أســرار الطفــولة ...... من الــرحم إلى النــور+ مرحلة الاكتشافات
من الرحــــم إلى النـــور
من خلال هذه الأطروحات سأنقل بعض المواضيع من كتّيب ينقلك إلى عالم واسع ، بالرغم من حجمه الصغير ، هو عالم قلب طفلك وعقله .
هدف مسيرتنا داخل هذا العالم هو اكتشاف كنوزه وطاقاته الرائعة بغية مساعدتك على إنماء وتطوير ثرواته النفسية والذهنية .
ستكتشفين أن عاطفة الأم ووعيها لا بديل لهما بالنسبة إلى نمو الطفل وبناء الشخصية الإنسانية التي ستلازمه وتتحكم بمصيره طوال حياته .
أنت متشوّقة إلى الانطلاق في رحلة الاكتشافات ونحن مثلك ، فلنبدأ باللحظات الحاسمة ، لحظات انتقاله من حال الجنين إلى حال الوليد .
عاش الجنين في الدفء ، في حرارة مستقرة ، بعيداً عن أي ضجيج وأي ضوء . كان يحيا في الماء حيث الجاذبية معدومة ، تماماً مثل ملاّح كوني . كان في مأمن من الصدمات . يتغذى دون أن يبذل أي مجهود أو يقوم بأدنى حركة . كان يتلقّى ويتناول كل شيء من أمّه . وها هو يشعر ذات يوم بأنه يُدفع إلى الأمام ، يجرّ ويجبر على شق طريق له عبر ممر عظمي ضيق . ويجد صعوبة في تمرير رأسه فيرهق نفسه خلال ساعات كي يستطيع الخروج . هكذا يجد نفسه مدفوعاً بقوة توازي العشرين كيلو غراماً ، ومرمياً في عالم بارد ( 20 درجة مئوية عوضاً عن 37 ) . إضطرّ أن يتنفس بلحظة واحدة : يندفع الهواء إلى رئتيه الحديثتي العهد ، فاتحاً بعنف ألف حويصلة رئوية كما تتفتّح المظلة . يصرخ الطفل من الألم . بعدها يفحص بدقة ، يقاس وزنه ، أو يرجّح باليد ، يغسل ، يكسى ، قبل أن يخلد أخيراً إلى النوم ، مرهقاً من شدة التعب .
يقظته ، لحسن الحظ ، تجلب له فرحاً عظيماً . سوف تأخذينه بين ذراعيك وتطعمينه . معاً ستجدان التوازن . إنه فرح بك وأنت سعيدة به . على مدى الحياة سيكون بين طفلك وبينك نوع من التفاهم الضمني . لكن لا نستبقنّ الأمور .
في هذه اللحظة أنت لا تعلمين كيف تحتضنين طفلك ولا كيف تمسكينه . تتساءلين عمّا إذا كان حقاً سريع العطب . تريدين أن تعلمي ماذا يرى ، ماذا يسمع وما هي مشاعره . تابعي القراءة وسوف نراقبه معاً .
أولاً نراقبه أثناء نومه . في الأسابيع الأولى يقسّم الوليد حياته بين الغذاء والنوم . لكن نومه مميّز جداً . ترينه منطوياً على ذاته مثلما كان في أحشائك . يهدأ للحظة ثم يقطّب وجهه . يفتح عيناً ثم يفتح الثانية . يحرّك شفتيه ، يعطس . تارة يتنفس بسرعة ، وطوراً ببطء وتارة أخرى بخفة ، بحيث نظن أنه لا يتنفس أبداً . يقال إنه يجرّب تنفّسه بإيقاعات مختلفة محاولاً إيجاد الطريقة الأصحّ .
بعد لحظات من الهدوء النسبي ، يرتجف فجأة . يبدأ بالصراخ ، تنتفض ذراعاه ورجلاه بحركات فوضوية ، غير متناسقة ، يبدو كأنه يتألم . لكن ، إذا قرصنا ذراعه يتبيّن لنا أنه لا يشعر بشيء . نقول إنه اضطراب بسبب حلم مزعج . ثم يعود إلى نوم عجيب كهرة صغيرة . يتحرّك ، لا ينام بعمق وبالوقت نفسه لا يصحو بالفعل ، ويبقى على هذه الحال حتى يبدأ بالبكاء محرّكاً شفتيه بيأس . بكاؤه هذا لن يتوقّف إلاّ عندما يرضع .
بعد حين يحدث تغيير شامل . الطفل الصغير الذي بدا لنا منذ برهة غير واع ، وغير قادر على القيام بحركة مفيدة ، يبدو الآن حاضراً ، مشغولاً ومتنبها ؛ عند اقترابه من ثدي أمه أو من المصاصة يرتجف بحماسة . وما إن يصير الثدي أو المصاصة في فمه حتى يصبح قادراً على الامتصاص والبلع والتنفس بمهارة مدهشة . هذه العمليات الثلاثة تتعب البالغ في حال قام بها بالوقت نفسه ، ولمدة عشر دقائق أو خمس عشرة . أمّا المخلوق الصغير الذي كان يبدو ضعيفاً ، فيرضع بنشاط ، يتنفس ويتلاشى من التعب . يتوقّف بعض الوقت للاستراحة ، وإذا أرادت أمه سحب ثديها أو الرّضاعة حيث وضع طفلها يده ، فإنه سيبكي إلى أن يسترجع مورد غذائه ، يشرب من جديد حتى يستهلك جميع قواه ، يغمض عينيه مطمئناً ، يغفو وعلى شفتيه ابتسامة الرضا والامتنان .
يتبع