( هي ) و ( هو ) في قالبٍ فنيٍ [جزء صغير من مشكلة]
تقول: تزوجتُهُ فملأ حياتي سعادةً و هناءْ ، و أنعشَ براءتي أُمُومَةً و عطاءْ ، فتمنَّيْتُ أنني تزوجته منذ اللحظة الأولى من قدومي إلى الدنيا من بطن أمي ، فتمثَّلتُ بقول الأول :
إن كان منزلتي في الحُبِّ عندكمو ..... ما قد رأيتُ فقد ضيَّعتُ أيامي
كنَّا أحبَّ اثنين ، و أروعَ اثنين .
يُسارعُ –خوفاً عليَّ- بأخذ الشيء من يدي حين أحْمِلُهْ ، و يقومُ بما يخُصني من أعباءِ البيتِ - مسروراً- و لا يستثقِلُهْ.
تتسابق أشواقُه إليَّ فيغمُرُني بمجيئه قبل انتهاء دوامهْ ، و يلازمني ملازمة الهجير لأُوُامِهْ.
كنا ندعو الله كثيراً أن يرزقنا بعصفورٍ يجعلُ تثنيتنا (جَمْعَاً) ، و يشعلُ لظلامَ وُحْدَتِنا (شمعاً) ، فرُزِقْناهً كالبلبل يغردْ ، لا بل هو فصيحٌ بفهاهته و تهويمه كالمُبَرِّدْ.
... فتغير الحالُ
و كأن الدهرَ يحسَدْ ، أو أن الشيطان حلَّ بيننا فأفْسَدْ ، لستُ أدري. لكن:
تغيرت الأحوالُ فجأهْ ، و ذهبتْ تلك الأيامُ إلى غير رَجْعَهْ.
قلبَ لي ظَهْرَ المِجَنْ ، و كِدْتُ من تناقضِ الأحوالِ بيننا أنْ أُجّنْ .
-كانَ- فأصبح لا يحترمني ، لا يُكْرِمُني ،و –لم يكن- فأصبح يُسمِعُني من الكلام أقْسَاهْ ، و من الضرْبِ ما لا أنساهْ ، يكلفني من خدمته فوق طاقتي ، ليمسخ ما بقي –بعد الحمل و الولادة - من رقتي و لطافتي .
أصبحتُ لا أرى منه في البيت إلا خيالا ، و لا أسمع من حديثه – بعد براءته – إلا خِتالاَ.
استبدل بصُحْبَتِي أصحابَهْ ، و بمسامرتي رفقائه و أحبابهْ ، و اصبح مكوثه في البيت كمكوث السحابهْ.
أفلا تسأله ما السببْ ، ليعرف الحائرُ ما الذي جناه و ما الذي ارتكبْ ؟
فسألتُه فقال لي :
تلكَ يا سيدي أيامٌ قد ذهبت ، و غيَّبها ثرى الملل و السأم.
ثقُلتْ في الحياة أحمالي ، فأسْدَلتُ على تِلْكَ -الشَّاكِيةِ إليكَ- جَفْوَتِي و إهمالي.
فلا تلُمْني لتغَيُّرَ سُلوكي ، أو لثورةِ رُكُودِيْ عنها و شُكُوكِيْ .
إنها يا سيدي لا تُحسِنُ أن تجعلني لها سَيِّداً ، لأكن بكُلِّ قوَّتِي و رجولتي لها عبداً ، بل تريدُ مني العكس ، و تتهمني إن قصّرتُ في العكس بالنقصْ.
ظنَّتْ -لجهلها- أن المَرْءَ يعيشُ طُوْلَ العُمْرِ على نَفْسِ الوَتِيرَهْ ، فأسرفتْ في إثقال كاهلي بدلالها ، و لم تكترث لهمومي و لا ترغبُ حتى بسماع اثقالها.
إن أصابني الرَّهقُ أو الهم – بسبب تطور المهام في الحياة - فلم ألاطفها تجنَّتْ ، و إن قصَّرتُ في شيءٍ من عباراتي تجاهها أهملتني و فضحتني بين ذويها و تثنَّتْ.
فكأنها وحدها بشرٌ و كأني بالنسبة لها حجرْ ، فمن الأحق بالشكوى في هذه الحالة عند أهل النظر؟
فقلتُ – من غير تفنُّنٍ لسانيٍ إلا ما نَدُرْ- :
وجود الحُب بين الزوجين داخل عُش الزوجية لأول وهلة ثم زواله بعد وقت طويل أو قصيرٍ من الزمن يعني وجود خلل في التعامل إما من أحدهما و إما من كليهما. و لا يُنحَى باللائمة على الحب بينهما في حد ذاته.
الإغراق بتماهي الرجل في التَّرفُّق و التلبية لكل رغبات عرسه من غير التعرُّفِ عليها من أي نوعٍ هي من أنواع النساء ؛ أمرٌ عواقبه وخيمة. و العكس صحيح.
فمن الرجال من لا يصلح له كثرةُ العطاءِ و جُرُعَاتِ الإهتمام ، و لا خفضِ جناح الذُّل من الرحمة و الحب حتى ضباب الثرى ، لأن عاقبة وضع الشيء في غير موضعه من التعامل قد تصل إلى الإنتحار -فضلاً عن الطلاق و خراب البيوت- عند من نَقُصَ حظُّه من الصبر ، حتى يعتدل الأمر و تُعاد الأمور إلى نصابها الصحيح.
و وضع الندى في موضع السيفِ بالعُلا...... مُضِرٌ كوضع السيف في موضع الندى
حتى أن الحب بهذه الحالة ينقلبُ حين انقلابه بقسوة ، و يتساقط تساقط حبات العِقْدِ المهترئ من غير فرامل. بل قد ينقلب كُرهاً شدايداً. و لا يكاد أحدهما يطيق الآخر.
و في الحديث و إن كان فيه نظر (أحبب حبيبك هوناً مَّا...).
أما أنتَ أيها الزوج :
فقد أرهقتها – و لم تُرهقْكَ هي – حين منحْتَها ما كان نتيجةً لعدم تخيُّلك جِدِّيَّةَ الحياةِ و صعوبةِ ظروفها. و أغدقْت عليها كأنك تعامل نفسك التي بين جنبيك ، التي تقسو عليها تارة و تصفو لها أخرى و لا تجادلك أو تعاصيك.
و هو ناتجٌ عن الغرق في (الأنا) و التفاني في ساحة الإتحاد و الفنا.
و كأنه أشبه بأبيات الأديب الشيرازي حين قال:
قال ليْ الْمَحْبُوبُ لمَّا زُرْتُهُ : .......... "مَنْ بِبَاِبِي "؟ قلتُ : بالبابِ (أنا(
قال لي : "أخطأتَتَعْرِيفَ الهَوى .......... حينما فرَّقْتَ فيهِ بيننا"
ومضى عامٌ فلمَّا جئتُه .......... أطْرُقُ البابَعليهِ مُوُهِنَا
قال لي :"مَنْ أنتَ ؟ قلتُ : انظُرْ فَمَا .......... ثَمَّ الا (أنتَ) بالباب هُنَا !!
فاسترسل يعامل نفسه - لا زوجته - كأنهما روحان حلَّا في بدن.
و لما استيقظَت نفسه من وطئة السَّكْره ، و شبعت أشواقه من لوعتها حلَّت اليقظةُ و الفِكْرهْ.
فكأني به طفق يغسل وجهه من ركود الدُجَى ، و يمسحُ قتام عينيه لينظر بعينيه الحديديتين إلى عرسه و حِبِّه ، فنصب موازين العدل بين الأنوثة و الرجولة و بين مهامه و مهامها ، فألفى نفسه مجدولا صريعا في ساحة الإنفة و الإباء.
فانتقم لنفسه كما ينتقمُ الموتورُ من الجاني حين تمكُّنِه.
و فعلت تلك الرقيقةُ مثله فلم تُنقص ، بل زادتْ عليه بتخَيُّلِ ما فقدته في بيتِ أهلها من التدليل و الفراغ و قلَّةِ المسؤولية ، فعظُم مُصابها ، و تورَّم همُها.
فقد أخطأتَ أيها الزوجُ حين أخذتَ مكانها في البيت كاملا في كثير من واجباتها. و اعتديتَ على خصوصية طبيعتها كربَّة بيتٍ .
دعها تمخُرُ فوق سفينة الفطرة السوية من غير إفساد لفطرتها، و حَلِّقْ أنتَ في سماء الفطرة لتكتنفها ، و تحمي مملكتها الصغيرة من العوادي و الردى. و دع لغيرك ما لغيرك ، و خذ ما هو لك دون غيره.
أيها الزوجُ المُتسرِّع بعطائك ، المتهور بجفائك : اعلم أن النفس البشرية لا تعدو ما قاله البوصيري في ميميته:
و النفسُ كالطفل إن تُهْمِلْهُ شَبَّ على........ حُبِّ الرَّضَاعِ و إنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِمِ
زِنْ عواطفك بميزان العدل ، فلا تقتل عروسك بإحياء شعورها بالمُلْكْ ، ثم تُحْيِها بنقلها إلى أطلال المملكة الراحلة.
و اعلم : أن رضاها و رغبتها في الإستزادة من تدليلك و خدمتك لها حتى في البيت ليس على حقيقته ؛ بل هو شعورٌ مؤقتٌ آنيٌ ليس له دوام ، و كل شيء نازعٌ إلى أصله و جِبِلَّتِه و لو بعد ألف عام.
فهي مخلوقةٌ لتنشر في حياتك التوازنَ و الفضل ، و أنت مخلوقٌ لتخلُقَ بينهما الديمومة و العدْل.
أنسيتَ أيها الرجُلُ: أنك حين تُسيئ إليها أنك تُسيء إلى جزء مِنْكْ ؟ و أنكَ تشحَنُ هُدُوءَكَ بضوضاء الخصام و الإِفْكْ.
فلا تلُمها و لُم نفسك ، و قديما قالوا:
"يَدَاكَ أَوْكتَاَ و فُوْكَ نَفَخْ"
و كأني بالشيطان قد استعجل محاورتكما قبل أوانها فقال -مُبَكِّتَاً- لكما : (فلا تلوموني و لوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم و ما أنتم بمصرخي).
أما كان الأحرى بك –إن كرِهْتَها و لم تصْبِرْ - أن تُكاشِفَهَا بما يجُولُ في نفسِكَ تِجَاهَهَا لتعرِفَ ذَنْبَهَا و تستبصِرْ ؟!
أم أنك تريد مقابلتها بما تدعيه فيها –و هو حقيقٌ- من نَقْصِهَا و تستكبِرْ.
و كأني بها تتلو عليك -بلسان الحال- قول المثقب العبدي :
فإمَّا أنْ تكونَ أخىبحقِّ .......... فأَعرِفَ منكَ غَثِّي من سَميني
وإلاَّ فاطَّرحنيواتخذنى .......... عَدُوّاً أَتَّقيكَ وتَتَّقيني
وما أَدري إذا يَمَّمتُوَجهاً .......... أُريدُ الخَيرَ أَيُّهُمايَليني
أَ أَلخَيرُ الذي أناأَبْتَغيهِ .......... أَمِ الشَّرُّ الذي هويَبْتَغيني
فقد عَلِمْتَ أنها ذَاتُ عِوَج ، و أنت تزهو بأنك ذو قِوامَةٍ عليها مُدعّمَةٍ بالأدلة و الحُجَجْ.
أفيستغربُ العاقلُ مما هو يعلَمُهْ ؟ فيقابِلَهُ بالتَّعَجُّبِ و النُّكْرانِ كأنَّهُ يَجْهَلُهْ؟:
(استوصوا بالنساء فإن المرأة خُلِقَتْ من ضِلَعٍ وإنَّ أعوَجَ شيءٍ في الضِّلَعِ أعلاه ؛ فإن ذهبت تُقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنساء)
فأينَ منك هذه الوصية ، أم تُريدُها أن تظلَّ – بسبب جهلك بطبيعتها – عاقّةً عَصِيَّهْ .!!
أو ما علمتَ أن الذنب يقبُحُ من الأقوى ، و يكاد يُغتفر أو يتضائلُ من الأوهى؟
خُذْهَا على سّجِيَّتِها من القُصُورِ و التَّقْصِيرْ ، و كَمِّلْ نَقْصَها بِعَقْلِكَ البَالِغِ تمامه بالرُّجْحَانِ و حُسْنِ التدبيرْ. و لك مني أن أعظها بأنواع الترغيب و التحذير .
فيا أيتها القارورة الأنيقهْ: كوني له في حُسنِ التبعُّل زوجةً بل صديقهْ ، و امنحيه من وردِ ضعفك أعذبه و رحيقه.
و قومي بما تحبه فطرتُك من الرعاية لمملكتك الصغيرة ، و انتزعي منه قسوته الجِبِلِّيةَ بأنوثتك المثيرهْ.
فلا تبيعيه في لحظة ضعفِ منه لمن لا يُظْهِرُ عنده ضعفه فيشتريه ، و كوني اسفنجته التي تختزل منه كلَّ طَبْعِ كريه.
و لا تثقي بآنِيَّتِكِ العجولةِ في الثقةِ بالنفسِ . فتظني أن قناعتك بالإستغناء عنه ستسايرك في كل حالاتك دونه.
فأنتِ –مثله بالنسبة لك- كالظل لا يعيش دون جسد ، و إن شعرتِ –لفقد التوازن المؤقت- أنك أقوى من الوُحدة و اغنى عن الزوج و الولد.
فا ليتَ شِعْري هل صدق الذي ادعى القناعة و الرضا بدون شريك ؟ ، أم أنها مكابرةٌ لا تصمدُ حين ينسجُ عليها الليل أشواقه و يحيك.؟
خاطرة نثرية. أتمنى عدم نقلها إلى قسمٍ آخر ، إلا إن عُدّت من المخالِفْ. فحينها سأرضى و لن أخالف.
التعديل الأخير تم بواسطة شكوى حبيب ; 04-09-2012 الساعة 02:57 PM