من مدونتي الفكرية الخاصة. - منتدى عالم الأسرة والمجتمع
logo

الملاحظات

مساحة مفتوحة موضوعات ونقاشات علمية، وثقافية، وفكرية، واجتماعية.

 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 06-08-2012, 10:35 PM
  #1
الحب المستشار
موقوف
تاريخ التسجيل: Aug 2012
المشاركات: 215
الحب المستشار غير متصل  
من مدونتي الفكرية الخاصة.


في دفتر مذكراتي الشخصية – الذي هجرتُه منذ زمن – مع شيء من التعديل و التنقيح مناسبةً لعرضه كموضوع:

كنت مرةً في أحد الرمضانات مضطجعاً بعد صلاة الفجر فوق خشاش حديقة غناَّء ، في لحظة تأمل ممزوجة بشيء من التشويش النفسي ، و الضباب العاطفي ، فتأملت أحوال نفسي ، و أنعمتُ النظر في همومي فوجدتُ:
أنَّ

"نوازل الدهر ، و عوادي الملوين ؛ ليست بقوتها أو حِدَّتِها ، و ليست بالمقابل ، بضعفها أو سهولتها ؛ بل هي بحسب الرصيد التراكمي لدى الإنسان من الكم أو الكيف الهائل أو القليل من المصائب و المحن.
مع شيء من الجَلَدِ و المَلَكة النفسية و الجسمانية . "


فتأملتُ مِنْ حولي النماذج و الأشباه و النظائر....

فرأيتُ المريض المُثْقلَ بالأوجاع و الكَبَدِ ، فحفظتُ مقدار وجعه و ألمه في ذاكرتي المؤقتة .
ثم انتقلتُ إلى النموذج الآخر.

الأميرُ المُرفَّه أو الملك المُنَعَّم ، و تخيلتُ – لبُعْدي عن هذه الطبقة – أن أحد الشخصين تعرَّض لفقد التقدير الذي كان يتوقعه في أحد أسفاره ، أو اجتماعاته لدى كبار موظفيه ، و تخيلتُ أنه رجع قصره الفاخر و هو مكبود القلب ، مكلوم الوجدان ، يكابد الأرق ، و كله غيض و غصَّة و رغبة في إقصاء ذاك الوزير الذي لم يقبل يده أو راسه كما ينبغي.

أو ذلك الشاب الميسور الحال ، الصحيح البدن ، الخالي من الهموم ، حين هجرته محبوبته يوماً من الأيام دون سببٍ ، فظل يسامر النجوم ، و يتأوه لها و يتخيل أنها تواسيه بوميضها ، و كله كمدٌ و حزن ، و قد خُيِّلَ إلي أنه أسوأ خلق الله حالا.

و حفظتُ مقدار ألمها في ذاكرتي المؤقتة كذلك.

ثم أخذتُ في المقارنة و الإستنتاج ، فرايتُ أن :

ألم المريض أو الفقير – بالنسبة لهما – يساوي تماما الم و معاناة النموذج الثاني من حيث الوقع في النفس و ربما أقل قليلا من النموذج الثاني.

مع فارق كبير بينهما في الحال. – حسب -.

فلو قُدِّرَ أن تُعْرَضَ للفقير حالةَ الملك أو الأمير ، لتَعَجَّبَ ، و لربما أُصِيبَ بنوبةِ إغماء ، من شدة العجب.
و بإمكانك عكس المسألة ؛ فلو عُرِضَتْ مُعاناةَ النموذج الأول للنموذج الثاني ؛ لتعجب أشد العجب و لما عدَّها شيئا بالنسبة له لقدرته عليها.

فعرفتُ أن النفسَ البشريةَ مخلوقٌ معقدٌ .

تبني فيها تراكماتُ التجارب و الظروف نمطاً معينا من المشاعر و ردود الأفعال ، و تُكَيِّفُها كما تشاء.
و لك أن تصطحب في هذه المقارنة حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال : (أوصاني خليلي صلى الله عليه و اله و سلم أن أنظر إلى من هو دوني)

إشارةٌ إلى أن النفس إن لم تتهذَّب و تكتسب القوة بالتجارب ، لتحافظ على بقائها سليمة سلسلة مستقرة لتحقق

الغاية الكبرى في الكون من عبادة الله و عمارة الكون ؛ فعليها أن تُجْبرَ و توجِّهَ النظر و التأمل البصري و

التحليلي لتزوِّدَ العقل الباطن ، و الجهاز المسؤول عن الدفاع و التغذية للعقل و الروح بالكمالات إلى النظر في

النماذج الأدنى منها لترضى بموجودها.

لأنها قد تفقد "الرضا بالقدر" ، و تتمادى إلى التسخُّطَ على الله ، و تغفل عن غيرها من الذين هم أشد معاناةً و نَصَباً.

فالنظر للأدنى حالاً هو : كبتٌ لجماح النفس ، و ترويضٌ للنفس الطماعة .

لتصل إلى أوج مراتب الرضا بقدر الله تعالى ، و تتوج ذاتها بوصف (النفس المطمئنة).

فإن ضاقت بك السُبُل و أعيتك الوسائل ، و شعرت أن الدنيا باسرها ترميك عن قوسٍ واحدة ، فخذ بنصيحتي هذه ، و انظر إلى من هو أكثر ضعفا و ضيقا منك ، لتهون عليك كل المصائب.


و لما كانت الأحوال في الدنيا على ضربين:

حالٍ فاضلٍ (كالعلم ، و الحكمة ، و الوفاء و ما شابه من الكمالات ؛ الذي في قدرة المرء اكتسابها ، و تحصيلها) ، و حالٍ نازلٍ (كشتى أنواع المتاع الدنيوي الذي ليس للمرء القدرة في جلبه أو دفعه ؛ بل هو محض قدر و نصيب).

و هذه الآيةُ تُمثل التعامل مع الحال النازل
﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾

و عليه:

فعلى العاقل أن ينظر إلى من هو أعلى منه في الأحوال الفاضلة (كالعلم ، و الحكمة ، و الوفاء و ما شابه من الكمالات ؛ الذي في قدرة المرء اكتسابها ، و تحصيلها)

لتتطور نفسه ، و تزكو روحه ، و تتخلص من النقائص.

و لك أن تصطحب هنا قول رسول الله صلى الله عليه و اله و سلم (لا حسد إلا في اثنتين: رجل أتاه الله القرءان ، فهو يتلوه أناء الليل و اطراف النهار ، و رجل اتاه الله مالاً ، فهو ينفقه آناء الليل و أطراف النهار)
و الحسد هنا بمعنى : الغِبْطة ؛ لورود ذم الحسد بمعناه المذموم في أدلة أخرى ، فكان لزاما حمل معنى الحسد على الغبطة دفعا للتصادم ، و تمشياً مع الإتساع اللغوي الذي يسمح بتعدد المعاني .

لنصل إلى :
(رضي الله عنهم و رضوا عنه)

التعديل الأخير تم بواسطة الحب المستشار ; 06-08-2012 الساعة 10:39 PM
رد مع اقتباس
 

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:22 AM.


images