السلام عليــــكم ورحمــــة الله تعالى وبركاته
ظن البعض كلمة الطلاق سهلة فتجده يرددها على لسانه كمن راقت له وأصبح يستلذ بكلمة الطلاق نعم إنها مجرد كلمة ولكنها كم أنتجت من المآسي وكم طفلا في عمر الزهور منها في تالي عمره يقاسي قرأت قصة أدمعت منها عيناي رواها أحد المعلمين سأرويها لكم باختصار قدر الإمكان
يقول هذا المعلم أنا معلم مرحلة ابتدائية ومرت علي الكثير من القصص ولكن مثل قصة ياسر وأخوه أيمن لم أشاهد ياسر طالب في الصف الرابع كنت أراه دائما شارد الذهن متسخ الملابس لايهتم بنظافته الشخصية مستواه الدراسي متدني جدا
وفي يوم من الأيام ذهبت إلى المدرسة مبكرا وكان الجو باردا جدا لأننا في فصل الشتاء وعند دخولي رأيت في الساحة منظرا لن أنساه ماحييت
رأيت طفلين في ملابس بيضاء داخلية لاتقي جسميهما النحيلين من برد ينخر العظم وأحدهما يحتضن الآخر كمن يدفئه فاقتربت منهما فإذابه ياسر يحتضن أخاه أيمن الذي يدرس في الصف الأول الابتدائي وينفخ في يديه ويفركهما عله يدفئ أخاهآه من ذاك المنظر لقد دمعت عيناي بدون استئذان
فقلت ياسر مالذي جاء بك في هذا الوقت وبهذه الملابس أنت وأيمن فلم يرد علي
وأدار وجهه تجاه أخيه مواصلا قلة حيلته في تدفئة أخيه فاحتضنت الصغير وإذا بيديه قد تيبست من شدة البرد ووجنتيه قد عانت الأمرين من ذلك البرد القارس فأخذتهما إلى غرفة المكتبة وقلبي يعتصر ألما لذلك المشهد
وأجلستهما ثم خلعت الجاكيت الشتوي الذي ألبسه ووضعته عليهما وسألت ياسر من الذي جاء بكما في هذه الساعة
فقال لي السواق فقلت له وأين أبوك فرد علي بأنه مسافر وغير موجود
فسألته وأمك ألا تخاف عليكما من الخروج في هذه الساعة بهذه الملابس في هذا الجو عندها أحسست بأنني كمن طعنه بسكين عندما رأيت الحزن في عينيه البريئتين
فجاوبني الصغير أيمن قائلا أمي عند أخوالي ياأستاذفقلت له ومنذ متى وهي هناك أجابني منذ زمن بعيد فهنا
سألت ياسر هل هذا الكلام صحيح ياياسر قال نعم أمي طلقها أبي بعد أن ضربها رغم أنها كانت تحبنا كثيرا وتزوج غيرها امرأة لاتحبنا ودائما تضربنا بدون سبب فقلت له ومن يعتني بكما
قال الخادمة وأحيانا زوجة أبي تمنعها فأعتني أنا بنفسي وأخي فأغسل ملابسنا وأعد لنا الطعام حتى حضورنا بهذه الملابس كانت قد منعتنا من ارتداء غيرها وأجبرتنا على الخروج من المنزل بهذا الشكل بعد أن أغلقت غرفتنا وأخذت المفتاح فتخيلوا في هذه اللحظة كم مقدار الألم الذي اعتصر قلبي فوضعت يدي على رأسه
وقلت له وأنت قد أصبحت رجلا يعتمد عليك وهو لايعلم الحرقة التي بداخليعندها كان قدحان وقت الطابور الصباحي فقلت لهما لاتخرجا وامكثا في مكانكما حتى أعود إليكما
وخرجت من عندهما وقد جعلت قضية ياسر وأخيه قضيتي وبدأت البحث عن معلومات أهل أمه حتى تحصلت على رقم هاتف منزلهم وسألت المرشد الطلابي عن رقم هاتف والدهما
فأخبرني بأنه لايتجاوب مع المدرسة رغم استدعائه أكثر من مرة ورغم أنه يحمل شهادة الماجستير وفهمت منه بأن مستوى ياسر بدأ في التدني من نهاية الصف الثالث وهي فترة وقوع الطلاق لأمه
فعندها استدعيت ياسر وأخاه وأخبرته بأنه إذا جد واجتهد وتحسن مستواه الدراسي فله عندي مكافأة عبارة عن السماح له بمكالمة أمه من هاتف المدرسة ولكم أن تتخيلوا ردة فعله عندما سمع هذا الكلام فقد قفز وأخذ يقبل يدي
قائلا أرجوك أرجوك ياأستاذ أريد أن أسمع صوتها فقد اشتقت إليها كثيرا فقلت له هذا وعد مني إذا فعلت ماقلت لك فهذه مكافأتك عندها
ارتسمت ابتسامة على شفتيه ورأيت بريق الفرح في عينيه البريئتين ولكنه قال لي جملة أحزنتني فقد قال لي وكيف أستطيع أن أؤدي واجباتي وزوجة أبي تمنعني فسألته كيف ذلك
فقال لي إنها تجبرني على شطف وتنظيف حوش المنزل وتكذب على أبي بأنها دائما تراجع لنا الدروس فقلت له لن تعود إلى المنزل إلا وقد أديت كل واجباتك في المدرسة فرأيت الحيرة في عينيه فقلت له لاعليك ستؤدي واجباتك في حصص الفراغ
وبالفعل تعاون معي معظم المعلمين وسمحوا له بأداء واجباته في وقت الفراغ وحصص التربية الفنيةولم تمض سوى فترة بسيطة إلا وقد تحسن ياسر وظهر اهتمامه حتى على مستوى أخيه أيمن عندها قررت الاتصال بأمهما واتصلت فردت علي امرأة مسنة أظنها جدتهما فسألتها هل أم ياسر موجودة قالت نعم ولكن من المتصل فقلت لها أنا معلم ياسرفقالت لي بلهفة أرجوك أخبرني ياولدي عن حال ياسر وأخيه وبدأت
تقول حسبي الله ونعم الوكيل على من كان السبب فقلت لها الآن ياسر وأخاه يريدان أن يكلما أمهما فهل أعطيتها السماعة لأخبرها مالمطلوب منها فناولت السماعة لابنتها التي أخذت تبكي وتتوسلني أن أجعلها تسمع صوتهما الذي حرمت منه خمسة أشهر فقلت لها اطمأني فهما على خير مايرام وياسر وأخاه مستواهما الدراسي بدأ في التحسن فأريد منك أن تساعديني للرفع من معنوياتهما
فوعدتني بذلك وعندها قلت لها سأغلق الخط وأعاود الاتصال بعد قليل فأنهيت الاتصال وأرسلت في طلب ياسر وأخيه أيمن فحضرا حالا فقلت لهما حان وقت المكافأة التي وعدتكما بها فأمكما ستكلمكما بعد قليل فيالتلك الفرحة التي رأيتها في عيون الصغيرين ثم اتصلت بأمهما وأعطيتها ياسروعندما بدآ بالكلام وأي كلام خمسة عشر دقيقة من البكاء المتواصل جعلتني أذرف الدموع غصبا عني فأخذت السماعة من ياسر وأعطيتها لأيمن الذي كان حكاية فماإن سمع صوت أمه حتى انفجرت من عينيه ينابيع دموع لم أر لها مثيل في حياتي مما جعلني أجهش في البكاء مجبرا وبعد برهة من البكاء أخذت السماعة لأنهي الاتصال وقلبي يعتصر ألما على حال الطفلين وودعت أمهما التي توسلتني ألا أخبر والدهما بهذا الاتصال حتى لايمنعهما من المجيء إلى المدرسة
وطلبت مني أعيد الاتصال بين فترة وأخرى وهكذا استمر ياسر وأيمن كلما اشتاقا لأمهماأخبراني فأتصل لهما وفي نهاية السنة جاءت النتائج المذهلةتخيلوا ياسر الذي كان ترتيبه العشرون في فصل يضم ستة وعشرين طالبا يحصل على المركز السابع وأيمن يتفوق على غير العادة فجهزت شهادتي تقدير لهما واشتريت هديتين قيمتين لهما وكتبت رسالة كمالم أكتب من قبل أي رسالة
كتبتها بخط يدي وتألفت من عدة صفحات ووضعتها في ظرف واستدعيت ياسر وأخاه وسلمتهما الشهادتين والهديتين وطلبت من ياسر أن يسلم الرسالة لوالده في يده
رغم أن البعض عارض والبعض الآخر أيد فلم أتوقع ردة فعل والدهم كيف ستكون فقد يعتبر ذلك تدخلا في خصوصياته ولكن كانت المفاجأة ففي صباح اليوم التالي فوجئت بياسر يرتدي
أفضل الملابس ممسكا بيد شخص في منتهى الأناقة ظننته والده وهو كذلك فعندما رآني انطلق نحوي ومد يده ليقبل رأسي فسمحت له بذلك
وأمسك بيدي وسحبني إلى ذلك الشخص وقال هذا والدي ياأستاذ فلكم أن تتخيلوا كم كان فخورا بوالده رغم ماعاناه من قبل فأقبل والده نحوي وأصر أن يقبل رأسي رغم امتناعي وقال لي
أنا أ عتذر فقد كنت الظالم والمظلوم والجاني والمجني عليه أمنت زوجتي وهي ابنة عمي على أطفالي فلم تراعي ثقتي فيها واستغلت كل السبل للتنكيل بهم وقد كنت أنت خيرا مني بسؤالك عنهما في وقت إهمالي أرجو منك أن تعتبرهما ولديك من اليوم
فكم أسعدتني تلك الكلمات ووعدته بذلك ومن يومها لم تنقطع زيارات ياسر و أخيه عن أمهما المطلقة بل أصبحا يقضيان معظم الإجازات عندها فيا أخوتي هواة الطلاق كم ياسر يعيش بيننا وماذا لو لم يجد مثل هذا المعلم الفاضل أين سينتهي به المصير فيامعشر الآباء اتقوا الله في فلذات أكبادكم فالطلاق ليست لعبة أو كلمة تمر مرور الكرام فله عواقب تدمر مجتمعات بأكملها
فلتكن مخافة الله ماثلة أمام أعينكم في كل الأوقات حتى لاتكونون عود الثقاب الذي يحترق ويحرق كل من يقع في طريقه