هنا في أمريكا . .

حيث جمال الطبيعة ونقاوة الهواء والشعور بالحرية المطلقة . .

تلك الحرية التي لاتعني بالضرورة الأنحراف، إنما الشعور بقوة وعمق الإيمان، بالرغم من وجود كل المتاحات إلا أنكَ تتمسك بتعاليم دينك، مرتجياً رضى ربك، هنا تشعر بلذة الإيمان في أجواء الحرية، تنعم بالحرية لأن هنا ليس أحداً مسؤولاً عن تصرفات أحد، لذلك تتصرف بتلقائية دون أن تخشى الناس فالله أحق أن تخشاه . . ومع أني لا أشعر أن تصرفاتي قد تغيرت إلا إنها حين تعيش في أجواء الحرية تكون أجمل من أن تعيش في أجواء الكبت والعيون النقادة وإن كانت غير مخالفة لتلك الأجواء، تصرفاتي تتنفس بحرية في عالم الحرية، وهنا الفرق . .

مهما كان لديك وبيدك فإنه لا شيء يعدل الوطن بما يملكه من أرض وشعب وثقافة وعائلة. . هنا أشعر كأني طفل يفتشُ عن حضن أمه بين أكوام البشر المتناثر في شوارع المدينة، يشعر أحياناً بضعف لا مثيل له وحزن ينتابه لا يدري ما مصدره! . . سكون رتيب بالرغم من أن الحياة هنا تدور بسرعة دوران الكورة الأرضية. .

فوق الطاولة المعدة أصلاً للطعام نثرتُ عليها كتبي ونشرت فيها أوراق مختلفة . . قلبت هذه الطاولة لتكون مكاناً للأكل والمذاكرة معا . . أعارك كتبي وتعاركني . . يضيق صدري حين لا استطيع فك طلاسم جملة أو مسألة . . ألجأ إلى الله أن يسهل دربي . . ولطالما كان ربي معي ومنقذي . . كم أنتَ كريم عظيم رحيم يا الله بالرغم من تقصير عبدك ولكن رحمتكَ وسعت كل شيء . .

أبحث عن عطلة بين أيام الدراسة فاستغلها وأعود إلى الوطن أبحث عن أهلي . . يالله كم هي عالية قيمتكم أيها الأهل . . أَعُد الأيام منتظراً تلك الأجازة لأعانق أهلي . . كطفلٍ ينتظر أباه المسجون كي يفرج عنه ويغوص في حضنه . . أدركتُ أننا نحمل طفل صغير في داخلنا مهما تظاهرنا بأننا جاوزنا تلك المرحلة، نحاول أن نجهض هذا الطفل بكل جبروتنا كلما حاول أن يبرز ولكن هيهات فإنه يحيى من جديد ويعود فيقاوم عنف رجولتنا . . فتلك هي طبيعتنا . .

أودع أهلي لأعود مجدداً إلى مقاعد الدراسة .. فتبدأ هموم جديدة حيث عالم غامض يبتدىء ويتكشف في أول أيام الدراسة . . أسألة تنهمر على دماغي الذي يتلهمها ويسعها جميعاً .. ماذا عن تلك المواد الجديدة وكيف سأتجاوزها . . ماذا عن الدكتور الغريب هل سيكون ليناً متسامحاً أم فضاً غليظاً في تعامله مع عملي !؟ هل ستكون هناك عقبات كؤدة .. ويستمر القلق وتستمر الأسئلة . . فتتنزل رحمة الله وييسر كل عسير فيزول الهم وتنجلي الغمة . .

كم هو أنتَ جميل يا شعور الطفولة .. ولكنك لا تأتي إلى حين أشتاق للوطن والأهل أو حين تحاصرني وتقف أمامي بعض العقبات التي لابد من تخطيها كي أكمل المسيرة . . أو حين أشعر بالوحدة وأن لا صدى لصوتي يكبر في داخلي ذلك الطفل الذي يكاد يقول أين أنتي يا أمي . . كم كنتي يا أمي حلاً وشفاءً لكثير من العوائق بالرغم من أنكِ لا تعرفي القراءة ولا الكتابة . . ولكن كلماتكِ التي تحمل التفاؤل والأرتباط بالله تجعلني أحيا من جديد ويعود الدم يجري بعروقي فتتحرك في داخلي روحٌ كبيرة . . ولكن أبقى كالطفل أنا ! أو أنا بالفعلِ كذلك . .

Neat Man
أمريكا
25 /2 / 2012
3 / 3 / 1433