الزوجة الجديدة لغرفتها الجديدة... المفروشة بالفرش والأثاث الجديد مُباركةً لها بألطف وأعذب الكلام...

أما السيد محمد أمين ذلك المُلهم الذي يطفح بشراً ويتوقَّدُ ذكاءً نيِّراً... فقد خالف العادة والقانون فلم يدخل كأي زوج جديد... على زوجته... بل ذهب لغرفة والدته... فتح الباب... ودخل لا تبدو عليه أية فرحة وسرور بهذا الزواج.

نظرت إليه والدته مستغربة مستفسرة: ابني حبيبـي لماذا أتيت إلى هنا... تركت (محبوبتك) زوجتك وجئت لعندي؟ فهل تريد شيئاً؟

قال السيد محمد أمين: لا يا أمي، ولكني أحب أن أجلس معك لا أفارقك...

ردَّت الأم: لا يا بني... هذا لا يجوز... تترك زوجتك وبهذه الليلة؟! هيا انهض واذهب إليها...

فردَّ السيد محمد أمين: لن أذهب لها يا أمي لن أذهب... فأنا لا أريدها... رائحتها نتنة... قذرة... لا أريدها... لا أريد أحداً من هذه الدنيا سواك يا غاليتي... أريدك أنت فقط... ولا أريد بديلاً عنك...

فقالت وهي خائفة من كلام الناس: فماذا سيتكلَّم عنَّا الناس؟ فهل بنات الناس لعبة نلعب بها!

قالت والخوف قد بدا على وجهها: ابني حبيبـي... يا نور عيوني قد طفح الكيل... فماذا سيتكلَّم الناس بحقِّنا إزاء هذا التصرُّف... يا ابني الله يرضى عليك اذهب لزوجتك وغداً تعال عندي...

ردَّ عليها السيد محمد أمين: لا يا أمي لن أذهب لها فأنا لا أحبُّها... لا أحبُّ بهذه الدنيا سواكِ يا أمي الحبيبة.

صمتت إذ رأت أن لا جدوى من النقاش... ثم نهضت فتناولت يده تشدُّه للأعلى... فنهض وما أن نهض حتى وضعت راحتيها على كتفيه تدفعه للباب... فقاومها مُظهراً بأنه لا يريد الخروج من غرفتها... فثابرت على دفعه وقاومها حتى أخرجته من الباب... وحاولت إغلاقه بكل ما أوتيت من قوة، أظهر بأنه لن يستسلم واستمر مقاوماً... يدفع الباب محاولاً العودة... وهكذا... وأخيراً استطاعت أن تُغلق الباب وتوصده... وبقي السيد محمد أمين على الباب... يدقُّه ويطلب راجياً بأن تفتح له الباب فأبت... عندها غادر لغرفته الجديدة...

ضابطنا الشجاع الذي هدَّ... عروش الإجرام والباطل... فصرعهم وغلبهم الواحد تلو الآخر... أمهُ تغلبه وتُخرجه خارج الغرفة!!

بهذا التصرُّف الحكيم الذي كرَّره لعدَّة أيام متواصلة جعل أمَّه تشعر في قرارة نفسها أن ابنها لها... لم ولن تستطيع الزائرة الجديدة... (أي زوجته) أن تسرق قلبه منها... فهو لا يحب بالدنيا سوى أمه... وبذلك لم ينشأ ذلك الشعور المُعاكس الطبيعي... وبالتالي لم تظهر الغيرة... ولا الخلافات...

جانب اللوازم والألبسة:

ومرَّت الأيام وانقضت بتخطيط ذكي لكل شاردة وواردة ليتحاشى أي موقف لا تُحمد عقباه بين أمّه وزوجته... لإدراكه الحقّ بأن ما وراء الشجار إلا التعاسة... والكآبة... والأحزان وبالوفاق والمحبة أمان... وسعادة... واطمئنان... والسيد محمد أمين لا يحب الشقاء لأحد، بل يريد الكل أن يرفل بثياب السعادة... والهناء.

ولكي يزيد من هذه المحبّة التي أنشأها بتخطيطه المُحكم وتدبيره العبقري... ولكي لا تتخللها الغيرة، غيرة أمه (الطبيعية) عليه من زوجته فتفسدها... شرع إلى تنفيذ مخطّطه الرئيسي الثاني فبادر إلى السوق واشترى لأمه من جميل الألبسة واللوازم وغيرها وعاد بحقيبة من هذه المشتريات... فدخل البيت على حين غفلة من أهله ودخل إلى غرفة والدته ليتحفها بما اشترى لها من هدايا... سُرَّت الأم كثيراً... كثيراً وطارت حبّاً وفرحاً بما قدَّم لها... وعلمت كم هي غالية على قلب ابنها الحبيب...

ولكن وبعد لحظات وما أن صحت من سعادتها وفرحتها حتى سألته:

ابني... وزوجتك أَمَا اشتريت لها؟

ردَّ السيد محمد أمين عليها: أمي... غاليتي... حبيبتي المُهم أنت يا أغلى الغوالي... وأعز أم في الدنيا، أمَّا هي... فأنا لا أحبّها رائحتها مقرفة فهي وشأنها.

وما أن خرج من غرفة أمّه حتى أسرع لزوجته ليعطيها نقوداً قائلاً لها:

خذي هذه النقود وأوصي والدتك لتشتري لك ما يلزم من أغراض ولوازم...

عندها... طار قلبها فرحاً وسروراً بما قدَّم لها وباهتمامه البالغ بها... فهذا ما تريده... إذ أمها هي التي ستشتري لها لوازمها.

وفي اليوم الثاني خرجت الأم... من غرفتها تراقب الوضع... فلم تلاحظ على زوجة ابنها أية قطعة جديدة من ثياب (أرواب) أو غيرها... حتى إنَّ حذاءها لم يتغيَّر فهو القديم ولا جديد... على الساحة أبداً... فمضى اليومان والثلاثة وما من جديد... عندها أدركت الأم بأنه لم يشترِ لزوجته شيئاً... فثارت عاطفتها وشعرت برحمة كبيرة في قلبها على تلك المسكينة المظلومة (زوجة ابنها).

قالت بنفسها: أنا أنعم بكل جديد وجميل؟ وتلك المسكينة ما تزال بالقديم ولا قطعة لباس جديدة! ولا غيرها... مسكينة.

عندها أسرعت لابنها السيد محمد أمين حزينة وقلبها ممتلئٌ بالحبِّ والحزنِ على زوجته، ثم قالت: يا ابني هذه ابنة الناس فلا يجوز لك أن تتصرَّف معها هكذا تحرمها من كل جديد... لا... لا... لا يا ولدي الغالي... الله يرضى عليك اشتري لها ما يلزمها...

ردَّ عليها السيد محمد أمين بلطف: المهم أنت يا ست الحبايب... يا أمي الغالية فدعيها وهي وشأنها... فهي لا تستحق شيئاً، أنا لا أحبها رائحتها مقرفة...

فسألته: إذن لِمَ تزوجتها؟ فلم يُجِبْ.

ولم تمضِ إلاَّ أيامٌ قلائل... حتى ذهبت الزوجة إلى بيت أهلها وأوصت أمها لتشتري لها ما يلزمها من ألبسة وأغراض... وأعطتها المال.

هنالك وعدتها أمها بأنها ستأتيها بما ستشتريه غداً بعد العصر.

عادت الزوجة لبيتها بعد أن أنهت زيارتها لأمها... سألها إنساننا الرحيم السيد محمد أمين: هل أوصيت أمك باللوازم... والأغراض؟

قالت: نعم...

قال: ومتى ستحضرهنَّ لك؟

قالت: غداً بعد العصر.

وفي اليوم الثاني وقبل الموعد بقليل دَخَلَ السيد محمد أمين لغرفة والدته... فجلس معها... وما هي إلاَّ برهة من الزمن حتى قُرع الباب... فقال لوالدته:

تُرى... من على الباب؟

نهضت الأم قائلةً: سأذهب وأستطلع... أما الزوجة فخرجت مُسرعة لمعرفتها بقدوم أمّها الآن... فهذا موعدهن.

فتحت الباب واستقبلت أمَّها التي تحمل صرَّةً كبيرة من الأغراض... وعندما أطلَّت الوالدة من شرفة الدور الثاني المطلَّة على أرضِ الديار العربي... فشاهدت زوجة ابنها وأمها التي تحمل لها صرَّة كبيرة من اللوازم من الثياب... عندها عادت لابنها (الذي يعرف من أتى)، وقالت له:

إنها امرأة عمِّك... وقد أحضرت لابنتها صُرّةً من الثياب الضرورية... وضمناً كانت فرحة لأن ذلك يوفِّر المال على ابنها.

هنالك وما أن سمع ذلك حتى انتفض منزعجاً غاضباً لهذا الأمر قائلاً:

هل نحن بحاجتهم حتى يُحضروا لنا ذلك! وهمَّ غاضباً يريد النزول لهن ليُوبِّخهنَّ على هذا العمل ويكيل لهم الشتائم ويطردها من البيت... فأمسكتْه... ممانعةً قائلةً:

بنيَّ أنت لا تحضر لها لوازمها، وفوق كل ذلك لا تريدهم أن يأتوا لها بلوازمها وأغراضها... فهل هذا معقول منك يا بني!؟

عندها هدأت ثورته وعاد ليجلس غاضباً.

لقد أصبحت أمُّه من أشدِّ المناصرين والمحبِّين لزوجته المظلومة بنظرها وبما أثار بقلبها من رحمة وعطف وحنان بتصرُّفاته الإنسانية الذكية هذه والتي كرَّرها مراراً بوجوه مختلفة... وبذلك لم يسمح للغيرة بالنشوء، بل أنشأ علائق رحمة ومحبة، وحنان... انعكست بأفضل معاملة عاملتها لزوجة ابنها التي رأت ذلك... وشعرت بعظيم لطفها ومحبتها لها فبادلتها بمعاملة راقية لطيفة طافحة بالحبِّ... وبهذا كانت تزداد علاقة المحبة والتآلف والتراحم بين الاثنتين فلا تظهر إلاَّ علاقة أم بابنتها الوحيدة...

من جهة الطعام:

ذات يوم ذهب للسوق وأحضر (2) كغ لحمة مشوية ثم قسمها قسمين... كيلو غلَّفه بمفرده لأمِّه والباقي على صينيةٍ مزدان بالمقبلات واللبن يحمله خادم المطعم الصغير.

دخل المنزل وقت الغداء... فأمُّه بغرفتها (وقت الظهيرة) وزوجتُه بغرفتها فأعطى زوجته حصَّتها. وقال لها:

أحضري بعض النواشف من زيتون وزعتر وزيت وما شابهه مما في البيت وضعيه تحت السرير... فإن شعرتِ بقدوم والدتي فأخفي اللحمة والمقبِّلات واللبن تحت السرير، واسحبي المائدة البسيطة (من زيتون وغيره...) وأظهري لها بأنك تأكلين هذه المأكولات البسيطة...

أجابت زوجته: كما تريد، أيها العزيز.

ثم دخل غرفة والدته فسلَّم عليها وقبَّل يدها وقال لها: هيا يا أمي لنأكل معاً... فقد أحضرت لك لحمةً مشوية ومقبِّلات.

نهضت الأم فرأت مائدة شهية وجلسا على الطعام لكنها تذكَّرتْ قائلة: أينَ زوجتك يا ولدي ألا تناديها لتُشاركنا هي وابنها الصغير!

فردَّ السيد محمد أمين: دعيها وشأنها يا أمي فالمهم أنت...

ردَّت: ولكن يا بني ماذا ستأكل هي...

قال السيد محمد أمين: لتأكل ما تشاء من البيت وما فيه...

قالت الأم: لا يا بني لا يجوز أن تعمل هكذا بِبنت الناس... فما أجاب، بل أكلا سوياً... ثم تركته ونهضت ذاهبةً لغرفة زوجة ابنها... وما أن شعرت الزوجة بقدوم والدة زوجها... حتى دفعت بصينية اللحمة تحت السرير وسحبت المائدة البسيطة لتأكل منها...

فتحت الأم الباب ونظرت فرأت تلك (المسكينة)... تأكل الزيت والزيتون... عندها ثارت مشاعر الرحمة بقلبها... والعطف... فأغلقت الباب بهدوء عائدة... حزينة... متألمة لوضع هذه المسكينة... فهل هذا يجوز أن آكل اللحمة المشوية من تلك السفرة الفاخرة... بما فيها من فواكه ومقبِّلات... وتلك الكنة المسكينة مقتصرة على الزعتر والزيت والزيتون!

قالت لابنها: لا يجوز هذا يا ولدي... والله لا يجوز أن تحرم زوجتك المسكينة... قالتها وقد فاض قلبها بمشاعر كبيرة من الرحمة والحب لزوجة ابنها التي أصبحت بمثابة ابنتها الوحيدة بفضل تدبيرات ابنها الحكيم ذي القلب الرحيم السيد محمد أمين.

هنا زاد يقينها أن ابنها لم تسرق زوجته قلبه منها فهو لأمه... ولا يحبُّ سواها... بل إنه لشدة محبته لها يحرم زوجته ويظلمها... وحسْبُها أن هذا لا يجوز... فتثور مدافعة عنها بمواقع كثيرة وعديدة... وهذا دائماً ما يفعله السيد محمد أمين بتدبيراته الإنسانية.

وهذا غيض من فيض من أمثالِ ذلك التصرُّف الرائع ذي النتائج المدهشة... حتى جعل العلاقة بين الاثنتين علاقة أم بابنتها، وعلاقة ابنة بأمِّها... فسادت المحبة والرحمة بينهن... وظهرت بمعاملة لطيفة ودِّية راقية بين الاثنتين وعاشتا متآلفتين بغاية السعادة لا ينغِّص حياتهنَّ منغِّص... فلا خلاف ولا نزاع... إلا ذاك النزاع الذي وقع من قبل ولم يتكرَّر:

في إحدى المرَّات تدخَّلت الوالدة المسنَّة في أمور لا تعنيها... هذا لا يجوز... وذاك لا يجوز... ثم أفرطت بالتدخُّل، أما الزوجة المسكينة فصبرت وصبرت... حتى ضاقت ذرعاً بصبرها... لقد (طفح الكيل) ولم تعد تحتمل من امرأة عمّها تدخُّلها فردَّت عليها محاولة ثنيها عن تدخلها:

مالَكِ ومالي يا حماتي... اتركيني وشأني أرجوك... من أجل الله اتركيني... ومن كلمة لأخرى زادت الأمور حدّةً والمشكلة عقدةً... رجل البيت غائب فما يزال بدوامه اليومي وما من أحد يحول بين الطرفين ويقضي أو يمنع تضخُّم هذا الخلاف المشؤوم...

وأخذت المشكلة تتضخَّم أكثر فأكثر إلى أن وصل الأمر إلى السبِّ والشتم.

لقد بدأت الحماةُ تسبُّ وتشتم زوجةَ ابنها... يا إلهي... يا إلهي هذا أمر لا يُطاق... لم تعد الزوجة تحتمل ذلك الوضع بتاتاً.

عند هذا الحد اندلعت ثورتها وانفجرت براكين غضبها وكوامن صبرها وردَّت على حماتها بكلمات سبٍّ وشتائم كبيرة... فكبُر على حماتها الأمر هكذا إذاً إنها تردُّ عليَّ وتشتمني... أنا حماتها الكبيرة وتشتمني!!

زادت الشتائم والمسبَّات بين الطرفين وتصاعدت حدة الخصومة إلى الأوج فقد وصلتا لحدٍّ أُفلت فيه زمام نفسيهما وانفجرت ثورة غضبهما على أشدها، فما عادتا وفَّرتا أي كلمة سبابٍ وشتيمة رديئة إلا ونعتت بها كل واحدة منهما الأخرى... وما بقي إلاَّ الاشتباك.

إنها المرة الأولى والأخيرة التي يصل بهما الأمر لهذا الحدّ!!

عندها وفي ذروة الخلاف وأوْجِ الشتائم والسُبَابْ وصل السيد محمد أمين البيت عائداً من دوامه...

فتح الباب وما أن وضع رجله داخل عتبة الديار حتى ويا لهوْل ما استقبلت به أذناه من كلام وصراخ لم يعهده قط منهما... إنها شتائم!! وبكل أنواعها وأقساها!!

نظر فرأى أمَّه وزوجته وقد فلتت زمام الأمور لديهما فوقفتا لبعضهما بالمرصاد كل منهما تردُّ الصاع صاعيْن للأخرى بثورة وعصبية استوقفت التفكير وأطاحت بالقيَمِ والمبادئ والمعايير!!

هاله ما سمع بأذنه ورأى بعينه فوقف للحظات متحيِّراً لهذا المشهد الغريب الذي ما عهده من قبل، خلال ذلك ومن بعض كلمات الاتهام وإلقاء الذنب التي سمعها من الطرفين أدرك حقيقة الأمر... فالاعتداء قد بدر من والدته والذَّنب في هذا الخلاف هو ذَنبُها ولكنها تبقى والدته ولا يستطيع أن يوجه لها أي كلمة إدانةٍ واتِّهام وهي كبيرة بالسنّ، بل يستحيل ذلك.

أما زوجته فلقد ضاقت ذرعاً بواقع الاعتداء هذا وأحسَّت بظلم كبير وأنه اعتداء واضح، عندها لم تعد تحتمل ذلك وفجرت بحق أمّه للمرة الأولى، ولذا لا يستطيع أيضاً أن يظلمها فوق ظلمها ويؤنِّبها أو يزجرها ويردعها أمام أمه.

وما هي إلاَّ لحظات قضاها حتى وبنباهته المعهودة وعبقريته الرائعة وصل لحلٍ سريع... كانت الخصومة لا تزال قائمة على أشدِّها فانقضَّ باتجاه زوجته وبسرعة كبيرة حملها قسراً وجرى بها إلى غرفته... دخل باب الغرفة فوضعها على السرير، ثم أوصد الباب.كان لا يزال بلباسه العسكري الكامل والسوط بيده.

عندما أصبحت داخل الغرفة صمتت ولكنها ما تزال بثورة غضب كبيرة وعصبية شديدة. نظر إليها قائلاً: أضرب ضربة واحدة بهذا السوط... وبالمقابل لك ليرة ذهبية...

ولكن أنَّى لها أن تقبل، فما فجرت بحقِّ حماتها ذاك الانفجار وردَّت لها الصاع صاعاً إلا لإحساسها بظلم وتعدٍّ كبير من قبل حماتها ذاك الذي أفقدها السيطرة على نفسها الثائرة، فقابلت حماتها بما قابلتها به... والآن وفوق كل ذلك يريد منها أن تصرخ على أنها تلقت جلدةً كعقابٍ وهي المظلومة، لذلك رفضت هذا العرض، فما تعانيه من إحساس بالظلم ومن غضب وأحزان لا يزيله الذهب بنظرها.

زاد عرضه وقال: خذي ليرتين ذهبيتين مقابل ضربتين... ها... فما رأيك؟

وكذا بقيت مصرَّة على رفضها لهذا العرض... عند ذلك وبدرايته وحكمته الرائعة قال مهدِّداً... طيِّب... إن لم ترضِ بما أقول فسأعمل بأهلك مثلما تعملين بأمي.

عندما سمعت ذلك التهديد... أهلي... يعمل بهم مثلما عملتُ بأمِّه!! لانت خائفة وتراجعت عن رفضها مُعلنة قبولها بسرعة:

موافقة... موافقة ولكن هل تمنحني الليرتين الذهبيتين؟

أجاب بالإيجاب: نعم.

حمل السوط وبكل ما أوتي من قوة ضرب على السرير فصدر صوت جَلْدٍ قوي دوى صداه في البيت كله.

سمعت الوالدة صوت السوط... تبعه صوت الزوجة... كان صوتُ متألِّمة حقيقي، لقد أفرَغت بهذا الصوت شحنةً كبيرة من ثورة غضب قوية وحزن وانزعاج شديد معنوي ذلك الذي كان يقطِّع نفسها ألماً والآن وجدت تفريغاً وتصريفاً لما يؤلم نفسها بهذا الصوت فصدر صوتٌ ربما لو كان ناشئاً عن ألمِ تلقي سوطٍ حقيقي لا ألم إحساس بالظلم والأحزان... لكان أخفّ ولكان صدى وقعه بالآذان أخف بكثير.

سمعت الأم صوت سوط الجلد القوي فوضعت يدها على فمها مُستغربة أشدَّ الاستغراب مذهولة وقد ارتسم على وجهها تساؤلٌ قويٌّ: أَمعقول أن يعملها؟ (أي أَمعقول أن يضربها بالسوط؟!).

فجاء الجواب بنفس اللحظة وذلك عندما تبعه صوت المقهورة المؤثر القوي ذاك الذي صرخته الزوجة: يا للهول!! يا للهول!! لقد ضربها إذاً... بالسوط!!

يا إلهي... يا إلهي... إنها كارثة وقد تحقَّقت... أَوَصل به الأمر ليضربها!!

آه... ليت لساني قُطِع قبل أن أكلِّمها أي كلمة وعتاب... ليت... ليت... وزعقت صارخةً: لا يا بني... هذه بنت الناس لا يجوز أن تُضرب.

(فالمعروف قديماً بالشام أنه لا يجوز ضرب الزوجة أبداً مهما كانت الأسباب... فهذه شريكة حياة... فإن لم يتم الاتفاق بين الطرفين فالطلاق لا الضرب... فالضرب للحيوان لا للإنسان، وهذه الزوجة إنسانة لا تُضرب (كان هذا بقاموس أهل الشام القُدامى) والذي يضرب زوجته سوف يُضرَّس بأنياب ويوطأ بميسم فكل الناس ستكرهه وتتكلَّم عنه بأذم الصفات وأشنعها ويصبح مُحتقراً من قبل الجميع)، فركضت مسرعة تناديه مكرِّرة:

يا بني توقف، فابنة الناس لا تُضرب... هذا لا يجوز... بنت الناس لا تُضرب.

ركضت وهي تكاد لا ترى طريقها إلى باب الغرفة الموصد وبطريقها طرق مسامعها صوت السوط الثاني الذي تبعه صوت الزوجة المكبوتة، وكان لا يقلُّ عن الصوت الأول قوةً وتأثيراً، فلقد خرج من قلبٍ تنفَّس عما كان فيه...

عندها لم تعد تحتمل ما تسمع... يا إلهي... يا إلهي أَوَصل به الحد أيضاً ليضربها ثانيةً... ماذا سيقول الناس... نَسيتْ كلَّ خصام حدث منذ لحظات وباتت تريد تخليص الزوجة المسكينة من يد ابنها الظالم بنظرها لزوجته وتخليصه ممَّا سيجرّه لنفسه بفعله هذا... أهكذا يضربها... يضرب زوجته!! وبالتالي سيشوِّه سمعته... كيف سيواجه الناس!!

وصلت الباب باندفاعها لتتدارك الموقف وكانت عندما سمعت بقرقعة صوت السوط على جسد كنَّتها (كما تصوَّرت) قد أطلقت من فمها دعوة على ابنها، عندها فتح الباب بقوة وانزعاج وخرج من الغرفة بسرعة شديدة كالأسد المزمجر حاملاً بيده السوط وترك لها المجال لتواسي زوجته وخرج من الدار.

دخلت أمه إلى الزوجة المسكينة التي انفجرت بكاءً زفرت به الآلام والأحزان التي كانت مشحونة بقلبها...

أقبلت حماتها عليها مُسرعة وبقلب حنون رحيم تحاول إرضاءها بألطف الكلام وأعذبه... يا ابنتي هذا لا يفكِّر... فتحمَّليه... يا ابنتي حقّك عليّ فأنا المخطئة بحقِّك أنا... سامحيني... ثم ضمتها إليها تحنو عليها وتواسيها بأرق الكلام وأحسنه.

كانت الزوجة لا تزال تبكي وتبكي، تسمع كلمات حماتها اللطيفة فينشفي قلبها لانكسارها ولانتصارها عليها بالتمثيل:

يا ابنتي لا تؤاخذيه... مخطئ... وصارت تسعى لإرضائها بكل أسلوب لين بأعذب الكلام وأحلاه خشية أن تذهب لأهلها فتقصَّ عليهم ما جرى من ضرب زوجها لها، وبالتالي ينتشر هذا الخبر بين الناس وتتشوه سمعة ابنها المعروف بصلاحه وطيب صيته العطر وسمعته العالية...

ولمدة طويلة من الزمن بقيت بجانبها تواسيها... تلاطفها... تحنو عليها...

أما السيد محمد أمين فكان قد خرج من البيت مباشرة وعلى ثقة تامة بالله بأن نتائج خطّته هذه ستتمُّ على خير ما يرام...

وبالفعل فقد مسحت وأزالت تلك الكلمات اللطيفة الرقيقة مع الدموع السخية التي ذرفتها (الزوجة) كل حزن وألم وأدركت أنها ساعة غضب ومرت... والحمد لله... فقد عادت الأمور لمجاريها الوديَّة وتدفقت الحياة ثانية بالمحبة بين الاثنتين بعد هذا التوادد والملاطفة.

عاد السيد محمد أمين من بعد عصر ذلك اليوم فوجد أنهما أصبحتا وكما يُقال: (كالسمن على العسل) فحمد الله كثيراً، أما أمه فكانت تنظر إليه نظرات حادة... لعلَّها نظرات تأنيب على ما فعل!!

ولقد أدركت من بعد ذلك أن ابنها رجل قاسي على زوجته وظالم لها... فهو لا يُطعمها مثلما يُطعم أمه فدائماً يفضِّل أمّه بألذ الطعام وأشهاه، أما تلك المسكينة فبعيدة كل البعد عن ذلك الدلال!! وكذا يشتري لأمه أجود وأفخر الألبسة، أما هي فمحرومة ولولا أهلها لكانت بحالةٍ يُرثَى لحالتها!!

فهل هو زوج يحب زوجته ويودُّها!! وفوق كل ذلك يصل الحد بمعاملته ليضربها وبالسوط!! فأيّ ظلم وقسوة تلك التي يُعاملها بها... إنه حقّاً لا يحبّها مُطلقاً... وكأنَّ والدته أجبرته بها كزوجة عندما اختارتها له؟! فهذه بنت الناس ومن الواجب عليه أن يُعاملها المعاملة الحسنى الجيدة... ولكن؟!

كل تلك النتائج والتساؤلات اكتشفتها وأدركتها تماماً وأدركت أيضاً أنها إن لم تقم دائماً بمناصرة تلك المسكينة (زوجة ابنها) ودعمها والدفاع عنها فستلقى ظُلماً كبيراً من زوجها الذي يحبّ والدته فقط ولا يحبّها.

وبذلك صارت دائماً تحاول تحصيل جميع حقوق هذه الزوجة من ابنها وتساندها دائماً وتحنو عليها ودائماً تقف معها موقف المُدافع، وإن رأت منها أخطاءً صدرت فتعفو عنها صفحاً: مسكينة فوق ما هي فيه من ظلم ومعاناة تحاسبها على أخطائها؟! لا... لن تحاسبها أبداً...

وبذلك سادت المحبة بين الطرفين وأصبحتا كالأم وابنتها تماماً... أصبحت (حماتها) عن حق (تحميها وتدافع عنها)...

وبهذه العبقرية وهذا التفكير المُبدع ألَّف بين (الكنَّة والحماة) وأصبحت الأم تنادي... زوجة ابنها (يا ابنتي)... والزوجة تُنادي حماتها (يا أمي)...

التعديل الأخير تم بواسطة زهوووور الريف ; 16-08-2011 الساعة 11:50 PM
 

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] معطلة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:22 AM.


images